الوطن:
2025-03-06@15:08:48 GMT

الدكتور يوسف عامر يكتب: في الخشوع

تاريخ النشر: 28th, March 2024 GMT

الدكتور يوسف عامر يكتب: في الخشوع

 حين ذكَرَ الله تعالى فَلاحَ المؤمنينَ ذكَرَ سبحانه أنَّ أولى الصفاتِ التى بِسببِها أفلحوا خشوعُهم فى صلاتِهم: «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِى صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ» [المؤمنون: 1، 2]، وليسَ هذا معناهُ أنهم خاشعونَ فى الصلاةِ فقط، وإنما ذكرَ خشوعهم فى الصلاةِ لأنَّ أَوْلَى الحالاتِ بالخشوعِ الحالةُ التى يُناجِى فيها العبد مولاه سبحانه، ووصفُ (خاشعون) يُشيرُ بمبناهُ إلى ثبوتِ وصفِ الخشوعِ لهم، فالاسمُ يدلُّ على ثبوتِ الوصفِ، ولو جاء الوصف بالفعل (يخشعون) لما تحقَّقَ هذا المعنى.

وقد يَتخشّعُ البعضُ فى الظاهرِ أمامَ الناس، وليسَ فى قلبِه من الخشوعِ شىءٌ، وهذا نفاقٌ مذمومٌ، وقد رأَى البعضُ رجلاً مُنقبضَ الظاهرِ قد زوَى منكبَيْهِ فقال: يا فلانُ الخشوعُ ها هُنا [وأشارَ إلى صدرهِ] لا ها هُنا [وأشار إلى منكبيه].

وقد يستشعرُ البعضُ شيئاً من الخشوعِ فى قلبِه، فيبالغُ فى إظهارِ خشوعِهِ أمامَ الناسِ، فيُبدِى على ظاهره أكثرَ ممَّا فى قلبِهِ، وهذا أيضاً نفاق مذموم، وقد رُوِى أنَّ سيدَنا عمرَ بنَ الخطابِ، رضى الله عنه، نظَرَ إلى شابٍّ قد نكّسَ رأسَهُ، فقال له: يا هذا ارفعْ رأسَك، فإنَّ الخشوعَ لا يَزيدُ على ما فى القلبِ، فمَن أظهرَ للناسِ خشوعاً فوقَ ما فى قلبِه فإنما أظهرَ نفاقاً على نفاقٍ.

فعلى المرء إذاً ألا يرائى أحداً بإظهار خشوع أو خضوع، وعليه أن يحقق هذا الخشوع الصادق فى قلبه، فالخشوع محلُّه القلب، وقد بين هذا الجنيدُ، رضى الله عنه وأرضاه، حين سُئِلَ عن الخشوعِ، فقال: تَذلّلُ القلوبِ لِعَلامِ الغيوبِ. فالقلوبُ تتذللُ لِمَن علِمَت كمالَهُ واقتدارهُ، وإذا امتلأتِ القلوبُ بهذهِ المعرفةِ أثَّرتْ فى الجوارحِ، ومِن هنا قيل: خشوعُ القلبِ قيَّدَ العيونَ عن النظَرِ. أى: منَعَها من النظرِ إلى ما حُرّمَ عليها.

والخشوعُ بهذا نافعٌ للمرءِ الخاشعِ وللمجتمعِ كلِّه من حولِهِ، ولذا كان مِن المهمِّ أنْ نعرفَ كيفَ نُحققُ الخشوعَ؟

وقد بيَّن هذا بعضُ الصالحينَ حين بيَّنَ لنا ما يتصفُ به العبدُ الخاشعُ فقالَ: الخاشع من خمِدَتْ نيرانُ شهوتِهِ، وسكَنَ دُخَانُ صَدرهِ، وأشرَقَ نُورُ التعظيمِ فى قلبِهِ، فماتَتْ شهوتُهُ، وحىَّ قلبُهُ، فخشعَتْ جوارحُهُ.

