بعد 9 أعوام من العدوان.. اليمن حاضنة العروبة وحامية العرب
تاريخ النشر: 29th, March 2024 GMT
في الساعات الأولى لفجر الـ 26 من مارس العام 2015، بدأ تحالف العدوان الأمريكي السعودي الاماراتي، المدعوم بريطانيا وغربياً، بشن حرب شعواء على اليمن.
جاءت الحملة تحت عناوين متعددة، أبرزها “إعادة اليمن إلى الحضن العربي”، و”الحفاظ على الأمن القومي العربي، ولكن بعد مرور 9 أعوام، أثبتت الأحداث أن تلك العناوين كانت معاكسة تماماً لما تم الإعداد له، وهو إدخال اليمن إلى جانب سلسلة الدول العربية المعتدية، في الحضن “العبري” وإخضاع الشعب مع تلك الشعوب للهيمنة والقبضة الصهيونية الغربية “العبرية”.
وانطوى العام التاسع من الصمود، وقد حمل في طياته الكثير من البراهين والحجج التي تؤكد أن “الحضن العربي” الذي كان يقصده التحالف المكون من 17 دولة، هو “الحضن العبري”، نعم الحضن العبري الصهيوني، وليس العربي، وقد أدرك الجميع هذا بما شهده من ترامي الدول المنخرطة في هذا “التحالف” في الحضن الصهيوني، دولة تلو الأخرى عبر اتفاقات التطبيع مع العدو “الإسرائيلي”، لتكتمل البراهين والحجج بما أخرجه “طوفان الأقصى” من خبايا أظهرت هذه الحقيقة، وكشفت أن تلك الدول مدعية الحرص على العرب والعروبة هي أحرص الناس على جلب الأمة العربية والإسلامية إلى الوحل الصهيوني العبري، ومع الطوفان أيضاً أثبت اليمن أنه كعادته التاريخية هو حاضنة العرب وحامي العروبة من خلال مواقفه المشرفة في نصرة الشعب الفلسطيني ضد العدو العبري الصهيوني.
“الحضن” يظهر بحقيقته
الصمود اليمني الذي استند على قاعدة صلبة من الهوية الايمانية العربية الإسلامية، أجبر “التحالف” المصبوع عربياً، على إظهار حقيقة مساعي رمي اليمن إلى جانبه في الحضن الصهيوني، فبعد أن كانت مصر أول المطبعين مع العدو الإسرائيلي في العام 1979 والأردن ثانيهم في العام 1994، شهد العام السادس من الصمود، وتحديداً عند العام 2020، ترامياً متسارعاً لباقي دول “التحالف” في الحضن الصهيوني العبري، عبر اتفاقات سموها “أبراهام”، بدءً من الإمارات التي ارتمت لذلك الحضن النتن في الـ13 من أغسطس 2020م، وبعد أقل من شهر ارتمت البحرين في ذلك الوحل وتحديداً في الـ11 من سبتمبر من ذات العام، ثم السودان في الـ23 من أكتوبر للعام ذاته، وقبل انتهاء العام 2020انخرطت المغرب بتطبيع وقح في الـ10 من ديسمبر، لتكتمل السلسلة المكونة من دول العدوان على اليمن وتظهر للجميع معدنها العبري الذي طغى على الصبغة العربية.
أما السعودية التي تمثل رأس الحربة في العدوان على اليمن، وصاحبة عنوان “الحضن العربي” كانت قد سقطت في وحل التطبيع مع العدو الصهيوني بالأفعال المساندة له، منها رعاية وهندسة عملية سوق الدول الحليفة لها إلى الحضن العبري، وإعلانها خطوات متسارعة ومتصاعدة تؤكد حقيقة العلاقة بينها وبين العدو الإسرائيلي، كان آخرها تصريحات محمد بن سلمان في مقابلة معه على محطة فوكس نيوز الأمريكية، والتي أكد فيها رداً على سؤال المحطة عن إمكانية إعلان التطبيع مع العدو الإسرائيلي، بقوله نصاً “كل يوم نقترب”، وكررها “نحن أقرب لذلك من أي وقت”، وبما أن تلك المقابلة كانت قبل أسبوعين من عملية “طوفان الأقصى”، فقد تم تأجيل هذه الحفلة المسمومة، مع الإبقاء على العلاقات مع العدو عبر تفويج الحاخامات واليهود إلى بيوت الله الحرام، وتوسيع التطبيع الجوي والتجاري وغيره.
