السلع الصينية الرخيصة تغمر العالم.. وتؤجج التوترات التجارية
تاريخ النشر: 29th, March 2024 GMT
تنتج مصانع الصين المزيد من الصلب والسيارات والألواح الشمسية أكثر مما يمكن أن يستخدمه اقتصادها المتباطئ، مما يجبر فيض من الصادرات الرخيصة إلى الأسواق الخارجية، وهو ما اعتبرته شبكة “سي إن إن” إجراء يؤجج التوترات.
وتقول الشبكة الأمريكية في تقريرها إن زيادة المعروض من السلع الصينية في الصناعات الرئيسية تؤجج التوترات بين أكبر مصنع في العالم وشركائها التجاريين الرئيسيين، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وارتفع فائض التجارة العالمية في السلع ويقترب الآن من 1 تريليون دولار.
وتشعر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالقلق من “الإغراق” المحتمل من قبل الصين، أي تصدير البضائع بأسعار منخفضة بشكل مصطنع من ضمنها السيارات الكهربائية.
لكن الصين تحتاج إلى زيادة الصادرات كإجراء رئيسي لإنعاش اقتصادها، الذي يعاني من ركود طويل الأمد في الممتلكات، وضعف إنفاق الأسر، وتقلص عدد السكان، من بين مشاكل أخرى.
وتركز بكين الآن على الصادرات ذات القيمة الأعلى، بعد استثمار المليارات في التصنيع المتقدم. لكن هذه الخطوة جاءت في توقيت سيئ، حيث تأتي وسط تباطؤ النمو الاقتصادي على مستوى العالم وتحول المستهلكين الغربيين من الإنفاق على السلع في حقبة الوباء إلى السفر والترفيه.
كما أنها تواجه دفعة من أوروبا والولايات المتحدة لتقليل اعتمادهما على الصين وتعزيز التصنيع المحلي، وخلق فرص عمل بما في ذلك من خلال قانون الصناعة الصفري وقانون خفض التضخم على التوالي.
ووفقاً للمكتب الوطني للإحصاء الصيني، فإن أسعار الصادرات الصينية في أدنى مستوى لها منذ عام 2009، عندما كان الغرب يعاني من الأزمة المالية العالمية.
وقد زاد فائض الصين في تجارة السلع بأكثر من الضعف منذ الوباء، وفقا لبراد دبليو سيتسر، وهو زميل بارز في مجلس العلاقات الخارجية.
وفي عام 2019، صدرت البلاد ما يقدر بنحو 400 مليار دولار من السلع أكثر مما استوردته، أي فائض تضخم وصل إلى 900 مليار دولار العام الماضي.
من الملابس إلى السياراتوحصلت صادرات الصين من السلع منخفضة السعر على دفعة بعد انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001، كما نما اقتصادها وثقلها كشركة مصنعة بشكل كبير منذ ذلك الحين.
وبعد أن غزت إنتاج الملابس والإلكترونيات الاستهلاكية، أصبحت الصين تهيمن على السيارات الكهربائية والألواح الشمسية وتوربينات الرياح، وهي صناعات ينظر إليها على أنها ذات أهمية استراتيجية في أوروبا والولايات المتحدة، بينما تسعى إلى تخضير اقتصاداتها والحد من تلوث تسخين الكوكب.
وتقول الشبكة إنه تم القضاء على منتجي الألواح الشمسية في أوروبا بسبب المنافسة الصينية، ويهدد المصير نفسه صناعة الرياح.
وقال ماركوس دبليو فويغت، الرئيس التنفيذي لمجموعة “آريم”، مدير الأصول المتخصص في الطاقة المتجددة، في بيان هذا الشهر: “يمكن للشركات الأوروبية أن تتخلف عن (الشركة المصنعة الصينية) غولدويند، التي تقدم بالفعل توربيناتها أقل بكثير من سعر الشركات المصنعة (الأوروبية) الراسخة”.
وفي الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2023، تفوقت شركة “بي واي دي” الصينية على تسلا كأفضل بائع للمركبات الكهربائية في جميع أنحاء العالم، مما أدى إلى ارتفاع غير عادي لشركة صناعة السيارات المدعومة من “وارن بافيت”.
وبالمقارنة مع تسلا، سيارات “بي واي دي” متوفرة وبأسعار معقولة، مما ساعدها على جذب مجموعة واسعة من المشترين. ويباع نموذجها للمبتدئين في الصين بما يعادل أقل بقليل من 10000 دولار. وهو أرخص سيارة تسلا، موديل 3، التي تكلف ما يقرب من 39000 دولار.
