يقول الدكتور محسن الكندي «ابن شيخان مدرسة شعرية عُمانية انتمى إليها كثير من شعراء عُمان في القرن العشرين وكان هو وأبو مسلم فرسَي رهان الشعر....لا أجد وصفًا أفتتح به هذه المقالة عن شيخ البيان أبي نذير ابن شيخان (1868 - 1927) من شهادة ابن عمِّه الإمام المحقق «نور الدين السَّالمي». القائل نصّها: «لولا وجودُ شاعرِ العَرَب أبي مسلم الرواحي بزنجبار لعلمتُ أنه أشعرُ أهل عصره»، فهذه الشهادة تلخصُ قيمة شعره، وتضعه في صدارة الشعراء العُمانيين، كما أنني لا أجد وصفًا شعريّا يبرز مكانته أبلغ وأدق من تأبين سماحة المفتي إبراهيم بن سعيد العبري له حين قال:
لهفي على شاعرِ الإسلامِ والعَرَب
محمدُ نجلُ شيخان أخي الحَسَبِ
قد كان للعلمِ بحرًا لا يفيّضهُ
غرفُ الدِّلاءِ وبدرًا غيرَ مُحتجبِ
من للبَيانِ وللقرآنِ بعدَكَ يا
نورَ الزَّمان ومن للشعرِ والخُطَبِ
ففي هذين النصّين اختزالُ لشخصية ابن شيخان وما تحلّى به من خلال ومناقب.
ولد أبو نذير محمد بن شيخان السالمي، في بلدة الحوقين من أعمال ولاية الرستاق عام (1284هـ) الموافق (1868)م، وتعلم بها مبادئ القراءة والكتابة، ونتيجة للفتن والحروب التي حدثت في بلدته آنذاك رحل به والده إلى مدينة الرستاق، حيث كانت في ذلك الوقت مقصد طلبة العلم، وفي مسجد قصرى تتلمذ وتفقه على يد الشيخ راشد بن سيف اللمكي عمدة العلماء في زمانه، واستكمل قراءة علم اللسان والآلة وعلم الكلام على يد ابن عمه العلامة نور الدين السالمي، فبرع في علم اللسان والكلام ونبغ في الشعر.
يقول عنه سالم العياضي: «عرف عنه أنه كان ذكيا متوقد الذكاء، سريع الجواب، حاضر الاستشهاد، حافظا للكثير من أشعار العرب، إذا سئل لم يتلجلج، وإذا امتحن لم يتلعثم، وإذا نوقش لم يتذمر، وكان أيضا جهوري الصوت.
هاجر أبو نذير إلى المنطقة الشرقية في العقد الأول من القرن الرابع عشر الهجري، واختار ولاية المضيبي مسكنا، وبقي بها مدة طويلة، ومنها كان اتصاله بالسلطان فيصل بن تركي، حيث بقي في كنفه سبعة عشر عاما، ومدحه بالكثير من الأشعار منها القصيدة التي يقول فيها:
إن رمت للحاجة السوداء فيصلها
فيممن ذا اليد البيضاء(فيصلها)
ملك به شيم الإحسان مجملة
لكن يشنّ على الدنيا مفصّلها
ومدح أيضا السلطان تيمور بن فيصل وعددا من أفراد الأسرة الحاكمة، وفي عام (1331)هـ ونتيجة لبعض الظروف، قرر ابن شيخان الهجرة إلى خارج عمان فاتجه إلى أكثر من دولة من دول الخليج، مادحا أمراءها وحكامها، لكنه لم يحتمل الغربة والأسفار، فعاد إلى وطنه الأول الرستاق، واشتغل بالتدريس في جامع البياضة، فكان يدرس الأدب والتاريخ والفقه، وتخرج على يديه عدد كبير من العلماء والأدباء، واستمر مدرسا إلى أن توفي ليلة الجمعة الثامن عشر من ربيع الأول عام (1346)هـ الموافق (1927)م ببيت القرن من الرستاق».
ترك ابن شيخان الكثير من الأشعار التي قام بجمعها محمد بن عبدالله السالمي، وأصدرها في ديوان عام 1979 -بمراجعة د.عبد الستار أبو غدة- وقد قسمه على حسب الأغراض الشعرية فجعل لكل غرض فصلا مستقلا. ويحتل الوصف جانبا كبيرا من شعره وقد وصف الطبيعة والخيل والقلاع والقمر والليل، وساعده في ذلك خياله الخصب وثراؤه اللغوي.
