مهما اختلفنا في أسباب فشل الانتقال الديمقراطي سياسيا واقتصاديا، ومهما تنازعنا في تحديد الأطراف الداخلية والخارجية المسؤولة عن قتل "الحلم الثوري"، فإنه من الصعب أن لا نتفق حين يتعلق السجال بدور الاغتيالات السياسية في تعطيل ذلك المسار وضرب مشروع المواطنة القائم على التعايش بين العلمانيين والإسلاميين؛ بعيدا عن منطقي الاستئصال والتكفير.



فقد تسبّب اغتيال القيادي اليساري شكري بلعيد ومن بعده القيادي القومي الحاج محمد البراهمي في إنهاء تجربة "الترويكا" -وهي أول تجربة للحكم المشترك بين الإسلاميين والعلمانيين في تونس بالاستناد إلى صناديق الاقتراع- كما سرّع الاغتيالان في عودة ورثة المنظومة القديمة ووكلائها لمركز القرار؛ بدءا بحكومة التكنوقراط وانتهاء بمرحلة التوافق التي فرضها نداء تونس على النهضة أو قبلت بها هذه الأخيرة نتيجة حسابات سياسية خاطئة. فالتوافق لم يكن يعني أكثر من الانقلاب على انتظارات قواعد النهضة قبل غيرها، أي القبول بدور شاهد الزور والاكتفاء بحضور صوري في الحكومة الشيو-تجمعية، مع شرعنة كل قراراتها المملاة من النواة الصلبة للمنظومة القديمة وتحمّل مسؤوليتها السياسية قبل حركة نداء تونس ذاتها.

لو أردنا أن نقف عند حجم التزييف والتلاعب بالوعي الممارَس من لدن الإعلام وأغلب النخب "الحداثية" (بوطنييها وقومييها ويسارييها)، فإننا لن نجد أفضل من الارتباط البافلوفي الذي حرصت "النخب الحداثية" على التذكير به في كل تدخلاتها الإعلامية وبياناتها القطاعية، كما حرصت على تقديمه وكأنه بداهة لا تستحق البرهنة، بل يستحق كل مشكك فيها أن يُتهم بـ"تبييض الإرهاب" أو أن يُتهم بـ"الأخونة"، وغير ذلك من التهم التي لا يجد "العقل الحداثي التونسي" أي حرج في توزيعها وفي إرهاب خصومه بها في كل سجال عمومي.

رغم أنّ الاغتيالات السياسية كانت تستهدف وجود النهضة ذاتها في مركز السلطة -زمن الترويكا- وتستهدف من وراء ذلك تجربة الحكم المشترك بين الإسلاميين والعلمانيين، ورغم أن المجاميع السلفية الإرهابية كانت تُكفّر حركة النهضة "الإخوانية" التي قبلت بشروط اللعبة الديمقراطية (وهي عند السلفية منهج كفري)، ورغم كل الشبهات التي تحوم حول علاقة بعض القوى الإقليمية والدولية بـ"صناعة الإرهاب" (خاصة فرنسا ومحور الثورات المضادة)، فإن البحث عن المستفيد الحقيقي من الاغتيالات السياسية وتحديد هويته لم يكن يعني شيئا بالنسبة لورثة المنظومة القديمة وحلفائهم في اليسار
ويمكن صياغة هذه البداهة أو "المسلّمة السياسية" على الشكل التالي: إن حركة النهضة هي المسؤولة عن الاغتيالات السياسية بصفة خاصة وعن تفشي ظاهرة الإرهاب بصفة عامة. فرغم أنّ الاغتيالات السياسية كانت تستهدف وجود النهضة ذاتها في مركز السلطة -زمن الترويكا- وتستهدف من وراء ذلك تجربة الحكم المشترك بين الإسلاميين والعلمانيين، ورغم أن المجاميع السلفية الإرهابية كانت تُكفّر حركة النهضة "الإخوانية" التي قبلت بشروط اللعبة الديمقراطية (وهي عند السلفية منهج كفري)، ورغم كل الشبهات التي تحوم حول علاقة بعض القوى الإقليمية والدولية بـ"صناعة الإرهاب" (خاصة فرنسا ومحور الثورات المضادة)، فإن البحث عن المستفيد الحقيقي من الاغتيالات السياسية وتحديد هويته لم يكن يعني شيئا بالنسبة لورثة المنظومة القديمة وحلفائهم في اليسار الوظيفي (بجناحيه الماركسي والقومي).