إلى جانب “ارتفاع صادرات المركبات الكهربائية “، تصنع الصين 80% من الألواح الشمسية في العالم وتصنع توربينات الرياح أكثر من أي دولة أخرى، كما كتب سيتسر في مذكرة حديثة. وأضاف: “تستمر السياسة الصينية في التأكيد على تحسين قدرة الصين في التصنيع المتقدم كمحرك رئيسي للنمو المستقبلي”.
في وقت سابق من هذا الشهر، قال رئيس مجلس الدولة لي تشيانغ، الثاني في عهد شي، للبرلمان الصيني إن الحكومة ستركز على تصدير المزيد من “الثلاثي الجديد” من المنتجات في البلاد، وهي المركبات الكهربائية وبطاريات الليثيوم والألواح الشمسية.
وتدرك بكين مشكلة الطاقة الفائضة في الصين وتعترف بها لأول مرة منذ نحو 10 سنوات في اجتماع سنوي لكبار المسؤولين في ديسمبر (كانون الأول).
ولكن عشية منتدى التنمية الصيني هذا الأسبوع، نشرت العديد من وسائل الإعلام الصينية المملوكة للدولة مقالات افتتاحية تتحدى فكرة أن تخمة المعروض في الصين تشكل تهديداً للاقتصادات الأخرى.
وكتبت وكالة أنباء شينخوا: “ما تصدره الصين هو طاقة إنتاجية متقدمة تلبي احتياجات العملاء الأجانب”.
لكن واشنطن وبروكسل لديهما وجهة نظر مختلفة. تعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤخراً بالتحقيق فيما إذا كانت واردات السيارات الصينية تشكل تهديدا للأمن القومي.
وقال في بيان الشهر الماضي “صناعة السيارات الديناميكية أمر حيوي للاقتصاد الأمريكي. الصين مصممة على السيطرة على مستقبل سوق السيارات، بما في ذلك باستخدام ممارسات غير عادلة. يمكن لسياسات الصين أن تغمر سوقنا بمركباتها، مما يشكل مخاطر على أمننا القومي”.
وفي الوقت نفسه، يبحث الاتحاد الأوروبي في دعم الدولة الصينية لصانعي السيارات الكهربائية، والذي يشتبه في أنه قد يمكن هذه الشركات من إبقاء الأسعار منخفضة للغاية، مما يخلق منافسة غير عادلة مع المنافسين الأوروبيين.
ويدرس المسؤولون الأوروبيون أيضاً ما إذا كان ينبغي تمديد أو تعديل الإجراءات الحالية لحماية صناعة الصلب في الاتحاد الأوروبي، فضلا عن التحقيق في مزاعم إغراق الصين للديزل الحيوي بعد شكوى من المنتجين الأوروبيين. وقود الديزل الحيوي هو بديل متجدد للوقود الأحفوري المستخدم في قطاع النقل في الاتحاد الأوروبي.
المصدر: جريدة الحقيقة
إقرأ أيضاً:
كأس العالم 2030 في المغرب.. فرص اقتصاية وتحديات مالية
مراكش – ينظر خبراء اقتصاد إلى المغرب بتفاؤل بعد إعلان الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) تنظيم المملكة كأس العالم 2030 بالاشتراك مع إسبانيا والبرتغال، وسط توقعات بأن تفتح البطولة آفاقا جديدة أمام الاقتصاد المغربي.
لكن الاستثمارات الكبيرة التي يتطلبها هذا التنظيم تطرح تساؤلات عن جدوى هذه النفقات على المدى الطويل، وعن العوائد الاقتصادية المتوقعة والكافية لتغطية التكاليف، والآثار الجانبية المحتملة للاستثمارات.
ملعب الحسن الثاني في المغرب أحد الملاعب المرشحة لاحتضان الافتتاح أو نهائي كأس العالم 2030 (مواقع التواصل الاجتماعي) تطوير البنية التحتيةيؤكد المحلل الاقتصادي يوسف سعود للجزيرة نت أن كأس العالم فرصة كبيرة لتطوير البنية التحتية التي تساهم بما بين 1% و3% في معدلات النمو، وتوقع أن يرفع ذلك المغرب إلى أفضل 50 بلدا في العالم مقارنة بالمستوى الحالي دون الـ80، وفق مؤشر دافوس.
ويعتقد أن تنظيم كأس العالم سيساعد في تحقيق هدف المغرب بالوصول إلى 16 ألف دولار كدخل الفرد من الناتج الإجمالي عام 2035، مع توقع إضافة ما بين 1.5 وملياري دولار للاقتصاد المغربي.