نيران “الطوفان” تظهر أصول المعادن:
وفي ظل الأحداث المتسارعة في ما بعد الـ7 من أكتوبر الماضي، أخرجت عملية “طوفان الأقصى” كل الخبايا وأحرقت ما تبقى من خفايا، وأجبرت تلك الأنظمة المكتسية باللباس الصهيوني، على العُري والظهور بالجسد العبري، وذلك عبر مواقف مساندة للعدو الاسرائيلي أبرزها خلق جسر بري لإمداد الكيان الصهيوني وكسر الحصار اليمني مع تجاهل التجويع لسكان غزة، وأيضاً التواطؤ السياسي والإنساني والعسكري ضد الشعب الفلسطيني، وفي المقابل برز اليمن العظيم في صورته الجلية، التي لا غبار عليها، ولا باستطاعة أحد ذر الرماد للتعتيم على رؤية ناظِرِيها، ويزيد من قيمته التاريخية العربية والايمانية بمواقف عملية في مساندة غزة وجلد الكيان الصهيوني ورعاته.
وبهذه المعطيات، تعود للواجهة المزيد من الحقائق، فمثلما تم شن عدوان مدعوم أمريكيا وغربيا وصهيونياً قبل 9 أعوام كمحاولة لعبرنة اليمن وسعياً لردع مواقفه المساندة لفلسطين، والتي برزت أكثر بشكل عملي وزخم منقطع النظير في ما بعد “الطوفان”، خرجت أمريكا وبريطانيا و”إسرائيل” من خلف الستار، لتشن عدواناً مباشراً على اليمن، غير أن المدة القصيرة في الثلاثة الأشهر الماضية أثبتت فشل هذا التحالف الجديد، ورسخت هشاشته أمام إعصار اليمن وأنصار الإيمان، ليظل المتصدر دائماً هو اليمن العربي المؤمن، الحاضن للعرب والعروبة في كل وقت وحين.
القائد يرسّخ الجذور العربية التاريخية
ومع تدشين العام العاشر من الصمود في وجه العدوان السابق واللاحق، رسخ قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي- يحفظه الله- جذور العروبة اليمنية، مؤكداً استحالة تغيير الموقف، أو إزاحة اليمن من موقعها التاريخي كأصل للعرب، حيث أكد أن “اليمن هو سند لكل الأُمَّــة، لكل المسلمين، ما في اليمن على المستوى العقائدي، والفكري، والثقافي، والتوجّـه، هو كله في هذا السياق: شعبٌ يهتم بأمته بكلها، أن تكون أُمَّـة عزيزةً، قوية، متآخية، متعاونة، وعدونا واضح”، مضيفاً “نحن منذ البداية نقول: عدونا هو عدو الأُمَّــة بكلها: العدوّ الإسرائيلي، الذي يشكل خطورةً حقيقية على كُـلّ المسلمين، وفي مقدِّمتهم العرب”.
