الشيخ ياسر السيد مدين يكتب.. كيف وصلتنا السُّنة؟
تاريخ النشر: 28th, March 2024 GMT
من الحقائق التى يجهلها البعض ويتوقف فى قبولها البعض الآخر قضية تدوين السُّنّة المطهرة منذ العهد النبوى، وذلك لظنٍّ خاطئٍ أنَّ العرب آنذاك كانوا بدواً لا درايةَ لهم بالقراءة والكتابة والعلم.
وليس هذا تصوراً صحيحاً، فمن الثابت تاريخياً أنه وُجدت فى جزيرةِ العربِ ممالكُ على قدر من التحضر يقتضى درايةً كافيةً بالتدوين والعلم، كالمناذرةِ فى الحِيرةِ والغَساسنةِ فى الشام، فالمناذرةُ مثَلاً قد سجّلوا تاريخَهم فى وثائقَ وقف عليها المؤرخُ هشام بن مُحَمَّد الكَلبىُّ (ت 204) فى بِيَع الحيرة، كما أنَّ أشعار العرب قد نُسخِت للملك النعمان بن المنذر بأمرٍ منه، وكان الملك إذا استُجيدَت قصيدةٌ قال: عَلِّقوا لنا هذه؛ لتكونَ فى خزائنه، ونجد الشاعر الجاهلى عدِىَّ بن زيدٍ كان يحسن العربية والفارسية، وقد اتخذه كسرى ترجماناً بينه وبين العرب، وهذا يدل على وجود الكتابات الرسمية فى الجاهلية بدليل أن كسرى جعل فى ديوانه واحداً منهم ليكاتبهم ويترجم كتبهم إليه.
وقد حَبس النعمانُ هذا الشاعرَ بسبب وشاية، فكان يرسل وهو فى سجنه شعراً يتوسل إليه فيه أن يرحمه، وأن يعيد إليه حريته، وكتب إلى أخيه بشعر وكتب إليه أخوه شعراً أيضاً، وهذا الخبر يبين أن أدوات الكتابة كانت متاحةً حتى داخل السجون.
وكان فى العرب فى الجاهلية والإسلام مُعلّمُون حتى عقَد ابن حبيب فى كتابه المحبّرِ فصلاً خاصاً لذكرِهِم، وكان فى النساء مُعلِّمات أيضاً منهن الشِّفاءُ بنت عبدالله بن عبد شمس القُرشية التى علَّمت السيدة حفصة رضى الله عنها الكتابة، وكذلك قام جماعة من اليهود يكتبون الخط العربى بتعليم صبيان أهلِ يثرب، حتى إنَّ أمَّ أنسِ بن مالك حينما جاءت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فى العاشرة أو دونها قالت: إن ابنى هذا كاتب. وكانوا فى الجاهلية يُلقبون مَن يجمع بين الكتابة والرمى والعَوم بالكامل، وكان من أولئك الكَمَلة سعد بن عبادة، ورافع بن عبادة، وأُسَيْد بن حُضَيْر، وأوس بن خَوْلىّ، بل أجاد بعض الجاهليين العبرية وقرأ التوراة كورقة بن نوفل، وفاطمة بنت مرٍّ الخَثعميَّة.
ووُجدتْ كتبٌ فى الجاهلية منها «مجلَّةُ لقمان» وهو كتابٌ يحوى شيئاً من حِكَمِه، وكانت منه نسخةٌ عند سُويد بن الصامتِ أحد الكَمَلةِ، وهذا أمرٌ كان معروفاً فى الجاهلية، بدليلِ ادَّعاءِ المشركين أنَّ القرآن أساطيرُ استكتبها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِىَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}.
وكان من أعرافِ الجاهليين تسجيلُ الديونِ والعهودِ والصلحِ والهدنةِ والأمانِ، وقد سجَّلت قريش مُقاطعتها لبنى هاشمٍ فى صحيفةٍ وعلّقتْها فى الكعبةِ، وكانت العهود تُكتب فى صُحفٍ خاصةٍ تُسمَّى المهارقَ جمع مُهرَق، وهو ثوبٌ حرير أبيض يُسقَى الصمغَ ويُصقلُ ثم يُكتب فيه، ومن ذِكرِ هذا فى الشعر: واذكروا حلفَ ذى المجازِ وما قُدِّم فيه العهودُ والكُفَلاءُ
حذَرَ الخَوْنِ والتعدِّى وهل تَنقضُ ما فى المهَارِقِ الأهواءُ
ففى هذين البيتين يذكر الشاعر أنَّ حلف ذى المجازِ [اسم موضع] كان مكتوباً فى المهارق حتى يبقى محفوظاً لا يُنقضُ.