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي رئيس مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي علي الغنبوري للجزيرة نت إن الاستعداد للمونديال فرصة لتمكين المغرب من مقومات إنجاح مخططه التنموي، الذي يهدف إلى مضاعفة الناتج المحلي عبر تعزيز قطاع التصنيع وجذب الاستثمارات الأجنبية.
إعلانوينتظر أن يؤثر التنظيم إيجابيا على سوق العمل باستحداث ما بين 50 و80 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة في البناء والسياحة والنقل والخدمات، مما يساعد في بلوغ هدف وصول إلى نمو 6%، وتقليص معدلات البطالة.
ووضع المغرب برنامجا لاستثمار 87 مليار درهم (8.7 مليارات دولار) في قطاع السكك الحديدية خلال السنوات القادمة.
يوسف سعود: المونديال سيضيف نحو ملياري دولار للاقتصاد المغربي (الجزيرة) انتعاش قطاع السياحيقول سعود المتخصص في تحليل البيانات إن طموح المغرب في توسيع شبكة القطار السريع سيؤدي إلى رفع مستويات الإنتاجية، مع سهولة تنقل الأفراد بين محور يشكل أكثر من 70% من اقتصاد البلد (طنجة- القنيطرة- الرباط- الدار البيضاء- مراكش).
وتحدث عن دور المونديال في زيادة المعروض من الغرف الفندقية وتحسين الخدمات، مما يعني تدفق أكبر للسياح الأجانب، وسيسمح بتوفير فرص أكبر للمستثمرين ورفع عائدات البلد من النقد الأجنبي، الذي بلغ العام الماضي 10 مليارات دولار في المغرب، مقابل -مثلا- 115 مليار دولار لدى الشريك الإسباني.
ويضيف سعود أن السياحة أكثر مجال يمكّن البلدان من رفع حجم الاستثمارات الأجنبية الصغيرة، مثل المطاعم والخدمات، حيث إنه كلما ارتفع عدد السياح ارتفعت فرص خلق ثروة عبر الاستثمار الأجنبي.
ويعتقد أن تنظيم المونديال سيساعد في تحقيق هدف استقطاب 26 مليون سائح، ورفع حركة المسافرين عبر مطارات الممكلة وما يتبعها من رواج اقتصادي.
والاثنين الماضي قال رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش إن المغرب يعتزم رفع الطاقة الاستيعابية للمطارات الموجودة في البلاد إلى 80 مليون مسافر سنويا بحلول عام 2030 من 38 مليونا حاليا.
الغنبوري: الاستعداد للمونديال فرصة لتمكين المغرب من مقومات إنجاح مخططه التنموي (الجزيرة) مصادر التمويلولإنجاز كل هذه المشاريع الطموحة، يطرح سؤال مصادر التمويل والعوائد والمخاطر المحتملة، وهنا يؤكد الأكاديمي يوسف سعود أنه -بحسب ما هو متاح سواء عبر موقع الفيفا أو موازنة المغرب- يظهر أن الاستثمار في الملاعب لا يتجاوز 1.5 مليار دولار، وهو رقم متواضع مقارنة بقطر أو روسيا أو البرازيل التي نظمت النسخ السابقة من المونديال، وهذا طبيعي لكون المغرب جزءا من ملف مشترك، يوضح المتحدث ذاته.
إعلانويضيف أن ميزانية الاستثمار في المغرب تقارب 30 مليار دولار سنويا، وأن جزءا كبيرا من هذه الميزانية سيتم تحويله من أجل تطوير نظم النقل والمرافق والخدمات في المدن المعنية بالمونديال ومحيطها.
وأشار سعود إلى أنه يمكن للمغرب اعتماد حقوق التسمية، ودفع البنوك والشركات المغربية الكبيرة لتمويل جزء من تطوير الملاعب، عوضًا عن اللجوء لصندوق الإيداع والتدبير (مؤسسة مالية حكومية).
وقال "إلى جانب الاستثمار العمومي، يبحث المغرب عن حلول تمويلية بديلة عبر القطاع الخاص والشركاء خاصة بلدان الخليج، أو بعض المؤسسات المانحة مثل البنك الأفريقي للتنمية".
ياسين أعليا: نسبة الاستثمار في المغرب تبلغ نحو 30% من الناتج المحلي (الجزيرة) مخاوفيبدي أستاذ العلوم الاقتصادية ياسين أعليا "مخاوف مبنية على مقاربة رقمية للواقع الاقتصادي"، متسائلا: كيف يمكن أن يشكل المغرب استثناء عن قواعد أساسية ملاحظة خلال تجارب ماضية؟
ويقول للجزيرة نت إن نسبة الاستثمار في المغرب تبلغ نحو 30% من الناتج المحلي، ورغم ذلك لا تجني البلاد سوى نقطة واحدة مئوية في النمو الاقتصادي نظير كل 10 نقاط مئوية من الاستثمار العمومي، بينما يصل معدل النمو في عدد من الدول الصاعدة إلى 7%، وإنْ كانت نسبة الاستثمار العمومي فيها تترواح بين 20% و22%.