كانت النتيجة المباشرة للاغتيالين السياسيين هي إخراج حركة النهضة من الحكم، وعودة المنظومة القديمة ومن ورائها فرنسا للحكم عبر ما يسمى ب"حكومة التكنوقراط"، وكانت النتيجة الأخرى هي عدم تمرير قانون العزل السياسي الذي كان سيُمثل ضربة قاضية لكل الأحزاب التجمعية الجديدة ومنها نداء تونس. ولكنّ استفادة المنظومة القديمة وحلفائها من الاغتيالات السياسية من جهة أولى، وإمكانية وجود أياد أجنبية أو بالأحرى إمكانية وجود عقل استخباراتي إقليمي أو دولي وراء التخطيط للاغتيالات السياسية وتدمير الانتقال الديمقراطي من جهة ثانية.

كل ذلك لم يكن كافيا لتغيير و/أو مراجعة السردية "الحداثية" المتعلقة بتورط النهضة المؤكد (عبر "التنظيم السري" الذي لا دليل على وجوده أصلا)، فعندما يكون العقل مؤدلجا موتورا ووظيفيا فإنه لن يعنيه من القضايا الكبرى إلا قضاياه الصغرى. فلا جرم حينئذ ألا تحترم كل تلك العقول التي أرهقتنا -كذبا وبهتانا- بادعاءات الموضوعية والعقلانية ورفض أحادية الصوت وثقافة الإصغاء أبسط القواعد "القانونية" -فضلا عن القواعد الأخلاقية المتعلقة بآداب الحوار- عند طرح قضية الاغتيالات السياسية أو ملف الإرهاب. ومن ذلك التفاف هؤلاء على التمييز القانوني بين المشتبه فيه (وهو شخص قد يُقدّم للمحاكمة وقد لا يُقدّم تبعا لطبيعة الأدلة والقرائن)، والمتهم (وهو شخص وجد القضاء أدلة تكفي لتقديمه للمحاكمة بتهم معينة)، والمجرم (وهو شخص صدر في حقه حكم نهائي وبات بعد انتهاء كل درجات التقاضي في محاكمة عادلة ومنصفة). فالنهضة في الإعلام التونسي وعند الأغلب الأعم من النخب "الحداثية" هي حركة "مجرمة" قبل بدء المحاكمات و"مجرمة" ولو برّأها القضاء التونسي. فهي عند هؤلاء مجرمة "جزائيا"، وإن تعذر إثبات ذلك فهي مجرمة "سياسيا" بصورة لا تقبل الطعن.

يجد منطق التجريم والشيطنة جذوره الفكرية والنفسية في الضغائن الأيديولوجية ضد "الإسلام السياسي" باعتباره حركة رجعية ظلامية، وباعتباره يُقدّم نخبا بديلة قد تُهدد مكانة النخب الوظيفية التقليدية أو دورها في خدمة منظومة الاستعمار الداخلي. كما يجد ذلك المنطق أسبابه المباشرة في الالتقاء الموضوعي بين اليسار الوظيفي ومحور الثورات المضادة بقيادة عرّابَي التطبيع وصفقة القرن (الإمارات والسعودية)، ومصلحتهم المشتركة جميعا في ضرب الديمقراطية والحركات الإخوانية على حد سواء. ولكنّنا نذهب إلى أن الجذر الأعمق لسردية الاستئصال والاستهداف النسقي للإسلام السياسي (خاصة الحركات الإخوانية التي دخلت الحقل السياسي القانوني ورفضت اعتبار الديمقراطية " فكرا كفريا" كما تفعل الوهابية بجناحيها العلمي و"الجهادي") هو في مقولة "الاستثناء الإسلامي" التي ما زالت تحكم العقل "الحداثي" بمختلف مرجعياته الأيديولوجية، وكذلك في تماهي الشخصيات العلمانية مع النموذج اللائكي الفرنسي وعدم انفتاحهم على بقية النماذج الأخرى أو عدم قدرتهم على صوغ نموذج وطني للعلمانية.

وجود "الإسلام السياسي" الذي يقبل بقواعد اللعبة الديمقراطية ويخرج من منطق البديل إلى منطق الشريك ويطرح نفسه على الناخب باعتباره خيارا من جملة خيارات؛ هو أمر ينسف مقولة التعارض الماهوي وغير القابل للتجاوز بين الإسلام في ذاته وبين العقل السياسي الحديث، خاصة فيما يتعلق بالمسألة الديمقراطية
إن وجود "الإسلام السياسي" الذي يقبل بقواعد اللعبة الديمقراطية ويخرج من منطق البديل إلى منطق الشريك ويطرح نفسه على الناخب باعتباره خيارا من جملة خيارات؛ هو أمر ينسف مقولة التعارض الماهوي وغير القابل للتجاوز بين الإسلام في ذاته وبين العقل السياسي الحديث، خاصة فيما يتعلق بالمسألة الديمقراطية. وهو ما يعني هشاشة التقابل "البلاغي" (لأنه ليس تقابلا مفهوميا) بين "العائلة الديمقراطية" وبين "الإسلاميين".