وفى كثرة الألفاظ الدالة على الكتابةِ وأدواتِها دلالة قاطعة على انتشارها، وبعض هذه الألفاظ ألفاظ قرآنية كالقلم والمداد والرِّقِّ واللوح والقرطاس والصحف...، أضف إلى هذا النقوش الأثرية المتعددة التى بعضُها يعود إلى عهد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين.
وقد أمر القرآن الكريم بنظام دقيق فى كتابة الوثائق مما يدل على تمكن الناس من تحقيقه {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ...}، والأمر بأن يكون الكاتب متصفاً بالعدل يدل على توفر الكتَبَةِ.
وقد كَثُرَ فى الشعر الجاهلى -كما لحظَ العلماءُ- تشبيه آثار الديار وتموجات رمالها والخطوط المنتظمة التى تصنعها الرياح فيها بالكتابة وبالصحف المكتوبة، وهذا دليل على المعرفةِ الدقيقة بها، بل فى أشعارهم ما يشير إلى معرفتهم بنقط الحروف وتحسينها.
ولا تتعارض هذه الحقائق مع وصف الفترة السابقة على الإسلام بـ«الجاهلية» ووصف العرب بـ«الأميين»، وهذا ما سوف نبيِّنه إن شاء الله تعالى.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: القرآن الكريم السنة النبوية العدل الحقائق
إقرأ أيضاً:
أهميّةُ خطابات السيد القائد في رسم خارطة الطريق للبلدان العربية والإسلامية
يمانيون../
رغم المخاطر الأمنية التي تحيط بمحور المقاومة، إلا أن السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- يحرص أسبوعيًّا على إلقاء خطابه في كُـلّ خميس منذ بدء معركة “طوفان الأقصى” ودخول اليمن كمحارب رئيسي في هذه المعركة، ليرفع معنويات المجاهدين بكلماته الصادقة والنابعة من استشعاره بالمسؤولية أمام الله وأمام شعبه، وليذكر الناس بواجباتهم تجاه القضية الفلسطينية، ويحذر من عواقب تفريط الشعوب.
وحول الخطاب الأخير للسيد القائد، يؤكّـد عضو المكتب السياسي لأنصار الله فضل أبو طالب، أنه “كان خطابًا تاريخيًّا قدَّم فيه رؤية دقيقة وشاملة للأحداث”.
ويقول أبو طالب في منشورٍ له على منصة “إكس”: إن السيد القائد -حفظه الله- “قيّم التوجّـهات وحدّد الأولويات ووضع الحلول والمعالجات”.
خطابٌ استراتيجيٌ تاريخي:
من جانبه يحلل عضو المكتب السياسي لأنصار الله علي القحوم، بالقول: “خطاب سماحة السيد القائد المفدى وفخر الأُمَّــة -يحفظه الله- كان خطابًا استراتيجيًّا وتاريخيًّا واستثنائيًّا جسّد فيه قيم الإسلام الأصيل والموقف العروبي والإنساني والديني تجاه قضايا الأُمَّــة”.
ويوضح في تدوينة نشرها على حسابه في منصة “إكس” أن السيد القائد أكّـد على بوصلة العداء تجاه أعداء الأُمَّــة جمعاء أمريكا و”إسرائيل” والتمسك بالقضية الفلسطينية ونصرة ومساندة غزة والتضامن والوقوف مع شعوب الأُمَّــة المعتدى عليها من قبل الصهاينة المجرمين، متطرقًا في تحليله إلى أن السيد -حفظه الله- أكّـد أَيْـضًا على أهميّة وضرورة الوحدة العربية والإسلامية في الموقف المشرف في التكاتف وتوجيه الموقف والتحَرّك الجاد تجاه الأخطار والتحديات والمؤامرات التي تستهدف شعوب المنطقة”.
ونوّه القحوم من وحي خطاب السيد إلى “تعزيز الوعي والبصيرة والجهاد ورفع راية الإسلام وإسقاط مشروع أمريكا و”إسرائيل” المسمى بالشرق الأوسط الجديد وإشعال الفتن المذهبية والطائفية والعنصرية كمرتكز أَسَاسي في تحقيق هذا المشروع الخطير والخبيث وإشعال الاقتتال بين أوساط الشعوب العربية والإسلامية والصراعات البينية وإقحام المنطقة في دوامة لا نهاية لها”.
