#تأملات_رمضانية
د. #هاشم_غرايبه
من المفروغ منه أن القرآن الكريم غير متاح تحريفه، لذلك لجأ بعض السياسيين المغرضين الى استئجار ضمائر بعض شيوخ الضلال من مفتي السلاطين، لأجل اقتطاع بعض النصوص من سياقها، لتغطية أفعالهم بغطاء شرعي، ولتنفيذ مآربهم، ليكون الرد على من يعترض عليها:” أتعترض على كلام ربنا!؟”.
سأورد مثالين مشهورين كثر الإستشهاد بهما من قبل أبواق أنظمة الإستسلام ومروجي العملية السلمية، أولهما قوله تعالى:” وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ”، وتفسيره: لا يكونن ما تفعلوه بإرادتكم سببا لهلاككم، لكنهم كانوا يستعملونه لتبرير عدم مقاتلة العدو بسبب تفوقه العسكري، باعتبار ذلك إلقاء بالنفس الى التهلكة وكأن شرط دخول المعركة تأمين التفوق العسكري مسبقا.
ذلك هو من باب لي أعناق الآيات لتخدم غرضا غير الذي أنزلت فيه، ولو كان التفوق شرطا لدخول المسلمين المعركة، ما حارب المسلمون قط، فقد ظلت موازين القوة الميدانية في غير صالحهم على الدوام، وخاض جيشهم الذي يبلغ ثلاثة آلاف مقاتل معركة مؤتة ضد جيش الروم وهي القوة العظمى آنذاك وكان عديد قواتها مائتي ألف، أي سبعين ضعف قوة المسلمين، غير هيابين من التهلكة التي كانت بحسب المعايير البشرية مؤكدة، لكن كان أملهم بالنصر بناء على القانون الإلهي، والذي انتصروا بموجبه في كل مرة أتموا معاييره، وهي: قوله تعالى “كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ” [البقرة:249] و ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ ينصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ” [محمد:7].
نص الآية الكريمة التي يجتزئون منها فقرة، ويقطعونها من السياق العام الذي نزلت فيها، فيستشهدون بها لتبرير تخاذلهم واستسلامهم للعدو تقول: “وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين” [البقرة:195]، واتفق المفسرون على أنها نزلت في قوم من الأنصار قالوا إن الله قد أغنى إخواننا المهاجرين، فلم تعد من حاجة للإنفاق عليهم، فلنهتم بشأننا ويكفي ما أنفقناه عليهم، ولو فعلوا ذلك لضعفت قوة المسلمين وتغلب عليهم المشركون، ووقع خطر هلاك المهاجرين والأنصار.
إذاً فهي جاءت في سياق الإنفاق في سبيل الله، لأنه ينجي الإنسان من سوء العاقبة، ويؤكد ذلك ما سبق النص المذكور وما تلاه، فقد سبقتها الآية التي تدعو المسلمين الى الرد على العدوان بالمثل وعدم الإستكانة وبغض النظر عن تكافؤ القوى: ” فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ” [البقرة:194].
المثال الثاني قوله تعالى:”وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا”، والتي اعتبروها مجيزة لتوقيع معاهدات السلام الدائم مع العدو الصهيوني، التي تثبت استيلاءه على فلسطين، وتلغي حق استعادة ما احتله.
لكن معنى الآية مختلف، إذ يفيد بجواز الهدنة المؤقتة خلال صراع قائم، بدليل الآية التي سبقتها: “وأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ” [الأنفال:60]، أي أن الجنوح الى السلم ليس (خيارا استراتيجيا)، إنما هي حالة مؤقتة تمليها ظروف مرحلية، يتم فيها التقاط الأنفاس والإستعداد والإعداد وابقاء خيار اللجوء الى القوة قائما، وليس خيار الحل السلمي فقط والقائم على التوسل واستجداء كرم العدو.
وتؤكد هذه الآية من جديد المبدأ الأساسي في التجهز والإعداد والإنفاق في سبيل ذلك، وعدم القلق من المبالغ الباهظة التي يتطلبها الحشد والتجهز، لأن مردود ذلك سينعكس عليكم عزة وكرامة وامتلاك لمقدراتكم، لأنها كانت ستذهب من أيديكم، وما نراه حاضرا يثبت ذلك، فكل أموال النفط الهائلة تذهب للغرب المتسلط، بفعل خنوع العرب لهم وانصياعهم لأوامرهم، ولن يتركوهم إلا وخزائنهم خاوية.
وهذا هو إلقاء الأمة في التهلكة بأجلى صوره. مقالات ذات صلة الحذر من جلب الدبّ إلى الكرم فيفسده . . ! 2024/03/28
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: تأملات رمضانية
إقرأ أيضاً:
فوز ترامب ومستقبل القوة الأمريكية
ترجمة وتلخيص: حسين سنا
نشرت مجلة فورين أفيرز Foreign Affairs الأمريكية اليوم حوارا مطولا بين المؤرخ ستيفن كوتكين والمحرر التنفيذي للمجلة جاستن فوجت حول حالة القوة الأمريكية ومستقبل السياسة الخارجية الأمريكية بعد فوز دونالد ترامب بفترة رئاسية ثانية، وآثار ذلك على النظام العالمي في جبهاته المتعددة من الحرب الروسية الأوكرانية إلى الصين وشرق آسيا وصولا إلى المنطقة العربية ومحيطها الإقليمي.
