الشيخ أحمد ياسين وحماس من حرج الأسئلة إلى النموذج الملهم!
تاريخ النشر: 28th, March 2024 GMT
كانت تجربة الشيخ أحمد ياسين محطة فارقة وحدثًا استثنائيًا في تاريخ الحركات الإسلامية، وفي مسار القضية الفلسطينية التي عاش كلَّ تفاصيلها، وصاغته أحداثُها المزلزلة من نكبة ونكسة وتهجير وأسر وقتل، وصنع هو بنفسه تحولاتها المركزية من إطلاقه انتفاضتين شعبيتين في وجه الاحتلال، وتأسيسه حركة باتت عيون قادتها السياسيين والعسكريين ترقب فجر التحرير الشامل، وترى أن الصلاة في الأقصى محررًا أضحى قاب قوسين أو أدنى من عام 2027.
ستة أشهر من الحرب العالمية الضارية على غزة والشعب الفلسطيني، لم تشغل حركة حماس عن استدعاء واستذكار مؤسسها في الذكرى العشرين لاستشهاده يوم 22 مارس/آذار 2004، وجاء في بيان الذكرى أن "طوفان الأقصى" برمزيته وعنفوانه "ثمرة من ثمرات إعداد الشيخ ياسين وجهاده".
كما جاء فيه أن الشعب الفلسطيني وأهالي غزة بالأخص "يستلهمون من سيرته ومسيرته الجهادية، معالمَ الثبات والدّفاع عن الأرض، وصون الثوابت، والذّود عن المقدسات، وإستراتيجية مراكمة القوَّة، ومكامن انتزاع الحقوق والحفاظ على المكتسبات، وإدارة المعركة مع العدو الصهيوني والإثخان في جيشه، ومجابهة مخططاته العدوانية، وتحقيق الانتصار عليه".
ثنائيات التحدياستدعاء الشيخ ياسين والإشادة بتجربته الآن ليس أمرًا خاصًا بحركة حماس وحدها، فثمة إرهاصات تشير إلى أن عددًا من الحركات والتيارات الإسلامية السُنية أيضًا بدأت تستدعي الشيخ ياسين هذه الأيام، وتستحضر نجاح نموذج حماس في المواءمة بين عدة ثنائيات ظل التوازن بينها محل تحدٍّ لحركات الوعي والإصلاح في العالم الإسلامي.
مثل ثنائية كاريزما المؤسس وترسيخ المؤسسية في التنظيم والحركة، وثنائية العمق التزكويّ التربوي والفاعلية الميدانية، وثنائية حكمة مراعاة إكراهات الواقع الدولي وشجاعة الخروج على إطاره المتحيّز عند انسداد الأفق، وأخيرًا ثنائية الانضباط التنظيمي، وبثّ روح التدين الجماهيري الواعي، علاوة على ثنائية امتلاك القوة والمحافظة على انضباط حملتها.
تلك الثنائيات الحرجة أطلت برأسها على أبناء الحركات الإسلامية حين باغتهم "طوفان الأقصى" بما يمثله من إعداد واستعداد وإقدام وفداء، وهم في سكرات ألاعيب الثورات المضادة، وغمرات دعاياتها الفتّاكة التي كادت تقنع الإسلاميين أن التثاقل إلى الأرض، والرضا بالحياة الدنيا ضربة لازب لا فكاك منها، وأن الواقع المظلم – الذي أرادت اتفاقيات أبراهام بحمولتها الصليبية والصهيونية أن تفرضه في المنطقة – لا مفرّ منه.
هذه السكرات والغمرات المعيقة لم ينتبه الإسلاميون لخطورتها إلا بعد مرور أكثر من أربعة أشهر من الحرب الضارية على غزة، وهم يتفرجون على آلة القتل الإسرائيلية تفتك بالأبرياء، وتهدم المساجد والجامعات والمستشفيات، فلا يستطيعون إحداث ضغط جماهيري يقود الشعوب ويحرج الأنظمة، ويوقف العدوان، بينما ظلت شوارع العواصم الغربية مزدحمة بالمتعاطفين مع الفلسطينيين، والمحتجّين على الهمجية الإسرائيلية.
