يقول رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور علي القره داغي إن زكاة المال تمثل الركن المالي للإيمان، مؤكدا أنها تضاهي فريضة "الجهاد" لأنها تحمي المجتمع من المخاطر الداخلية فيما يحميه الجهاد من المخاطر الخارجية.

وخلال مشاركته في برنامج "الشريعة والحياة" على الجزيرة، أوضح القره داغي أن الزكاة تمثل عامل التوازن بين الأغنياء والفقراء ومتوسطي الحال بحيث يكون المجتمع المسلم خاليا من الفقر كجزء من الخيرية التي جعلها الله من صفات الأمة (كنتم خير أمَّة أخرجت للناس).

ولفت إلى أن الله أوجب على المسلمين شكره على نعمه من جنس النعمة، ومن ذلك الصدقات التي تأتي بعد الزكاة، والتي يؤديها من لا تجوز عليهم الزكاة، ومن ذلك القرض الحسن الذي أدخله الله ضمن الواجبات.

وقد قدّم الله الجهاد بالمال على الجهاد في سبيل الله في كل آيات القرآن إلا في موضع واحد بسورة التوبة، وذلك للتأكيد على أهميته حتى إن القرض الحسن ورد في القرآن 12 مرة، وكلها مقرونة بـ"الله" عز وجل (وأقرضوا الله قرضا حسنا)، وفق القره داغي الذي يرى أن المفهوم من هذا الاقتران أن القرض الحسن يعادل الجهاد في سبيل الله الذي يحمي المسلمين من مخاطر الخارج، لأنه يحمي الأمة من المخاطر الداخلية كالفقر والجهل.

مواعيد الزكاة ومقدارها

وفيما يتعلق بمواعيد الزكاة، فهي مرتبطة بالحول عدا زكاة الزرع التي تجب في وقت الحصاد (العُشر إذا كانت تسقى بماء السماء، ونصف العشر إذا كانت تسقى بطريقة فيه جهد) أيا كان موعده، كما يقول داغي.

ويدخل في زكاة الزرع -يقول القره داغي- كل ما تنتجه الأرض من زرع وثمر وفاكهة وغيرها، ولا تقتصر على القمح أو الشعير كما كان في أيام الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن أفعال النبي للإضاءة، وليست للإلزام في هذا الأمر.

وأجاز القره داغي إخراج قيمة زكاة الزرع مالا إذا كان هذا أنفع للفقراء الذين ربما لن يستفيدوا بالحصول على كمية من الفواكه، بينما الأفضل لهم الحصول على قيمتها مالا، وفق القره داغي.

كما ربط الله -عز وجل- نجاة الإنسان بما ينفقه من المال، وفق داغي، الذي قال إن الزكاة هي الحد الأدنى للإنفاق، مشيرا إلى إمكانية تقسيم الزكاة على مراحل زمنية كأن يدفعها المرء من راتبه الشهري مثلا.

وأوضح رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن أصحاب الرواتب ينقسمون إلى فئتين أولاهما من لا يفيض عن حاجتهم شيء من راتبهم، والفئة الأخرى تدخر من راتبها، وهذه يجب فيها على الفرد الزكاة إن وصلت مدخراته إلى النصاب الشرعي، حتى لو كان راتبه قليلا.

وفي هذا الصدد، لفت القره داغي إلى أن حاجات المسلم تنقسم إلى ضرورات وهي معتبرة في الإنفاق، وإلى رفاهيات وهذه مباحة شريطة ألا تكون على حساب الفقراء، بمعنى ألا ينفق كل ماله على الرفاهيات بحيث لا يصل إلى نصاب الزكاة.

ومن هذا أن يكون راتب الشخص 20 ألفا، بينما حياته في أفضل الحالات التي يفرضها عليه وضعه الوظيفي أو الاجتماعي لا تحتاج أكثر من 10 آلاف، فهذا الجزء معفى من الزكاة، لأن الحاجة حسب العرف، أما إذا أنفق كل راتبه في أمور خارجة عن الحاجة، فإنه يدخل في الإنفاق من حق المسلمين.

وبناء على ذلك، إذا أنفق موظف كل راتبه في أمور زائدة عن الحاجة فعليه أن يقتطع ما تتطلبه احتياجاته التي يفرضها عليه وضعه الاجتماعي، ثم يخرج زكاة على الزيادة التي أنفقها -إن بلغت النصاب- وإن لم يدخر منها شيئا، وفق القره داغي.