كما زاد القائد من ترسيخ موقع اليمن العروبي، بدعوته كل الدول العربية والإسلامية لـ “أن تراجع هي حساباتها الخاطئة، وسياساتها العدوانية تجاه بلدنا.. شعبنا العزيز هو في مقدِّمة الشعوب حرصاً واهتماماً بالأمن القومي العربي، بأمن أمتنا الإسلامية كافة، بأن يسود في داخل العرب بشكلٍ عام، والبلدان العربية والإسلامية بكلها، الأمن، والاستقرار، والأخوَّة، والعلاقات التي تكون علاقات إيجابية، قائمة على هذا الأَسَاس: أننا أُمَّـة واحدة، دينها واحد، مصالحها واحدة، المخاطر والتحديات عليها واحدة، فليس هناك أي بلد عربي له مبرّر أن يتوجّـه بسياسات عدائية ضد شعبنا العزيز؛ باعتبار وَهْمّ أَو تخيل أنَّ هناك خطراً عليه من اليمن، من جهة الشعب اليمني”، مكرراً الدعوة بتأكيده أن “على كُـلّ شعوب العرب، على كُـلّ البلدان العربية والعالم الإسلامي، أن ينظر إلى الشعب اليمني كشعبٍ يجسِّد الأخوّة الحقيقية”، فيما جدد القائد التأكيد على استمرار مواجهة “العدوان على بلدنا الذي أتى في إطار خطةٍ شاملة، للتحَرّك في المنطقة لإعادة ترتيب وضعها تحت قيادة العدوّ الإسرائيلي، وتصفية القضية الفلسطينية، والتخلص من أية جهاتٍ مساندةٍ للقضية الفلسطينية”، مضيفاً “وقد افتضحت البعض من العناوين، التي رفعها التحالف في بداية عدوانه، مثل: عنوان الحضن العربي، والذي اتضح أنه لا أَسَاس له أبداً؛ وإنما هناك سعي لإدخَال المنطقة بكلها، والعالم العربي بأجمعه، في الحضن العبري وليس العربي، وكذلك بقية العناوين: عنوان الأمن القومي العربي، والعناوين الأُخرى، كلها افتضحت مع فضيحة التطبيع، ووُصُـولاً إلى العدوان القائم حَـاليًّا على غزة”.
ونوه السيد القائد إلى أنه “بعد كُـلّ هذه المرحلة: تسع سنوات قد مضت من العدوان على بلدنا، وتجلَّت حقائق كثيرة خلال هذه السنوات، نوضِّح للجميع أننا حريصون جِـدًّا على التفاهم والسَّلام مع كُـلّ الدول العربية والإسلامية، وعلى الأخوَّة، وعلى العلاقات الإيجابية، وليس لدينا توجّـه عدائي تجاه أي بلدٍ عربي، ولا أية دولةٍ عربيةٍ ولا إسلامية، وموقفنا فيما نحن عليه في هذه المرحلة: نحن الآن في مواجهة واضحة ومباشرة بيننا وبين ثلاثي الشر: (أمريكا، و”إسرائيل”، وبريطانيا)”، لافتاً إلى أن اليمن يقف “الموقف المشرِّف، الموقف المفترض من كُـلّ أبناء الأُمَّــة، إلى جانب الشعب الفلسطيني، ومناصرته بشكلٍ كامل، على المستوى العسكري: عملياتنا العسكرية مُستمرّة، وكذلك على مختلف المستويات، التحَرّك الشعبي الواسع، والأنشطة الواسعة في كُـلّ المجالات، إعلامنا موجَّه بكل طاقته، بكل إمْكَاناته، لمناصرة الشعب الفلسطيني… وهكذا على كُـلّ المستويات، هذا هو توجّـهنا، هذا هو توجّـهنا، وهذه قضيتنا، ونحن منذ البداية كنا نحمل هذا التوجّـه: الاهتمام بقضايا أمتنا الكبرى، وفي مقدِّمتها: القضية الفلسطينية، التي يتخاذل الكثير من العرب عنها”.
