ترى من هو الأسير؟ إنه أخي وأبي وعمي وخالي، وابني وابن أخي، وجاري وزميلي، هو بالنسبة لنا هنا من لحم ودم نعرفه ويعرفنا، قبل المعتقل وخلاله وبعده. الأسرى هم نحن أيضا كوننا معرضون للاعتقال بدون سبب، فقط لأننا فلسطينيون، ونحن معرضون لما هو أسوأ، لأننا كذلك.
ترى ما الهدف من تشجيع الأسرى الفلسطينيين لرواية قصصهم ؟
كل إنسان فيه ميل للسرد، خاصة عن نفسه ومحيطه، وهو بالفطرة يتواصل بالسرد، يعبّر عن حاجاته، وآماله، ومشاعره وأفكاره، لذلك فإن القصص الشعبية مثلا تم تنقلها من جيل إلى جيل شفويا.
إن كتابة الروايات وسيلة الأسرى للكفاح ضد الظلم، كون مقاومة الظلم تبدأ بالكلام، وليس هناك أكثر ظلما وظلاما من الاحتلال. من هنا فإن كتابة الأسرى هي شكل آخر من النضال، بل استئناف له.
إنها مقاومة استخدام القوّة الغاشمة في قهر الإنسان، وهي طريقة توعية شعبنا والأمّة العربية بطبيعة العدوّ لمواجهته، لذلك فإنه من الطبيعي أن الأسرى هم أبطال الحية وهم جنودها، لتحقيق التحرر والاستقلال؛ فعندما يطلع قراء العربية، على هذه الكتابات، فإنهم يزدادون وعيا بالقضية الفلسطينية. كذلك، فإن الأسرى الفلسطينيين هم من أكثر الفئات معرفة بحقيقة الاحتلال، من خلال تواصلهم اليومي مع أجهزة التحقيق الشديدة التعذيب بأنواعه الدني والنفسي، ثم فيما بعد مع منظومة المعتقل، التي تقوم على القمع والتعنيف والسخرية بهم. إن تفاصيل حياة الأسرى مؤلمة جدا، لدرجة أنه منذ سنوات طويلة لم يعد بإمكان الأسرى لمس ذويهم خلال الزيارة، كما تم استخدام التواصل من خلال سماعة الهاتف، ما يجعل هذا التواصل صعبا. إنها فعلا طبيعة الاحتلال، التي اختبرها الأسرى إلى آخر مدى بعيدا عن الادعاء والتمثيل، فكما أن عيش الفلسطينيين تحت الاحتلال هو حصار وسجن كبير، فكيف بالمعتقل؟ وللعلم فقد ظهر العديد من الأسرى المحررين ككتاب وباحثين في الشؤون الإسرائيلية، زاد من ذلك تعلمهم اللغة العبرية داخل المعتقلات.
إن كتابات الأسرى، بل رسائلهم إلى الأهل، هي كلها تشكل أدبيات الأسرى. في البدء، فإنها كما أسلفنا تكون كذلك، رسائل وشهادات وأحلاما وأفكارا، لكنها مع الزمن تنضج، وتجد لها شكلا أدبيا معينا، فمن اتجه لعالم القصّ، وتطور فيه، فإن كتابته ترتقي للأدب. وبعض هؤلاء يستمر في الكتابة، بعد تحرره، كما حدث مع الكاتب عصمت أسعد. من ناحية أخرى هناك من الأسرى الذين تحرروا من المعتقل من كتب بعد خروجه من المعتقل، منهم الكاتبة المناضلة عائشة عودة، التي كنت شاهدا على الفصول الأولى من روايتها «أحلام بالحرية»، حين دفعت أوراقها لي قبل عقدين، حيث دهشت من المستوى الأدبي لها، رغم أنها كانت المرة الأولى لها في الكتابة. إن المضمون يخلق شكله؛ فقد كانت الرفيقة عائشة تحت تأثير احتمال الاعتقال، ثم حدث، فراحت تكتب عن تفاصيل المكان الذي ستحرم منه طويلا. كذلك فعل الكاتب والقاص حسن عبد الله في مجموعته القصصية «عروسان في الثلج». ولعل الشاعر المتوكل طه قد نضجت تجربته الشعرية خلال الاعتقال في الانتفاضة الأولى.
