فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان
تاريخ النشر: 28th, March 2024 GMT
هل وجود صورة أو رسمة أو لعبة لكائنات من ذوات الأرواح أمام المصلي تبطل الصلاة؟ وماذا لو صلى ولم يكن منتبها ثم رآها بعد ذلك؟ كذلك بالنسبة للفرشة التي بها فراشات وعصافير مدموجة مع الزخارف؟
- أما إن كان لم يرها ابتداء فإن صلاته لا تبطل بذلك، لكن الواجب إن انتبه إليها أن يزيلها عن مصلاه، وألا يصلي على شيء فيه شيء من رسومات ذوات الأرواح، ولا أن يستقبل شيئا فيه من تصاوير ذوات الأرواح أما في انتقاض الصلاة بذلك فخلاف، وإن كان القول الصحيح هو عدم انتقاض الصلاة.
لكن يؤمر بشدة أن يزيل ما فيه تصاوير لذوات أرواح في مصلاه، أو في ما يلبسه والله تعالى أعلم.
في سورة النساء قرأ حمزة والأرحام -بالكسر- « تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامِ» فهل تكون عطفا على تساءلون؟ وهل يجوز السؤال بالأرحام؟ وهل السؤال بالشيء يختلف عن الحلف؟ وإن كان السؤال بالأرحام جائز فما هي صيغته؟- الجواب عن هذه المسألة يقوم على تبين وجوه القراءتين فإن القراءة المشهورة «وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ» أي القراءة المشهورة في الأرحام لأن هناك قراءات في تساءلون، ولكن محل السؤال الآن الأرحام واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام بالنصب واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام بالخفض وهي قراءة حمزة.
أولا نبين المقصود على القراءتين ثم سنأتي إلى ما يكتنف قراءة الخفض في قراءة حمزة من توجيهات لغوية لا بد منها، المقصود باختصار شديد على قراءة الجمهور «وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ» أي واتقوا الأرحام فيكون العطف على اسم الجلالة واتقوا الله واتقوا الأرحام ويكون معنى اتقاء الأرحام، هو المعنى المصدري لكلمة اتقوا لكلمة الاتقاء وهو اجتناب تضييع حقوق الأرحام هذا على قراءة الجمهور.
وعلى قراءة حمزة «وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامِ» بالخفض فإن الأرحام هنا تكون معطوفة على الضمير المجرور قبلها «به»،
وهذه المسألة عند النحاة محل خلاف، لأن أكثر البصريين يمنعون من عطف الاسم الظاهر على الضمير المجرور دون إعادة الخافض، ولكن الصحيح أن طائفة من أئمة النحو يرون جواز عطف الاسم الظاهر على الضمير المجرور ومنهم ابن مالك ومنهم الإمام الزمخشري في تفسيره في أكثر من موضع.
ومنهم من ذهب مذهبا ثالثا وقال بأنه إذا كان العطف بالإضافة فإن ذلك جائز، وإذا كان العطف بحرف خافض فإن ذلك لا يصح عنده، فالمسألة عند أهل اللغة محل خلاف، وتوجيه قراءة الخفض، أن يكون تقدير الكلام واتقوا الله الذي تساءلون به وبالأرحام يكون المقصد هو تعظيم حقوق الأرحام، وفيه تعريض بأهل الجاهلية فإنهم يزعمون أنهم يعظمون الأرحام وأنهم يسألون بها كما قال السائل أنهم يسألون بها فيقولون أنشدك الله و«الرحم» أو «أسألك الله والرحم» تعظيمًا لشأن الرحم، لكنهم في واقع الأمر يضيعون لحقوق اليتامى وذوي القربى والضعفاء والفقراء والمساكين ولا يقومون بحقوقها فهم يعظمونها لفظًا.
فجاء القرآن تعظيمًا للرحم وتعريضًا بهم أنهم إن كانوا صادقين فإن عليهم أن يعظموا الرحم وهذا يتناسب مع صدر الآية الكريمة «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا» نعم فهذا هو توجيه القراءتين والله تعالى أعلم.
ابني من ذوي الهمم مصاب بالتوحد، يبلغ من العمر الآن خمس عشرة سنة وهو كما يبدو في سن التكليف، هو ليس لديه القدرة على الصيام والصلاة لأنه لا يفقه هذه التكاليف، فماذا عليه؟ هل أتصدق عنه عن كل يوم أم ماذا؟
- إن كان لا يفقه هذه التكاليف لقصور في مداركه العقلية فلا يتصورها ولا يحسن فهمها ولا يعرف حقوقها وشروطها وآدابها ولا يعرف كنهها فهذا يعني أن التكليف عنه مرفوع ولا يلزمهم شيء، لكن إن كان عنده شيء من الفهم لهذه العبادة فإن غاية ما عليهم أن يأمروه فإن كان يعي أمر العبادة وأمر الصيام فإنه يؤمر بالصيام، وإن كان لا يعي فلا شيء عليهم.
والمصابون بهذا المرض يتفاوتون منهم من يعي أمر الصيام ويستطيع أن يصوم ولا يتأثر، ومنهم من هو أشد حالة وتظهر له بعض الصفات في أمور أخرى يكون فيها قادرا على مباشرتها دون أن يعود، فهم يتفاوتون، وحسبما يظهر من السؤال بأنه لا يعي ولا يفقه أمر الصيام فإن كان لا يفقه أمر الصيام فلا يلزمهم شيء.