وله الكثير من المدائح في السلاطين والأئمة وعدد من الحكام والأمراء في ذلك الزمان.
وله قصائد في الحكم والمواعظ وفي الألغاز والتورية وأجوبة المسائل وفي المراثي والغزل، وعدة تخميسات.
شهد له الكثير من علماء عصره بالريادة الشعرية على معاصريه، وكان ذا شاعرية فذة وقريحة فياضة، وشعره محلّى بالجناس والتورية وغيرها من محسِّنات البديع، واستلهم الطبيعة فألهمته ومنحته الكثير من بديعها، فتراه محافظا على أوزان الشعر وقوافيه، مستندا إلى حظ من البيان العربي غير قليل، ذا ثروة من اللغة الفصحى، فجاء شعره سلسا عذبا منسابا برقة بلا تكلف ولا تعقيد.
ويقول الكندي عن ديوان ابن شيخان: «يُعدّ ديوان ابن شيخان واحدا من دواوين الشعر العُماني الحديث المهمة التي لا يمكن دراسة الشعر العُماني إلا بها، وهو من فرط جودته، وكثافة حضوره، وطلاوة سبكه، وعمق معانيه، وانسيابية أدائه لم يغرب عن ذهنية العُمانيين والعرب نقادًا ومتذوقين، فناظمه مدرسة شعرية كبرى، تخرج منها جلُّ شعراء عُمان، إن لم نقل أكثرهم وفي دراسة وثائقية قمنا بها وجدنا أن ديوانه يحتل المرتبة الثانية في عدد نسخه قبل نشره، وهو يأتي بعد ديوان الشاعر أبي مسلم البهلاني، فما من مصدر مخطوط ولا مرجع منشور إلا وفيه ذكر له، وقد أحصينا عدد قصائده ومقطوعاته وأبياته المفردة، فوجدناها تقارب المائتين وخمس وتسعين قصيدة ومقطوعة فضلا عن أبيات مفردة تنتظم في أغراض المواقف الإنسانية والعلاقات الفكرية والنزعات الفنية، وقد طغى عليها المديح بنسبة 55.9%، تلاه الشعر التعليمي بنسبة 11.9%، فشعر الحكمة والإرشاد بنسبة 8.8%، فالغزل بنسبة 4.4%، والغرض الديني بنسبة وقدرها 1.7 %، فالرثاء بنسبة 1%، فأغراض أخرى متفرقة تشكل نسبة 16.3 % بعضها ينتمي إلى شعر الأحاجي والألغاز والوصف والتأريخ بالشعر».
ويقول مراجع الديوان الدكتور عبد الستار أبو غدة «إغراق ابن شيخان في المديح وإخلاصه له ليس بدعا في حقله، فقد نهجه قبله أغلب شعراء العربية قاطبة، ولكنه صاغه بأساليب مبتكرة وبُنى محكمة ولغة قوية جزلة دلّتْ على جودتها وإتقانها الدراسات الأكاديمية التي قدّمت عنه والتفت إليها جامع الديوان حين أشار إلى قصيدته «غرة الزمان في سلطان عُمان» التي مطلعها:
شَمْسٌ من الأنسِ صار الحسنُ هيكلها
ألقتْ إليها النُّهى طوعًا مُعَولها.
وأنها تشكّل مع نظيرتها «بُلِغَة المُرام من شعر الغرام في مدح سلطان عُمان» القائل طالعها:
خليليَّ ما للنّفسِ هاجَ غرامُها
وعاودها نيرانُها واضطرامُها
جوهر تجربته، وقد نظمها لتشكل إخلاصًا في الولاء والإعجاب بالسلطان فيصل بن تركي الذي تجلّى في قربه منه، وأن يحتل منه المكان الرفيع، وأن يدعوه إلى جواره وأن تمتد صلته به عددا من السنين «الأمر الذي جعله يبوح بهذه المنزلة فيكتب إلى ابن عمه نور الدين فيجيبه مُسَلِّطاَ الضوء على قصيدته تلك بالقول «وقد رأيتُ غرة الزمان، وما فيها من المعان، فقد حازت من البلاغة أسناها، وسَلَكَتْ من مسلك الشعر أسهلها وأعلاها، وجاءت من فرائدِ الألفاظ بأثمنها وأغلاها، فما المهر الذي سبق إليها عنها بمهر لها وإن عظم فلعمري ولو أعطاك عن كلِّ بيتٍ ألفًا لكنت أنتَ المغبون قطعًا...».