ومعنى خمودِ نيرانِ الشهوةِ أن صاحبَها سَكّنَها، فلم تَسُقْهُ إلى معصيةِ اللهِ تعالى. ومعنى سكونِ دخانِ الصدرِ أنَّ هواهُ خمِدَ فلم يَمِلْ به إلى باطلٍ. ومعنى قوله: (أشرقَ نورُ التعظيمِ فى قلبِه) أى: تَنوّرَ قلبُهُ بتعظيمِ اللهِ تعالى وتعظيمِ أمْرِ حُرماتِهِ، وهذا نورٌ تموتُ به الشهوةُ الآثمةُ التى تجرُّ العبدَ إلى ما نُهِىَ عنه، وبهذا النورِ يصيرُ قلبُهُ حياً، وفى هذا إشارةٌ إلى أنَّ القلبَ الذى ليس فيه تعظيمٌ للهِ قلبٌ ميّتٌ! وإذا حصلتْ حياةُ القلبِ بما تقدَّمَ خشعَتِ الجوارحُ، فخشوعُ الجوارحِ نتيجةٌ لمراحلَ سابقةٍ شديدةٍ يُقاسِى فيها المرءُ سيطرةَ الشهوةِ عليه، وغَلبَةِ الهوَى له، ثم يَملأُ قلبَهُ بعدَ أنْ طهّرهُ من الشهواتِ والأهواءِ بنورِ معرفةِ صفاتِ الله تعالى التى تملأُ قلبَهُ تعظيماً له، فتموتُ عن قلبِه دواعى الإثمِ، فيَحيا قلبُهُ، وحينئذٍ يتحققُ خشوعُ الجوارحِ! إنها كلمةٌ عظيمةٌ تُبينُ كيفَ يكونُ جهادُ النفسِ الذى يَتهذّبُ به باطنُها وظاهرُها فيسعدُ العبدُ، ويسعدُ به الكونُ مِن حولِهِ.

 

 

 

 

 

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الخشوع التقوى الرضا القناعة

إقرأ أيضاً:

ماهر أبو طير يكتب: هل سيتخلى الرئيس عن التهجير؟

لا يبدو أن الخطة العربية التي تبنتها قمة القاهرة ستكون في طريقها إلى التنفيذ بهذه السهولة التي يتصورها البعض، لاعتبارات كثيرة، بعضها ظهر مبكرا جدا.
الأزمة ستكمن في التنفيذ حيث كثير من التفاصيل، التي من أبرزها ملف تمويل إعادة الإعمار، ومن سيدفع، وما هي قيمة الدفعات، وهل ستكفي أم لا، ومدى تأثر الممولين بالذي تريده واشنطن من حيث إبقاء القطاع مدمرا لفرض سيناريو التهجير، وإذا كانت مصر سوف تستضيف مؤتمرا لإعادة الإعمار لاحقا، فإن اعتراضات واشنطن السرية ستؤدي إلى إحجام كثيرين عن دفع المال لقطاع غزة، وقد يغيب كثيرون أصلا، عن هكذا مؤتمر، لا تريده واشنطن أصلا.


بعد أن تم الإعلان عن الخطة العربية خرج المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي براين هيوز وقال إن الخطة العربية لإعمار القطاع تتجاهل واقع قطاع غزة المدمر، ولا تعالج حقيقة مفادها أن غزة غير صالحة للسكن حاليا، كما أن الخطة العربية لا تعالج حقيقة أنه لا يمكن لسكان غزة العيش بشكل إنساني في منطقة مغطاة بالحطام والذخائر غير المنفجرة، وهذه الإشارات الأميركية الأولى ضد الخطة ستتبعها اشارات ثانية في سياق إفشال أي حل عربي، من أجل الوصول إلى المستهدف التالي، أي احتلال القطاع، وإخراج الفلسطينيين منه بكل الوسائل.
إسرائيل من جهتها تريد إنهاء كل الأنظمة الحاكمة في غزة والضفة الغربية، أي حماس والسلطة الوطنية الفلسطينية ولذلك وصفت وزارة الخارجية الإسرائيلية الخطة العربية بكونها مغرقة في وجهات نظر عفا عليها الزمن، ورفضت الاعتماد على السلطة الفلسطينية وبقاء حماس في السلطة، لأن تل أبيب تريد إنهاء حماس كليا وتسليم سلاحها، واستسلام قادتها، وتريد أيضا تفكيك سلطة أوسلو، في الضفة الغربية تمهيدا للمرحلة المقبلة وهذا يستوجب أصلا منع السلطة من ممارسة اي دور داخل قطاع غزة في سياقات تفكيك مشروع الدولة الفلسطينية القائمة على جناحي غزة والضفة الغربية، وتوطئة لمخطط أكبر يرتبط فعليا بالتهجير.