وقد اختتم السيد القائد خطابه، بإعلان قدوم اليمن العظيم، بتطور عسكري كبير لمساندة قضية فلسطين، التي هي قضية كل الأمة الإسلامية، وكل العرب بالدرجة الأولى، بالتزامن مع استمرار عمليات عسكرية نوعية تواصلت على مدى ثلاثة أيام، وأعلن عنها العميد يحيى سريع عصر الثلاثاء، وأظهرت قدرة اليمن الكبير الخارج من تسع سنوات حرب وحصار، على إذلال قوى الشر والاستكبار “أمريكا وبريطانيا وإسرائيل”، وهنا يتأكد للجميع أن اليمن كان وما يزال وسيظل ويكون الحلقة العربية الأقوى، وقبلة الحرية لكل العرب، وما عملياته الماضية إلا بدايات لمفاجآت وصدمات وضربات أكد القائد أنها ستكون أقوى وأشد إيلاماً على الأعداء، وستكون كفيلة بإحراق كل اليافطات لتظهر المعادن على أصولها بدون رتوش ولا ستار، وبما أن اليمن قادم فإن للقصة بقية، وبرواية عربية خالصة خالية من السرديات الأمريكية العبرية.. انتهى.
– المسيرة نت: نوح جلّاس
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: العربیة والإسلامیة الشعب الفلسطینی العدوان على على الیمن فی الحضن مع العدو على ک ـل
إقرأ أيضاً:
25 فبراير خلال 9 أعوام.. 32 شهيداً وجريحاً جلهم أطفال ونساء في جرائم حرب بغارات العدوان السعودي الأمريكي على منازل المواطنين باليمن
يمانيون../
تعمد العدوانُ السعوديّ الأمريكي، يومَ الخامس والعشرين من فبراير خلال الأعوام: 2016م،و2017م، و2018م، و2020م، ارتكابَ جرائم الحرب، والإبادة الجماعية وقصف وتدمير المنازل والممتلكات،
في المدن والقرى الريفية والمناطق الحدودية، وصالة أفراح قيد الإنشاء، في محافظات، صعدة، وذمار، وصنعاء، والحديدة.
أسفرت عن 8 شهداء، و24 جريحاً، ونزوح عشرات الأسر من مآويها، ومضاعفة معاناتها، ومشاهد قاسية لجثث ممزقة، ومتفحمة، وأضرار ودمار كبير في الممتلكات، وخروقات متصاعدة، ومجازر وحشية بحق الطفولة والأمومة يندى لها جبين الإنسانية.
وفيما يلي أبرز التفاصيل:
25 فبراير 2016..9 شهداء وجرحى في جريمة حرب لغارات العدوان السعودي الأمريكي على منزل مواطن وقاعة أفراح قيد الإنشاء بصنعاء:
في ليلة الخميس الموافق 25 فبراير 2016م فزع سكان منطقة حدّين بمديرية السبعين في صنعاء على دوي غارات طيران العدوان السعودي الأمريكي، التي هزت أرجاء المكان، مستهدفةً منزل المواطن محمد الزبيدي ، وقاعة أفراح قيد الإنشاء، وحولت المكان إلى كومة من الأنقاض، ملطخة بدماء شهيد و8 جرحى، وأفزعت الأطفال والنساء، من نومهم، وشردت عشرات الأسر من مآويها، وأضرار واسعة في الممتلكات والمنازل المجاورة.
المنزل المأهول بالسكان والقاعة التي كانت على وشك أن تستقبل أفراح العائلات تحولا إلى مسرح لجريمة حرب متعمدة، جعلت الأنقاض تتراكم فوق الضحايا، وأصوات الاستغاثة تتعالى من تحت الركام، وأم مصابة تحت أنقاض منزلها المدمر، تنتظر من ينقذها من الموت.
في المستشفى اجتمع الضحايا، وتجمعت أسرهم وأقاربهم وزوارهم، وبكاء الأمهات يعلو على صرخات الجرحى، مشاهد تقشعر لها الأبدان، وألم لا يداويه الزمن، فيما أسرة وأهل الشهيد يبحثون عن بقايا أشلائه بين الدمار.
