الدكتور هاني تمام يكتب: الصيام الصالح
تاريخ النشر: 28th, March 2024 GMT
الصيام فى الإسلام هو الإمساك عن المفطرات من الفجر إلى المغرب بنية، وعلى هذا فأركان الصيام هى النية، والإمساك عن المفطرات من الفجر إلى المغرب، قال تعالى: «وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ»، والمراد بالخيط الأبيض والخيط الأسود: بياض النهار وسواد الليل.
وعلى هذا، فالواجب على كل صائم أن ينوى الصيام كل يوم من أيام رمضان وتكون النية من الليل، وقال الإمام مالك، رحمه الله: إن النية تكفى لصيام الشهر كله فى أول ليلة فقط، فهى واجبة فى أول ليلة فقط، ولا يجب على الصائم تجديدها فى كل يوم، بل يستحب، فمن نوى فى أول ليلة من شهر رمضان صيام الشهر كله كفاه ذلك، والأولى والأحوط أن يجمع الصائم بين القولين فينوى فى أول ليلة صيام الشهر كله ويسأل الله العون والتوفيق والقبول، ثم يجدد النية فى كل يوم، والنية فى صيام شهر رمضان تكون فى أى جزء من أجزاء الليل بداية من المغرب وحتى قبل طلوع الفجر؛ لقول النبى، صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ، أى يعزم عليه فَلَا صِيَامَ لَهُ»، وقال السادة الحنفية: إن النية فى شهر رمضان تجوز من الليل إلى ما قبل الضحوة الكبرى أو زوال الشمس، أى قبل الظهر بدقائق، ولهم أدلتهم فى ذلك، وحملوا حديث النبى السابق الذى يدعو إلى تبييت النية من الليل على نفى الكمال لا الصحة، أى لا يكون الصيام كاملاً إلا لمن بيت النية من الليل، والأولى أن يبيت الصائم النية من الليل، ولا مانع من الأخذ بقول الحنفية فى حالة النسيان. والنية محلها القلب، ويجوز التلفظ بها ولا حرج فى ذلك. ومن تسحر بالليل لأجل الصيام ولو على شربة ماء فهذه نية. وينبغى أن يخلص الصائم فى نيته، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، إيماناً أى مصدقاً بفرضيته وأنه حق، واحتساباً أى يريد بصيامه وجه الله تعالى وحده ويحتسب الأجر عنده ولا ينتظر ثناء الناس. وينبغى على الصائم أن يحرص على فعل الصيام على أحسن ما يكون وأن يجتنب أى شىء يفسد الصيام.
ومن الأشياء التى تفسد الصوم ويجب فيها القضاء: الأكل والشرب عمداً، فمن أكل أو شرب عمداً وجب عليه القضاء عند بعض الفقهاء، وقال الحنفية يجب عليه القضاء والكفارة. ومن أفطر عامداً فى رمضان فقد ارتكب إثماً عظيماً وذنباً كبيراً ولن يعوضه صيام الدهر كله كما قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَفْطَرَ يَوْماً مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ رُخْصَةٍ وَلَا مَرَضٍ، لَمْ يَقْضِ عَنْهُ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ وَإِنْ صَامَهُ»، أما من أكل أو شرب ناسياً فلا قضاء عليه، ولا كفارة، وعليه أن يكمل صيامه، قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَسِىَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ» وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَفْطَرَ فِى شَهْرِ رَمَضَانَ نَاسِياً، لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الصيام القيام التقوى العمل الصالح فى أول لیلة شهر رمضان کل یوم
إقرأ أيضاً:
الإفتاء تكشف عن سيرة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم
أوضحت دار الإفتاء المصرية، برئاسة الدكتور نظير عياد مفتي الديار، سيرة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، موضحاً أنها أعطرَ سيرة عرفَتْها البشريةُ في تعاليم التسامح والنُّبْل والعفو؛ فقد منحه الله سبحانه وتعالى مِن كمالات القِيَم ومحاسن الشِّيَم ما لم يمنحه غيره من العالمين قبله ولا بعده، وجعله مثالًا للكمال البشري؛ في التعايش، والتسامح، والرحمة، واللين، واللطف، والعطف.
سيرة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلمقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]، وقال سبحانه: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4]، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ» رواه الحاكم في "المستدرك".
ولم يكن خطابُه صلى الله عليه وآله وسلم موجهًا للمسلمين فقط، وإنَّما شَمِل كلَّ النَّاس في المدينة مسلمين وغير مسلمين، أهل الكتاب وغيرهم؛ بدليل أن راوي هذا الحديث هو سيدنا عبد الله بن سلام رضي الله عنه، وكان وقتَها كبيرَ أحبارِ اليهود وعالمَهم الأول.
وعلى السماحة والتعايش واحترام الآخر تأسَّس المجتمعُ الإسلامي الأول؛ حيثُ أمر الشرع بإظهار البر والرحمة والعدل والإحسان في التعامل مع أهل الكتاب المخالفين في العقيدة؛ فقال تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8]، فعاش اليهود في كنف الإسلام، يحترم المسلمون عاداتهم وأعرافهم.
واحترمت الشريعة الإسلامية الكتب السماوية السابقة، رغم ما نَعَتْه على أتباعها من تحريف الكلم عن مواضعه، وتكذيبهم للنبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، فبعد غزوة خيبر كان في أثناء الغنائم صحائف متعدِّدة من التوراة، فجاءت يهود تطلبها، فأمر النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم بدفعها إليهم، كما ذكره الإمام الدياربكري في "تاريخ الخميس في أحوال أنْفَسِ نَفِيس صلى الله عليه وآله وسلم" (2/ 55، ط. دار صادر)، والشيخ نور الدين الحلبي في السيرة الحلبية "إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون" (3/ 62، ط. دار الكتب العلمية).
وأضافت الإفتاء قائلة: وهذه غاية ما تكون الإنسانية في احترام الشعور الديني للمخالف رغم عداوة يهود خيبر ونقضهم للعهود وخيانتهم للدولة؛ حيث كانوا قد حزبوا الأحزاب، وأثاروا بني قريظة على الغدر والخيانة، واتصلوا بالمنافقين وغطفان وأعراب البادية، ووصلت بهم الخيانة العظمى إلى محاولتهم الآثمة لاغتيال النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وتابعت: وبلغ من تسامح النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن نهى المسلمين عن سب الأموات من المشركين بعد وفاتهم إكرامًا لأولادهم وجبرًا لخواطرهم؛ فعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: "لَمَّا كان يوم فتح مكة هرب عكرمة بن أبي جهل وكانت امرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام امرأةً عاقلةً أسلمت، ثم سألَتْ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم الأمانَ لزوجها فأمرها بردِّه، فخرجت في طلبه وقالت له: جئتُك مِن عند أوصل الناس وأبر الناس وخير الناس، وقد استأمنتُ لك فأمَّنَك، فرجع معها، فلما دنا من مكة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: «يَأْتِيَكُمْ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ مُؤْمِنًا مُهَاجِرًا، فَلَا تَسُبُّوا أَبَاهُ؛ فَإِنَّ سَبَّ الْمَيِّتِ يُؤْذِي الْحَيَّ وَلَا يَبْلُغُ الْمَيِّتَ» فلما بلغ باب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استبشر ووثب له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائمًا على رجليه فرحًا بقدومه" أخرجه الواقدي في "المغازي"، ومن طريقه الحاكم في "المستدرك".