بوابة الوفد:
2025-01-13@10:02:49 GMT

(الإمام والتّصوّف)

تاريخ النشر: 28th, March 2024 GMT

إذا أطلق لفظة الإمام فى الإسلام على الإطلاق فلا ينصرف الذهن مباشرة إلا إلى واحد أوحد هو أبو الأئمة حقيقة، وسيدهم غير منازع، إمام الأولياء، هو بلا شك الإمام عليّ بن أبى طالب كرم الله وجهه؛ فهو بحق الإمام الذى لا يتخطاه الذهن البصير من حيث كون الإمامة لا تكتسب بالدُّرْبَة والمران والتحصيل؛ بل توهب توفيقاً من عطايا الفضل الإلهى، ولا تقوم بالحيلة ولا بالوسيلة، بل بالجعل الإلهى تحقيقاً كما فى قوله تعالى: (إنى جاعلك للناس إماماً).

ولا ينقض هذا وجود أناس من بين الأئمة من ينتزع مثل هذا الفضل انتزاعاً لنفسه، فيجريه اكتساباً على حياته بالقدوة والمثل الأعلى وسياسة النفس بالحيلة كما جرى فى حياة النوادر بالموهبة المُفَاضة والاصطفاء المخصوص. 

والفارقُ بين عطاء الفضل الإلهى وكسب المنزع البشري، هو فارقٌ بين الحقيقة والمجاز، حتى إذا أطلقنا الإمامة على الإمام عليّ ابن أبى طالب أطلقناها حقيقةً ولم نجاوز الحقيقة فى شيء ولا فى صورة ولا فى ملمح من ملامح حياته الظاهرة أو خصاله الباطنة، فهو إمامٌ على الحقيقة وله بالإمامة أصالة الشرف، وعراقة النسب، ونقاء الحسب، وطلاقة الروح، ومواهب التفوق فيها ومواهب الامتياز.

أمّا إذا نحن أطلقناها على غيره، فربما نطلقها ونحن فى حاجة ماسّة إلى سدّ الفجوات التى يُحدثها فعل النسبة البشرية المكتسبة بإزاء مقرّرات التفوق والامتياز فى المواهب المُفاضة لا فى الجهد البشرى المحدود، فلا يوجد عظيم من العظماء إلا ومعه لُمَّة النقص الذى يصاحب الطبيعة البشريّة فى صورة من صورها أو فى نحو من أنحائها، ومع ذلك فهو بالمقياس الإنسانى عظيم، ولا يتجرّد من مقياس العظمة إذا نقص فى صفة من الصفات، أو إذا بهت ظل من ظلال الصورة التى تكوّنت عنه بعد بحث واطلاع. 

والإمام على رضوان الله عليه، كامل فى معدن الإمامة، بمقدار ما هو كامل فى الفضل، كامل فى الدين، كامل فى العلم، كماله فى حربه وسلمه، وفى شجاعته وتقواه، ولا يوجد كامل فى تلك الجهات العلويّة، ويكون النقص حليفه فى الملكات الباطنة أو فى مواهب التفوق والامتياز، فهو الكرار فارس الهيجاء عليٌّ، الفتى الغالب، الشجاع المغوار الذى تعجز عن ضربات حُسامه شجاعة الشجعان، وهو الذى نسجت الشجاعة على منواله واستنت بسننه واهتدت بدرْبه، وهو الذى تلاقت فيه القوتان، قوة البدن وقوة الجنان، ولا عمل أقوى ولا أكثر امتيازاً من قوة الروح الباقية وفضائلها التى تستخف بكل ما هو زائل دُوُنٍ فى عالم الأطماع والشهوات.

هذه القوة الروحيّة العالية هى التى أنشأت الفضل المسبوق على التحقيق فى كل علم وفى كل فضل فى الإسلام وفى الحضارة الإسلاميّة، تماماً كما أرست قواعد الغلبة والانتصار إبّان ظهور الإسلام ومهده الأول ثم توالى عليها تبعات النهوض بالدعوة والجهاد، وملاك الأمر كله فى الكرار يومئذ ارتقاء الروح، والزهادة فى الدنيا، والاستخفاف بالدُّون والأطماع، ونصرة الحق على الباطل، وموالاة الله ورسوله على الحقيقة التى تشع وتسطع كأنها  الشمس فى ضحاها، ولد رضوان الله عليه فى جوف الكعبة، ونشأ وعاش وهو ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووصيه، لا تغره الدنيا بل يطويها تحت قدميه، كأنها خرقة بالية، ممتثلاً قول النبيّ عليه السلام لو كانت الدنيا تعدل عند الله من الخير جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء، إلى أن آخى النبيُّ فى دار الهجرة بينه وبينه. 