يقول أحد الأهالي وهو يرفع الدمار من فوق جسد مسنة كبيرة كانت تصرخ وتستنجد: “ماذا فعلت بكم هذه الحجة، ما ذنبها، بالله عليهم ما فعلت بكم، استغفري وسبحي يا أماه، وترد عليه: له الحمد له الحمد، ونسأل الله أن يعجل بزوال آل سعود”.
مواطن آخر يقول: “أنا أخو محمد الزبيدي خرجنا أطفاله من تحت الأنقاض 3، وهذا عمه محمد الزبيدي، استشهد، وابنه خرجناه من الزاوية وهو في المستشفى، وهذا قاعة أفراح كانت قيد الإنشاء، استهدفها العدوان بغاراته.
هذا الاستهداف للأعيان المدنية، خلف وراءه تداعيات إنسانية وقانونية ونفسية عميقة، فمن الناحية الإنسانية، فقدت عائلات أفراداً من أسرها، وتشرد آخرون، وتضررت ممتلكاتهم، ومن الناحية القانونية، فإن استهداف المدنيين والأعيان المدنية يعد انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني، وجريمة حرب يعاقب عليها القانون، أما من الناحية النفسية، فإن الناجين من هذه الجريمة يعانون من صدمات نفسية عميقة، وصعوبة في التأقلم مع الحياة بعد هذا الكابوس.
هذه الغارات ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فمنذ بدء العدوان، تستهدف الغارات السعودية الأمريكية المدنيين والبنية التحتية في اليمن، في ظل صمت دولي مخز، السعودية ومن معها تقصف، تقتل، تدمر، وتحاصر اليمن، وتزيد من معاناة الشعب اليمني.
تبقى مشاهد الجريمة الموثقة بالصوت والصورة وصرخات الضحايا تحت الأنقاض شاهدة على وحشية العدوان، وعلى الظلم الذي يتعرض له الشعب اليمني، وتبقى هذه الحرب الظالمة وصمة عار في جبين الإنسانية، ودعوة للتحرك العاجل لوقف العدوان ورفع الحصار، وإنقاذ ما تبقى من أرواح بريئة.
25 فبراير 2016..4 شهداء وجرحى أطفال ونساء في جريمة حرب لغارات العدوان السعودي الأمريكي على منزل مواطن بصعدة:
وفي جريمة إبادة جماعية بحق الطفولة والأمومة، استهدف طيران العدوان السعودي الأمريكي، منزل أحد المواطنين في منطقة بني معين بمديرية رازح محافظة صعدة، أسفرت عن شهيدتين طفلة وامرأة وجريحين امرأة وطفل، وتدمير المنزل على ساكنيه، وموجة خوف ورعب في نفوس الأهالي، وتشريد عشرات الأسر من مآويها، وأضرار في مادية ونفسية عميقة.
في نهار ذلك اليوم بعد الظهيرة، كانت الأسرة عائدة من عملها، وتأخذ قسطاً من الراحة، وقيلولة من حرارة الشمس، لكن طيران العدوان باغتها بغارات حولت حياتها إلى جحيم، ومنزلها إلى مقبرة جماعية، فتحوّل المنزل في قرية بني معين إلى ركام ، لتدفن معه أحلام أمٍ وطفلتها، وأمنٌ هشٌّ كان يُحيط بالمنطقة، وفي عصر ذلك اليوم، مضى العالم في شؤونه، لكن الزمن توقف في بني معين، بَقِيَ دم الضحايا على الحجارة، وأسئلةٌ عن عدوان وحصار بلا حدود، ولم يتوقف حتى اللحظة.
جاء القصف بلا إنذار، واستمر التحليق فوق المنطقة، واستمر نزيف الدماء بين الدمار، ومنع الأهالي من إنقاذهم، حين هدأ التحليق الجوي، بدأ البحث عن الناجين، ساعاتٌ من الحفر بأيدٍ مجروحة لانتشال جثتي امرأة وطفلتها، بينما كانت أمٌ جريحة تحتضن طفلها المُنهك، تُخفي أنينهما تحت عويل النائحات.
