«الشطاف» ينتشر في أمريكا بعد عقود من استخدام المناديل الورقية.. ما القصة؟
تاريخ النشر: 29th, March 2024 GMT
تعد المياه من أهم وسائل النظافة في معظم دول العالم؛ إذ تمثل الطريق المضمون للحماية من الأمراض الوبائية، وعلى الرغم من تقدم دول الغرب المبهر في عالم الطب والتكنولوجيا، إلا أنهم يحتفظون بعادة استخدام المناديل الورقية في الحمام تبعًا للتقاليد التي تربوا عليها لعقود، وفي حين دول الشرق تستخدم المياه في كل دوارت المياه، بدأت دول الغرب تسير على نفس النهج في الأونة الأخيرة، بعد عقود طويلة من استخدام المناديل قرروا الاستغناء عنها، متخذين من «الشطافة» بديلًا لها.
وفي هذا الصدد نرصد معلومات عن الدول الغربية التي جعلت من «الشطاف» عنصرًا أساسيًا في عملية الحمامات، وذلك وفقًا لما ورد عبر موقع «CNN» و «New york times».
أمريكا تستخدم الشطافأفادت شبكة CNN عبر موقعها الإلكتروني بانتشار مفهوم «الشطاف» في البيوت الأمريكية في محاولة منهم لاستخدام البدائل المستدامة، واصفين استعمال المياه بـ«أعلى جودة بأقل تكلفة»؛ إذ حذر الكثير من الأطباء من الاعتماد على المناديل الورقية في التنظيف، مشيرين إلى أن المياه هي التي تضمن التخلص التام من الفضلات.
وعبر بعض الأمريكين عن سعادتهم من انتشار الشطاف في المنازل على نطاق واسع من الدولة؛ إذ قال أحدهم: «أتمنى لو كنا نعرف ذلك مسبقًا».
ولم تكن أمريكا هي أولى دول الغرب في وقف استخدام المناديل الورقية، واللجوء للتنظيف بالمياه، بل سبقتها بريطانيا في ذلك أثناء جائحة كورونا الأولى.
أوروبا تستخدم الشطافوسبقت بريطانيا الدول الأوربية باستخدام الشطاف؛ إذ تعرض سكانها لأزمة نفاذ المناديل الورقية أثناء جائحة كورونا الأولى عام 2019؛ وكان لابد من اللجوء لحل آخر يسهل على المواطنين قضاء حاجتهم، وعلى هذا طرحت الدولة بدائل لأوراق الحمام متمثلة في استخدام المياه، موضحين أنه أكثر نظافة من الأسلوب التقليدي لهم.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: المياه أمريكا بريطنيا الدول الأوربية المناديل الحمام المنادیل الورقیة
إقرأ أيضاً:
الشعر متّحداً بالحياة: ستة عقود على غياب السياب
حاتم الصكر
ها قد مر على رحيل بدر شاكر السياب ستة عقود. ذهب سريعاً ذلك التعس في حياته وموته، كما وصفه محمد الماغوط. قضى ثمانية وثلاثين عاماً توزعتها الأوجاع والخسائر والحرمان، فغاب يوم 24/2/1964.
وها نحن نتعثر في تلافيف حياته ومأساة فقدانه، بعدوى قصيدته الحزينة حتى في أوج تفاؤله.
حين كان ملتزماً انتظر فجراً جديداً (في عالم الغد الفتيّ، واهبِ الحياة) بحسب ما تسميه قصيدته الأشهر “أنشودة المطر”. لكنه ذهب إلى أشد الموضوعات ألماً وعناء لتجسيد ذلك الأمل أو الحلم، واختار الشخوص الغرقى في المعاناة: حفار القبور والمومس العمياء والأسلحة والأطفال.. وتناظرات وتقابلات لوجهَي الحياة القاسيين.
كل قراءة جديدة لشعر السياب تؤكد ما اختصره أوكتافيو باث حول حياة الشعراء بالقول: ليس للشعراء سِير ذاتية. سيَرهم هي قصائدهم.
هذا التطابق بين شعر السياب ووقائع حياته يظهر بوضوح في ثنايا قصائده التي حرص على تثبيت تواريخ كتابتها – زيادة في تأكيد التطابق في ثنائية: الحياة/الشعر. إن التطابق، أو التماثل بتعبير أكثر دقة ومناسبة لاقتراحنا، لا يبرز فحسب في المواضيع والمضامين ودلالات الجُمل الشعرية ومعانيها، بل في الأشكال والأساليب والتراكيب والإيقاعات أيضاً، فتتأثر قصائد السياب ضعفاً وقوة، اندفاعاً وخذلاناً، تقليداً وتجديداً، أملاً وانكساراً، صحةً واعتلالاً، وفق تقويم أوجاعه الكثيرة ومباهجه النادرة.