حماس كانت ذكية حين أشادت بالخطة العربية وقالت إنها لا تريد أن تكون طرفا في الإدارة للقطاع، أما ملف السلاح، فأعلنت أنها لن تسلمه، كما أنها أيضا غير مضطرة لتسليمه في ظل هكذا معادلات تقوم على احتمالات عودة الحرب ومحاولة ذبح الفلسطينيين مجددا، وفي الحد الأدنى فإن ملف السلاح لأي مكن اتخاذ موقف علني بشأنه ما دامت الاتصالات السرية لم تصل إلى نتيجة حوله، في سياقات تتحدث عن سيناريو استراحة المحاربين بدلا من تسليم السلاح، إذا قبلت واشنطن وتل أبيب هكذا صيغة، وهو أمر مشكوك به لأنه يتعارض مع مخطط التهجير.
العرب يخططون لحمل الخطة والذهاب بها إلى واشنطن، والمؤشرات السلبية منذ الآن تقول إن هكذا زيارة قد لا تتم، وإذا تمت فستكون معرضة لأخطار كبيرة، خصوصا، أن الخطة العربية أغلقت كل نقاط الضعف التي كانت تتذرع بها إسرائيل، لكن الاحتلال ذاته لا يريد فعليا إعادة الإعمار، ولا يريد هيئة مدنية لحكم القطاع بعيدا عن الهياكل التقليدية، أي حماس والسلطة، ولديه مخطط محدد يتعلق بالأرض، وبوضع الفلسطينيين، وسيجد أي ذريعة للالتفاف على الخطة العربية.
مع وقف إسرائيل للمساعدات وتدفقها إلى القطاع قبل القمة بأيام، والمشاكل القائمة حول تمديد المرحلة الأولى للمفاوضات، أو بدء مرحلة ثانية، فإن ما سنراه خلال المرحلة المقبلة سيقوم على عدة محاور، أولها محاولة استعادة كل الأسرى الإسرائيليين، وثانيها إفشال خطة إعادة إعمار غزة ومنع نشوء هيئة مستدامة للحكم في القطاع بدلا عن الحكم الحالي، وثالثها توسع المخطط الإسرائيلي داخل الضفة الغربية، ورابعها تصعيد أعلى على جبهتي سورية ولبنان، وخامسها الدخول في مرحلة تحول على صعيد ملف التهجير بما يهدد مصر، والأردن في مرحلة متأخرة.


كل هذا يقول إننا عالقون في المنطقة الرمادية هذه الأيام، وسوف تثبت الأيام أن تل أبيب وواشنطن لديهما مخطط مختلف، ولن تقفا عند كل الحلول العربية البديلة.
الرئيس الأميركي يقول إنه لا يريد حربا في غزة، وفي الوقت ذاته لا يبدو أن واشنطن ستقبل خطة العرب لغزة بصيغتها الحالية، فماذا سيتبقى لحظتها سوى التهجير، وهو خيار يتطابق مع مخططات الإسرائيليين تجاه القطاع ثم الضفة؟.





تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا


طباعة المشاهدات: 630  
1 - ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. 06-03-2025 10:29 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
رد على :
الرد على تعليق
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
اضافة
"بفارق سنتيمترات" .. عائلة تنجو من سقوط شجرة ضخمة في مدينة نيويورك - فيديو سرقة بطاقة ائتمانية تقود إلى جائزة يانصيب ضخمة: قصة فريدة في فرنسا تقليد غريب .. مسجد إندونيسي يصلي التراويح 23 ركعة في 10 دقائق الراتب المثالي للوصول إلى مليون دولار عند التقاعد! بالفيديو .. الرئيس الموريتاني يُعزي عشيرة الحويان... رئيس لجنة "التعليم النيابية" النائب محمد... المحامي بشار البطوش يوضح لسرايا الجوانب القانونية... أمطارغزيرة وسيول ورياح مثيرة للغبار وحالة من عدم... "جرحى مدنيون وتدمير مبان" .. مقاتلة... رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد يعلن 2025 عام حربشاهد بالفيديو .. ميكروفون مفتوح يفضح حديثًا بين...في مشهد غير مسبوق .. وزير الخارجية الأميركي ماركو..."قائمة سوداء لدول" يحظر على سكانها دخول..."بتهمة القيادة تحت تأثير الكحول" .....محادثات بين حلفاء لترامب ومعارضين لزيلينسكي"جرحى مدنيون وتدمير مبان" .. مقاتلة..."البنتاغون" يؤكد تعليق جميع المساعدات...دول أوروبية تؤكد رفضها "أي دور" لحماس في غزة ترامب يوجه ما أسماه التحذير الأخير لحماس رانيا محمود ياسين في تصريح صادم: "أتغدر بيا من... أحمد العوضي يكشف سر زواجه بعد رمضان .. والعروس مفاجأة بسمة بوسيل تخرج عن صمتها:" ليس ذنبي أنني تزوجت... دينا الشربيني تعلن انفصالها عن خطيبها بعد 14 عاماً في المنفى .. مازن الناطور نقيباً... برشلونة "المنقوص" على مشارف ربع نهائي الأبطال عصابة إيطالية تسافر إلى إنجلترا ل"السطو" على منزل نجم نيوكاسل قطر تستضيف كأس العرب 2025 نهاية العام الحالي مليار دولار جوائز مالية لمونديال الأندية الجديد ديمبلي ضد صلاح .. التشكيلة الأساسية لمواجهة باريس سان جيرمان وليفربول على طريقة هوليوود .. اختطاف رجل أعمال في المغرب ظاهرة فلكية نادرة لا تفوتها .. حرف "إكس" عملاق يظهر على القمر تطاير ملايين الليرات على أوتوستراد حمص - دمشق في حادثة مثيرة .. لص يسرق ويبتلع أقراطا بقيمة 770 ألف دولار وفاة غامضة لرضيعة سورية في تركيا والشرطة تحقق في الحادثة ظاهرة "'قمر الدم" تزين السماء قريبًا ودول عربية من بين الأوفر حظًا برؤيتها وفاة "الرجل ذي الذراع الذهبية" .. دمه أنقذ آلاف الأرواح فتحوّل لبطل قومي مفاجأة عن الفئران .. تقدم "الإسعافات الأولية" لرفاقها فاقدي الوعي إعلان شوكولا لبشار الأسد بالذكاء الاصطناعي يثير موجة سخرية الوجه الخفي لبرامج المقالب .. كيف تؤثر على صحة الأطفال النفسية؟

الصفحة الرئيسية الأردن اليوم أخبار سياسية أخبار رياضية أخبار فنية شكاوى وفيات الاردن مناسبات أريد حلا لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر(وكالة سرايا الإخبارية) saraynews.com
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2025
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...

مقالات مشابهة

  • وشم الشباب .. اختراق شرق اوسطي جديد !
  • الإعلام تنعى الدكتور عبد العزيز بن صالح العقيل
  • ماهر أبو طير يكتب: هل سيتخلى الرئيس عن التهجير؟
  • وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر.. قواعد نبويّة للتّقييم السّياسيّ والاجتماعيّ
  • د. عصام محمد عبد القادر يكتب: رمضان.. شهر التقوى والفضيلة
  • عشان تبقى يوسف ساويرس.. محمد رمضان يهدي 50 ألف جنيه لطفل عامل توصيل.. «فيديو»
  • تسبب العمى.. حركة في الصلاة حذر النبي من فعلها.. تجنبها في التراويح
  • مجدي أبوزيد يكتب.. رمضان فرصة الجميع لإصلاح النفس والتغيير
  • فتاوى :يجيب عنها فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان
  • من هم يعملون يسيرًا.. ويُؤجرون كثيرًا؟