المشهد كان فسيفساء من الرعب، أثاثٌ ممزق، دفتر مدرسي لطفلٍ مُنهار، وجدرانٌ طُبعت عليها خطوط الدم، همس أحد المسعفين: “لم يكونوا مقاتلين… كانوا عائلة تجلس تحت سقف منزلها، خشية من حرارة الشمس تشرب الماء”، جريمة الحرب السعودية الأمريكية، واحدة من مئات الجرائم التي حولت المحافظات اليمنية الحرة إلى مقبرة للمدنيين.
لسنوات تحملت صعدة وطأة العدوان والحصار، لكن هذه الليلة كانت أقسى، الضحايا لم تكن لهم علاقة، ولا ذنب سوى منزلٍ صار نعشهم، صرخ أحد الأقارب مُلطخًا بالدماء والرماد والدموع: “أية جريمة ارتكب هؤلاء الأطفال؟”.
يقول أحد المسعفين وهو يرفع جثة الطفلة الشهيدة فوق ذراعيه من تحت الركام: “طفلة لا تتجاوز العشرة الأعوام، استهدفها طيران العدوان السعودي الأمريكية الإسرائيلي، وهذا حقدهم على الشعب اليمني، ويريد ضرب أبناء البلد كافة، بعد الغارة ما قدر المواطنون التحرك إلى مكان الجريمة، لأن التحليق كان مستمراً”.
الأم تحتضن جثمان طفلتها الشهيدة، وتبكي دماً ودموعاً، وجفَّ الدم في بني معين، لكن الجروح لم تُندمل، ومع دخول العدوان عامًا جديدًا، تتحول قصص الضحايا إلى أرقامَ تُطمس تحت غبار اللامبالاة العالمية، رغم اعتراف العدوان، بالكثير منها، إلا أن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لم يتحرك لمحاسبتهم.
اليوم، يجلس الناجون والجرحى جوار ركام منزلهم، ويزورون روضة الشهداء، داعين العالم والضمير الإنساني إلى إنصافهم، وتحقيق العدالة، وتذكير العالم بأرواح انطفأت قبل أوانها، قد لا يتذكر العالم أسماءهم، لكن تراب بني معين يهمس: “كم طفل يجب أن يموت قبل أن يتوقف العدوان على اليمن”.
25 فبراير 2017..16 شهيداً وجريحاً أغلبهم نساء وأطفال بغارات العدوان السعودي الأمريكي على منزل أحد المواطنين بعتمة ذمار:
وفي جريمة حرب وإبادة جماعية جديدة، لغارات العدوان السعودي الأمريكي، في اليوم ذاته من العام 2017م، استهدفت منزل المواطن ثابت مسعد اليمني في قرية المنجدة منطقة حيفان بمديرية عتمة محافظة ذمار، أسفرت عن 4 شهـداء و12 جريحاً جلهم أطفال ونساء، وتدمير المنزل على رؤوسهم، وتضرر المنازل والممتلكات المجاورة، وترويع الأهالي، ونزوح عشرات الأسر، وأضرار نفسية ومادية كبيرة.
في صباح يوم السبت كانت أسرة ثابت اليمني كغيرها من الأسر اليمنية، تنهض من نومها، لتعد وجبهة الإفطار، والأطفال يتسابقون على إعداد حقائبهم المدرسية، وتفقد أقلامهم ، وقنينات الماء، والأم تعد الخبز، والأخت تحلب البقرة، وحاج مسن يكمل ورده القرآني ولا يزال على سجادته، وكانت العصافير تزقزق بصوتها الشجي، وخلايا النحل تخرج من جباحها الخشبية نحو المراعي، واليوم يبدأ بنشاط وبهجة مع وصول أول خيوط الشمس المشرقة، ورائحة الخبز والقهوة تتصاعد وسط دخان مصاعد الحطب، مثل كل يوم.