و”يرمي هذا المشروع الشيطاني الاستعماري إلى تمزيق أوصال الدول والشعوب من خلال التقسيم الديمغرافي والسياسي والمذهبي والطائفي وتصبح المنطقة ودولها وشعوبها ضعيفة وتكون السيادة والهيمنة للأمريكي والإسرائيلي في التحكم بمصير الأُمَّــة العربية والإسلامية واستباحة سيادتها واستقلالها وسلب حقوقها ونهب ثرواتها وفرض واقعًا جديدًا وخطيرًا على الأُمَّــة كُـلّ الأُمَّــة” -حسب تحليل القحوم-.
ويوصي القحومُ في تحليله بأنه “يجبُ الانتباهُ والاحترازُ لهذه المخطّطات الاستعمارية المدمّـرة والمهلكة لكل مقدرات الأُمَّــة، مع التأكيد في الخطاب ومضامينه على معرفة العدوّ الحقيقي للأُمَّـة والتصدي بحزم وقوة لمشاريع الغرب والصهاينة في تمزيق الأُمَّــة وحرف بوصلة العداء تجاه الداخل العربي والإسلامي وتجاوز كُـلّ الخلافات السياسية والمذهبية والطائفية والعنصرية والانطلاق في مواقف مشرفة وجهادية ضد عدو الأُمَّــة أمريكا و”إسرائيل” وإسقاط القطبية الواحدة وإنهاء المؤامرات والمشاريع الاستعمارية ومخطّطات التقسيم الجديدة، ولتكن الأُمَّــة واحدة وموحدة في هذا الموقف والاصطفاف العربي والإسلامي في المواجهة والموقف حتى الانتصار وزوال “إسرائيل” بإذن الله”.
استنهاض مُستمرّ للشعوب المتخاذلة:
وفي لقاءٍ سابق مع “المسيرة” كان قد تحدث عضو المكتب السياسي لأنصار الله محمد الفرح، عن أبرز ما تتضمنه خطابات السيد القائد الأسبوعية، قائلًا بأن السيد -حفظه الله- على طول هذه الحرب العدوانية الهمجية على الشعب الفلسطيني في غزة هو لم يتوقف عن إلقاء الخطابات الأسبوعية وتحفيز الناس دائمًا على مسألة المواجهة لهذا العدوّ ولتبقى هذه القضية الحية في وجداننا ومشاعرنا.
ويضيف: “ولأجل أن تبقى هذه القضية الفلسطينية في صدارة أولويات الناس وصدارة اهتماماتهم يسعى السيد -يحفظه الله- دائمًا لمحاولة التذكير بالجرائم الوحشية التي تحصل هناك، جرائم فضيعة لا مثيل لها مطلقًا”، مُشيرًا إلى أن السيد القائد “يقدم دائمًا الإحصائيات في هذا الصدد، ويستنهض الشعوب العربية ويسعى بكل جهده باستمرار لتذكيرها بمسؤوليتها والمخاطر التي تترتب التفريط والإهمال والتقصير والتخاذل، إضافة إلى خلق حالة من البصيرة والوعي تجاه هذه الأحداث والاستفادة منها”.
وتطرق الفرح لحرص السيد بأنه “يعرّج في خطاباته على قضية ما يقدمه الشعب اليمني وبقية الجهات في محور القدس والمقاومة”، مواصلًا “ثم يأتي إلى الفقرة الأخيرة وهي أن يدعو الشعب اليمني إلى الخروج، ولا يزال الشعب اليمني مرابطًا وصابرًا في مختلف الساحات الجهادية رغم تعرضه للاستهداف بشكل شبه يومي من الطائرات الأمريكية والبريطانية والصهيونية، وَأَيْـضًا خروجه إلى الساحات في أكثر من 500 ساحة وما فوق ذلك بتفاعل كبير”.
القائد وحدَه من يرسُمُ خارطةَ الطريق ويفضحُ المخطّطاتِ التآمرية:
وفي السياق أكّـد عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي، في تدوينة سابقة، أن خطاب السيد القائد هو الخطاب الجامع والذي على ضوئه ترسم السياسة ويؤخذ منه المحدّدات أمام أي قضايا أَو غيرها.
وأشَارَ إلى أنه “ومع أي حدث قد تُتخذ مواقفُ تعتبر شخصيةً ويجب أن يعرف الجميع هو أن أية تصريحات لا تتفق مع ما تحدث السيد القائد أَو ما يصرح به رسميًّا فلا تعبر عن الموقف بالضرورة”، وذلك بمعنى أن السيد القائد -حفظه الله- هو من يرسم الطريق ويحدّد الموجهات في كُـلّ أسبوع يلقي فيه خطابه.
