قوة المال اليهودي تخترق مؤسسات القرار وتصنع التحولات التاريخية
كما أسلفنا؛ فإن قوة المال، تلعب الدور الأبرز، في صناعة السياسات والتحولات التاريخية، وكان اليهود المرابون (الماسون)، هم ممثلو تلك السلطة المالية العظمى، التي أصبحت أكثر تنظيماً وتطوراً ونفوذاً في العالم، على هيئة بنوك عالمية، ومؤسسات مالية كبيرة، ذات أعمال ونشاطات لا محدودة، وبغض النظر عن الأسباب المعلنة، للحرب العالمية الأولى، فإن معرفة الأسباب الحقيقية، تتجلى بالنظر إلى أحداث فترة الحرب ذاتها، التي وصفها المؤلف بـ “ما وراء كواليس السياسة”، حيث يقول:- “كان رئيس وزراء إنكلترا عندما تفجرت الحرب المستر (اسكويث)، الذي كان سياسياً شريفاً معتدلاً، يعمل لمصلحة بلاده، وعُرف بعدائه للصهيونية، ولذلك قرر المرابون العالميون اليهود، إزاحته واستبداله بالثلاثي السياسي، المكون من اتباعهم المباشرين:- لويد جورج – آرثر جيمس بلفور – ونستون تشرشل.


يمكن القول إن هذه التشكيلية السياسية البريطانية، تكشف بجلاء تام، حقيقة تلك الحرب، وتفصح عن أهدافها ومساراتها، قبل النظر في نتائجها؛ فهؤلاء الثلاثي السياسي، هم من أقطاب الكتلة اليهودية الصهيونية العالمية، شكَّل وصولهم إلى مراكز السلطة والقرار في بريطانيا، نقطة تحول تاريخي عميق، ليس في بريطانيا فحسب، بل في الموقف العالمي برمته، إذ لم تقف تداعياته عند انضمام أمريكا، في ميدان الحرب إلى جانب بريطانيا، بعد أن كانت ملتزمة بالحياد، غير مكترثة برأي شعبها، الرافض لدخولها تلك الحرب، بل وصلت تلك التداعيات، إلى دخول سلطة المال مباشرة، على مسرح الأحداث، حيث تمت مجموعة اتصالات بين (روتشلد)، و(بلفور) وزير خارجية بريطانيا، ومؤسسة (كوهين – لوب)، التي مثلت سادة المال والاحتكار العالميين في أمريكا، نتج عن تلك الاتصالات، تعهد الحكومة البريطانية، ممثلة بوزير خارجيتها (بلفور)، لممثلي مؤسسات المال والاحتكار، بتبني مشاريعهم الخاصة بالصهيونية السياسية، مقابل تعهدهم بتأييد دخول أمريكا الحرب، إلى جانب بريطانيا.
وقد مرت تلك الاتصالات بمراحل متعددة، تم فيها صياغة الرؤية التكاملية، لذلك الاتفاق السياسي التآمري الخطير، بما يحقق مشاريع ومصالح كل أطرافه، والجدير بالذكر أن الدور اليهودي الصهيوني، كان متناميا بشكل ملحوظ، الأمر الذي يعكس طبيعته وأثره، وتغلغله في أجهزة الحكم، في إنكلترا وغيرها، وفي هذا السياق ينقل وليم كار، صاحب كتاب “اليهود وراء كل جريمة”، “فقرات من اعترافات اليهودي (صامويل لاندمان)، التي نشرها هو بذاته، فيما بعد في كتابه (اليهودية العالمية)، الذي طبع في لندن عام 1936م، التي يقول فيها:- “بعد أن تم الاتفاق بين السير مارك سايكس، وحاييم وايزمان، وسوكولوف، تقرر إرسال رسالة بالشيفرة، إلى القاضي الأمريكي (ل. د. براندس)، رئيس لجنة الطوارئ الاحتياطية للصهيونية، في نيويورك، لإخباره بأن الحكومة البريطانية، توافق على مساعدة اليهود، على استعادة فلسطين، مقابل تحالف اليهودية العالمية مع بريطانيا، وانضمام الصهيونية في أمريكا إلى جانب الحلفاء – ولم تكن أمريكا قد دخلت الحرب آنئذٍ – وتعهد المنظمة الصهيونية، بخلق تيار قوي، يؤيد فكرة انضمام الولايات المتحدة إلى الحرب، إلى جانب بريطانيا، مما يقلب الموقف الأمريكي – الحيادي – رأسا على عقب”.
ويضيف المؤلف وليم كار، مسندا الحديث إلى صامويل لاندمان، نقلا عن كتاب مذكراته السابق، قوله:- “وقد أرسلنا رسالة مماثلة إلى الجنرال (ماك دوناف) قائد الجيش الإنكليزي، وأصبح الدكتور (وايزمان) منذئذٍ على درجة من النفوذ، مكنته – برسالة بسيطة إلى الجنرال ماك دوناف – من حمل هذا التدخل، لدى قيادة الجيش البريطاني، لإعفاء ستة شبان أكفاء، من الخدمة في الجبهة، بالرغم من حالة الحرب، التي يمنع فيها بموجب قانون صارم، إعفاء أي شخص في سن العسكرية، من أي واجب عسكري.. غير أن هذا لم يمنع الدكتور وايزمان، من النجاح في مسعاه، والحصول على الشبان الستة، الذين أُعفوا من الواجبات العسكرية، لأسباب تتعلق بالمصلحة العليا للوطن”.
إن ما نقله وليم كار، عن مذكرات صامويل لاندمان، من أحداث تتعلق بالدكتور وايزمان، أو غيره من أقطاب الصهيونية العالمية، تكشف بجلاء طبيعة التغلغل الصهيوني، في مواقع ومؤسسات صنع القرار في إنكلترا، التي كانت حكومتها الجديدة – حكومة لويد جورج وتشرشل وبلفور – ترى المنظمة الصهيونية صديقا وحليفا مقربا، ولذلك لم يتوان رئيسها – لويد جورج – أبان تسلمه الحكم، عن الإعلان رسميا، “أن بريطانيا ستقوم على دعم مخطط روتشلد، لإنشاء (وطن قومي لليهود في فلسطين)”، ومثلما جنى اليهود المرابون ثمار الحروب الصليبية، على كافة المستويات والأصعدة، فقد قطفوا ثمار الحرب العالمية الأولى، بعطاء من لا يملك لمن لا يستحق، غير أن ذلك الوعد، كان بحاجة إلى ترجمة فعلية على أرض الواقع، ولم يكن من وسيلة لتحقيق ذلك – في عرف اليهود المرابون الصهاينة – غير إشعال حرب عالمية ثانية، حشدوا فيها كل القوى العالمية، وأدخلوا جيوش في أتونها المستعرة، ليبلغوا من خلالها غايتهم، في الاستيلاء والاستيطان على أرض فلسطين، تحت مسمى “دولة إسرائيل”.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

