الأمم المتحدة وقراراتها «الفشنك»
تاريخ النشر: 28th, March 2024 GMT
الأمم المتحدة ناصرت القضية الفلسطينية منذ بداية الاحتلال الإسرائيلى.. ومعظم قراراتها مجرد حبر على ورق! وما بين اصدار القرارات الداعمة للحق العربى مرورا بقرار منح فلسطين حق اقامة دولتها على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية، وصولا لإنشاء منظمة إنسانية تقوم بدور الراعى للشعب المحتل من كافة وجوه الحد الأدنى للحياة وحق التعليم والصحة والطعام حتى ناهضت إسرائيل المنظمة وشوهت صورتها، مما دفع معظم الدول المانحة لرفع ما كانت تمنحه للاونروا، وادعت انها توظف أعضاء حماس وتدعمهم وتخفيهم بالأنفاق، لتضييق الخناق على الشعب الأعزل ليتلوى من الجوع وينتهى اذا نجا من القنابل العنقودية والصواريخ والطائرات المسيرة.
وعصر الإثنين الماضى أصدرت الأمم المتحدة قرارا امتنعت أمريكا عن التصويت عليه، بوقف الحرب فورا، وتنفسنا جميعا الصعداء وتخيلنا أن النار ستتوقف والخراب سينتهى ونزيف دم الأطفال والنساء والشيوخ سيكون له نهاية لاسيما أننا كنا نأمل وقف الحرب فى شهر رمضان المعظم وها نحن الآن فى الثلث الأخير منه، وما زالت إسرائيل تتحدى العالم كما سبق وتحدت جميع القرارات التاريخية التى نحفظها عن ظهر قلب، وما زال الشهداء يتساقطون بالبطون الخاوية وأبدان الأحياء لحما على عظم،
صحيح أن أمريكا الداعمة قلبا وقالبا للعدو الصهيونى امتنعت عن التصويت على قرار وقف الحرب، ولكنى لا أصدق -المخاصمة- التى يرددها بعضنا بأن خلافا نشب بين بايدن ونتنياهو! فلو كانت أمريكا تريد وقف الحرب لأوقفتها فورا وقلصت دعمها بالسلاح والطائرات والمدرعات.
وحتى لا ننسى فأمريكا نفسها لو أرادت تنفيذ قرار الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس لفعلت! ولكنها تنطق بلسان إسرائيل وتدعمها وتقدم كل ما تطلبه وتتمناه لتقضى على الشعب الفلسطينى، ثم تلتفت لنا بمعسول الكلام.. أمريكا تدعم إسرائيل لأنها بنت قلبها فى الشرق الأوسط، وتداعبنا وتثبط عزيمتنا لتقنعنا بصداقتها وأنها حليفة وقد امتنعت عن التصويت على القرار الأخير.
يا سادة.. آليات تنفيذ القرار معدومة لأنه لا يندرج تحت الفصل السابع الذى يجعل العالم ينفذ القرار بإرادة دولية وفرض عقوبات.. القرار الأخير مفيد طبعا ولكنه لا يغنى ولا يسمن من جوع! نحن العرب عندنا إرادة إجبار العالم على تنفيذ القرار، بوحدة كلمتنا وقوة موقفنا الذى لا لبس فيه!
أخشى أن تواصل إسرائيل مخططها فى رفح بحجة القضاء على حماس! لتضيف لسجل الشهداء أرقاما جديدة ومهولة.
والخلاصة: إذا لم ندرك أهمية الوقفة الواحدة لإقامة دولة فلسطين الحرة، وفى هذا التوقيت بالذات، فلن يكون هناك أعظم من هذه الفرصة، على الأقل نستغل عملية الطوفان وما أسفر عنها من خراب وقتل وتدمير ورغبة العالم الحر لحل الدولتين، يحدث هذا إذا توجه العرب صوب هذا الهدف وفورا، حتى تعيش المنطقة فى سلام يسعى له العالم، ويساعدنا فيه، بسبب المشكلات الاقتصادية الطاحنة، حتى لا نبكى على اللبن المسكوب والطوفان الذى قهر إسرائيل، ويا مسهل.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الأمم المتحدة الاحتلال الإسرائيلي منظمة إنسانية أعضاء حماس
إقرأ أيضاً:
يصعب أن نتخيل عالم ما بعد أمريكا.. لكن يجب أن نتخيله!