وفي مسألة إخراج الزكاة في مواسم روحية معينة كشهر رمضان مثلا، قال القره داغي إن سد حاجة الفقير مقدمة على كل شيء، وإن تقسيم الزكاة على شهور العام قد يكون أنفع للمسلمين من إخراج كل المسلمين أو جلهم زكواتهم في شهر واحد يكون الفقراء فيه ليسوا بحاجة شديدة للمال.

الأشد حاجة أولى من سواه

وقال القره داغي إن الفقراء في قطاع غزة واليمن وغيرهما من بلاد المسلمين التي يعاني أهلها الجوع والفقر المدقع، أولى بالأموال من أداء الطاعات المستحبة كأداء العمرة 3 و4 و10 مرات.

إلى جانب ذلك، فإن الزكاة أولى بها المحتاجون لها حتى ولو كانوا من غير ذوي القربى، مؤكدا أن الفقير البعيد أولى بزكاة المسلم من الفقير ذي القربى إن كان الأول أحوج إليها وأولى بها، بحسب القره داغي.

الذهب هو المعيار

وعن معايير الزكاة، قال رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين إن الفضة لم تعد معيارا في عصرنا الحالي، لأنها لم تعد ذات قيمة كما كانت في سابق العصور، لأن النصاب يعني الحد الأدنى من الغنى، مؤكدا أن نصاب الفضة (حوالي 200 دولار) لم يعد مقياسا للثراء.

أما الذهب -يقول القره داغي- فهو المعيار الواقعي لنصاب الزكاة في عصرنا الحالي، لأنه يقدر بـ6 آلاف دولار، وحتى في حال تراجع سعره فإنه يظل مؤشرا على الثراء، لأنه لا يقل عن 2500 دولار.

وفيما يتعلق بما يخرج من الأرض كالذهب والغاز والنفط والمعادن الجامدة والسائلة، فيجب إخراج خُمسه (20%) بعد خصم التكاليف، إذا كان مملوكا لفرد، وليس 2.5%، ومن ذلك دفين الأرض (الكنوز)، برأي القره داغي.

وإذا كان دفين الأرض مملوكا للدولة، فقد أجمع جمهور العلماء أنها معفاة من الزكاة إذا كانت تنفق على الناس، حسب القره داغي الذي أشار إلى أن الإمام محمد بن حسن الشيباني أوجب الزكاة على الدولة إذا كانت تدخر هذا المال (كالصناديق السيادية)، وحددها بـ20% تنفق على فقراء المسلمين في أي مكان وبأي طريقة، وهو رأي يرجحه رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

وختاما، تحدث القره داغي عن زكاة العقارات ومحال البيع والشراء، قائلا إن الأرض إذا كانت لبناء شيء شخصي بغير نية البيع والربح منها، فهي معفاة من الزكاة، لأن الإسلام يشجع على تملك العقار فيعفيه من الزكاة.

أما إن كانت الأرض داخلة في باب التجارة بأي شكل من الأشكال، فتجب عليها الزكاة من خلال تقييمها سنويا حتى لو كان العصر عصر كساد بإجماع جمهور العلماء، باستثناء المالكية الذين أجاوزا تعطيل الزكاة في وقت الكساد أو عدم الانتفاع بالأرض ودفع الزكاة عند بيعها عن عام واحد.

وفي حالة العقارات، يقول القره داغي إنها تنقسم إلى حالتين أولاهما أن يكون العقار ينفق على صاحبه بما يسد حاجته الأساسية وهو معفى من الزكاة، ما لم يقتر صاحبها على نفسه، ويدخر منها ما يبلغ النصاب، وأخرى تنفق على صاحبها وتزيد وهذه تجب عليها الزكاة.

وفي حال كان دخل العقار زائدا عن حاجة صاحبه إن كان له مصدر دخل آخر فعليه إخراج الزكاة (2.5%) عن مجمل الدخل السنوي، وليس عن صافي الربح فقط، وفق القره داغي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات رئیس الاتحاد العالمی من الزکاة زکاة على إذا کانت إذا کان

إقرأ أيضاً:

الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يرحب بوقف العدوان.. ويوجه رسائل في عدة اتجاهات

رحب الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، بوقف العدوان على غزة العزة، مثمناً صمودها ومقاومة أبطالها وتضحياتهم.

ودعا الاتحاد في بيان، "الجميع للمشاركة في إعادة إعمار غزة، وتوفير مستلزمات الحياة الكريمة لأهلها الصامدين.

كما طالب بملاحقة جميع مرتكبي جرائم الإبادة، وتغريمهم بتعويض كل ما أفسدوه.