وفي لحظة مفاجئة يخترق صوت طيران العدوان سماء المنطقة، ويلقي صواريخه وقنابله الفتاكة على سقف المنزل المتواضع في القرية النائية، وتبدأ المأساة، بصراخ من تحت الأنقاض ودخان وغبار متصاعد، ودوي الانفجار يفزع من بقي في نومه، من سكان القرية والقرى المجاورة، وتتحول نفحة الصباح، على مشهدية موحشة لأطفال ونساء يبادون دون ذنب، ويهرع الأهالي إلى مكان منزل جارهم، وينتشلون الجثث، ويستخرجون الجرحى، وسط أجواء حزن وقهر تخيم على المنطقة.
الأطفال الذاهبين إلى المدراس غيروا وجهتهم ليشاركوا في إسعاف زملائهم وأصدقائهم، والآباء والأمهات يخشون عودة الطيران لقصف منازلهم ، يخرج سكان القرية مسرعين نحو المزارع والتباب وتحت الأشجار، ومنهم من يشارك في الإسعاف وتجهيز النعوش وحفر اللحود في روضة الشهداء.
رائحة الدم والموت امتزجت برائحة البارود والقهوة، كما اختلطت الدماء بالدمار والأثاث، والدفاتر والكتب، وحليب الإفطار، وعسل النوب، وتوزعت الجدران بأحجارها وسقوفها الخشبية، على حافة الجبل وفي الحقول والمدرجات، في مشهد يعكس حجم الجريمة و وحشيتها.
يقول أحد المسعفين: “بكر العدوان الساعة السابعة صباحاً شن غاراته على بيت مسعد اليمني، وقتله وزوجته، حتى النحل وبقره، وما في أحد هنا من العسكريين أو القادة، أو مخازن أسلحة، ومن يشتي يواجه يضرب في الحدود، في الجبهات، قوتهم على المستضعفين المدنيين، نساء وأطفال، وعجزة، ما في عتمة أي شيء، معنا قات وذرة ومحمية لا فيها شيء يستحق الاستهداف”.
ابن الشهيد أحمد ثابت مسعد: وصلت الضربة ونحن نائمين واستشهد أبي وعمره فوق 70 سنة وأمي كذلك، نحن ناس مواطنين، ندور القوت الضروري، ما معنا أي شيء، قتلونا قبل تناول وجبة الصبوح، كان معنا 70 خلية نحل ما بقي منها شيء، هذه الحشرات العظيمة تستهدف، وهذه الأغنام والبقر جثث، ما ذنب الإنسان والحيوان والحشرات يا عالم”.
تقول الجريحة من فوق سرير المشفى: “في الصباح ضربنا العدوان بغارتين، خالي وخالتي وكلهم بين الأرض، عادهم مكبوسين إلى حد الآن، ضربنا سلمان اليهودي، ونحن مواطنين في بيوتنا، وأخي وابن أخي ومرت أخي، والبقر حقنا 3 رؤوس، حجار البيت ما بقي منها أي شيء”.
وبعد عودة طيران العدوان أدراجه، ترك خلفه أسرة مقصوفة وجريمة موصوفة، بغارات لا تفرق بين مدني وعسكري، ولا كبير ولا صغير، فتبيد أسرة يمنية، وتدمر المنزل بالكامل بمن فيه من النساء والأطفال، ودمار كبير وجريمة أكبر، ومن لم يستشهد كانت حالة جراحه بين الحرجة والمتوسطة، وظهرت حقيقة ما تقدمهُ أمريكا والسعودية، لليمنيين، من مجازر وجرائم، تدعي بها إعادة الشرعية، ونشر الديمقراطية، فيما صور الأشلاء المقطعة، والدماء المسفوكة، تحت الأنقاض تفضح الحقيقة، وتعري ما بقي من القيم والمبادئ الإنسانية.