اللهم إلا إذا كان من باب الاحتياط -لأن هذا المرض مرض مزمن- بأن يخرجوا عنه عن كل يوم إطعام مسكين هذا من باب الاحتياط لكن حسب الظاهر من السؤال حينما ورد فيه السؤال بأنه لا يفقه أمر الصيام فإنه لا يلزمهم شيء والله تعالى أعلم.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: ذ ی ت س اء ل ون ال أ ر ح ام أمر الصیام إن کان
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: قراءة السيرة والصلاة على النبي وتدبر القرآن مفاتيح محبة وتعظيم الرسول
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومفتي الديار المصرية الأسبق، إن مدخل حب النبي محمد صلى الله عليه وسلم يقود إلى تعظيمه والارتباط به، مشيرًا إلى أن المسلم إذا أحب النبي حقًّا فإنه يعظّمه ويقف عند حدّه ويتصل به اتصالًا روحيًا عميقًا، مؤكدًا أن هناك ثلاث وسائل رئيسية لغرس هذا التعظيم والمحبة في القلوب: قراءة السيرة، والإكثار من الصلاة عليه، وتتبع ما ورد عنه في القرآن الكريم.
وأوضح عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومفتي الديار المصرية الأسبق، خلال بودكاست «مع نور الدين»، المذاع على قناة الناس، اليوم الخميس: «من مدخل الحب، إذا أحب المسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه يعظمه ويقف عند حدوده أمامه، ويكون متصلاً به اتصالاً تامًا. هذا الحب يتولد من أمور عدة، أولها قراءة السيرة النبوية».
وأضاف: لو أن المسلمين قرأوا السيرة النبوية وأكثروا منها، لرأوا حال النبي صلى الله عليه وسلم واشتاقوا إلى أن يفعلوا مثله، ولرأوا ذلك الإنسان الكامل الذي تحول إلى إنسان رباني، ثم بعد رحلة الإسراء والمعراج، تحول إلى نور، كما ورد في القرآن الكريم: 'يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ'، وقوله صلى الله عليه وسلم: 'يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ'، وهذا النور هو حضرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم."
وتساءل قائلاً: «كيف تعلقت قلوب الأمم بقراءة السيرة؟ كانت السيرة تُقرأ في الأزهر الشريف يوميًا بعد صلاة الفجر، حيث يكون الذهن متفتحًا والناس في نشاطها، وأول ما يستقبلونه هو السيرة النبوية».
وأشار إلى أن مؤلفات السيرة النبوية المطبوعة بلغت حوالي 450 كتابًا حتى الآن، وقد يكون العدد وصل إلى 500، أما المخطوطات، فهي أكثر من ذلك بكثير، على سبيل المثال، قام المرحوم صلاح المنجد بعمل معجم جامع لكل ما كُتب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أحواله ومواقفه وأشيائه وخدامه وأزواجه وأبنائه، وكلما قرأت عنها، زاد حبك له ولم تمل.
وأردف: «هذا هو الطريق الأول لعلاج المسلم المعاصر، حتى إذا ما ذهب في هذا البحر اللجي من الحمق والتحامق والاستهانة بتعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم، يجد قلبه يصده ويطمئن إلى تعظيمه».
وأضاف: «الأمر الثاني الذي أمرنا الله به، وجربه المسلمون، هو الصلاة على سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)».
وذكر: "المسلمون تفننوا في صيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فوجدنا حوالي 43 صيغة واردة في الحديث، على سبيل المثال، الشيخ الجزولي رحمه الله في القرن الثامن الميلادي، ألف مجموعة سماها 'دلائل الخيرات'، ما رأيكم أن عدد مخطوطات 'دلائل الخيرات' فاق عدد المصاحف؟، الأمة لم تجتمع وتقرر أن تعمل نسخًا أكثر، ولكن سبحان الله، أراد الله ذلك، فوجدنا حوالي 20 مليون مخطوطة إسلامية على وجه الأرض، منهم حوالي 2 مليون نسخة فقط لـ«دلائل الخيرات»، وهذا غير كتب الصلوات الأخرى، مثل «كنوز الأسرار» للهروش، و«سعادة الدارين» للنبهان، و«الكنز الثمين»، وغيرها من المجاميع التي جمعت الصلوات وتتبعت فضلها، وعرف المسلمون فضلها كثيرًا، إما بالتجربة أو بالرؤى».
وشدّد: «الالتزام بالنصوص عندنا شكله إيه؟ نحن ملتزمون بالنصوص ولكن بالفهم العميق، ملتزمون بالنصوص ولكن بالفهم الذي لا يضرب بعض الشريعة فيه بعض، إنما كله متفق على نمط واحد، فإذا كان الأمر الأول هو السيرة، والأمر الثاني هو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الأمر الثالث هو تتبع ما ورد عن سيدنا في القرآن الكريم».
وتابع: «ربنا في القرآن الكريم أكثر من ذكر النبي عليه الصلاة والسلام، هو لم يُذكر باسمه محمد إلا أربع مرات، وأحمد مرة واحدة، لكن المقصود ليس ذلك، المقصود أنه وصفه وذكر عينه وذكر يده وذكر كل أعضاء جسمه، فقراءة السيرة مع الصلاة على النبي، مع تتبع القرآن، تجعل الإنسان يرسم هذه الصورة لسيدنا».