وفضلا عن ذلك، فإن وجود الإسلام السياسي هو أمر يحرج "القوى الحداثية" التي سيكون عليها مراجعة النموذج اللائكي الفرنسي المهيمن على تونس منذ الاستقلال الصوري عن "بلد الملائكة والشياطين". فالنموذج اللائكي "المُتَونس" لا يستطيع إدارة تجربة ديمقراطية بمشاركة "الإسلاميين"، كما لا يستطيع ذلك النموذج أن يتحمّل تحويل الإسلام غير المدجّن سلطويا إلى آلية من آليات إدارة الشأن العام، وبناء المشترك الوطني بعيدا عن أطروحات النخب الفرنكفونية ومصالحها المادية والرمزية. فهذا الأمر هو من "اللامفكر فيه" أو هو مما سعت كل القوى الديمقراطية -عبر تاريخها الطويل في السلطة أو على هوامشها أو في معارضتها "الصورية"- إلى منع حصوله بدعوى "محاربة الرجعية والظلامية" و"الدفاع عن النمط المجتمعي التونسي".

إذا ابتعدنا عن المنطق المعياري الذي يُسقط المنطق الأخلاقي على الفعل السياسي، فإننا نستطيع أن نتفهم سعي المجاميع الشيو-تجمعية (بقيادة الوطد) إلى شيطنة النهضة وإلى استهدافها بصورة ممنهجة. ففضلا عن العداء الأيديولوجي المرتبط بالسرديات الكبرى وبتواريخ صراع تتجاوز تونس، فإن التقاطع أو الالتقاء الموضوعي بين منظومة الحكم وبين القوى اليسارية يبين عن مصلحتهما المشتركة في إضعاف حركة النهضة والدفع بها إلى هامش الحقل السياسي، بل إخراجها منه وتحويلها إلى ملف أمني-قضائي كما كان الشأن زمن المخلوع.

وإذا كان القضاء قد حكم الآن-وهنا بعدم مسؤولية النهضة عن اغتيال بلعيد، فإن من مصلحة اليسار الوظيفي أن يواصل الضغط لترسيخ المسؤولية السياسية للنهضة عن الإرهاب والاغتيالات السياسية. وهو ما يخدم منظومة الحكم الحالية وقد يساعد على التقارب بينها وبين "اليسار الوظيفي". فهذا اليسار -خاصة الوطد- لن يتردد في خدمة آلتي القمع الأيديولوجي والأمني، كما فعل مع كل الأنظمة المعادية للديمقراطية وللإسلاميين ولأي مشروع للتحرر الوطني قبل الثورة وبعدها.

ختاما، فإن مزايدات اليسار الوظيفي (أي اليسار الشيو-تجمعي) وتضخيمه المتعمد للاغتيالات السياسية على حساب كل شهداء الثورة وضحايا المخلوع هو أمر يجد سببه الأساسي في خطأ تقديري مارسته النهضة بعد الثورة، وما زالت تستسيغه إلى يومنا هذا رغم كل تداعياته الكارثية: منطق المصالحة قبل المساءلة والمحاسبة.

اليسار الذي يقول إن بينه وبين حركة النهضة "دم"، هو نفسه اليسار الذي كان في خدمة سفك دم الإسلاميين وغيرهم من المعارضين لنظام المخلوع، فلا أحد يستطيع أن ينكر دور اليسار -خاصة الوطد- في منظومة بن علي الأمنية والأيديولوجية
فاليسار الذي يقول إن بينه وبين حركة النهضة "دم"، هو نفسه اليسار الذي كان في خدمة سفك دم الإسلاميين وغيرهم من المعارضين لنظام المخلوع، فلا أحد يستطيع أن ينكر دور اليسار -خاصة الوطد- في منظومة بن علي الأمنية والأيديولوجية. ولكنّ النهضة لم تطرح مفهوم المسؤولية السياسية لليسار عن دماء أبنائها وغيرهم فضلا عن أن تطرح مسؤولية اليساريين الجزائية.