قال لي مراسل صحفي أجنبي مخضرم ذات يوم إن «الناس يتكلمون عن أمريكا بلسانين». كان ذلك منذ زمن بعيد ـ خلال نقاش حول ما إذا كان على الولايات المتحدة أن تتدخل في صراع أجنبي ـ ولم أنسه قط. كان ما يقصده هو أنه في حين تُدان الولايات المتحدة بسبب تدخلها الخارجي في بعض الحالات، فهي تُطالَب به في حالات أخرى ثم تدان لعدم وفائها بمعاييرها الأخلاقية. ولا يزال هذا التناقض قائمًا، بل أنه أشد وضوحًا إذ نقترب من اليوم المائة في ولاية ترامب الثانية. ثمة ازدواجية في النظرة إلى الولايات المتحدة فهي البلد الذي ينتهك عامدا القانون الدولي وهي أيضا البلد الوحيد القادر على دعم نظام القانون والنظام. وهذه الازدواجية، شديدة الحدة دائمًا، لم تعد قابلة للدوام.
ولقد شعرت بهذا التناقض على المستوى الشخصي، في المطالبة بأن تبقى الولايات المتحدة بعيدة مع الغضب أيضا من أنها لا تبذل مزيدًا من الجهد. ففي السودان، ترفض الولايات المتحدة رفضًا محبطًا أن تضغط على حلفائها لوقف ضخ الأسلحة والتمويل في الصراع. لكن أي دليل أو تاريخ لدينا يدعم الفكرة الوهمية القائلة بأن الولايات المتحدة تبالي بصراع لا ينطوي على مصلحة مباشرة؟ إنه توقع القيام بدور الشرطة الأخلاقية من لاعب غير أخلاقي أتذكره وأنا طفلة بعد غزو العراق للكويت واهتزاز العالم العربي خوفا من حرب إقليمية. دار في فصلنا في المدرسة بالسودان نقاش شرس حول مزايا تدخل الولايات المتحدة، ثم توقف بقول غاضب قالته واحدة ممن تم إجلاؤهم من الكويت إذ قالت إن أهم ما في الأمر هو هزيمة صدام حسين. ولا تزال كلماتها تتردد في ذهني بين الحين والآخر: «لا بد من التخلص أولا من الشر الأكبر».
حتى في غزة، ومع قيام الكونجرس الأمريكي بإجازة الحزمة تلو الحزمة من مليارات دولارات الدعم العسكري لإسرائيل، بقيت فضلة من أمل ـ تبددت منذ أمد بعيد ـ في اتصال هاتفي يتم أخيرا مع بنيامين نتنياهو. وحتى في الوقت الذي يقوم فيه ترامب بتشجيع فلاديمير بوتين، ويتخلى عن أوكرانيا، ويصفع الحلفاء بالرسوم الجمركية، يمكنكم أن تتبينوا الإيمان بجدوى الولايات المتحدة بوصفها لاعبًا يمكن أن يؤوب إلى العقلانية بل الأخلاقية.
لكن، للمرة الأولى فيما أتذكر، يمضي الحوار في مسار جديد. فالقول بالاختلاف بين الرئاسة والمؤسسات الأمريكية الأخرى الأشد رسوخًا بات أهدأ قليلًا، إذ تركع الجامعات وشركات القانون بل وأجزاء من الصحافة للملك الجديد المتقلب. والسؤال المطروح الآن هو ما لو أن أوروبا وبقية العالم قادرون على الابتعاد عن الولايات المتحدة بما لديها من برامج مساعدات وكالة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (التي كانت توجد بداخلها ميزانيات الصحة لبلاد نامية)، وبما لديها من نظام عالمي للمساعدات والردع العسكريين. لكن هذه لا تبدو اقتراحات عملية بقدر ما تبدو محاولات للالتفاف على واقع يستحيل قبوله.