الأسير باسم خندقجي، الأسير من عقدين، شاب مثقف وطالب جامعي، استأنف الكتابة داخل المعتقل، كتب الشعر، والرواية، وتطور في ذلك، وصولا إلى رواية «قناع بلون السماء»، التي وصل بها إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر للرواية العربية، هو دليل على اقتران التجربة الأدبية الجادة بتجربة المعتقل. والظن أن الروائي خندقجي سيواصل كتابة الرواية بشكل خاص.
- أسرى!
- ولكن يشققون جدران السجن
هو ما ابتدأنا به الحديث، ومعنى ذلك في نظر من يتابع إنتاجات الأسرى أدبيا وفنيا وفكريا، أن الصمود في الاعتقال، هو كسر للجلاد، كسر للسجان، كما حدث في بلاد كثيرة في العالم، صار أسراها فيما بعد قادة العمل الوطني بل وبناء الدول بعد الاستقلال.
وهكذا صار في كتابات الأسرى في الانتفاضة الأولى عام 1987، حيث بدأت الحركة الأدبية وراء القضبان بالتبلور، كما ونوعا، خصوصا في اعتقال عدد كبير من الكتاب والصحفيين. لقد استمر ذلك في الانتفاضة الثانية، وصولا إلى الحرب على غزة، التي تمّ فيها اعتقال المئات من الغزيين عراة، ستكون لهم سردياتهم، عما كان قبل الأسر وخلاله.
وأخيرا، تمثل كتابات الأسرى جزءا أساسيا من الأدب المقاوم خلف القضبان، والتي دفعت الباحثين للدراسة، فهي من جهة أدبيات مقاومة، وهي كتابات ريادية في تجديد الأدب عبر اقتراح جماليات أخرى سيكون لها أثر مهم على الحركة الأدبية الفلسطينية الآن ومستقبلا.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
رئيس الوزراء يشرح عددا من المؤشرات الإيجابية التي تتعلق بالاقتصاد المصري
عقد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، مساء اليوم، المؤتمر الصحفي الأسبوعي، عقب اجتماع مجلس الوزراء، استهله بالترحيب بالصحفيين والإعلاميين الذين حضروا المؤتمر، وموجهاً التهنئة للشعب المصري بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم، داعياً المولي أن يُتم هذا الشهر علينا بالخير واليمن والبركات.
وبدأ الدكتور مصطفى مدبولي حديثه بالإشارة إلى أبرز الأنشطة التي شهدها هذا الأسبوع، وحالة الزخم الكبير التي نعيشها، مع عقد القمة العربية الاستثنائية أمس، التي نظمتها الدولة المصرية من أجل فلسطين، وإعلان خطة التعافي المبكر وإعادة إعمار غزة، قائلاً: مثلما تابعتم جميعاً، بفضل الله كان هناك إجماع كامل حول القرارات التي تم إقرارها بالقمة، وعلى رأسها تبني مجموعة الدول العربية لخطة إعادة إعمار غزة والتعافي المبكر التي عملت عليها مصر بالتعاون مع دولة فلسطين.
وفي هذا السياق أضاف الدكتور مصطفى مدبولي: هذا الملف كنا مكلفين به ونتابعه بصورة كبيرة خلال الفترة الماضية، وبفضل الله قمنا بالاستعانة فيه بجميع الدراسات التي أمدتنا بها السلطة الفلسطينية، سواء كانت دراسات دولية أو محلية، كما استعنا بالجامعات وبالمكاتب الاستشارية، بالإضافة إلى الشق المؤسسي والسياسي والأمني، ولذا فقد خرجت الدراسة بصورة متكاملة، كما كان هناك زيارة قبيل انعقاد القمة لرئيس وزراء دولة فلسطين، حيث تناقشنا وعرضنا عليه ملامح الخطة بالكامل في صورتها النهائية.
واستكمل رئيس الوزراء حديثه حول هذا الشأن قائلا: كانت كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، خلال القمة أمس، كلمة تاريخية بكل المقاييس، والتي تؤكد ثوابت الموقف المصري والدعم الكامل لدولة فلسطين، وكان هناك إشادة كاملة بالموقف المصري والعربي في تبني الخطة الواضحة لعملية إعادة الإعمار دون تهجير لأهالينا في قطاع غزة، كما استمعتم لكلمات كل من الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس المجلس الأوروبي، ورئيس الاتحاد الأفريقي، رئيس أنجولا، وكل المؤسسات الدولية التي حضرت القمة، حيث كان هناك إجماع على تبني نهج إعادة الإعمار دون تهجير أهالي قطاع غزة.