هل يمهّد قرع طبول الحرب على الجبهة اللبنانية لحرب شاملة؟

شهدت الأسابيع الأخيرة تصاعداً حاداً لتبادل القصف بين المقاومة اللبنانية والقوات الإسرائيلية على جبهة لبنان الجنوبي/ شمال الدولة الصهيونية. وقد ترافق هذا التصاعد بتصعيد للتصريحات والتهديدات بين الطرفين، مع تزايد الوعيد الإسرائيلي بشنّ حرب شاملة على كافة مناطق انتشار "حزب الله" وإلحاقها بمصير قطاع غزة من حيث كثافة التدمير.

هذا وبينما تؤكد مصادر الجيش الصهيوني أنه على استعداد تام لشنّ هذه الحرب، تتناقض هذه التأكيدات مع المساعي الجارية لزيادة عدد جنود الاحتياط الملحقين بالوحدات القتالية من 300.000 إلى 350.000 من خلال رفع سنّ الخروج من الاحتياط (من 40 إلى 41 للجنود، ومن 45 إلى 46 للضباط ومن 49 إلى 50 لذوي الاختصاص كالأطباء والطيارين).

والحال أن المساعي المذكورة ما زالت تصطدم بإصرار القيادة العسكرية الصهيونية على ضرورة إنهاء الإعفاء من التجنيد الذي يخصّ اليهود الأصوليين، الأمر الذي من شأنه زيادة عدد الجنود بدون زيادة الأعباء على عائلات المجنّدين الحاليين وعلى أشغالهم وبالتالي على اقتصاد البلاد. هكذا، إذ تشير المساعي المذكورة بالتأكيد إلى تصميم القيادة العسكرية على استكمال الاستعداد لحرب شاملة على لبنان، تشير في الوقت نفسه إلى أن تصعيد الوعيد من الجانب الإسرائيلي لا يصطحب بنيّة حقيقية في شنّ حرب شاملة على لبنان في الظرف الراهن، لا سيما أن الجميع يدرك أن تكلفة تلك الحرب بالنسبة للدولة الصهيونية ستكون أعلى بكثير من تكلفة اجتياح غزة، سواء من حيث الكلفة البشرية (حتى لو امتنع الجيش الصهيوني من اجتياح الأراضي اللبنانية واكتفى بالقصف المركّز، وهو الأرجح، فإن عدد ضحايا القصف داخل دولة إسرائيل سيكون حتماً أكبر مما في الحرب على غزة) أو الكلفة العسكرية (نوعية العتاد الذي سيضطر الجيش الصهيوني إلى استخدامه ضد "حزب الله") أو الكلفة الاقتصادية.

