بين تأييد ومعارضة.. التوغو تقر تعديلا دستوريا يحوّل نظام الحكم إلى برلماني
تاريخ النشر: 28th, March 2024 GMT
في ليلة تاريخية، صوّتت الجمعية الوطنية في توغو بأغلبية ساحقة لصالح دستور جديد يحوّل نظام الحكم من رئاسي إلى برلماني، في خطوة تعد الأبرز منذ الاستفتاء الدستوري لعام 1992.
ويمهّد هذا التحول الطريق لمرحلة جديدة بالبلاد، حيث تقول السلطات إنه يعزز الديمقراطية، في حين انتقدته المعارضة ورأت فيه تعزيزا لنفوذ الرئيس ودائرته المقربة.
وفي مساء الاثنين، 25 مارس/آذار 2024، شهدت توغو تغييرا جذريا في مشهدها السياسي، حيث صادق نواب البرلمان على دستور جديد للبلد يُعيد تشكيل النظام الحكومي من رئاسي إلى برلماني، بحيث يصبح انتخاب رئيس الدولة من مسؤوليات البرلمان.
الدستور الجديد، الذي حاز على موافقة 89 صوتا مؤيدا مقابل معارضة واحدة وامتناع واحد عن التصويت من أعضاء الجمعية الوطنية، تم تقديمه بمبادرة من نواب الأغلبية للحزب الحاكم "الاتحاد من أجل الجمهورية". ومثّلت الخطوة بداية عهد جديد في توغو، معلنةً دخولها في جمهوريتها الخامسة، وهو ما يُعتبر أبرز تحول دستوري منذ عام 1992.
يأتي هذا في ظل الاستعدادات للانتخابات التشريعية والإقليمية المنتظرة في 20 أبريل/نيسان، والتي أكدت المعارضة مشاركتها فيها.
فجّر التعديل الدستوري الأخير جدلا بين داعميه من أنصار الرئيس غناسينغبي ومعارضيه (رويترز) انتقال السلطة تاريخياوخلال تاريخها الذي يناهز 65 عاما، لم تشهد جمهورية توغو، الواقعة في غرب أفريقيا، أي انتقال سلمي للسلطة. فـ"سيلفانوس أوليمبيو"، رائد استقلال توغو وأول رئيس لها، لقي مصرعه في انقلاب دموي في 13 يناير/كانون الثاني 1963، في انقلاب قاده غناسينغبي إياديما.
وبعد فترة قصيرة من تولي نيكولاس غرونيتسكي الحكم، انتزع إياديما السلطة في 14 أبريل/نيسان 1967 ليبدأ عهدا جديدا في تاريخ البلاد. وخلال فترة حكمه، التي نالت دعما قويا من فرنسا، مارس إياديما نفوذا واسعا، وهو ما جعله واحدا من الأيقونات البارزة لنظام "فرنس-أفريك"، رغم الانتقادات الدولية الموجهة ضده.
وبعد استفتاءٍ عام 1972، شهدت توغو انتخابات محاطة بالجدل في 1979 و1986 لتعيش البلاد اضطرابات في التسعينيات، مع دعوات محلية ودولية للإصلاح الديمقراطي. وتحت الضغط المتزايد، وافق إياديما في 1991 على تعيين رئيس وزراء، لكن سرعان ما استرجع السيطرة الكاملة على السلطة.
وبعد وقت قصير، اغتيل المعارض الشهير تافيو أمورين في 1992، تلا ذلك انتخاب إياديما رئيسا في 1993 و1998، وهو انتخاب رفضته المعارضة.
وردًا على العنف الذي رافق انتخابات 1993، جَمّد الاتحاد الأوروبي مساعداته لتوغو. وتحسنت العلاقات مع الاتحاد الأوروبي تدريجيا بعد توسط إياديما في نزاع ساحل العاج وإعلانه عن انتخابات تشريعية جديدة في 2005، وهو مسار بدأ في نوفمبر/تشرين الثاني 2004. ثم توفي إياديما في الخامس من فبراير/شباط 2005، تاركا وراءه إرثا معقدا في توغو.
