البحرية الأمريكية في أزمة: استراتيجيات الحوثيين تُلغي فاعلية السفن الحربية الكبيرة
تاريخ النشر: 29th, March 2024 GMT
الجديد برس:
ثمّة في المؤسسات العسكرية والبحثية الغربية، من يفكر بشكل جدّي وعميق في جدوى إدارة الصراعات والحروب بآليات الحرب العالمية الثانية، باعتبار ذلك لم يعد مجدياً، في وقت بات فيه الخصوم يمتلكون تقنيات حديثة ورخصية يمكنها إبطال قدرات الأساطيل الحربية الكبيرة. فالتكلفة العالية لاعتراض هجمات “أنصار الله”، أثارت قلقاً لدى “البنتاغون”؛ إذ تحتاج واشنطن إلى صاروخ بقيمة مليونَي دولار لإسقاط طائرة مسيّرة كلفتها 2000 دولار.
وكلما زاد عدد الهجمات باستخدام المسيّرات، ستكون الكلفة أكبر على أميركا وحلفائها. ولم تعد العبرة الاستراتيجية ممّا يحصل في البحر الأحمر تكمن في عدد السفن الحربية الغربية، بل في أساليب وطرق مواجهة قدرة اليمن على تعطيل الممرّ البحري بالإمكانات المتوفّرة لديه من مثل الصواريخ المتمركزة على الشواطئ، والمسيّرات القادرة على ضرب الأهداف على بعد مئات، وحتى آلاف الأميال في البحر، والتي تشكّل تهديداً يوازي أو يفوق التهديد الذي تمثله السفن الحربية. والحديث هنا، عن قدرات يمنية تُحدِث ثورة في مجال الحرب البحرية، كما فعلت حاملات الطائرات خلال القرن المنصرم.
ويرى الخبراء العسكريون أن البحارة الأميركيين في البحر الأحمر باتوا في حالة من التعب والتوتر، وهم مُجبرون في كل مرة على القيام بكل شيء بشكل صحيح، وأن يعملوا طوال الوقت وفق القاعدة التي يعتمدها خبراء المتفجرات وهي أن “الخطأ الأول هو الخطأ الأخير”.
في المقابل، لا يحتاج مقاتلو “أنصار الله” سوى إلى أن يكونوا محظوظين لمرّة واحدة في استراتيجية النفس الطويل التي يصفها الغرب بـ”المباراة الطويلة”، في انتظار وقوع الكارثة بالضربة القاضية. وفي الصورة الأعم، تفكّر القوى الغربية بما بعد حرب غزة، إذ إن التداعيات الطويلة الأمد لما يجري في البحر الأحمر لن تتوقّف بانتهاء تلك الحرب.
فالأمر بدأ ينسحب على الصراع المقبل مع الصين، حيث تثير التقييمات الغربية لما يحدث في البحر الأحمر، وكذلك الحرب الروسية – الأوكرانية، القلق حول أن العقيدة العسكرية الغربية لم تعد صالحة بالقدر الكافي للتعامل مع التقنيات الناشئة، وخصوصاً أن الصين تمتلك، فضلاً عن الجيوش النظامية، أنظمة مزودة بتقنيات ناشئة من مثل الزوارق السطحية المستقلّة، وأنظمة العوامات المتقدّمة، وأنواعاً مختلفة من الطائرات المسيّرة.
كما لديها صواريخ متنقّلة مضادة للسفن، ومسيّرات على كامل خطها الساحلي الذي يبلغ طوله نحو 19 ألف ميل”. وينبّه الخبراء إلى أن “تدمير هذه الصواريخ والمسيّرات الصينية، سيشكّل تحدياً أكبر للبحرية الأميركية مقارنة مع أنصار الله”.