وأشار أعليا إلى أن 70% من الاستثمارات تأتي من القطاع العام مقابل 30% من القطاع الخاص، وأن ثمة توجها نحو تصحيح هذا الهرم المقلوب، لكنه لفت إلى أن زيادة مستويات الاستثمار تبدو صعبة.
وقال إنه بالرغم من رفع مستويات النشاط السياحي والوثوق في الاقتصاد والسمعة الجيدة التي يخلفها تنظيم كأس العالم، فإن فرص العمل لن ترتفع إلا بـ0.7% وهي غير مستدامة، مقابل ارتفاع التضخم (كما حدث في كأس العالم بالبرازيل عام 2014) وزيادة الدين العام والخاص (كما حدث في ألمانيا عام 2006)، وارتفاع أسعار العقارات (كما حدث مع دورة الألعاب الأولمبية في أتلانتا بالولايات المتحدة 1996).
نجيب أقصبي: المغرب لا يزال يعتمد في استثماراته على الديون (الجزيرة) مخاطر
من جانبه، يقول المحلل الاقتصادي نجيب أقصبي للجزيرة نت إن تجربة اليونان التي دخلت في أزمة اقتصادية بعد تنظيم الأولمبياد في 2004 وما زالت تداعياتها قائمة حتى الآن، تدفع إلى القول إن المغرب قد يدخل مخاطرة كبيرة بتنظيمه كأس العالم 2030.
إعلانويضيف أن عددا من المعطيات الرقمية الخاصة بتنظيم كأس العالم ما زالت غائبة، خاصة حجم النفقات الخاصة ببناء الملاعب وتجهيزها والبنية التحتية والأمن والرعاية الصحية، وباقي الشروط المفروضة من قبل الفيفا، بالإصافة إلى المداخيل المخصصة لتغطية هذه النفقات.
ويشير أقصبي إلى أن المغرب يعيش صعوبات مالية منذ جائحة كورونا تزامنا مع توالي سنوات الجفاف، مضيفا أن البلاد لا تزال تعتمد في استثماراتها على الدين العام الداخلي والخارجي.
ويعتقد أن الرفع من حجم الاستثمارات سيرهن المغرب بديون جديدة، وأن التأثير على سوق العمل سيكون مؤقتًا ومرتبطا بمرحلة بناء الملاعب وتحديث البنية التحتية، وليس بسبب الرفع من مستوى الإنتاج الزراعي وباقي القطاعات الأخرى، علاوة على أن زيادة عدد السياح لن تستمر بعد كأس العالم.
طمأنةيقول الأكاديمي الغنبوري إنه يمكن تبديد هذه المخاوف بالنظر إلى أن تكاليف التنظيم ليست آنية، بل هي استثمارات طويلة الأمد تسهم في تحويل المغرب إلى بلد صاعد في أفق سنة 2035.
ويضيف أن كل درهم يُنفق يمكن أن يخلق نشاطا اقتصاديا يعود بعائدات تعادل 2 إلى 3 أضعافه، لكن الغنبوري حث على ضرورة أن يتزامن ذلك مع وضع آليات لضمان عدم زيادة العجز المالي أو الديون الخارجية.
ويشير الغنبوري إلى أن فاتورة المونديال قد تتجاوز 10 مليارات دولار، مما يفرض على المغرب التفكير في وسائل مبتكرة للتمويل مثل تعزيز الشراكة بين القطاع العام والخاص.
ويرى أنه في تجارب سابقة، كانت ثمة مشاكل تتعلق بسوء التخطيط والفساد، وهو ما يجب تفاديه عبر التركيز على الإصلاحات المؤسساتية، وضمان شفافية العقود المرتبطة بالتنظيم، وتحسين الإطار القانوني للاستثمار، كما ينبغي تطوير بنية تحتية رقمية وتنظيم فعاليات اقتصادية موازية لكأس العالم.
من جهته يؤكد الأكاديمي سعود أن المغرب ضخ مخصصات كبيرة في البنية التحتية لجذب المستثمرين، لكن التحدي يكمن في أن تولد هذه البنية عائدات لتفادي أي عواقب سيئة.
إعلانأما الخبير الاقتصادي ياسين أعليا فدعا إلى اللجوء إلى التمويلات الذاتية لتقليص المخاطر، ومناقشة تحمل عبء التنظيم بشكل جدي مع جيران المغرب.