ولم يكن صلوات الله وسلامه عليه يكتم حبّه لعلي، ولا تقديره لشجاعته، ولا دفاعه عنه فى موضع الغيرة العارضة أو موطن البغض الذى يشوب النفوس من جرَّاء الحسد والضغينة؛ بل كان معه، ومن ورائه، معيّة الأب لأبنه، يؤثره بالعطف المشمول والشفقة الرحيمة كما تجلّت فى قلب أعظم نبيّ، وليس بالقليل أن يزوجه كريمته فاطمة الزهراء أحبَّ الناس إليه وسر أبيها وبضعته، وقد تقدّم لخطبتها قبله أبو بكر وعمر فردّهما رداً جميلاً مؤثراً عليَّاً الفقير التقيّ النَّقى العالم الزاهد الورع صاحب السبق فى الإسلام، رغم فقره وقلة يده من وفرة الحطام وهو عليه السلام يقول (فوالله لقد أنكحتك أكثرهم علماً وأفضلهم حلماً وأولهم سلماً).

وكان الصحابة يعرفون مأثرة النبيّ لعليّ، كما يُكاشفون بمحبته له، وهو أول من تحدى صناديد الكفر فنام بفراشه ليلة الهجرة وهو يعلم نواياهم المعقودة على قتل النبى إذ ذاك، فلم يبال بقتل نفسه إذا أنقضت قريش مترقبة ثائرة. 

(وللحديث بقيّة)

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: د مجدى إبراهيم الإمام علي بن أبي طالب کامل فى

إقرأ أيضاً:

حكم الصيام في رجب وما هي صحة الأحاديث الواردة عنه.. دار الإفتاء تجيب

ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (ما مدى جواز العمل بالأحاديث الواردة في صيام شهر رجب؟ حيث يقول بعض الناس إن الفقهاء الذين استحبوا الصيام في شهر رجب قد جانبهم الصواب، وإنهم استندوا في قولهم هذا على أحاديث ضعيفة وموضوعة، ومنهم فقهاء الشافعية، فهل هذا صحيح؟

وقالت دار الإفتاء في إجابتها على السؤال، إن مما ورد في صيام شيء من شهر رجب من السُنَّة: ما رواه الإمام أبو داود عن مُجِيبَةَ الباهليَّة، عن أبيها، أو عمها، أنَّه أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثمَّ انطلق، فأتاه بعد سنة، وقد تغيَّرت حاله وهيئته، فقال: يا رسول الله، أما تعرفني؟ قال: «وَمَنْ أَنْتَ؟» قال: أنا الباهلي، الذي جئتك عام الأول، قال: «فَمَا غَيَّرَكَ وَقَدْ كُنْتَ حَسَنَ الْهَيْئَةِ؟»، قال: ما أكلت طعامًا إلا بليل منذ فارقتك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لِمَ عَذَّبْتَ نَفْسَكَ؟»، ثم قال: «صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ، وَيَوْمًا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ»، قال: زدني؛ فإن بي قوة، قال: «صُمْ يَوْمَيْنِ»، قال: زدني، قال: «صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ»، قال: زدني، قال: «صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ»، وقال بأصابعه الثلاثة فضمها، ثم أرسلها.

ومنها ما رواه الإمام البيهقي في "فضائل الأوقات" عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ نَهْرًا يُقَالُ لَهُ رَجَبٌ، أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، مَنْ صَامَ مِنْ رَجَبٍ يَوْمًا سَقَاهُ اللهُ مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ».

وروى الإمام البيهقي عن أبي قلابة رضي الله عنه قال: "في الجنة قصر لصُوَّام رجب". قال الإمام أحمد: "وإن كان موقوفًا على أبي قلابة وهو من التابعين، فمثله لا يقول ذلك إلا عن بلاغ عمن فوقه ممن يأتيه الوحي، وبالله التوفيق".