من المرجّح أن تعتمد البحرية الأميركية في المستقبل على سفن حربية أصغر وأسرع
وعليه، أدت استراتيجية “أنصار الله” في الحرب اللاتناظرية واللامتكافئة في مواجهة حلف “الناتو” بشقّيه: “حارس الازدهار” الأميركي – البريطاني و”أسبيدس” الأوروبي، إلى إجبار “الأطلسي” على إعادة تقييم ليس فقط التهديدات المحدقة على المستويين الاستراتيجي والتكيتكي، بل مُجمل المفاهيم والمبادئ والسياسات والتكتيكات والتقنيات والتدريبات والأساليب المُستخدمة، وإعادة النظر في التسليح.
وبحسب خبراء غربيين، فإن من المرجّح أن تعتمد البحرية الأميركية في المستقبل على سفن حربية أصغر وأسرع ومزودة بصواريخ، بدلاً من الدفاعات الجوية الكبيرة، وأن تدعم هذه السفن بمركبات غير مأهولة في الجو والسطح وتحت الماء.
ووصفت صحيفة “ناشيونال أنترست” الأميركية الوضع الحالي بأنه “كابوس البحرية الأميركية الجديد”، وتساءلت: “هل انتهى عصر السفينة الحربية الكبيرة؟” لتجيب “نعم، لقد انتهى عصر السفن الحربية الكبيرة الباهظة الثمن مثل البوارج”.
غير أن التغيّرات الكبيرة والجذرية في البحرية الأميركية تحتاج إلى متطلبات قد يكون متعذّراً في الوقت الحالي تنفيذها. وعليه، ولردم الفجوة العسكرية التي فرضتها استراتيجية الحرب اللاتناظرية مع صنعاء؛ عمدت واشنطن بشكل أولى إلى إرسال فرق فنية وعسكرية، في محاولة لمعالجة الإخفاقات في منظومات السلاح المتنوّعة للأسطول البحري التابع لها واستخلاص العبر.
ويقود “مركز تطوير الحرب البحرية والألغام” جهداً لتطوير تكتيكات الحرب السطحية، ودمجها في عمليات التدريب، وتوفير الخبرة التكتيكية للأسطول.
ويدرس الفريق كذلك الاشتباكات التي تخوضها السفن والطائرات الأميركية في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى التهديدات التي تشكّلها قوات “أنصار الله” لفهم كيف يمكن تعديل العمليات وتقوية القدرة على اكتشاف الطائرات المسيّرة والصواريخ والعمل على إسقاطها بشكل أفضل.
كما ينظر المركز في القدرات الجديدة التي قد يحتاج إليها الأسطول لحماية سفنه، وكذلك السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر.
ومن ضمن المهام أيضاً، ما طوّرته البحرية الأميركية وشركة “لوكهيد مارتن” ضمن عملية “Aegis Speed to Capability”، التي تسمح بإجراء تغييرات صغيرة بسرعة على برنامج النظام القتالي، بدلاً من انتظار الدمج في عملية التطوير الرئيسة.
ويعتمد الفريق القائم على هذه العملية، على ما توفّره السفن والطائرات من “قصص مصوّرة” لما حدث في كل اشتباك، بالإضافة إلى البيانات التي جرى جمعها بواسطة الرادارات وأجهزة الاستشعار والأنظمة القتالية، والتي يجري فحصها بشكل سريع، قبل أن يرسل الفريق إلى السفن تعليقات فورية، أو توصيات بتغييرات في التكتيكات، أو أيّ شيء جديد يراه في سلوك القوات اليمنية، أو طرق جديدة لرؤية التهديد والاستجابة له بشكل أفضل، أو غير ذلك من الدروس العاجلة.
