ترأس أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، مرفوقا بصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير مولاي الحسن، وصاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، وصاحب السمو الأمير مولاي إسماعيل، اليوم الخميس بالقصر الملكي بمدينة الدار البيضاء، الدرس الرابع من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية لسنة 1445 هـ.

وألقى الدرس بين يدي أمير المؤمنين، الخمار البقالي، عضو المجلس العلمي المغربي بأوروبا، متناولا بالدرس والتحليل موضوع “الأسس الشرعية لبناء أنماط التعايش الإنساني”.

وفي مستهل هذا الدرس، أكد المحاضر أن التعايش هو نسج العلائق بين كل فئات المجتمع بحيث تكون مبنية على الأنس والاحترام وفقا لما تقتضيه مصالح الأفراد والجماعات في أمور الحياة، مشيرا إلى أنه قد اصطلح لها في هذا العصر مفهوم مناسب هو المواطنة المشتركة وتقتضي احترام الخصوصية الثقافية والدينية والعرقية.

كما أن التعايش الذي يدعو إليه العقلاء، يضيف المحاضر، هو الذي ينطلق من الإرادة المشتركة في التعاون على القيم الإسلامية المشتركة التي تنفع البشرية جمعاء، موضحا أنه مع مرور الإنسان بتجارب التاريخ الخاص أو المشترك يدرك أن المصلحة العامة ظاهرة في التعايش، وأن المصالح الخاصة هي التي تتسبب في التنكر له أو عدم الانصياع له لأن ذلك الانصياع يدخل في العدل، ولأن عدم قبول العدل ينتج إما عن الجهل وإما عن الطغيان.

لذلك، اعتبرنا دائما في المجلس العلمي المغربي لأوروبا، يبرز المحاضر، أن “واجبنا الأول هو تفهيم قواعد التساكن في الإسلام لأهلنا من المسلمين وحثهم على التمسك بها والسلوك بمقتضاها وبذلك تسهل مهمتنا في إقناع غير المسلمين من أهل ذلك البلد على اختلاف مستوياتهم ومواقعهم، ذلك لأن ادعاء قيم لا يمثلها أهل دينها ادعاء لا برهان عليه ولا يتوقع أن يتم الإنصات إليه “.

أما الطغيان، ومنه رفض الحق والإعراض عنه، يؤكد الخمار البقالي، فيدخل في السياسة الكبرى التي ما يزال الإنسان يتحير في سبل كسب التوازن الضروري لها، مؤكدا أنه مادام الناس يعملون في هذا العصر على إرساء قواعد كونية للحقوق فمن المفيد لهذا المسعى أن يعرف كل أهل دين ما عند أهل الدين الآخر بهذا الصدد.

وعلى صعيد متصل، سجل المحاضر أنه مهما تكن الاختلافات بين المتساكنين في العالم أو البلدان، فالمتعين هو تدبيرها من خلال المشتركات في كل المجالات وهي كثيرة وتراعي الاقتناعات المقبولة في دائرة الحرية التي هي مقدسة في كل الأديان. ولذلك نهى الإسلام عن الإكراه وشرع الجدال بالتي هي أحسن أي بالأسلوب المناسب في الظرف المناسب ومع المخاطب المناسب.

وفي هذا الصدد، توقف المحاضر عند الأسس الشرعية لبناء أنماط التعايش التي تتمثل في الإخاء والتعارف والتواصل والتوقير المتبادل والتسامح والبر والعدل.

أما مجالات التعايش، يضيف الخمار البقالي، فتكمن في العلاقات الدولية والأصل فيها السلم والمعاملة الحسنة، وفي العلاقات العامة والتي تتمثل في عيادة المرضى وعلاجهم والإخدام والاستخدام فيما ليس بحرام. كما تهم العلاقات التجارية بين الأفراد والدول والشعوب، والعلاقات العائلية، وعلاقات المصاهرة.

وبذلك، يبرز المحاضر أن مجالات وفضاءات التلاقي والتعاون مع المخالفين أوسع بكثير مما يظنّه من لم يستقرئ نصوص الشريعة السمحة ولم يطلع على مَقاصِدِهَا وغاياتها، ووقف عند جزئيات مبتورة عن أصولها وكلياتها، فظن أنها تمنع كُلَّ تَلاقٍ مع الآخرين.

وبخصوص ضوابط التعايش، أكد المحاضر أن هذا التعايش إذا كان مطلوبا وله هذه المجالات الواسعة فإن له بالنسبة للمسلم ضوابط لابد من الحرص عليها، مبرزا أن الإسلام لا يُقِرُّ التعايش فقط بل يُؤسّسه ويدعو إليه وحتى لا يصير عبثا وانحلالا ويُصبح ميوعة واختلالا، وضع له ضوابط لابد من مراعاتها.