هكذا نشأت دورة حياة غريبة لقصيدته، من التقليد وأشجان المراهقة والصبا، فالحرمان والخواء، ثم الحب والثورة، فالانكسار والخيبة، والركون للضعف والمرض، مصحوبة بعودة ثانية للغنائية والمباشرة.
تكتفي قصيدة السياب بذاتها للتعرف على مرجعياته وثقافته واهتماماته وانشغالاته الرؤيوية، والفنية بالضرورة. لذا أرى أن يوسف الخال في تقديمه لكتاب عيسى بلاطة “بدر شاكر السياب – حياته وشعره” 1971، كان موفقا في وصف التماثل بين حياة السياب وشعره بقوله: إنه اتحد بالشعر كما اتحد بتراثه، واتحد بذاته أيضاً. ولاحظَ أن الموت لم يسلبه روحه (فكان كمَن حياتُه موتٌ، وموتُه حياة). ثم ختم المقدمة بسؤال: بماذا يكافأ السياب وقد مات؟ مجيباً بأنها (ذكراه. فستبقى في تاريخ الشعر العربي ما بقيَ هذا الشعر).
في بدايات تعرفي على نصوص السياب لم أكن أطمئن كثيراً للتقسيمات التي اقترحها نقاده الأوائل الذين كتبوا قريبا من غيابه زمنيا. وهم تحت تأثير ذلك الغياب المبكر، وتراجيديا حياته القصيرة التي استغرق المرض جزءاً مهماً منها.
يقدم ناجي علوش ديوان السياب مثلاً، وهو أول مجموعة لأشعاره بعد غيابه، فيقسم المراحل التي مرَّ بها شعر السياب تسلسلاً: الرومانسية، والواقعية، والتموزية، والذاتية التي قرنها كمرحلة أخيرة بالعودة. وعنونَ الفصل الخاص بها في تقديمه بـ(العودة إلى الذات).
وكذلك ما قدمه عيسى بلاطة من مقترح تسلسلي أيضاً: الرومنطيقية، الواقعية الاشتراكية، التموزية، المرحلة المأساوية.
وفي كتاب مبكر عن حياة السياب وشعره “بدر شاكر السياب رائد الشعر الحر” لعبد الجبار داود البصري، 1966 لم يخرج عن تلك التقسيمات التي تبدأ بالرومانسية فالواقعية، ثم الرمزية، والمرض أخيراً.
وإحسان عباس في كتابه “بدر شاكر السياب- دراسة في حياته وشعره” 1969، لا يقطع بين الحياة والشعر، بل يبدأ من السيرة الشخصية والمهاد الحياتي للسياب بين نخيل جيكور، وأجواء القرية وعلاقات أهلها، وتجارب السياب المبكرة في الحب، وما يكتب في رصدها أو انعكاساتها على يومياته بمفرداتها وتفاصيلها.
لقد اعتبرتُ ما اقترحوه وقاموا بقراءة شعر السياب في ضوئه، مجرد تقسيم آلي ينصاع للموضوع أكثر من الأساليب التي برع السياب في تنويعها، والمغامرة في تجريبها.
لكنني في قراءات لاحقة، وبهدْي موضوع التماثل بين النص والحياة، وجدتني أعدّل اعتراضاتي على التقسيمات المرحلية، واستقصاء وعي السياب وشعريته عبرها، لأن استقراء وعي السياب ممكن في ضوء تلك التقسيمات المستمدة نصياً في الأغلب، وإخبارياً في حالات أخرى. وقد تجسد ذلك في عناوين الدراسات والكتب والأبحاث وموضوعاتها التي قرنت شعره وحياته كثيراً.
وقد تنبّه السياب مبكراً لما يمتد من حياته لشعره ضعفاً وانفعالاً ورد فعل. فلم ينشر كثيراَ مما كتب تحت تلك المؤثرات.
لكن شعره تعرض بعد وفاته لكثير من التعسف في النشر، ما يترك أثراً سلبياً في تلقّيه وقراءته: فديوان بدر مثلاً، بطبعة دار العودة 1971، يضم مجلده الأول فصلاً بعنوان (أزهار وأساطير) يجمع قصائد ديوانيه “أزهار ذابلة” و”أساطير”. ولم يتضمن حدوداً تُعين الدارسين والقراء في التعرف على كل ديوان. كما حُذفت مقدمة السياب القصيرة لديوانه “أساطير” التي بيّن فيها منهجه في الكتابة مركّزاً على تجديده للموسيقى الشعرية، وهجر القافية الموحدة، والأبيات المستقلة، والغموض الذي في قصائده. كما حذف الناشرون الهامشَ الذي وضعه في قصيدته الحرة الأولى (هل كان حباً)، حيث لفت نظر قارئه إلى أن القصيدة متعددة التفعيلات والقوافي، عامداً، وواعياً بقيمتها الفنية والتجريبية.