أما الناشط الإعلامي جمال أبو مكية، فقد أكّـد أن كلمة السيد القائد -يحفظه الله- تُعد بمثابة نقطة تحول تاريخية، حَيثُ أسقط فيها الأقنعة وكشف المخطّطات التي تحاك ضد الأُمَّــة.
ويوضح في تحليلٍ للخِطاب على حسابه في منصة “إكس” أن السيد استعرض بوضوح التحديات الراهنة، وبيّن أن الأعداء يعملون على زرع الفتنة وزعزعة الاستقرار، مردفًا أن القائد أشار إلى أن الحل يكمن في الوحدة والتكاتف بين جميع الشعوب الإسلامية وضرورة الالتزام بالمبادئ والقيم الدينية.
ويواصل أبو مكية: “كما شدّد على أهميّة عدم التراجع عن المبادئ، وأن هذا الالتزام هو ما يضمن النصر والنجاح في مواجهة المخطّطات العدائية”، مؤكّـدًا أن “كلمته كانت دعوة لتجديد العهد مع فلسطين والدفاع عنها كما أكّـد على الوقوف مع الشعب السوري واللبناني بكل الوسائل الممكنة”.
ويبيّن أن كلمة القائد هي “خارطة طريق واضحة للمستقبل، تحمل في طياتها رسالة أمل وثقة في قدرة الأُمَّــة على تجاوز الصعوبات وتحقيق الانتصارات”.
حرصُ القائد على الأُمَّــة الإسلامية:
من جهته يكتُبُ نائبُ رئيس اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى، مراد أبو حسين، عن كلمة السيد القائد -يحفظه الله- بأنها كانت شافيةً كافيةً وضّحت فيها كُـلّ المسارات وكلّ الأحداث والتحديات والمؤامرات ورسمت الخطط العرضية والرؤية القوية لوحدة الأُمَّــة وقوتها وعزتها بالتحَرّك تحت راية الله وفي سبيله في مواجهة العدوّ الإسرائيلي والأمريكي.
ويضيف أبو حسين في منشوره على منصة “إكس” بالقول: “تلحظ من كلمات وخطابات السيد القائد -يحفظه الله- حرصه على الأُمَّــة وشدته على العدوّ الإسرائيلي والأمريكي، وحكمته في مواجهتهم، وقوته في ارتباطه بالله وثقته به، والتوضيح للمخاطر والتبين للطريقة السليمة لوقاية الأُمَّــة، وحبه وألمه على غزة وفلسطين، وعشقه للجهاد في سبيل الله، واعتزازه بشعبنا العزيز الصادق المجاهد، وقوة علاقته بالله من خلال القرآن الكريم وتعزيز خوفه من الله”.
بدوره يقول الصحفي الفلسطيني فايد أبو شمالة: إن “خطاب السيد الحوثي: تشخيص مسؤول، وعلاج مأمول”.
ويؤكّـد في منشورٍ على منصة “إكس” أنه “لم يتغير موقف السيد القائد اليمني عبد الملك بدر الدين الحوثي في كلمته تجاه ما يجري من حرب الإبادة في غزة فقد سرد بشكل مفصل كُـلّ ما قام به العدوّ الصهيوني من جرائم وعدوان وقدم أرقامًا وإحصاءات عن عدد المجازر والشهداء والمصابين” مردفًا: “ولم يتغير موقفه قيد أنملة من مساندة اليمن واليمنيين لغزة مهما كانت الأثمان والتضحيات؛ لأَنَّ ذلك هو الواجب الذي لا تراجع عنه”.
ويشير أبو شمالة إلى الخروج الأسبوعي في المسيرات وضرب العمق الصهيوني بالصواريخ والمسيَّرات وفرض الحصار البحري على الكيان وداعميه، مؤكّـدًا أن السيد “لم يتغيّر تشخيصَه لحالة الضعف والهوان والتخاذل التي تمر بها الأُمَّــة والتي تمنعها من مواجهة أعدائها وتجعلها أُمَّـة ذليلة وخانعة؛ بسَببِ عدم استعدادها للمواجهة والتضحية وقبولها بمخطّطات العدوّ للسيطرة على خيراتها ومقدراتها”.
ويختتم أبو شمالة حديثه بالقول: “لم تختلف نبرةُ الألم العميق والحزن الشديد التي تنبعث من صوته القادم من بعيد متجهًا نحو فلسطين وسوريا ولبنان؛ باعتبَارها الجغرافيا الأقربَ للعدو والتي تتعرض بشكل يومي لهجماته واعتداءاته”.
المسيرة: أصيل نايف حيدان