ومن بين هذه الضوابط، يتابع المحاضر، ألا يُؤدي التعايش إلى الإخلال بأصل من أصول الاعتقاد القطعية، وألا يُؤدي إلى الاخلال بعبادة من العبادات المفروضة بأدلة قطعية لا تحتمل التأويل، وألا يؤدي إلى استحلال الوقوع في المحرمات المشهورة كتعاطي الفواحش والمحرمات، وألا يؤدي التعايش إلى مخالفة النّصوص الشرعية الصريحة والإجماعات القاطعة التي وقف عندها المسلمون في جميع الأعصار والأمصار، وأيضا ألا يؤدي التعايش إلى إلحاق الضرر بالمسلمين.

وعلى صعيد آخر، توقف المحاضر عند الدور الذي يضطلع به المجلس العلمي المغربي لأوروبا، مبرزا أنه يعمل على جعل المغاربة القاطنين في البلدان الأوروبية مثالا لقيم دينهم وثوابت بلدهم بما يتوافق مع القيم والقوانين الجاري بها العمل في بلد الاستقبال.

كما يعمل المجلس، يضيف المحاضر، على زرع الوعي العملي الواقعي من خلال التوعية بالقيم الإنسانية المشتركة وتعزيز التأطير الديني للجالية بمحاولة نشر الفهم السليم لدين الله لفائدة كل الفئات العمرية من شيوخ وكهول وشباب سواء كانوا من الرجال أو النساء.

وأشار إلى أن المجلس حقق في هذا المجال نجاحا ملموسا وخصوصا مع جيل الشباب الذين يقبلون على حفظ القرآن الكريم وفهم العلوم الشرعية ونهل القيم الدينية السمحاء، مبرزا أنه لا يقتصر دور مساجد المغاربة في أوروبا على إقامة الصلوات أو على فئة عمرية محدودة، بل تعمل على إذكاء المشاركة الفعالة في التعليم والتربية والتوجيه للسلوك الحسن.

وأبرز في السياق ذاته أن علاقات المجلس مع السلطات في تلك الديار علاقة يميزها التعاون على الصالح العام والاحترام المتبادل، مما سهل للقائمين عليه الحصول على كثير من المنافع التي يحتاجونها دينا ودنيا.

كما يحرص المجلس في عملية التأطير الديني للجالية المغربية، يضيف المحاضر، على ترسيخ نموذج التدين المغربي بثوابته الأصيلة، وإرساء علاقات التعاون مع الجاليات الإسلامية الأخرى.

وخلص المحاضر إلى أن المجلس يعمل في السياق ذاته، على تعزيز التواصل والتعاون مع ممثلي الديانات الأخرى من خلال تنظيم لقاءات فكرية وحوارات تواصلية يطبعها الاحترام المتبادل والتعاون مع فعاليات المجتمع المدني.

وفي ختام هذا الدرس الرابع من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية، تقدم للسلام على أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، كل من الأستاذ قطب سانو أمين عام مجمع الفقه الإسلامي بجمهورية غينيا، والأستاذ محمد قريش نياس رئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بجمهورية السنغال، والأستاذ الشيخ عزيز حسانو فيتش مفتي زغرب ورئيس الجالية الإسلامية بكرواتيا، والأستاذ أبو بكر دوكوري رئيس شرفي لفرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بجمهورية بوركينافاسو ومستشار رئيس الجمهورية للشؤون الثقافية والإسلامية، والأستاذ محمد رضوي بن محمد إبراهيم رئيس جمعية علماء سيريلانكا، والأستاذ أمين صفي الدين الشريف من علماء ليبيا.

كما تقدم للسلام على أمير المؤمنين، الأستاذ إسماعيل إبراهيم كروما رئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بجمهورية السيراليون، والأستاذ عبد الحكيم محمد شاكر رئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بجمهورية جزر القمر، والأستاذ ثاني عبد الرحيم شئت رئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بجمهورية بنين، والأستاذ عيسى نتابولا رئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بجمهورية بوروندي، والأستاذ محمد إلياس مروال الرئيس العام لجمعية خريجي الجامعات المغربية بإندونيسيا، والأستاذ سالي إبراهيم رئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بجمهورية أوغندا.