المصدر: جريدة الأخبار اللبنانية
المصدر: الجديد برس
كلمات دلالية: البحریة الأمیرکیة فی البحر الأحمر السفن الحربیة أنصار الله
إقرأ أيضاً:
العقوبات الأميركية تخنق اقتصاد الحوثيين.. هل يقترب القطاع المصرفي والتجاري من لحظة الانهيار؟
يعيش الاقتصاد في مناطق سيطرة الحوثيين واحدة من أخطر أزماته، بعدما فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية مشددة على كيانات مالية وتجارية متهمة بتقديم الدعم للجماعة، في خطوة تستهدف قطع مصادر التمويل وتقليص قدرة الحوثيين على إدارة أنشطتهم الاقتصادية.
هذه العقوبات، التي تُضاف إلى سلسلة من الإجراءات السابقة، تفتح الباب أمام تساؤلات كبرى حول تداعياتها على النظام المصرفي، وتحويلات المغتربين، وحركة التجارة والاستيراد، ومدى قدرة الحوثيين على التكيف مع العزلة الاقتصادية المتزايدة.
قيود مالية خانقة وضغوط غير مسبوقة
تضمنت العقوبات الأميركية الأخيرة تجميد أصول وحظر التعامل مع عدد من البنوك وشركات الصرافة والمؤسسات التجارية المتهمة بالانخراط في عمليات مالية تخدم الحوثيين.
ووفقًا لوزارة الخزانة الأميركية، فإن هذه الكيانات متورطة في أنشطة تشمل غسيل الأموال وتمويل المجهود الحربي عبر قنوات مالية غير شفافة، إضافة إلى ارتباطها المباشر بقيادات حوثية مدرجة ضمن قوائم العقوبات الدولية.
أوضح أحد المسؤولين في وزارة الخزانة أن الهدف من هذه الإجراءات هو “خنق شبكات التمويل الحوثية، وإجبار الجماعة على الامتثال للضغوط الدولية، وتقويض قدرتها على مواصلة عملياتها العسكرية”، في إشارة واضحة إلى أن هذه العقوبات ليست مجرد خطوة اقتصادية، بل أداة ضغط سياسي تهدف إلى إضعاف نفوذ الحوثيين ماليًا.
ورغم أن نطاق العقوبات الحالية لا يزال محصورًا في عدد من المؤسسات، إلا أن محللين اقتصاديين يشيرون إلى أن هذه الإجراءات قد تكون مقدمة لحزمة أوسع تشمل مزيدًا من الشخصيات والكيانات المالية، وربما تفرض قيودًا إضافية على أي جهة يثبت تعاملها مع المؤسسات المدرجة في القائمة السوداء، وهو ما قد يدفع البنوك الدولية إلى الحد من أي معاملات مالية مرتبطة باليمن، حتى في المناطق غير الخاضعة للحوثيين، مما يزيد من تعقيد المشهد المصرفي والتجاري في البلاد.
عزلة مالية تهدد بالإفلاس
تمثل البنوك العاملة في مناطق الحوثيين الضحية الأولى للعقوبات الأميركية، إذ تواجه عزلة مالية خانقة تهدد بفصلها عن النظام المصرفي العالمي، ما يجعلها عاجزة عن تنفيذ التحويلات الدولية أو الوصول إلى الاحتياطيات النقدية اللازمة لاستمرار عملياتها.
ووفقًا للخبير الاقتصادي مصطفى نصر، فإن “هذه الإجراءات ستخلق تحديات غير مسبوقة للبنوك المحلية، خاصة فيما يتعلق بالتحويلات المالية الخارجية وفتح الاعتمادات المستندية، حيث إن المجتمع المصرفي الدولي ينظر إلى السوق اليمني كبيئة عالية المخاطر، مما قد يدفع البنوك الدولية إلى قطع التعاملات بشكل كامل مع المصارف الموجودة في مناطق الحوثيين”.
ومع تفاقم العزلة المصرفية، تواجه هذه البنوك ثلاثة س يناريوهاترئيسية:
الأول، استمرار العزلة حتى تصل إلى مرحلة الانكماش التدريجي والإفلاس، حيث قد يؤدي نقص السيولة وتجميد الأصول إلى انهيار بعض البنوك، كما حدث مع “بنك اليمن والكويت”، الذي تعرض لضغوط مالية غير مسبوقة.