في هذا الواقع الذي عانق فيه أهل غزة عنان السماء، وخلدَ غيرهم أكثر إلى الأرض، استذكرت الجموع الإسلامية شيخ الشهداء أحمد ياسين، ونظرت إلى تجربة حركة حماس بعين النجاح والرضا، وكثر الهمس في جدوى ما كانت تقوم به الحركات الإسلامية في العقود الماضية من أعمال دعوية وسياسية واجتماعية، مع التصريح بأن المحن التي توالت على الإسلاميين والحروب التي شُنَّتْ عليهم لا تسوغ هذا الغياب، ولا تلك الغثائية؛ فكل المحن والحروب أمام محن غزة والحروب عليها ضئيلة، فبماذا تميز ياسين وحماس؟
أستاذ الفرسانقام الشيخ أحمد ياسين بدور تجديدي للجهاد الإسلامي البصير، وبعث روح التدين في فلسطين، وأعاد بناء الفكر الإخواني كما تركه الإمام الشهيد حسن البنا قبل أن تغشاه غاشيات الإكراهات.
ويرى يحيى السنوار أن أبرز تحول أحدثه الشيخ أحمد ياسين في مسار القضية الفلسطينية، هو زرعه روحَ التحدي والتغلب على الخوف من المحتل، والاستعداد للمواجهة مع الصهاينة في مختلف الأراضي المحتلة.
يرصد يحيى السنوار في سيرته الذاتية الروائية: "الشوك والقرنفل" مظاهر التغلب على الخوف مع انطلاق الانتفاضة الأولى، فيذكر أنه مع تصاعد المظاهرات وعموم الاشتباكات في كل مكان بغزة استيقظ شاب على صوت والده العجوز وهو يوقظه صباحًا للمشاركة في المظاهرات، وتساءل الشاب في نفسه قائلًا: "من هذا الذي يوقظني لأشارك في المظاهرات والصدامات… أبي؟ أبي الذي كان منذ أيام يرتعد هلعًا حين كان يسمع أن هناك أحداثًا ما ضد الاحتلال، ويغلق علينا الباب ويمنعنا من الخروج، ماذا جرى في الكون حتى يحدث هذا التحول الخطير". (الشوك والقرنفل ص 198).
ذكر السنوار في ترجمته للأسير القسامي المحرر "أشرف البعلوجي" أن الروح التي سرت في غزة وفلسطين مع الانتفاضة هي الروح التي بثها فيهم الشيخ أحمد ياسين، فهو كما يقول عنه: "الروح التي أفاضها الله علينا، فجاءت حماسًا يشعل النفوس لينقلها من ضحية المشروع الذي يراد به صناعة مجموعات المرتزقة التي يريد بها اليهود أن يسيطروا على المنطقة، ويسُودوا العالم، إلى طلائع لحرب التحرير الشامل، ومقدمة لفرسان الحماس، لمغاوير المجد، لطلائع المجاهدين، صنّاع الحياة، عشاق الموت". (أشرف البعلوجي ص 3).
فالسنوار وجيله يعتبرون الشيخ ياسين "بحق ودون منازع رمز صورة الحياة التي دبت في نفوس هذا الشباب، فتدفق العطاء يطارد الموت يراوده، يصنع البطولات، يسطر المجد بحروف من نور أو نار، أو قل بحروف من ألم أو من أمل، أو بحروف من أحمد ياسين".
فعند السنوار أن الشيخ المقعد صاحب البصيرة النفاثة بتلك الروح المبثوثة هو "أستاذ الفرسان ومربيهم ورائدهم ورمزهم ومفجر الفروسية في صدورهم، والبطولة في أفعالهم، والحماس في أرواحهم، والتطلع إلى المجد في أعماقهم الذي دفعهم فعله الأسطورة؛ لأن يطاردوا الموت ويراودوه عن نفسه". (أشرف البعلوجي ص 3).