بيد أن هذا الإطراء ينحدرُ -في تقديرنا- من موهبة وقناعة حقيقة لا تصنّع فيهما، فالسلطانُ فيصل بن تركي الممدوح «كان بيتَ القصيد، يعتملُ في نفس الشاعر إعجابا مفرطا به وولاء لدولته، فقد كان قِبْلَة الشعراء يَحُجُّ إليه هو وأمثاله الشعراء، فقد أقام لهم سوقا يرحلُ إليها قريبهم والبعيد مطبقين على مديحه بكل لسان يبلغ مجهود الإنسان، فَعَيٌّ يقدر على كلام قليل، وبليغٌ يصل المقام الجليل، وثالثُ يقصر على النية ليأمل بها بلوغ النية، كما يقول الشيبة في مقدمته للديوان»، من هنا لا غرابة أن يكون ابن شيخان شاعر قصره، وواصف مصره وعهده، ومؤصلا لحراكه، فالمادح لا يبقي صغيرة ولا كبيرة إلا ويحشدها في مدحه. وأختم بنص من ديوانه في مديح رسول الله، يقول:
لِهَوى الحجاز بأفق قلبي مبدأ
فلذا يعودُ لِيَ الغرام ويبدأ
صَبٌّ يَحِنُّ إلى الحمى فشجونه
ترقى وحُمر دموعه لا ترقأ
دَاءان في أصلِ الحشا وجفونهِ
فالعينُ تِبْرٌ ما تفيض ولؤلؤُ
والأصل في الحُب ابتداءً نظرةٌ
فنمَتْ وعادتْ عِلةً لا تبرأُ
أترى أحِبتنا الأُلى سكنوا الحِمى
ذكروا فتى عن ذِكرهم لا يَفتأ
والله لا أنساهم أبدا ولو
طال الجفاء، وحقهم لا ينسأ
ثوب التصبّر عنهم متمزّق
وبغير حسن وصالهم لا يرفأ
طالتْ برمضاءِ القطيعة وقفتي
فمتى بروضة حسنهم أتفيَّأ
لا تذكروا لي غيرهم في حضرتي
إني بذكر سواهم أتقيأ
أتظن أني صابرٌ عن أرضهم
وأرى بريقًا نحوها يتلألأ
كلا ولكن التجلّد واجبٌ
للحرّ في دهر به يتجرأ
يا دهر لا تشطط وعاملنا بما
هو منك أحسن لا بما هو أسوأ
أبعدتني عن مربعي، وتركني
رهن الهموم، وكلّ خطبٍ يطرأ
أَوَ لا أرومُ من الهمومِ تَخلُصًا
لِمَ لا وخير المرسلين الملجأ
العاقب الماحي الذي آياتُه
في صفحةِ الأكوان قِدما تٌقرأ
الطيِّبُ المسك الذي تتضّوعُ
الدنيا به وبنوره تتضوَّأُ
الجوهرُ الفردُ الذي أبدته خاليةُ
الدهور لنا وكانت تُخبأ
الناسُ في شبه الضلالة قبله
حتى أتى الحقُ الذي لا يُدرأ
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الکثیر من
إقرأ أيضاً:
نهيان بن مبارك: «صندوق الوطن» منصة لتعزيز الهوية واللغة والثقافة في وجدان الأجيال
أكد معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح والتعايش رئيس مجلس إدارة صندوق الوطن، أن مشاركة الصندوق في معرض أبوظبي الدولي للكتاب تمثل ترجمة حقيقية لرؤية قيادتنا الحكيمة، التي تؤمن بأهمية الثقافة والمعرفة في بناء الإنسان والمجتمع.
وقال معاليه: «نهدف من خلال هذه المشاركة إلى تعميق الوعي بالهوية الإماراتية في وجدان كل مواطن ومقيم، وتعزيز عناصرها المرتبطة بالتراث، واللغة، والقيم المجتمعية، والانتماء للوطن والولاء لقيادته وتشجيع كافة المبدعين والكتاب على المساهمة مع صندوق الوطن في هذا المجال.
ولفت إلى أن جناح صندوق الوطن يسعى لحشد جهود المبدعين والكتاب والمفكرين والفنانين والشعراء لتعزيز قيم الهوية الوطنية واللغة العربية من خلال الكلمات واللغة البصرية وغيرها من التعبيرات الفنية والأدبية.