وأمام هذه "الذاكرة المثقوبة" التي ما زالت حتى في بيانها الأخير تدعو إلى فتح "صفحة المصالحات الكبرى والإعراض عن الأصوات الناعقة بالفتنة والإقصاء والكراهية"، فإن اليسار ما زال مساويا لذاته ومتصالحا مع هويته: كيان وظيفي تخلى عن مشروعه الخاص ليتحول إلى مقاول في خدمة مشاريع غيره من ممثلي منظومة الاستعمار الداخلي ورعاتهم الأجانب. وإذا كانت النهضة مصرّة على "المصالحات الكبرى" رغم عدم وجود شركاء حقيقيين في هذه العملية، فإن اليسار ما زال مصرا على "العنف الثوري" لكن بعد تغيير موضوعه (العنف لا يوجّه إلى المنظومة الرجعية البرجوازية بل إلى ضحاياها). فقضية الاغتيالات السياسية، مهما كانت مآلاتها القضائية، ليست في جوهرها إلا ملفا من الملفات التي سيمارس فيها اليسار الوظيفي -بعد أن نجا من المحاسبة القانونية والمساءلة السياسية- دوره الأصلي: خدمة المنظومة الحاكمة ورعاتها الإقليميين والدوليين بشعارات كبيرة ليس تحتها إلا قضايا صغيرة ونفوسا أصغر.

twitter.com/adel_arabi21

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الاغتيالات اليساري الإسلاميين تونس تونس اغتيالات الإسلاميين اليسار أيديولوجيا مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاغتیالات السیاسیة الإسلام السیاسی حرکة النهضة بین الإسلام الیسار الذی فی خدمة الذی ی لم یکن کانت ت هو أمر

إقرأ أيضاً:

المحتوى المحلي.. محور النهضة الاقتصادية

د. طارق عشيري
    
نجاح الدول الصناعية الكبرى يعتمد على كيفية الاستفادة من المحتوى المحلي للدولة؛ حيث تتبنى الرؤية الاستراتيجية للدولة على إمكانياتها بالنهوض المحلي أولًا ثم الانتقال إلى العالمية، وبما أن أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة بحلول عام 2030، تتواءم مع رؤية "عُمان 2040"، التي من خلالها تم تعزيز التنمية المستدامة بكل جوانبها الاقتصادية والعمرانية والاجتماعية التي تسعى لتحقق الاكتفاء الذاتي والذي بدوره يعزز الأمن الغذائي والدوائي والتقليل من المخاطر الناتجة على الاعتماد على الآخرين، ومن هذا المنطلق يمثل المحتوى المحلي في رؤية السلطنة نقطة تحول في اقتصادها.
ورؤية "عُمان 2040" هي خطة استراتيجية تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط والغاز، مع التركيز على تعزيز المحتوى المحلي في مختلف القطاعات الاقتصادية؛ حيث تشمل أهداف الرؤية دعم الصناعات المحلية، تنمية القطاع الخاص، تعزيز الابتكار، والاستثمار في رأس المال البشري.
وقد حققت الرؤية نجاحات ملموسة، منها زيادة الاعتماد على المنتجات المحلية، والعمل على نمو الصناعات التحويلية، دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص. كما شملت النجاحات تطوير الصناعات الزراعية والسمكية ودعم الابتكار التكنولوجي.
ومع ذلك، تواجه الرؤية تحديات مثل: ندرة بعض الموارد، الحاجة إلى مزيد من الاستثمار في التحول الرقمي، والتأثر بالأزمات الاقتصادية العالمية، ولتحقيق أهداف الرؤية يتطلب الأمر تعاونًا مستمرًا بين القطاعين العام والخاص.
المحتوى المحلي في سلطنة عُمان يهدف إلى تعزيز استخدام الموارد الوطنية، توفير فرص العمل للمواطنين، وتقليل الاعتماد على الواردات. يتم تحقيق ذلك من خلال سياسات حكومية داعمة، مثل برنامج القيمة المحلية المضافة (ICV)، الذي يُركز على الاستثمار المحلي، تطوير الصناعات الوطنية، ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة.
وتشمل الجهود أيضًا تعزيز التصنيع المحلي في قطاعات مثل التعدين والزراعة، والاستثمار في التعليم والتدريب لتأهيل الشباب العُماني، بالإضافة إلى دعم ريادة الأعمال وتشجيع الابتكار. كل ذلك يسهم في تنويع الاقتصاد وتعزيز استدامته.
المحتوى المحلي في سلطنة عُمان يمثل جزءًا أساسيًا من الجهود المبذولة لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة وتعزيز التنوع الاقتصادي. يركز على استخدام الموارد الوطنية من مواد خام، وخدمات، وكوادر بشرية، لتحفيز النمو الاقتصادي وتقليل الاعتماد على الواردات. 
ويتمثل المحتوى المحلي في تشجيع الشركات على توظيف الكفاءات الوطنية، واستخدام المواد المحلية في الإنتاج، وتطوير الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص. 
الحكومة العُمانية وضعت سياسات تهدف إلى زيادة المحتوى المحلي عبر القوانين والمبادرات. تشمل هذه السياسات اشتراط استخدام مواد وخدمات محلية في المشاريع الكبرى، خاصة في قطاع النفط والغاز.
ويُعد المحتوى المحلي أحد الركائز الأساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة في سلطنة عُمان. من خلال تعظيم الاستفادة من الموارد الوطنية، ودعم الصناعات المحلية، وتمكين الكفاءات العُمانية، تسعى السلطنة إلى بناء اقتصاد متنوع ومستدام يعزز من تنافسيتها العالمية. ورغم التحديات التي تواجه تحقيق هذه الأهداف، فإن الالتزام بالتعاون بين القطاعين العام والخاص، والاستثمار في الابتكار والتعليم، سيضمن تحقيق رؤية عُمان 2040 وجعل المحتوى المحلي محورًا رئيسيًا في نهضتها الاقتصادية.
ويعد تطوير المحتوى المحلي في سلطنة عُمان هدفًا استراتيجيًا لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الاقتصاد الوطني، ومع التوجه نحو التنويع الاقتصادي ضمن رؤية "عُمان 2040"، يبرز المحتوى المحلي كعنصر رئيسي لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الواردات.
وهناك ركائز مستقبلية لتطوير المحتوى المحلي؛ منها: تشجيع إنشاء المصانع والشركات المحلية، مع تقديم الحوافز للمستثمرين ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة لزيادة الإنتاج الوطني.
ولا شك أن توسيع برامج التدريب والتأهيل لرفع كفاءة الكوادر المحلية وتزويدها بالمهارات اللازمة للمساهمة في الإنتاجية، مما يضمن تقليل الاعتماد على العمالة الأجنبية، إلى جانب تبني تقنيات حديثة لتعزيز الإنتاج المحلي، مثل الذكاء الاصطناعي والطباعة ثلاثية الأبعاد، والاستثمار في البحث والتطوير لدفع عجلة الابتكار، وكذلك بناء شراكات بين القطاعين العام والخاص لدعم سلسلة التوريد المحلية وتعزيز القيمة المضافة للاقتصاد الوطني، علاوة على تشجيع المنتجات المحلية على دخول الأسواق الإقليمية والعالمية من خلال تحسين الجودة ودعم العلامات التجارية العُمانية.
في المقابل، هناك تحديات مُحتملة، مثل تحدي التمويل بتوفير قروض ميسرة وحوافز ضريبية لدعم المشاريع المحلية، ووضع سياسات تحمي الصناعات المحلية دون الإضرار بالتجارة الحرة، وإطلاق حملات توعوية لتحفيز المواطنين والمقيمين على دعم المنتجات المحلية.
وأخيرًا.. إنَّ تطوير المحتوى المحلي في سلطنة عُمان ليس مجرد خيار؛ بل ضرورة لتحقيق التنمية المستدامة، ويمثل ذلك خطوة نحو تحقيق رؤية مستقبلية قوية ومستقرة نحو "عُمان 2040".
 

مقالات مشابهة

  • 2024.. عام فارق في مسيرة الإصلاح السياسي والتشريعي في تونس
  • عباس شراقي: سد النهضة يُشكل ضغطًا كبيرًا على القشرة الأرضية المتشققة
  • سوريا .. القبض على مسؤول الأمن السياسي لدى النظام
  • القبض على مسؤول الأمن السياسي في دمشق بنظام الأسد
  • في دمشق.. القبض على مسؤول الأمن السياسي بنظام الأسد
  • تقديم كتاب د. محمود عبد الرحمن الشيخ “الاغتيالات السياسية في إفريقيا”
  • اتهامات للسلطات التونسية بالتنكيل بقيادي في حركة النهضة
  • تونس.. حلم يكشف عن جريمة عمرها 23 عاماً
  • المحتوى المحلي.. محور النهضة الاقتصادية
  • تونس: نشيد بجهود القيادة السياسية المصرية في دعم القضية الفلسطينية