هذه الروح القتالية تطورت بعد الشيخ أحمد ياسين وصارت بعد عقدين من استشهاده فنًا قتاليًا محكمًا يبهر العالم بحسن تخطيطه وتكتيكه، ويتنزع إعجاب خريجي الكليات العسكرية العريقة، وذلك راجع إلى تميز المقاومة الفلسطينية في "صناعة الإنسان المقاتل"، لكن قبل وصول المقاومة إلى هذه الصناعة الرائدة، مرت بمراحل صعبة وأسئلة حرجة لم تعجلها عن خططها التربوية وبرامجها الإعدادية.
حرج الأسئلةهذا العطاء المتدفّق والشباب المتوثّب العاشق للسلاح، والمقاتل الذي يطارد الشهادة ويراود الموت عن نفسه، ويؤرق العدو في كل الجبهات لم يصلحه الله في ليلة واحدة، ولا برز للوجود بسبب حادث عرضي، بل هو ثمرة أعوام طويلة من التربية والإعداد سبقتها سنوات من النقاش والشورى الملزمة قضت بأن مجابهة العدو بالسلاح تقتضي استعدادًا نفسيًا وروحيًا وبدنيًا، وانحناء طويلًا على المصاحف، ومكثًا غير قصير في المساجد، وانطلاقًا منها لـ"صناعة الإنسان المقاتل" الذي أعدّته حركة حماس عبر سنوات إعدادها الممتدة لعقود.
تَسيُّدُ حركة المقاومة الإسلامية حماس المشهدَ الفلسطيني المقاوم منذ الانتفاضة الأولى عام 1987 سبقته سنوات من الإحراج والتنكيب والتبكيت من لدن الفصائل الفلسطينية الأخرى، وهو إحراج كان وقعه الأشد على أعضاء الكتلة الإسلامية المحسوبة على "الإخوان المسلمين" في فلسطين، فالطلاب دومًا هم الأكثر حيوية وأدلجة وتفاخرًا بمكاسب أحزابهم وإنجازات جماعاتهم ومناقب فصائلهم.
كان لدى الاتحادات الطلابية في فلسطين منتصف الثمانينيات سؤال واحد كافٍ لإحراج أعضاء الكتلة الإسلامية، وهو: أين أنتم يا "إخوان مسلمين" من المقاومة المسلحة؟ فكان طلاب الإخوان حينها يتعللون بالإعداد والتربية، ثم ألجأهم إحراج الأسئلة لإعداد كتيِّب باسم: "الحقيقة الغائبة"، تحدثوا فيه عن جهاد الإخوان عام 1948، وجهاد الإسلاميين عمومًا في فلسطين منذ بداية قضيتها وحتى الستينيات.
وأضافوا للكتيِّب نبذة عن أسرة الجهاد بقيادة الشيخ عبدالله نمر درويش، واعتقال الشيخ أحمد ياسين ومجموعة من إخوانه عام 1984، كما يوثق الدكتور محمد نهاد الشيخ خليل في تأريخه لـ "حركة الإخوان المسلمين في قطاع غزة".
ولأن حقائق الماضي الغائبة لا تملأ فراغات الحاضر المشاهد، كان أعضاء الكتلة الإسلامية يتفادون النقاشات الطلابية بشكل عام، ومع الطلاب التابعين لحركة الجهاد الإسلامي بصفة خاصة؛ خوف ترسيخ صورة عن الانقسام الإسلامي في الوسط الطلابي.
قرار الإعداد اتُخذ بعد مناقشات طويلة داخل فلسطين وخارجها، فقد سافر الشيخ أحمد ياسين إلى العاصمة الأردنية عمَّان عام 1968 للقاء الدكتور عبدالله بوعزة مندوب إخوان فلسطين في الأردن، واتفقا على البدء بالإعداد وتأجيل العمل المسلح حتى تبلغ التربية مداها.