الثاني، لجوء بعض المؤسسات المصرفية إلى التعامل غير الرسمي عبر شبكات مالية غير مرخصة، مما قد يعرّضها لعقوبات إضافية ويزيد من تعقيد أزمتها.
أما الثالث، فهو محاولة نقل عملياتها إلى مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، لتجنب العزلة الدولية واستعادة جزء من الثقة المصرفية.
لكن هذا السيناريو، رغم منطقيته، يظل محفوفًا بالتحديات السياسية واللوجستية، في ظل سيطرة الحوثيين المحكمة على القطاع المصرفي في صنعاء.
تحويلات المغتربين.. هل تصبح خارج النظام المصرفي؟
لطالما شكلت تحويلات المغتربين أحد أهم مصادر النقد الأجنبي في اليمن، حيث يعتمد ملايين الأسر على الأموال التي يرسلها ذووهم من الخارج كمصدر رئيسي للدخل في ظل الانهيار الاقتصادي المستمر.
ومع تشديد العقوبات على القطاع المصرفي في مناطق الحوثيين، باتت هذه التدفقات المالية تواجه مخاطر متزايدة، قد تدفعها إلى الخروج من القنوات الرسمية، والانتقال نحو قنوات غير خاضعة للرقابة، مثل السوق السوداء وشبكات الصرافة غير الرسمية.
ويوضح الدكتور يوسف سعيد، أستاذ الاقتصاد بجامعة عدن، أن “تحويلات المغتربين، خاصة من دول الخليج، لن تتأثر بشكل كبير في الوقت الحالي، حيث إن 80% من المغتربين اليمنيين يعملون في السعودية، التي لم تفرض أي قيود على التحويلات المالية إلى اليمن حتى الآن”.
لكنه حذر في الوقت نفسه من أن استمرار العزلة المصرفية قد يجعل التعامل مع البنوك اليمنية أكثر صعوبة، مما قد يدفع المغتربين إلى البحث عن وسائل غير رسمية لإرسال الأموال، وهو ما سيؤدي إلى انتعاش السوق السوداء للصرافة، وزيادة المخاطر الاقتصادية.
التجارة الخارجية والاستيراد
تمثل التجارة الخارجية شريان الحياة للاقتصاد اليمني، لكن العقوبات الأميركية جعلت عمليات الاستيراد أكثر تعقيدًا، حيث أصبحت القيود المصرفية تعرقل وصول التجار إلى العملة الصعبة، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف الاستيراد وتأخير وصول البضائع.
وفي هذا الصدد، يؤكد مصطفى نصر أن “العقوبات الأميركية جعلت البنوك الدولية أكثر حذرًا في تعاملاتها مع الشركات اليمنية، خاصة تلك العاملة في مناطق الحوثيين، مما يعني أنها ستفرض مستوى أعلى من التدقيق على أي عمليات مالية مرتبطة بهذه المناطق”.
ومع استمرار هذه القيود، يواجه التجار خيارات صعبة، فإما تحمل تكاليف استيراد مرتفعة قد تؤدي إلى تضخم في الأسعار، أو اللجوء إلى قنوات مالية غير رسمية، مما يعزز انتشار الاقتصاد الموازي ويضعف الرقابة المالية.
وفي كلتا الحالتين، فإن المستهلك اليمني هو الأكثر تضررًا، حيث قد ترتفع أسعار السلع الأساسية بشكل كبير، في وقت تعاني فيه معظم الأسر من انخفاض القدرة الشرائية وتراجع قيمة الريال اليمني.
الحوثيون أمام اختبار اقتصادي صعب
لطالما اعتمد الحوثيون على شبكة مالية غير رسمية لإدارة اقتصاد الحرب، لكن العقوبات الأخيرة ضيّقت عليهم الخناق، ووضعتهم أمام تحديات غير مسبوقة.
