قال فضيلة الدكتور شوقي علَّام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إن هناك علاقة وثيقة بين الإيثار والسعي في مصالح الناس وقضاء حوائجهم، فالإيثار هو دافع الأفراد للسعي في مصالح الناس وقضاء حوائجهم، وهو خلق من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، كان يربي عليه أصحابه، وقد ظهر هذا منذ بدايات ظهور الإسلام، وبعد الهجرة فقد ضرب الأنصار أروع الأمثلة في الإيثار والكرم عند تعاملهم مع المهاجرين.

فضل إطعام الطعام

وأضاف فضيلة المفتي، خلال لقائه الرمضاني اليومي في برنامج «اسأل المفتي»، مع الإعلامي حمدي رزق، الذي عُرض على فضائية صدى البلد، أن حب المجتمع المسلم وخاصة المصري للكرم والإيثار والعطاء يعكس مدى حضور النموذج النبوي الموروث من رسولنا الكريم، فنجد طوائف كثيرة من المجتمع المصري تجود بما تملك لتنفع به غيرها في شهر رمضان وغيره.

وأشار مفتي الجمهورية إلى أن إطعام الطعام للنفس وللأهل وللغير من الأمور المحببة في الشرع الشريف وخاصة في هذا الشهر الفضيل، ولكن بلا إسراف أو تبذير، لأنه سلوك سلبي لا يليق بنا نحن المسلمين، فالأولى لمن يسرف ويبذر في هذا الشهر أن ينظر إلى جيرانه وأقاربه وباقي الناس المحتاجين.

وأوضح، أن أبواب الخير في رمضان كثيرة، ولعل من أعظمها تعوُّد الصائمين على إفطار غيرهم الصائمين خاصة الفقراء منهم والمساكين، فمن خصائص هذا الشهر الكريم أنه شهر المواساة، يتكافل فيه كافة أفراد المجتمع، وتَعمُر فيه البيوت والطرقات بموائد الطعام التي يجهزها المقتدرون لإطعام الطعام ليحوزوا الفضل الذي بشَّر به النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في حديثه الشريف: ((من فطَّر فيه صائمًا كان مغفرةً لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شيء، قالوا: يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطِّر به الصائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يعطي الله هذا الثواب لمن فطَّر صائمًا على مذقة لبن أو تمرة أو شربة ماء، ومن سقى صائمًا سقاه الله من حوضي شربةً لا يظمأ بعدها، حتى يدخل الجنة))، وقوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله: ((من فَطَّرَ صائمًا، كان له أو كتب له مثل أجر الصائم، من غير أن ينقص من أجر الصائم شيئًا)).

وأردف فضيلته: ولأهمية إطعام الطعام وعظيم أجر هذه العبادة جعل الله سبحانه وتعالى الإطعام في الكفارات والفدية، فالمريض والشيخ الفاني يطعم مسكينًا عن كل يوم، والوطء في نهار رمضان كفارته «إطعام ستين مسكينًا» إذا لم يقدر على صيام شهرين متتابعين، وكذلك من كفارة اليمين «إطعام عشرة مساكين»، وفي القتل والظهار «إطعام ستين مسكينًا» إذا لم يقدر على صوم شهرين متتابعين، كما شُرع الإطعام في نهاية رمضان كما في زكاة الفطر.

تنوع أبواب التكافل والتعاون

وأكد فضيلة المفتي، أن الشرع الشريف لم يكتفِ بفرض الزكاة، وإنما وسَّع وجوه الإنفاق ونوَّع أبواب التكافل والتعاون على الخير والبر، فحث على التبرعات ورغَّب في الهدايا والصلات والصدقات، حتى يتمَّ الاكتفاء المجتمعي وتوفير صور الدعم والعون في الأزمات، تحقيقًا للتوجيه النبوي بأن يكون المؤمنون جميعًا كالجسدِ الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له باقي الأعضاء بالسهر والحُمَّى.

وتابع فضيلته: وهذه الطوائف المحتاجة في مجملها هي طوائف مستهلكة قابلة للاستهلاك بشكل عام فكلما ملكت مالًا استهلكته، ومردود ذلك جيد عند الاقتصاديين لما يمثله من دوران عجلة الاقتصاد فيرتد أثر ذلك على المجتمع بعمومه، ولهذا قال الرسول الكريم: «ما نقصت صدقة من مال»، فالمعطي وإن كان له فضل العطاء، فإن ثمرة الصدقة تعود إلى المتصدق بدَورها، عن طريق دوران عجلة الإنتاج وانتعاش الاقتصاد وحركة السوق، وذلك لب نظرية التشغيل التي نادى بها كبار الاقتصاديين لإعادة دوران عجلة الاقتصاد بعد الكساد الكبير، وهو كذلك ثمرة نظرية الزكاة في الإسلام، عن طريق تزويد الفقراء والمحتاجين بالصدقات بما يخلق لديهم القدرة على الاستهلاك ومن ثم تشغيل عجلة الإنتاج.