وقال في بيانه إنه "تابع بكل ألم وأسى ما شهدته غزة من إبادة جماعية خلال 16 شهرا حيث استهدفت المدنيين والمرافق الحيوية، مما أسفر عن استشهاد وجرح عشرات الآلاف من المدنيين، وأكثرهم نساء وأطفال وشيوخ، وقد تسبب العدوان في تدمير المستشفيات، والمدارس، والمساجد، والكنائس، فضلاً عن المعاناة الإنسانية الشديدة التي لحقت بالسكان المحاصرين في المخيمات وأماكن النزوح".

وأضاف، "لقد تصدى أهل غزة، رغم قسوة الظروف، لهذا العدوان بكل شجاعة وصمود، وبذلوا تضحيات جساما في الدفاع عن أرضهم وحقوقهم. إن صمودهم في وجه هذا العدوان على مدار أكثر من عام يعد شاهداً على قوتهم وإرادتهم في مواجهة القهر والظلم".



ودعا الاتحاد "جميع الدول الإسلامية وغيرها، والأمم المتحدة، والمنظمات الإنسانية والإغاثية المحلية والدولية إلى تنظيم حملات لجمع التبرعات، والزكوات والإسهام الفعال في إعادة إعمار غزة العزة، وبخاصة لإعادة بناء المستشفيات، والمدارس، والمنازل، والبنية التحتية المدمرة، وكذلك لتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة مثل توفير الغذاء، ومياه الشرب، والأدوية، والخدمات الصحية، والتعليمية".

كما طالب بصورة خاصة المسلمين جميعا إلى واجب البذل والإيثار، فهذا واجب الوقت اليوم لا يسبقه واجب مالي آخر، ولم يبق عذر فقال تعالى:(هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ ۖ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ۚ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ ۚ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم) (محمد:38)


كما حث الاتحاد وسائل الإعلام إلى بذل أقصى الجهود في تسليط الضوء على ما قام به الاحتلال الصهيوني من الجرائم ضد الإنسانية، ومعاناة المدنيين في غزة، وتحفيز المجتمع الدولي على المشاركة في جهود الإغاثة والإعمار.



ودعا الاتحاد المؤسسات القانونية والجنائية للتحقيق في الجرائم المرتكبة في غزة من قبل الكيان الصهيوني، بما في ذلك الهجمات العشوائية على المدنيين، وقتل الأسرى، وتدمير المنشآت المدنية، واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً. يجب أن تتم ملاحقة ومعاقبة المسؤولين عن انتهاك القوانين الدولية لحقوق الإنسان.

وشدد الاتحاد على ضرورة أن يواصل المجتمع الدولي دعم غزة بشكل فعال، والضغط على دول الطوق بفتح جميع الممرات، ورفع الحصار الظالم على أهل غزة منذ سنوات من قبل الكيان الصهيوني المجرم.

وتوجه بالدعوة للعلماء والأئمة والمؤسسات العلمية لترسيخ حقيقة المؤاخاة بين الداخل والخارج:
يحث الاتحاد  العلماء والأئمة، والمؤسسات العلمية، على القيام بدورهم الفاعل في تعريف معاناة الشعب الفلسطيني في خطبهم ومحاضراتهم، وحث الأمة الإسلامية على تعزيز التآخي والتعاون، على غرار المؤاخاة التي تمت بين المهاجرين والأنصار في المدينة المنورة، والوقوف إلى جانبهم في هذه المحنة.

مقالات مشابهة

  • مجلس حكماء المسلمين يرحب بإعلان وقف إطلاق النار في غزة
  • الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يرحب بوقف العدوان.. ويوجه رسائل في عدة اتجاهات
  • منتخب الشباب يستعد لودية المحلة .. ونبيه يشرح إيجابيات وسلبيات تجربة الرجاء
  • بالفيديو.. عمرو الورداني: التدين الحقيقى خلق حسن مع الناس وليس مظاهر
  • ‏"أ ف ب": وفد من حركة "الجهاد" في الدوحة للمشاركة في التفاصيل النهائية لاتفاق وقف النار وتبادل الأسرى
  • وظائف شاغرة في هيئة الزكاة
  • مراقبون: تماسك الجبهة الداخلية عمود الصمود ومحور الانتصار
  • مراقبون لـ”الثورة  “: تماسك الجبهة الداخلية عمود الصمود ومحور الانتصار
  • تضاهي الصحة والتعليم.. رئيس شباب النواب: مراكز الشباب والرياضية أمن قومي
  • تضاهي الصحة والتعليم.. رئيس شباب النواب: مراكز الشباب والاندية الرياضة أمن قومي