والمؤسف أن كثيراً من أشعاره صدرت في كتب بعد رحيله. وبعضها مستل من دفاتر وخطاطات مهملة، فينشر المؤلفون والمحققون منها ما يشاؤون، لا ما كان الشاعر يريد أن ينشر لقناعة خاصة به توجب احترامها. فيصدر ديوان بعنوان “أنشودة المطر” مثلاً، ليتم تسويقه اعتماداً على شهرة القصيدة. وكمثال على ما فعل ناشرو أشعاره، ليجعلوا منها ديواناً، نذكر “قيثارة الريح” بغداد 1971، فقد جمع قصائدَه غير المنشورة الأدباءُ سامي مهدي وخالد علي مصطفى وزكي الجابر، ومجموعة “أعاصير” 1972 التي جمع قصائدها عبدالجبار العاشور، مما ألقى السياب في المحافل والتظاهرات وسواها، ولم يشأ ضمَّها لدواوينه المنشورة.
لقد قدَّم النقد الأدبي إضاءاتِ كثيرة في دراسة شعر السياب خارج المعيار الزمني. وتعددت مقتربات القراءة بإغراءٍ مما تحمله قصائد السياب من ممكنات تأويلية وبحث دلالي وصوري. لكن الأكثر تداولية كانت الدراسات الموضوعاتية التي تذهب إلى الخلايا المعنوية المولِّدة لقصيدته، فتحضر حياة السياب بجانب ملفوظه الشعري. في عودة لتلازم ثنائية السيرة والقصيدة، أو الحياة والشعر.
كما نوهت الدراسات بثقافة قصيدته، والمرجعيات الفاعلة فيها. وهي مستقاة من جهات مختلفة، تتراوح بين لغة وإيقاع وصور ومجازات واضحة الصلة بالموروث الشعري، وتنصيصات واقتباسات وتأثرات واضحة بالشعر الغربي. ويتسلل ذلك إلى الأبنية والتراكيب. نذكر منها مثلاً إكثاره من الهوامش وشرح الجمل الشعرية والرموز والأساطير وإحالتها إلى مراجعها. وهو صنيع تلقفه خاصة من إليوت، وما حفلت به قصائده من مراجع متعددة، ومحاولته في الرموز والأساطير أيضاً، وما دشن من مفرداتها التي أشاعها في الشعر العربي الحديث. وقد استند إليها في فترة عافيته الشعرية المتمثلة بدواوينه “أنشودة المطر” و”المعبد الغريق” و”منزل الأقنان” و”شناشيل ابنة الجلبي”.
لقد تعرضت حياة السياب بدورها لكثير من التعارضات والتوافقات التي لا يربطها رابط سببي. فكانت كقصيدته كثيرة التحولات والمفاجآت والمصادفات.
لقد تمسك بالمسيح رمزاً للتضحية والاعتراض على ما في الحياة من تشوهات. وها قد فارق الحياة يوم 24/12، اليوم والشهر يشيران إلى قرب مناسبة ميلاد المسيح تلك الليلة، وصباح يوم 25 الذي يعد الآن التاريخ الرسمي للأعياد. وسيلحق بالسياب في غيابه شاعره المفضل إليوت بعد قرابة عشرة أيام.
أما قصيدته الأشهر (أنشودة المطر) فتمضي هذا العام سبعة عقود على كتابتها. ظهرت القصيدة في الصفحة الثامنة عشرة من العدد السادس لمجلة “الآداب” اللبنانية الصادر في حزيران/يونيو من عام 1954. وقد دوّن (بغداد) كمكان لكتابتها، مصدّراً بعبارة جانبية تحت عنوان القصيدة، هي (من أيام الضياع في الكويت على الخليج العربي) والتي حذفت لاحقاً عند نشرها في ديوان “أنشودة المطر”. كان ترتيب نشرها يوحي بأنها لم تكن في حساب التغيير الكبير الذي ستحدثه، رغم أنها انفردت، فقد تقدمتها قصائد قصيرة لفدوى طوقان ونازك الملائكة وخليل حاوي وصلاح عبدالصبور.
تلك العقود السبعة جديرة بالاحتفاء بالقصيدة جرياً على ما يقوم به المهتمون بالآداب والفنون العالمية احتفاء بالنصوص المهمة واللافتة. وجدارة الأنشودة متأتٍ مما ضمت من رمزية عالية وشعرية فريدة. فهي تراوح بين الحياتي والسياسي، والرمزي والواقعي، وتبدأ بمقدمة غزلية تحكي عن غموض تلك العينين اللتين قال السياب إنهما (غابتا نخيل ساعة السحر/ أو شرفتان راح ينآى عنهما القمر) في صورة تحيل إلى مراجع فنية وشعرية ورمزية تركت النقاد في تفاوت تأويلي واضح بصدد موقعها كمقدمة غزلية في نص ينشغل بعناء القرى الغرقى ومعاناة فقرائها، والأمل بعالم جديد أيضاً، عالم ٍلم يُكتب للسياب أن يراه ولا لقرائه العرب، منذ غيابه وربما لعقود لا تُحصى من بعد.
المصدر: القدس العربي