وتعليقًا على ذلك، يقول الدكتور يوسف سعيد إن “الحوثيين قد يجدون أنفسهم مضطرين في النهاية إلى تخفيف قبضتهم على القطاع المصرفي، والسماح للبنوك بالعودة للعمل مع البنك المركزي في عدن، كخيار أخير للحفاظ على ما تبقى من النظام المالي”.
لكنه يشير إلى أن الجماعة قد تلجأ في المقابل إلى أساليب تحايل جديدة، مثل استخدام شركات واجهة لإخفاء مصادر تمويلها، أو تعزيز الاعتماد على السوق السوداء، رغم المخاطر القانونية والاقتصادية التي ينطوي عليها هذا الخيار.
سيناريوهات النجاة بين الواقع والمستحيل
مع تصاعد الضغوط المالية والمصرفية، باتت الخيارات أمام البنوك والشركات في مناطق الحوثيين أكثر ضيقًا من أي وقت مضى. فقد خلقت العقوبات أزمة ثقة بين المؤسسات المالية اليمنية والمجتمع المصرفي الدولي، مما جعل العمليات التجارية والمالية أكثر تعقيدًا وكلفة. ومع تزايد العزلة الاقتصادية، يواجه القطاع المصرفي والتجاري في صنعاء مفترق طرق صعبًا: إما البحث عن حلول تضمن استمراره، أو مواجهة الانهيار الحتمي تحت وطأة القيود المتزايدة.
البنوك والمصارف.. بين الهروب والمواجهة
يرى الخبير الاقتصادي مصطفى نصر أن “البنوك العاملة في مناطق الحوثيين لم تعد تمتلك خيارات واسعة، فإما أن تنقل عملياتها إلى مناطق سيطرة الحكومة الشرعية للحفاظ على علاقتها مع النظام المصرفي الدولي، وإما أن تواصل العمل تحت سيطرة الجماعة، وهو ما يعني العزلة الكاملة وخطر الإفلاس”.
ورغم أن خيار الانتقال إلى عدن يبدو منطقيًا من الناحية الاقتصادية، إلا أن التنفيذ على أرض الواقع يواجه عقبات عديدة، أبرزها القيود التي يفرضها الحوثيون على المؤسسات المصرفية، ورفضهم السماح لأي بنك بنقل عملياته إلى خارج مناطق سيطرتهم.
ويضيف نصر أن “القيود التي يفرضها الحوثيون على البنوك لا تقتصر على العزلة المالية، بل تشمل فرض سياسات نقدية مشددة، وإجبار البنوك على العمل ضمن منظومتهم الاقتصادية، مما يجعل أي تحرك لمغادرة صنعاء محفوفًا بالمخاطر”.
لكن في المقابل، فإن البقاء في ظل سيطرة الحوثيين ليس حلًا مستدامًا، إذ إن العقوبات الأميركية قد تدفع البنوك الدولية إلى إنهاء أي تعامل مع المصارف اليمنية المدرجة في القائمة السوداء، مما سيؤدي إلى توقف التحويلات الدولية، وتعميق أزمة السيولة، وزيادة الضغط على القطاع المالي برمته.
إعادة هيكلة القطاع المصرفي.. هل هو الحل؟
الدكتور يوسف سعيد، أستاذ الاقتصاد بجامعة عدن، يرى أن “إعادة ربط البنوك اليمنية بالنظام المالي الدولي يتطلب السماح لها بالعمل وفق القوانين المصرفية المعترف بها دوليًا، وهو ما يستدعي تخفيف الحوثيين قبضتهم على القطاع المصرفي، وإعطاء مساحة أكبر للبنوك لإعادة الاندماج في الاقتصاد الرسمي”.