وكان الشيخ أحمد ياسين ميالًا إلى البدء بالعمل العسكري في تلك الفترة السحيقة، لكنه التزم بقرار الهيئة ونتيجة شُورَاها، وعاد إلى غزة مشمِّرًا عن ساعد الجِد في مساجدها، داعيًا مربيًا يجمع الشباب ويعدّ العدة.
ومن مظاهر عظمة الشيخ أحمد ياسين القيادية أنه اندفع لتطبيق قرار الشورى المخالف لرأيه كما لو كان رأيه، وسلخ سنوات طويلة من عمره للتربية والإعداد حتى آن الأوان، وانطلق الركب الحماسي في كرّ وفر، شهيد يتلوه شهيد، وقائد يخلفه آخر حتى صبّحوا العالم على يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول.
الإسلاميون والطوفانلم يكن "طوفان الأقصى" كاشفًا لضعف الأنظمة أمام الأعداء، ولا لهشاشة المجتمعات العربية والإسلامية التي تسلّط عليها الاستعمار والاستبداد عقودًا طويلة فقط، بل كشف تيهَ الإسلاميين، وحاجتهم إلى انطلاق متجدد يضبط البوصلة، ويسفّه تضخم الشكلانيات، ويحصّن من مخاطر الاختراق الفكري والنفسي، ويتجاوز الخطوط الرمادية للعالَم الظالم، ويعلي من قيم الإنجاز القائمة على حقائق يجدها المسلمون عند الحاجة.
إن الثنائيات – التي نجح الشيخ أحمد ياسين وحركة حماس في المواءمة بين إكراهاتها وغيرها من الثنائيات التي قد تخصّ كل قُطر دون آخر – حريّ بالإسلاميين أن يتعاملوا معها بقوة، وأن ينظروا إلى الأمام، مستثمرين نقاط قوتهم التي لا يقدر على النيل منها عدوّ ولا صديق، وفي مقدمتها صدق التدين البصير، وعمق التجرد واليقين بما عند الله، والرهبة من سؤاله عن ضياع أجيال ألقت برَسَنها إلى الحركات الإسلامية؛ بحثًا عن العزة والخلاص. والله غالب على أمره.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات الحرکات الإسلامیة الشیخ أحمد یاسین الشیخ یاسین فی فلسطین حرکة حماس
إقرأ أيضاً:
تياترو الحكايات|الشيخ سلامة حجازي.. الرجل الذي جعل المسرح الغنائي جزءًا من تاريخ الفن العربي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يُعد المسرح بصفته «أبو الفنون»، ساحة تنصهر فيها مختلف أشكال التعبير الإبداعى، حيث يتكامل الأداء الحى مع عناصر السمع والبصر، لتجسيد الأفكار والمشاعر الإنسانية فى تجربة فنية متكاملة، فمن على خشبته، قدم الفنانون أعمالا خالدة تحمل رسائل مجتمعية وثقافية، أسهمت فى تشكيل وعى الأجيال، بفضل فرق مسرحية تركت بصمة لا تُمحى فى تاريخ الإبداع المسرحى المصرى والعربى.
علامات فارقة في مسيرة المسرحوفى سياق الاحتفاء بهذا الإرث العريق، تسلط «البوابة نيوز» خلال ليالى شهر رمضان المبارك الضوء على نخبة من الفرق المسرحية التى شكلت علامات فارقة في مسيرة المسرح، محليا وعربيا.
وعلى الرغم أن بعضها توقف بعد رحيل مؤسسيه، إلا أن إبداعاته لا تزال شاهدة على زمن من العطاء والتميز، مؤكدة أن المسرح الحقيقى لا يموت، بل يبقى نابضا بإرث رواده ورؤاهم الخالدة.
يعتبر الشيخ سلامة حجازي أحد أبرز الأسماء التى أثرت فى المشهد الفنى والمسرحى المصرى خلال أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، حيث تميز بموهبة فذة جمعت بين الغناء والتمثيل، مما جعله أحد الركائز الأساسية فى المسرح الغنائى، الذي مثّل نقلة نوعية فى تاريخ الفنون العربية، وأسهم فى تشكيل ملامحها الحديثة.