هل الزكاة تُغني عن الضرائب؟

وردًّا على سؤال يستفسر: هل الزكاة تُغني عن الضرائب؟ قال: لا تعارض بين الزكاة والضرائب فكلتاهما تُدفع بأمر شرعي، فمصارف الزكاة محدودة محصورة في الأصناف الثمانية التي حددها القرآن، ويجوز لولي الأمر أن يفرض ضرائب عادلة في تقديرها وفي جبايتها إلى جوار الزكاة، وذلك لتغطية النفقات العامة والحاجات اللازمة للأمة، باعتبار أن ولي الأمر هو القائم على مصالح الأمة التي تستلزم نفقات تحتاج إلى وجود مورد ثابت، ولا سيما في هذا العصر الذي كثُرت فيه مهام الدولة واتسعت مرافقها.

وشدَّد فضيلته على أنه لا يجوز التهرب من الضرائب، ولا يجوز دفع الرشوة لإنقاصها، فدفع الضرائب تعبد لله لأنها من طاعة ولي الأمر في الحق والخير والبناء، فهي طاعة للقانون الذي وضعه ولي الأمر ونحن مأمورون بطاعته فيما لا يخالف الله ورسوله.

وأضاف: «وولي الأمر في عصرنا هو مجموعة المؤسسات التشريعية وفقًا للنظام الحديث، فإن الدولة لها ما يسمى بالموازنة العامة، التي تجتمع فيها الإيرادات العامة، والنفقات العامة، وإذا كانت النفقات العامة للدولة أكبر من الإيرادات العامة، فإن ذلك معناه عجز في ميزانية الدولة يتعين عليها تعويضُه بعدة سبل، منها فرض الضرائب».

حكم الاعتكاف في رمضان

وردًّا على سؤال عن حكم الاعتكاف، قال: إن الاعتكاف سُنة وليس فرضًا، فتاركه لا وزر عليه، لكنه يأثم إن عطَّل به واجبًا، أو أهمل في فرض، وعلى الإنسان أن يعبد ربه كما يريد الله لا كما يريد هو، فلا يسوغ له أن يُقَدِّم المستحبات على الواجبات، ولا أن يجعل السنن تُكَأَةً لترك الفرائض.

وأشار فضيلة المفتي إلى أنه لم يَرِد أن النبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابة كانوا يتركون فيه أعمالهم وأمور معاشهم للتفرغ للعبادة، سواء الصيام أو القيام أو الاعتكاف، بل يجمعون بين ذلك كله في توازن وانسجام وَفق نظام مُحكم يضمن أداء العبد ما افترضه الله تعالى من عبادات، واستقرار العمل واستمرار الإنتاج وسلامته بطريقة وسطى لا إفراط فيها ولا تفريط.

وأكد فضيلته على ضرورة اتباع التعليمات المقررة بخصوص الاعتكاف، لأن مخالفتها مخالفة للشرع، مشيرًا إلى أنَّ من اعتاد فعل الخير ثم منعه عذر لا دخل له فيه فله أجر فعله قبل العذر.

واختتم فضيلته حواره بالرد على سؤال حكم تجديد نية الصيام في كل ليلة، قائلًا: «إذا استطاع الإنسان أن يعقد النية كل ليلة من ليالي رمضان فهذا خير، وإذا خاف أن ينسى أو يسهو فلينوِ في أول ليلة من رمضان أنه سوف يصوم بمشيئة الله تعالى شهر رمضان الحاضر لوجه الله والنية محلها القلب ولا يشترط التلفظ بها».

اقرأ أيضاًمفتي الجمهورية: معركة بدر أثبتت أن تشريعات الإسلام أرقى مما وصلت إليه النظم الإنسانية

مفتي الجمهورية: كثير من قضايا الطلاق ناتجة عن سوء استخدام مواقع التواصل

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الدكتور شوقي علام حمدي رزق صدى البلد مفتي الجمهورية مفتی الجمهوریة صلى الله علیه إطعام الطعام صائم ا

إقرأ أيضاً:

استطلاع: غالبية أميركية تعارض سيطرة الولايات المتحدة على غزة

كشف استطلاع حديث لمركز بيو الأميركي أن غالبية الأميركيين يعارضون فكرة سيطرة الولايات المتحدة على غزة، كما أن أكثر من نصف الأميركيين ينظرون إلى إسرائيل نظرة سلبية مقارنة بأقل من النصف قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

السيطرة على غزة

وبحسب الاستطلاع الذي نشره هذا المركز الأميركي على موقعه الإلكتروني أمس الثلاثاء، فإن حوالي 6 من كل 10 أميركيين (62%) يعارضون سيطرة الولايات المتحدة على غزة، منهم 49% يعارضون ذلك بشدة، و22% غير متأكدين، بينما يؤيد ذلك 15%.