إثر ذلك، قدم وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق إلى أمير المؤمنين صاحب الجلالة، حفظه الله، حاملا إلكترونيا يتضمن تسجيلات الدروس الحسنية التي ألقيت في حضرة جلالته الشريفة من سنة 1420 هـ/ 1999م إلى سنة 1444 هـ/ 2023 م .

المصدر: مراكش الان

كلمات دلالية: الدروس الحسنیة أمیر المؤمنین فی هذا

إقرأ أيضاً:

سلطان القاسمي يترأس اجتماع مجلس أمناء أكاديمية الشارقة للنقل البحري

اعتمد الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، رئيس مجلس أمناء أكاديمية الشارقة للنقل البحري، اليوم الخميس، تخريج 31 طالباً وطالبة في الدفعة الأولى من طلبة الأكاديمية، الذين أنهو دراستهم وتدريبهم العملي ليحصلوا على شهادة البكالوريوس في تخصصاتهم العلمية.

ووجه حاكم الشارقة، خلال ترأسه الاجتماع الثالث لمجلس أمناء أكاديمية الشارقة للنقل البحري، الذي عقد في مقر الأكاديمية بالتجهيز لطرح برامج الدراسات العليا في مجالات النقل والهندسة البحرية، ليتمكن الخريجون والخريجات من تلقي المزيد من العلوم التخصصية وإجراء الأبحاث العلمية، وليكونوا متخصصين وباحثين على أعلى المستويات والدرجات العلمية، ومتابعة تطوير البرامج الدراسية بما يواكب التقنيات الحديثة والتطورات في قطاع العمل البحري.
وثمن الجهود الإدارية والأكاديمية التي بذلت خلال الفترة الماضية والتي تكللت بإنهاء الدفعة الأولى متطلبات التخريج، ليكونوا نواة لدفعات وأجيال قادمة ينطلقون بالعلوم والمعارف المكتسبة في الأكاديمية إلى سوق العمل وخدمة الوطن.
واعتمد الشيخ سلطان بن محمد القاسمي خلال الاجتماع ميزانية الأكاديمية للعام المقبل، كما اعتمد الهيكل التنظيمي المحدث، وتعديل اللائحة التنفيذية بشأن تنظيم أكاديمية الشارقة للنقل البحري، وميثاق التدقيق الداخلي، وتقارير اللجان الداخلية الدائمة.
وجرى خلال الاجتماع مناقشة مجموعة من الموضوعات الشاملة لمختلف الجوانب الإدارية والأكاديمية والفنية والاجتماعية، والاطلاع على التقارير الدورية التي تبين مدى التطور والتقدم في الأكاديمية، وخطط العمل المستقبلية لتحقيق الأهداف الموضوعة.
واطلع المجلس على تقرير الدكتور هاشم عبد الله بن سرحان الزعابي، مدير أكاديمية الشارقة للنقل البحري، الذي تناول سير عمل الأكاديمية خلال الفترة الماضية، وما تحقق من منجزات على مستوى الجوانب الأكاديمية والإدارية، ومتابعة تنفيذ الخطط التي وضعها المجلس للأكاديمية.
واستعرض الزعابي جهود تطوير البرامج الأكاديمية ومراجعتها المستمرة لضمان تميزها ومواكبتها لأحدث التطورات في مجالات علوم النقل والهندسة البحرية، وتنفيذ أفضل البرامج والأنشطة التدريبية المصاحبة للدراسة الأكاديمية.

مقالات مشابهة

  • الرئيس السيسي يترأس اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة
  • رئيس جامعة المنوفية يترأس مناقشة رسالة دكتوراة عن "تقييم جدوى العلاج الكيماوي في حالات أورام المستقيم"
  • رئيس جامعة المنوفية يترأس مناقشة رسالة دكتوراة حول «تقييم جدوى العلاج الكيماوي في حالات أورام المستقيم»
  • وزير الإعلام الفلسطيني يزور مقر الفيدرالية المــــــغربية لناشري الصحف بالدار البيضاء
  • سائقو الطاكسيات بالدار البيضاء يطالبون برفع التسعيرة
  • سلطان القاسمي يترأس اجتماع مجلس أمناء أكاديمية الشارقة للنقل البحري
  • الملك محمد السادس يرسل برقية إلى رئيس كوريا الجنوبية
  • نيابة عن رئيس الدولة..منصور بن زايد يحضر القمة الثالثة لحوار التعاون الآسيوي التي افتتحها أمير قطر
  • "المؤتمر" يختار الربان عمر صميده رئيسًا للهيئة البرلمانية
  • أساتذة كلية الطب بالدار البيضاء في احتجاجات ردا على قمع الطلبة (+فيديو)