وأضاف: كل ما يهمنا في هذا الصدد، وفقاً لما أكدته قرارات القمة وكلمة الرئيس، أنه لن يكون هناك استقرار في منطقة الشرق الأوسط بدون الحل الدائم والعادل للقضية الفلسطينية، والمبني على إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وأن المحاولات والحلول الأخرى لن تكون أكثر من مهدئات أو حلول مؤقتة، وسيستمر الاضطراب وعدم الاستقرار بدون تبني الحل الشامل والدائم والعادل للقضية الفلسطينية.
وفي الإطار نفسه، أشار رئيس الوزراء إلى أن هناك إدراكا دوليا لهذا الملف، وهناك زخم كبير في هذا الأمر، موضحاً أن مقررات القمة العربية غير العادية التي عقدت أمس، هي بداية، مؤكداً ضرورة قيام مختلف الدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي بالعمل على ترجمة هذه القرارات إلى خطوات تنفيذية خلال الفترة القادمة، لافتا إلى الإعلان عن انعقاد مؤتمر لعملية إعادة الإعمار خلال الشهر القادم، حيث سيتم استعراض مختلف الملفات الخاصة بإعادة الإعمار بشكل تفصيلي، سواء ما يتعلق بالخطط التنفيذية، أو التمويل المطلوب لتنفيذ تلك الخطط.
من جهة أخرى، أشار رئيس الوزراء إلى لقائه بمفوضة الاتحاد الأوروبي لشئون المتوسط، وما تم التوافق عليه من خطوات لتفعيل الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبي، منوها إلى ما تم توقيعه على هامش تلك الزيارة، من تمويل ميسر يتيح 90 مليون يورو من البنك الأوروبي لصالح الهيئة العامة للسلع التموينية، وهو ما يأتي في إطار جهود الدولة المصرية لإتاحة وتوفير مختلف السلع الاستراتيجية اللازمة خلال الفترة القادمة.
ونوه رئيس الوزراء، خلال حديثه، إلى العديد من الأخبار والمؤشرات الإيجابية التي تتعلق بالاقتصاد المصري، لافتا إلى أنه للشهر الثاني على التوالي يتجاوز مؤشر مدير المشتريات الـ 50 نقطة، وهو ما يعنى أن نظرة القطاع الخاص ومجتمع الأعمال في مصر، هي نظرة إيجابية للاقتصاد ونموه، وهو ما يعطي أيضا دفعة قوية للاستمرار في تنفيذ المزيد من الإصلاحات الاقتصادية.
وأضاف رئيس الوزراء: أعلن البنك المركزي أيضا عن ارتفاع صافي الأصول الأجنبية للقطاع المصرفي والبنوك المصرية، حيث أصبحت 8.7 مليار دولار في يناير 2025، وذلك مقارنة بسالب 29 منذ عام، وهو ما يؤكد على الزيادة التي حدثت في هذا الشأن ووصلت إلى 37.8 مليار دولار خلال هذه الفترة بدءا من بداية إجراءات الإصلاح الاقتصادي التي قامت الحكومة بها العام الماضي حتى الآن، حيث نشهد نموا وتحسنا بصورة كبيرة للغاية، وهذا رقم ليس بالقليل إذا أخدنا في اعتبارنا أن الزيادة التي شهدناها خلال شهر واحد تعتبر حوالي 60% في هذه الأصول، حيث كان هذا الرقم في شهر ديسمبر 5.2 مليار دولار، بينما كان في نهاية يناير 8.7 مليار دولار وهو ما يعطينا مؤشرات مهمة جدا.
وفيما يتعلق بارتفاع احتياطي النقد الأجنبي، فأشار رئيس مجلس الوزراء إلى أنه وصل الآن 47.4 مليار دولار أمريكي، بزيادة عن الشهر الذي سبقه تقدر بأكثر من 128 مليون دولار، وجميعها مؤشرات جيدة فيما يخص استقرار سعر الصرف، أو يمكن القول بشكل عام أن الأمور تسير بصورة جيدة جدا، من حيث تلبية جميع الاحتياجات، وذلك بالرغم من أن شهر رمضان المعظم يصاحبه زيادة في الاستهلاك وكذلك زيادة في الطلب على العملة الصعبة والسلع، إلا أن جميع الاحتياجات متاحة بصورة مستقرة.