ولد «حجازى» فى الإسكندرية عام 1852، وبدأ رحلته الفنية فى سن مبكرة، ليصبح خلال سنوات أحد الأسماء البارزة فى المسرح المصرى، حيث قدم مسرحيات غنائية جمعت بين الأداء الدرامى والغناء، ما جعله رائدا في هذا المجال، لم تقتصر أعماله على الترفيه فقط، بل تناولت قضايا اجتماعية وثقافية، الأمر الذى عزز من مكانته كأحد المبدعين المؤثرين فى المشهد الفنى آنذاك.
انضم «حجازى» إلى فرقة يوسف الخياط عام 1885 كممثل ومنشد، ثم انضم لاحقا إلى فرقة القرداحي، حيث شارك في عروض بارزة مثل «زنوبيا ملكة تدمر»، «عائدة»، «عفة النفوس»، إلا أنه سرعان ما قرر الاستقلال، فأسس فرقته المسرحية الأولى عام 1888 بمدينة الإسكندرية، قبل أن ينضم إلى فرقة إسكندر فرح عام 1889، حيث تألق فى أعمال مثل «أنس الجليس»، «شهداء الغرام»، «تليماك»، «عظة الملوك» وغيرها.
فى عام 1905، انفصل «حجازى» عن فرقة إسكندر فرح ليؤسس فرقته الخاصة، التى قدم من خلالها عروضا مسرحية هامة، من بينها: «مطامع النساء»، «الجرم الخفي»، «تسبا»، «السلطان صلاح الدين الأيوبي» وغيرها، فاستمرت فرقته فى تحقيق النجاحات حتى أصيب عام 1909 بشلل جزئى أثر على مسيرته، لكنه لم يمنعه من مواصلة العطاء.
كان «حجازى» صاحب بصمة واضحة فى تطور المسرح الغنائي، حيث مزج بين الألحان الشرقية والتأثيرات الغربية، ليخلق نمطا فنيا فريدا حافظ على الهوية العربية، وفى الوقت ذاته أدخل أساليب موسيقية حديثة، كما كان أول من لحن المارشات والسلامات الخديوية، التى كان يؤديها فى افتتاحيات المسرحيات، محققا بذلك نقلة نوعية في شكل المسرح الموسيقى.
حظى أداء «حجازى» بإشادة واسعة، حيث أثارت موهبته إعجاب الممثلة العالمية سارة برنار بعد مشاهدتها له فى مسرحية «غادة الكاميليا»، كما كان له الفضل فى نقل الأغنية من جلسات التخت الشرقى إلى خشبة المسرح، ممهدا الطريق أمام تطور المسرح الغنائى المصرى، الذي ازدهر لاحقا على يد سيد درويش.
ومع استمرار نجاحه، دخل «حجازى» فى شراكة فنية مع الرائد المسرحى جورج أبيض، حيث تم دمج فرقتهما تحت اسم «جوق أبيض وحجازى»، وقدموا عروضا مسرحية متنوعة، منها: «لويس الحادى عشر»، «عايدة»، «السلطان صلاح الدين ومملكة أورشليم» وغيرها، إلا أنه لاحقا انفصل ليشكل فرقته الخاصة مجددا، قبل أن يتوقف نشاطه الفنى نهائيا بسبب المرض.
وعلى الرغم من مرور أكثر من قرن على وفاته، إلا أن تأثير الشيخ سلامة حجازى لا يزال حاضرا فى تاريخ الفن العربى، حيث لعب دورا محوريا فى إرساء قواعد المسرح الغنائى، وأسهم فى تطوير الموسيقى المسرحية، ليظل اسمه واحدا من أعمدة النهضة الفنية، التى وضعت مصر على خريطة الفنون المسرحية فى العالم العربى.