وبالنسبة للجمهوريين فإن 44% منهم يعارضون السيطرة الأميركية على غزة مقارنة بـ27% يؤيدون الفكرة.

كما أن نسبة كبيرة من الأميركيين لا تعتقد أن الرئيس دونالد ترامب لن يسيطر على الأرجح على غزة، حيث قال 38% إن ذلك غير محتمل أو غير محتمل على الإطلاق، في حين قال 26% إن ذلك محتمل إلى حد ما، و20% اعتبروا أنه محتمل للغاية أو محتمل جدا و16% آخرون غير متأكدين.

وحزبيا، فإن أكثر من 4 من كل 10 جمهوريين (44%) يعارضون السيطرة على غزة، بينما يتردد 28% آخرون. أما الديمقراطيون فإنهم متحدون نسبيا في معارضتهم، حيث يعارض 80% منهم الإجراء، بما في ذلك 72% يعارضونه بشدة.

التحيز لإسرائيل

وأظهر الاستطلاع أيضا أن 31% من الأميركيين يرون أن ترامب يظهر تحيزا مفرطا لإسرائيل مقابل 29% يرونه متوازنا، في حين أن 37% غير متأكدين من الأمر.

إعلان

وللمقارنة، فإنه في يوليو/تموز الماضي، كان 21% من الأميركيين يرون أن الرئيس السابق جو بايدن يُفرط في تفضيل الإسرائيليين، و20% يرون أنه يُفرط في تفضيل الفلسطينيين، بينما قال 18% آخرون إنه يُحقق التوازن الصحيح و40% غير متأكدين.

وعلى صعيد الأحزاب، فإن ما لا يقل عن ثلث كل ائتلاف حزبي غير متأكدين من تعامل ترامب مع هذه العلاقات. وبينما يعتقد حوالي نصف الجمهوريين أن ترامب يُحقق التوازن الصحيح (51%) فإن نسبة مماثلة من الديمقراطيين (50%) ترى أنه يُفرط في تفضيل الإسرائيليين.

الثقة بنتنياهو

كما أظهر استطلاع آخر أن ثقة الأميركيين برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا تزال منخفضة نسبيا (32%).

وأُجري هذا الاستطلاع في الفترة من 24 إلى 30 مارس/آذار، أي قُبيل زيارة نتنياهو الأخيرة لواشنطن، على عينة تمثيلية وطنية شملت 3605 بالغين أميركيين.

وكشف الاستطلاع كذلك أن أغلبية طفيفة من الأميركيين (53%) بات تعرب الآن عن رأي سلبي إلى حد ما أو سلبي للغاية تجاه إسرائيل مقارنة بـ42% قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وبحسب الاستطلاع فإن نظرة الأميركيين تجاه إسرائيل أصبحت أكثر سلبية خلال الـ3 السنوات الماضية. وقد تضاعفت تقريبا نسبة البالغين الأميركيين الذين يُبدون آراءً سلبية للغاية تجاه إسرائيل من 10% عام 2022 إلى 19% عام 2025.

مقالات مشابهة

  • دعاء الصباح للرزق والتوفيق.. احرص عليه قبل الخروج من المنزل
  • هل يجوز دفع أموال الزكاة للأخت المحتاجة؟.. الإفتاء توضح
  • فرنجية: نرفض حرب الإسناد وندعم رئيس الجمهورية
  • مفتي الجمهورية عرض لاوضاع العاصمة مع عميد اتحاد جمعيات العائلات البيروتية
  • استطلاع: غالبية أميركية تعارض سيطرة الولايات المتحدة على غزة
  • تعرف على أفضل الأدعية عند زيارة قبر النبى صلى الله عليه وسلم
  • تفاهم بين رئيس الجمهورية و حزب الله على 3 مبادئ.. ما هي؟
  • أدعية زيارة قبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم
  • تحفيز الشباب على السعي بالتوكل وليس بالتواكل
  • رفع الجلسة العامة للشيوخ بعد إحالة دراسة الإفراج الجمركى لرئيس الجمهورية