وذكرت دار الإفتاء أن تلك الأحاديث الواردة في صومه أو صوم شيء منه وإن كانت ضعيفة فإنَّها ممَّا يُعْمَل به في فضائل الأعمال على ما هو المقرر عند عامة العلماء في مثل ذلك، كما نقله الإمام النووي وغيره؛ قال الإمام النووي في كتابه "الأذكار" (ص: 8، ط. دار الفكر): [قال العلماءُ من المحدّثين والفقهاء وغيرهم: يجوز ويُستحبّ العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعًا] اهـ.

وقال في "التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث" (ص: 48، ط. دار الكتاب العربي): [ويجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد ورواية ما سوى الموضوع من الضعيف والعمل به من غير بيان ضعفه في غير صفات الله تعالى، والأحكام؛ كالحلال والحرام وغيرهما، وذلك كالقصص، وفضائل الأعمال، والمواعظ، وغيرها مما لا تعلق له بالعقائد والأحكام، والله أعلم] اهـ.

وحتَّى لو لمْ يرد في الباب هذه النصوص الضعيفة فإنَّ النصوص الصحيحة الأخرى العامَّة التي تُرَغِّب في الصيام التطوعي مطلقًا تكفي في إثبات المشروعيَّة؛ إذ إن القاعدة عندهم أنَّ العام يبقى على عمومه، والمطلق يجري على إطلاقه حتى يأتي مُخَصِّص أو مُقَيّد. انظر: "البحر المحيط" للعلامة الزركشي (5/ 8، ط. دار الكتبي)، و"التلويح على التوضيح" للعلامة التفتازاني (1/ 117، ط. مكتبة صبيح).

ومن هذه النصوص الصحيحة: ما رواه الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَلَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ».

وما رواه الإمام أحمد عن صدقة الدمشقي أن رجلًا جاء إلى ابن عباس رضي الله عنهما يسأله عن الصيام، فقال: كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: «إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ الصِّيَامِ صِيَامَ أَخِي دَاوُدَ؛ كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا».

وما ذُكِر في السؤال من كون الشافعيَّة قد استدلوا على استحباب صوم رجب بحديثٍ موضوعٍ: فغير صحيح؛ قال العلامة ابن حجر الهيتمي في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (2/ 54): [رُوِي في فضل صومه أحاديث كثيرة موضوعة، وأئمتنا وغيرهم لم يُعَوِّلُوا في ندب صومه عليها، حاشاهم من ذلك] اهـ.

وأوضحت أنه ينبغي أن يَحْرِص المسلمُ على العمل بفضائل الأعمال التي منها صيام رجب سواء كله أو بعضه، ولو مرّة واحدة في العمر؛ ليكون من أهل ذلك الفضل؛ قال الإمام النووي في "الأذكار" (ص: 8): [اعلم أنَّه ينبغي لمَن بلغَهُ شيء في فضائل الأعمال أن يعملَ به ولو مرّة واحدة؛ ليكون من أهله، ولا ينبغي أن يتركه مطلقًا، بل يأتي بما تيسر منه؛ لقول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث المتفق على صحته: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بشيءٍ فأْتُوا مِنْهُ ما اسْتَطعْتُمْ»] اهـ.

مقالات مشابهة

  • لتنشيط الذاكرة.. أطعمة تساعد على التركيز فى الامتحانات
  • المجوهرات.. و"الملكية"
  • سجل ذكرياتنا عبر العدسة
  • مدى استحباب التعرض لماء المطر
  • فضل الصوم في رجب .. فاعله يشرب من نهر بالجنة
  • حكم الصيام في رجب وما هي صحة الأحاديث الواردة عنه.. دار الإفتاء تجيب
  • مفتاح الذاكرة الجمعية للمصريين| شعراء السيرة الهلالية.. سفراء التراث الشعبي في مصر والوطن العربي
  • 13 رجب.. ذكرى  مولد “يعسوب الدين ” الإمام علي بن أبي طالب  عليه السلام
  • الشاعر إبراهيم رضوان: الأغنية الشعبية تعانى الخفوت.. وعصرها الذهبى فى فترة عبد المطلب ورشدى
  • تامر أفندى يكتب: أحمد عدوية..  طرب "صُنع فى مصر"