وتنجم عن هذا الواقع معضلة خطيرة تواجهها إسرائيل، إذ لا تستطيع خوض حرب شاملة على لبنان بلا معونة أمريكية مضاعَفة بالمقارنة مع المعونة، العظيمة أصلاً، التي قدّمتها لها الولايات المتحدة الأمريكية في حرب الإبادة على غزة. هذا فضلاً عن أن "حزب الله" مرتبط بطهران ارتباطاً عضوياً، بحيث إن حرباً شاملة تخوضها القوات الصهيونية ضد لبنان قد يتوسّع نطاقها ليشمل إيران التي قد تُطلق صواريخ ومسيّرات على دولة إسرائيل مثلما فعلت في أبريل/ نيسان الماضي. وفي ضوء ارتهان الهجمة الإسرائيلية بالمعونة الأمريكية، يشكّل تصعيد لهجة نتنياهو بصورة مفاجئة ضد إدارة بايدن في الأيام الأخيرة دليلاً إضافياً على عدم استعداد الحكم الصهيوني لشنّ حرب شاملة على لبنان في الظرف الراهن، إذ يتناقض سلوك نتنياهو إزاء واشنطن مع احتياج جيشه إلى دعم أمريكي يفوق ما حصل عليه حتى الآن.

وقد بات جلياً أن نتنياهو يراهن على فوز دونالد ترامب بولاية رئاسية ثانية في الانتخابات الأمريكية المزمع إجراؤها في أوائل نوفمبر/ تشرين الثاني القادم. وهو بذلك كلاعب القمار الذي قرّر إلقاء كل ما لديه على الطاولة بغية مضاعفة أرباحه أو الخروج من اللعبة. هذا علاوة على أن نتنياهو يستفيد سياسياً من تصعيد التوتّر بينه وإدارة بايدن، إذ يزيد الأمر من شعبيته بإظهاره بمظهر الحاكم الصهيوني الذي لا يتردّد في التصدّي للضغوط الخارجية حتى في أحلك الظروف. وهو يستعدّ لجولة جديدة في هذه اللعبة السياسية من خلال إثبات حيازته على دعم سياسي كبير في الكونغرس الأمريكي في وجه إدارة بايدن عندما سوف يذهب إلى واشنطن لإلقاء خطابه الرابع أمام مجلسي النواب والشيوخ مجتمعين في 24 يوليو/ تموز القادم.

ولو فاز ترامب في انتخابات الخريف، يتطلّع نتنياهو إلى حصوله على دعم بلا حدود وبلا ضغوط كالتي حاولت إدارة بايدن فرضها عليه في الآونة الأخيرة. أما لو لم يفز ترامب، فمن المرجّح أن يفاوض نتنياهو مع إدارة بايدن والمعارضة الصهيونية كي يحصل على ضمانات تخوّله فكّ اتّكاله على أقصى اليمين الصهيوني في حكومته وتشكيل حكومة "وحدة وطنية" يرأسها حتى الانتخابات القادمة في عام 2026. لكنّ المعارضة من جانبها سوف تحاول التخلّص منه، من خلال فرط الائتلاف الذي تستند إليه حكومته الحالية في الكنيست وفرض إجراء انتخابات مبكّرة.

هذا ولا تظنّن أن الصراع السياسي داخل النخبة السياسية الصهيونية هو بين صقور وحمائم، بل هو بين صقور ونسور. فإن الطرفين، نتنياهو والمعارضة، يريان أن لا خيار ثالث على جبهتهم الشمالية سوى رضوخ "حزب الله" وقبوله بالانسحاب شمالاً تطبيقاً للقرار 1701 الذي صدر عن مجلس الأمن الدولي إثر حرب الثلاثة وثلاثين يوماً في عام 2006، أو شنّ حرب ضارية ضد الحزب بكلفة عالية، يُجمعون على أن لا بدّ منها من أجل تعزيز هيبة دولتهم وقدرتها الردعية اللتين اضمحلّتا على الجبهة اللبنانية منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.

القدس العربي

مقالات مشابهة

  • ما مدى تأثير الحرب في غزة على الانتخابات القادمة في بريطانيا؟
  • هل يمهّد قرع طبول الحرب على الجبهة اللبنانية لحرب شاملة؟
  • بعض الحقائق التاريخية في الصراع مع اليهود
  • (الصهيونية الوهابية) ودورها في تدمير العرب والمسلمين..!
  • قراءة في كتاب: محمود محمد طه وقضايا التهميش في السودان «3- 5»
  • قراءة في كتاب: محمود محمد طه وقضايا التهميش في السودان (3- 5)
  • سقوط الغرب بين أوكرانيا وفلسطين
  • ما وراء التقنيات .. التعليم الذكي اللامحدود
  • المكسيك والقيادة النسائية.. قراءة في نتائج الاستحقاق الرئاسي2024 بـ «مركز الحوار للدراسات السياسية»
  • قراءة إسرائيلية في مقابلة نتنياهو الأولى منذ اندلاع حرب غزة