ستيفن كوتكين أستاذ التاريخ في جامعة ستانفورد الأمريكيةستيفن كوتكين مؤرخ متخصص في الشؤون الروسية وهو أستاذ في كل من معهد هوفر ومعهد فريمان سبوغلي للدراسات الدولية التابعين لجامعة ستانفورد الأمريكية، قام بنشر العديد من الدراسات والمؤلفات أشهرها سيرة جوزيف ستالين في ثلاثة أجزاء، وفيما يلي ملخص تنفرد كويت نيوز بنشره حول هذا الحوار:
تأثير ترامب على القوة الأمريكيةيتأمل كوتكين في كيفية رؤية خصوم الولايات المتحدة كروسيا والصين لها وهي في حالة تراجع بسبب قرارات وأحداث تاريخية مثل حرب العراق، والأزمة المالية في 2008، والتعامل مع حرب أفغانستان. رغم أن نهج ترامب، الذي يفضل العمل الأحادي ويشكك في فاعلية التحالفات الجمعية التي راكمتها الولايات المتحدة مع دول الناتو وغيرها، وقد يتوافق ترامب مع رؤى الصين وروسيا لتراجع الولايات المتحدة، إلا أن كوتكين يرى أن عشوائية تصرفات ترامب قد تعني إما تفاقم هذا التراجع أو مفاجأة الخصوم بخطوات غير متوقعة. فعلى سبيل المثال، يصعب التنبؤ بموقف ترامب من أوكرانيا، فهو قد يضعف موقف أوكرانيا أو يتخذ خطوات قد تفاجئ الحلفاء والخصوم على حد سواء.
نصيحة لأوكرانياينصح كوتكين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالتركيز ليس فقط على المقاومة العسكرية، بل أيضًا على ضرورة ممارسة ضغط سياسي على نظام بوتين. حتى يشعر بوتين بمخاطر سياسية حقيقية بسبب أفعاله، فإن أوكرانيا ستواجه حرب استنزاف طويلة. ويؤكد كوتكين أن نجاح أوكرانيا النهائي يعتمد ليس فقط على الانتصارات في ساحة المعركة، بل أيضًا على التفاوض من أجل السلام مع روسيا، أي النجاح في ترجمة أي مكتسبات عسكرية إلى السياسة والدبلوماسية، حيث أن العدوان الروسي قد لا يكون التحدي الأكبر لترامب في فترته الثانية.
وزيرة الخارجية الألمانية آنالينا بويربوك بصحبة وزير الخارجية الأوكراني أندري سبيا في حديث جانبي بجانب الحائط الجداري “الجنود المدافعين عن أوكرانيا” خارج كاتيدرائية سان ميخائيل في كييف – 4 نوفمبر 2024 خطر حرب القوى العظمىيحدد كوتكين احتمال اندلاع صراع بين القوى العظمى في شرق آسيا، خاصة مع الصين، كخطر كبير في حال فاز ترامب بفترة ثانية. ويشدد على الفجوات الديموغرافية والعسكرية بين الولايات المتحدة والصين، محذرًا من أن الولايات المتحدة قد تواجه صعوبة في مثل هذا الصراع، خصوصًا فيما يتعلق بالقوى البشرية، حيث أن الصين تمتلك عددًا أكبر بكثير من الذكور الشباب المتاحين للخدمة العسكرية. كما يشير إلى تحديات تعبئة القوات الأمريكية على نطاق واسع، مقارنة بالاستراتيجيات الأمريكية السابقة التي اعتمدت على الحلفاء للمساهمة في توفير القوات البرية في الصراعات الكبرى.
وزير الدفاع الصيني دونغ جن (إلى اليمين) حاضرا في افتتاح منتدى شيانغ شان للأمن الدولي في بكين تراجع النظام الذي تقوده الولايات المتحدةفي التفكير حول نجاح النظام الدولي الليبرالي وتآكله في النهاية، يناقش كوتكين كيف نجحت الولايات المتحدة في الترويج لنظام عالمي استفادت منه كل من الدول المتقدمة والدول النامية، بما في ذلك الصين والهند والمكسيك. ومع ذلك، يرى أن هذا النجاح أدى إلى توترات، حيث تسعى القوى الصاعدة الآن إلى الحصول على صوت أكبر في المؤسسات العالمية وتشكيك في النظام الذي تقوده الولايات المتحدة. هذه الدول، التي تفخر بإنجازاتها، أصبحت بشكل متزايد غير مستعدة لقبول الهيمنة الأمريكية أو شروطها، مما يؤدي إلى الحاجة إلى أشكال جديدة من التكيف داخل النظام الدولي.