وأوضح معاليه أن مشاركة أكثر من 30 كاتباً ومبدعاً إماراتياً وعربياً وعالمياً في أنشطة وبرامج جناح صندوق الوطن لها دور كبير في وصول رسالة جناح صندوق الوطن إلى جميع رواد معرض أبوظبي الدولي للكتاب، وجمهور الثقافة والمعرفة من مختلف الجنسيات والأعمار، مؤكدا أهمية المعرفة في تعميق عناصر وقيم الهوية الوطنية، ومكانة اللغة العربية وفنونها وآدابها لدى الفئات كافة ولاسيما الأجيال الجديدة.
وأشار إلى أن إشراك المفكرين والمؤلفين والفنانين مع طلاب المدارس في حوار مفتوح حول هذه القيم، يمكن أن يسهم في رسم مستقبل أفضل وأكثر ازدهاراً للإمارات وللعالم بأسره، وأن التفاعل مع مناقشات والمشاركة في أنشطة رائدة لتطوير الأفكار والمعرفة والأدب والفنون، وتبادل المعلومات القيمة، ساهم في تعزيز القيم الإنسانية الأصيلة باعتبارها ركيزة أساسية في الهوية الوطنية، ورسم مستقبل أفضل وأكثر سلاماً وازدهاراً للإمارات والعالم.
برنامج حافل
وشهد جناح صندوق الوطن إقبالاً كبيراً من طلاب المدارس والجامعات والمثقفين والمهتمين بالمعرفة، إذ تميز بتقديم برنامج حافل من الجلسات الحوارية، وورش العمل، والندوات الأدبية، والأمسيات الفنية بمشاركة عدد من المبدعين العرب والإماراتيين.
وفي الجلسات الصباحية، شاركت الكاتبة حمدة البلوشي في حوار مفتوح مع طلاب المدارس حول أهمية القصة في رسم الوجدان وغرس القيم، مؤكدة أن «أدب الطفل هو حجر الأساس لبناء قارئ مثقف ومواطن فاعل». وأشادت بدور جناح صندوق الوطن الذي تجاوز كونه مساحة عرض، ليصبح «منصة فكرية وتربوية مفتوحة للنقاش والإبداع».
كما تحدثت الكاتبة تسنيم عمران عن تجربتها في الكتابة للفئات الشابة، مشيرة إلى أن الكاتب يجب أن يكون مرآة لجيله، مؤكدة حرصها على تقديم أعمال تحاور وجدان القارئ وتطرح أسئلة الهوية والانتماء بلغة مشوّقة. وأعربت عن تقديرها للجناح الذي منحها الفرصة للتفاعل المباشر مع جمهورها.
أمسية شعرية
أما في الفترة المسائية، فقد أدارت الشاعرة الهنوف محمد أمسية شعرية استضافت خلالها الشاعرين الدكتور طلال الجنيبي والدكتور حسن النجار، حيث دار حوار غني حول دور الشعر في تشكيل الوجدان الجمعي وترسيخ القيم.
واعتبرت الهنوف أن «الشعر يبقى المتنفس الوجداني والروحي في زمن يتسارع فيه كل شيء»، مثمنةً حرص الجناح على دعم الشعراء وتقديمهم في فضاء يعكس عمق القيم الإماراتية وحب اللغة العربية.
وقدّم الدكتور طلال الجنيبي مجموعة من قصائده التي جمعت بين روح الأصالة والتعبير عن القضايا الإنسانية، مؤكداً أن الشعر الإماراتي يعيش نضجاً فكرياً وجمالياً، وأن تساؤلات الهوية واللغة والقيم تفتح آفاقاً واسعة لتعزيز الانتماء لدى مختلف شرائح المجتمع، خصوصاً الشباب.
من جانبه، عبّر الدكتور حسن النجار عن سعادته بجمهور الأمسية، مشيراً إلى أن الشعر ما زال حياً برسالته القيمية والوجدانية، خاصة حين يحظى بالدعم من مؤسسات وطنية مثل صندوق الوطن، الذي أتاح له اللقاء بجمهور المعرض والتفاعل مع محبي الكلمة.
ويوصل جناح صندوق الوطن فعالياته اليومية على مدى أيام المعرض، من خلال جدول حافل يتضمن ندوات أدبية، وورش عمل، وجلسات حوارية مع مفكرين وأكاديميين، وأمسيات فنية.
ويستعد الجناح يوم الاثنين المقبل للإعلان عن أحدث مبادراته الاجتماعية والثقافية، وسيقوم معالي الشيخ نهيان بن مبارك بتكريم الفائزين في مسابقة «كأس التخيل» من أبناء وبنات الإمارات.