25 فبراير 2018.. شهيد وجريح وأضرار في منازل ومزارع المواطنين بقصف العدوان السعودي الأمريكي وأدواتهم على صعدة:
وفي اليوم ذاته عام 2018م، أضاف العدوان السعودي الأمريكي، جريمة حرب جديدة، إلى سجل جرائمه بحق الشعب اليمني، مستهدفاً بقصفه الصاروخي والمدفعي منازل ومزارع المواطنين في مديريتي رازح وغمر الحدوديتين، ما أسفر عن استشهاد مواطن وجرح آخر، وأضرار في الممتلكات، ونزوح وتشرد عشرات الأسر من مآويها، ومضاعفة المعاناة، وترويع النساء والأطفال، وحرمانهم من أبسط الحقوق الإنسانية.
ومنذ بدء العدوان على اليمن تتعرض المديريات والمناطق الحدودية للعدو السعودي، للقصف والاستهداف المتواصل بالغارات والصواريخ والمدفعية، ومختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، التي تسفر عن جرائم حرب ومجازر وحشية، وتهجير قسري لعشرات الأسر، وتدمير المنشآت والبنى التحتية، وشبكة الطرقات والجسور، والمراكز الصحية والمدارس، وفق سياسية الأرض المحروقة، وتحويل صعدة إلى محافظة منكوبة، ومنطقة عسكرية من طرف واحد.
أحد الأهالي يقول: “قام طيران العدوان بشن غارتين على منزل أحد المواطنين، ودفعة المدافع والصواريخ أكثر من حكايات النزوح، ولو سمع العالم لما حصل بحق المواطنين في رازح فقط، لكان كافياً بتصنيف دول العدوان بمجرمي حرب، ولكن مهما كان جرم العدوان بحق شعبنا لن نغير موقفنا وسنكون صامدين”.
استهداف المدنيين والأعيان المدنية، في محافظة صعدة، جريمة حرب مكتملة الأركان، ووصمة عار في جبين الإنسانية والمجتمع الدولي الذي لم يحرك ساكناً أمام ذلك، والاكتفاء ببيانات تعبر عن القلق الدائم، فيما آلاف الأطفال والنساء، وكبار السن يعانون من الموت قصفاً وحصاراً، ونقص المواد الغذائية والدوائية، وأبسط الخدمات الأساسية.
25 فبراير 2020.. مدفعية مرتزقة العدوان تقصف منزل مواطن في دريهمي الحديدة:
وفي اليوم ذاته من العام 2020م، سجل مرتزقة العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي جريمة حرب جديدة، وخرقاً آخر لاتفاق السويد، بقصفهم المدفعي على منزل أحد المواطنين بقرية الجربة العليا مديرية الدريهمي، محافظة الحديدة، ما أسفر عن تضرره، ورعب الأطفال والنساء، وهلع الأهالي المجاورين ومضاعفة المعاناة، وموجة نزوح من القرية؛ خشية استمرار الاستهداف الممنهج.
يقول مالك المنزل : “هذا المنزل حقنا ضربه مرتزقة العدوان، وهذه القذائف في المنزل، وسلمان وابن زايد يضربونا كل يوم بالهاونات، الله يضربه من عنده من يضربنا، ما ذنبنا يشتونا ننزح ونتسول من المنظمات مساعدات، نحن في منازلنا حتى الشهادة، لن نركع إلا لله”.
خروقات العدوان لاتفاق السويد واستمرار استهدافهم للمنازل والممتلكات، جرمية حرب، وانتهاك للمواثيق والمعاهدات، وتحد لكل القيم الإنسانية والدولية، وتصعيد خطير يهدد استمرار الاتفاق، ويفشل كل مساعي السلام في اليمن.