ترامب كظاهرة أمريكيةيرى كوتكين أن شخصية ترامب—التي تتصف بالاستعراض، والوقاحة، وعدم احترام القواعد السياسية—تعكس جوانب من الثقافة الأمريكية، بما في ذلك تلفزيون الواقع، وثقافة المشاهير، والاستعراض. يشير إلى أن ترامب يتناغم مع شريحة واسعة من الأمريكيين، حتى وإن لم يكن يحكم بشكل فعال.
ترامب والنظام السياسي الأمريكيعلى الرغم من الانتقادات، يرفض كوتكين فكرة أن ترامب يمثل تهديدًا للديمقراطية الأمريكية بنفس الطريقة التي كان يمثلها الطغاة التاريخيون مثل ستالين أو موسوليني. يرى كوتكين أن خطاب ترامب قد يبدو استبداديًا، لكنه يعتبر سلوكه انعكاسًا لانهيار “نظام الحقيقة” الأمريكي، الذي تفاقم بانتشار وسائل التواصل الاجتماعي والانقسام السياسي والاستقطاب الحاصل في المجتمع الأمريكي، ويعني بذلك النظام الذي يحدد ما هي الحقيقة عبر الأدلة والبراهين، فترامب طالما دأب على التشكيك بمصادر نقل الحقيقة عبر دعوى “ألأخبار الكاذبة”. فقيادة ترامب رغم كونها غير تقليدية وغالبًا ما تكون مزعزعة للاستقرار، تعمل ضمن نظام من الضوابط والتوازنات الذي يحد من سلطته مقارنة بالحكام الاستبداديين.
تشكك الجماهير الداعمة لدونالد ترامب في “نظام الحقيقة” والمعرفة ومصادر المعلومات، كما تميل بالعادة إلى الإيمان بتآمر المؤسسات الأمريكية على ترامب وفبركتها لأي خبر يضر بسمعته تحديات فترة ترامب الثانيةيناقش كوتكين التحديات المحتملة التي سيواجهها ترامب في فترته الثانية، بما في ذلك احتمال متابعة الثأر الشخصي والانتقام ممن حاربوه في السنوات السابقة، مما قد يعيق العمل الفعال للحكومة. ومع ذلك، يشير إلى أن هناك مجالات قد يسهم فيها ترامب بشكل كبير، خصوصًا في إحياء التعليم والبنية التحتية الأمريكية، مثل الاستثمار في التدريب المهني وتقليل العوائق التنظيمية في قطاع الإسكان، خصوصا المرتبطة بالقيود البيئية.
التأثير على القوة الناعمة الأمريكيةسبق أن تضررت القوة الناعمة للولايات المتحدة نتيجة إعادة انتخاب ترامب، حيث يرى الحلفاء والخصوم فيه قوة مزعزعة للاستقرار. يعترف كوتكين بأن أفعال ترامب وخطابه قد أضعفا الثقة الدولية في القيادة الأمريكية، لكنه يعتقد أن هذه الرؤية غير دقيقة تمامًا. ومع ذلك، سيكون على ترامب معالجة هذا التحدي إذا أراد استعادة النفوذ الأمريكي على الصعيد العالمي.
المعضلات البنيوية والهيكلية في أمريكايشير كوتكين إلى معضلة متزايدة في الولايات المتحدة: عدم التوازن بين التزاماتها العالمية وقدراتها الداخلية. يسلط الضوء على الوضع المالي الضعيف للبلاد، والموارد الدفاعية المرهقة، والالتزامات الخارجية المفرطة، وهي قضايا ستكون محورية في فترة ترامب الثانية. يبرز كوتكين الحاجة إلى استراتيجية مستدامة للتوازن بين دور أمريكا العالمي وواقعها الداخلي، مع الإشارة إلى أن ترامب يواجه نفس التحديات التي واجهها الرؤساء السابقون ولكن مع نهج مختلف تمامًا في الخطاب والسياسة.
في الختام، يشير تحليل كوتكين إلى أنه رغم أن سياسة ترامب الخارجية قد تكون غير قابلة للتنبؤ بها وقد تضر بالتحالفات الأمريكية، فإن التحديات الاستراتيجية الأكبر التي تواجه الولايات المتحدة—خصوصًا صعود الصين وتغير ديناميكيات القوة العالمية—تتطلب إعادة التفكير في كيفية تعامل الولايات المتحدة مع خصومها والقوى الصاعدة. مستقبل القوة الأمريكية يعتمد على التكيف مع عالم حيث لم تعد الولايات المتحدة القائد الذي لا يُشكك فيه، وحيث أصبحت الديناميكيات العالمية أكثر تعددية، يقدم كوتكين ترامب كشخصية مثيرة للانقسام لكنها متجذرة في الثقافة الأمريكية، وأن فترته الثانية قد تكون مشروطة بتلبية احتياجات داخلية بينما يلعب دورًا في عالم يتغير فيه النظام العالمي.
الوسومالانتخابات الولايات الأمريكية ترامب