التحدي القائم هنا فني وسيكولوجي. إذ يصعب أن نتخيل عالم ما بعد أمريكا لأن أمريكا هي التي اصطنعت ذلك العالم. وعندما تتحول الولايات المتحدة إلى لاعب متقلب، فإن بنيان النظام المالي العالمي ذاته يبدأ في الترنح. رأينا هذا في أزمة الثقة في أعقاب رسوم ترامب في «يوم التحرير». كما أن الشكوك تحيط الآن بمتانة سيادة القانون والفصل بين السلطات وهما حجرا زاوية للثقة في الاقتصاد، إذ تخوض الحكومة حربا مع النظام القضائي لديها ويتباهى الرئيس نفسه بعدد من معه في الغرفة ممن حققوا نجاحا ماليا ساحقا من تحطيمه سوق الأوراق المالية. فهل يكون تداول الأوراق المالية غير شرعي إذا كان مصدر معلوماتك السرية هو الرئيس؟
وعلى القدر نفسه من الأهمية، ثمة مهمة أخرى هي الانفصال عقليًا عن الولايات المتحدة. فقد قال لي صديق يحمل الجرين كارد لكنه يعيش في ظل نظام غير ليبرالي في آسيا إنه في أعماقه طالما شعر بحماية من أخطار سياسات البلد الذي يعيش فيه لعلمه أن لديه ملاذًا آمنًا يمكنه اللجوء إليه في حالة الاضطهاد. ولم يعد الأمر كذلك، إذ يتعرض المقيمون الشرعيون والزوار لملاحقات إدارة الهجرة والجمارك أو يمنعون من الدخول على الحدود. وأعرف آخرين ألغوا رحلات عمل إلى الولايات المتحدة خوفًا من الترحيل أو الوضع على القوائم السوداء. ومع ذلك الخوف، يأتي الوعي بأن البعض في الجنوب العالمي قد علموا دائمًا أن الولايات المتحدة لم تكن صاحبة حضور حميد، ولكن لديها داخل حدودها شيئًا ما يحجِّم تجاوزاتها. وكان في هذا شيء من الصحة، ولكنه كان أيضًا انعكاسًا للسلطة الثقافية الأمريكية. فالسعي إلى الحرية والسعي إلى السعادة والاحتفاء بالمهاجرين وأيقونة الأمل الأوبامي وكل تلك الشعارات لم تعد الآن غير غبار. وثمة فارق بين أن نعرف أن الولايات المتحدة لم تكن قط مجموع أجزائها، وبين أن نتقبل هذه الحقيقة.
وثمة خوف في القبول بها. لأنه رغم جميع انتهاكاتها فإن ظهور عالم ما بعد أمريكا يصيب بالدوار. لأن عالما بلا سلطة نهائية على الإطلاق قد يكون أبعث للرعب من عالم فيه سلطة نهائية عميقة العيوب. والأمر الشاق هو احتمال الفوضى، والعالم الجديد الخالي من مبدأ تنظيمي لنظام تجاوز الأيديولوجيا وبات كل من فيه يعمل لنفسه. فهو ليس نظام الحرب الباردة الذي قسم العالم إلى رأسماليين وشيوعيين وعدم انحياز. وليس نظام ما بعد الحرب الباردة الذي قسم العالم إلى معاقل الغرب الليبرالية وبلاد غير ديمقراطية منافسة ومن تحت كل فريق عملاؤه.
لكن ما ينبغي أن يثيره انهيار الولايات المتحدة في الحقيقة ليس الخوف والحيرة، وإنما ينبغي أن يؤدي إلى مشروع لإقامة نظام عالمي جديد يكون لنا جميعا نصيب فيه. فما ترى الولايات المتحدة أن تقوم به في السياسة الخارجية والاقتصادية يمكن أن يؤثر على سلة التسوق الخاصة بك وحدود الدولة القومية التي تعيش فيها. إذ إنها تظل أكبر اقتصاد في العالم، ولديها أكبر جيش في العالم، وفيها أقوى مجمع ترفيهي في العالم. تكشف هذه المركزية إلى جانب انهيارها حقيقة أن المشكلة أعمق من ترامب. فقد كان العالم دائمًا معرضًا لخطر الوجهة التي تختارها الولايات المتحدة.
ومن المفارقات أن كل هذا قد يكون بداية عملية تؤدي إلى «أيام التحرير» الحقيقية لبلاد أخرى، وليس للولايات المتحدة نفسها. وثمة ألم بانتظارنا في المستقبل، ولكن بانتظارنا أيضا نوع من الاستقلال. ولكن في المقام الأكبر، قد يكون هناك أخيرًا اعتراف بأن تعريف الولايات المتحدة للسلام والازدهار كان دائمًا ملكًا لها، ومفروضًا بقوة السلطة والدعاية.
نسرين مالك من كتاب الرأي في صحيفة ذي جارديان