ويضيف أن “تحرير القطاع المصرفي من سيطرة الحوثيين لن يكون سهلًا، لكنه قد يكون السبيل الوحيد لمنع الانهيار الشامل، خاصة أن العديد من المؤسسات المالية أصبحت غير قادرة على تلبية احتياجات عملائها، أو حتى الحفاظ على الحد الأدنى من السيولة التشغيلية”.
القطاع الخاص.. بين البحث عن بدائل والهروب إلى الخارج
مع تصاعد الأزمة المالية، بدأ العديد من رجال الأعمال والتجار في البحث عن حلول بديلة للحفاظ على استثماراتهم. بعضهم قرر نقل أعماله إلى مناطق الحكومة الشرعية، بينما اتجه آخرون إلى الاستثمار في الخارج، خشية انهيار الاقتصاد في صنعاء.
يؤكد مصطفى نصر هذا قائلًا: “القطاع الخاص هو المتضرر الأكبر من هذه الأزمة، فالتجار يواجهون صعوبات هائلة في الحصول على التمويل، وتحويل الأموال، وشراء العملة الصعبة، مما يدفع بعضهم إلى البحث عن طرق بديلة، مثل الاعتماد على السوق السوداء، أو التعامل مع وسطاء ماليين غير رسميين”.
لكن هذه البدائل تحمل مخاطر كبيرة، حيث إن اللجوء إلى القنوات غير الرسمية يعزز اقتصاد الظل، ويجعل التحكم في التدفقات النقدية أكثر صعوبة، مما قد يؤدي إلى مزيد من التقلبات في أسعار الصرف، وارتفاع معدلات التضخم، وتفاقم الأوضاع المعيشية للمواطنين.
هل الحوثيون مستعدون لتقديم تنازلات؟
رغم أن الحوثيين ما زالوا يحكمون قبضتهم على النظام المالي، إلا أن الضغوط الاقتصادية المتزايدة قد تجعلهم أمام معضلة حقيقية: إما التمسك بسياساتهم الحالية، والمخاطرة بانهيار الاقتصاد في مناطق سيطرتهم، أو البحث عن حلول تضمن لهم الحد الأدنى من الاستقرار المالي.
يقول الدكتور يوسف سعيد: “إذا استمر الحوثيون في إحكام قبضتهم على الاقتصاد، فإنهم سيواجهون انهيارًا ماليًا لا يمكن تجنبه. البنوك بحاجة إلى القدرة على تنفيذ المعاملات الدولية، وإلا ستصبح مجرد مؤسسات محلية معزولة، غير قادرة على خدمة عملائها أو تأمين التدفقات النقدية الضرورية”.
لكن حتى لو قرر الحوثيون تقديم بعض التنازلات، فإن السؤال الأهم يبقى: هل سيقبل المجتمع الدولي بذلك؟
ما هو السيناريو الأكثر ترجيحًا؟
مع استمرار العقوبات، وتزايد العزلة المصرفية، وارتفاع تكاليف الاستيراد، يجد الحوثيون أنفسهم أمام أزمة اقتصادية غير مسبوقة. ورغم محاولاتهم السابقة للالتفاف على الضغوط المالية عبر السوق السوداء وشبكات التمويل البديلة، إلا أن العقوبات الأخيرة قد تكون أكثر تأثيرًا من أي وقت مضى، حيث تستهدف البنية التحتية المالية للجماعة بشكل مباشر.
ويبقى السؤال الأكبر: هل تنجح هذه العقوبات في تقويض النفوذ المالي للحوثيين، أم أنها ستؤدي إلى مزيد من الأزمات الاقتصادية التي قد يدفع ثمنها المواطن اليمني في نهاية المطاف؟ الأشهر القادمة ستكشف الكثير عن مدى قدرة الحوثيين على الصمود في وجه هذه العاصفة الاقتصادية، وما إذا كانت هذه الأزمة ستدفعهم إلى تغيير سياساتهم، أو أنها ستكون بداية لمزيد من العزلة والانكماش الاقتصادي