وفي السياق نفسه، أشار رئيس الوزراء إلى أن الحكومة تضع نصب أعينها تحقيق الهدف الذي وضعه لنا الرئيس فيما يتعلق بإحداث نوع من التوازن بين إيراداتنا ومواردنا من العملة الصعبة في مقابل مصروفاتنا كدولة، وأن نصل إلى تحقيق فائض أيضا، لافتا في هذا الصدد إلى أن محافظ البنك المركزي يرسل تقريرا كل أسبوعين حول موارد واستخدامات العملة الصعبة، حيث يكون هذا الأمر محل النقاش في اللقاءات الثنائية معه، مضيفا أن آخر أسبوعين كانت الموارد من العملة الأجنبية تعادل تما أننا كدولة نسير وفق مسار صحيح بالرغم من جميع التحديات، حيث أصبح هناك شبه توازن بين الموارد والاستخدامات من العملة الصعبة، ونحن نستهدف خلال الفترة المقبلة ليس فقط ذلك، ما المصروفات في نفس الفترة، وهو ما يشير إلى ولكن ان نحقق فائضا في هذا الاتجاه لكي ندعم قوة ومكانة الاقتصاد المصري، وذلك من خلال تركيزنا على القطاعات الرئيسية التي نعول عليها خلال المرحلة الحالية، وهي قطاعات الصناعة، والزراعة، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والسياحة، وهي قطاعات تم ترجمتها في لجان استشارية ومجموعات وزارية جميعها نعمل عليها بالفعل.
وتطرق الدكتور مصطفى مدبولي إلى الزيارة التي قام بها يوم الخميس الماضي للمنطقة الاقتصادية بالسخنة، والتي شهدت افتتاح 11 مصنعا كبيرا، مُدليا بأرقام تشير إلى التطور الذي تشهده المنطقة الاقتصادية، فمنذ بضع سنوات كان عدد المصانع القائمة في المنطقة الاقتصادية 65 مصنعا، وصلت أعدادها حاليا إلى 130 مصنعا، أي ضعف العدد خلال فترة زمنية تبلغ 3 سنوات، بل الأهم من ذلك أن هناك 120 مصنعا تحت الإنشاء سيتم الانتهاء منها خلال هذا العام، أو العام المقبل على أقصى تقدير.
كما أوضح الدكتور مصطفى مدبولي، خلال المؤتمر الصحفي، أنه في أثناء زيارته للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، تفقد مصنعين متخصصين في إنتاج الألواح الشمسية، والتي تُعد من الصناعات المهمة للغاية، منوهًا إلى تأكيد رئيس الهيئة الاقتصادية لقناة السويس أنه بنهاية العام الجاري 2025 سيكون لدى مصر القدرة للإنتاج الكامل لجميع مكونات الألواح الشمسية وهو ما يتماشى مع خطة ورؤية مصر لعام 2030 بأن تمثل الطاقة النظيفة نسبة 42% من إجمالي إنتاج الطاقة المُنتجة في مصر.
وفي الوقت نفسه، أشار رئيس الوزراء إلى أحد الأخبار المهمة المرتبطة بقطاع البترول، الذي يأتي بالتوازي مع جهود العمل على استدامة سداد الالتزامات مع شركات البترول، هو أن هناك حقلا جديدا ظهر في نفس منطقة حقل كينج مريوط، هذا الحقل اسمه «الفيوم 5»، حيث ظهرت بوادر استكشاف جيدة واحتياطيات جيدة من الزيت والغاز، وهذه كلها أخبار إيجابية مطمئنة لنا كدولة تؤكد أننا نتحرك في الاتجاه السليم في هذا الصدد، وأن هناك تعافيا سريعا في هذا القطاع، وسنشهد نتائجه الإيجابية مع نهاية عام 2025 وبداية عام 2026.
ونوه رئيس الوزراء أيضا إلى أنه يقوم حاليًا مع وزيري التخطيط والمالية بمناقشة الخطة الجديدة للعام المالي المقبل 2025-2026، وسيتم الإعلان عن تفاصيل هذه الخطة خلال الفترة المقبلة، مضيفا: الشيء الأهم هو أن قطاعي الصحة والتعليم يستحوذان على النصيب الأكبر خلال الفترة المقبلة.
اقرأ أيضاًوزراء خارجية فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة يرحبون بالجهود المصرية لتمديد وقف إطلاق النار في غزة
مفتي الجمهورية: غياب الاقتداء بالنموذج النبوي في الحياة الزوجية سبب رئيسي للمشكلات الأسرية