عقب وفاة الرئيس إياديما، خلفه ابنه فور غناسينغبي، متجاوزا الإجراءات الدستورية المحددة في المادة 65 التي تقضي بتسليم السلطة لرئيس البرلمان آنذاك فامباري واتارا ناتشابا.
وحتى تعديل 2019، كان دستور 1992 ينص على انتخاب رئيس الدولة بالاقتراع المباشر مدة 5 سنوات، وتعيين رئيس الوزراء من قبل الرئيس الذي يختار أيضا مجلس الوزراء بالتشاور مع رئيس الوزراء. أما الجمعية الوطنية، ذات الـ91 عضوا، فتُنتخب مدة 5 سنوات.
وشغل فور غناسينغبي المنصب من 2005، وانتخب رئيسا 4 مرات، في ظروف اكتنفها الكثير من الجدل. وفي عام 2019 أدخل تعديلا دستوريا يَحِدُّ من فترات الرئاسة إلى اثنتين فقط، مانحا الرئيس الفرصة لإعادة العدّ لفتراته الرئاسية من الصفر.
انتخب فور غناسينغبي رئيسا 4 مرات في ظروف اكتنفها الكثير من الجدل (أسوشيتد برس) أبرز التعديلات الدستوريةأعادت التعديلات في الدستور الجديد هيكلة الحياة السياسية لتصبح محورها الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، مقدمةً إصلاحات رئيسية، أبرزها تحديد رئاسة الجمهورية بولاية 6 سنوات يُنتخب خلالها الرئيس من قبل الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ في تجمع موحد.
ويُعين لمدة 6 سنوات رئيس مجلس الوزراء، ويجب أن يكون رئيس الحزب أو التحالف الفائز بالأغلبية في انتخابات الجمعية الوطنية.
وتُحدد مقتضيات الدستور الجديد بأنّ "رئيس الدولة يُجرَّد عمليا من سلطاته لصالح رئيس مجلس الوزراء، الذي يصبح ممثلا للجمهورية التوغولية في الخارج، والذي يدير البلاد فعليا في الإدارة اليومية".
وفجّر الدستور الجديد جدلا بين الداعمين والمنتقدين؛ فخصومه من المعارضة والمجتمع المدني يُدينون ما يعتبرونه "انقلابا دستوريا" من جمعية وطنية انتهت ولايتها منذ 3 أشهر.
بموجب الدستور الجديد لم يعد الرئيس يُنتخب من قِبل الجمهور بل يتم تعيينه من قبل البرلمان (شترستوك) انتقادات للتعديلفي هذا الصدد، وصف جيري كومانديجا تاما، النائب عن حزب الالتزام الجديد التوغولي، في تصريح للجزيرة نت، التعديل بأنه "عمل مشين" يتعدى الخلافات السياسية العادية مع السلطة الحالية، مؤكدا أن معارضته لا تنبع من كونه جزءا من المعارضة فحسب، بل لأن عملية التصويت ذاتها تُعتبر غير ملائمة بناء على المعايير التشاركية.
وأوضح تاما أن الجمهور لم يُطلع رسميا على خطط تعديل الدستور، بل طُلب منهم انتظار الإعلان. وانتقد طريقة إقرار الدستور الجديد كأنه قانون عادي، بدون منحه الوزن والنقاش اللائق بأهميته، "لهذا السبب، نحن نعارض هذا التعديل بقوة".
أما داعمو التعديل، فينظرون إليه بوصفه خطوة نحو تفكيك الهيكل العمودي المُحكم للسلطة الذي كان الشعب يطالب به منذ زمن.
وعليه، رأى إسحاق تشياكبي، المتحدث باسم حزب اتحاد القوى من أجل التغيير، في هذا الإصلاح فرصة لإنهاء هيمنة الرئاسة وتركيز السلطة في أيدي القلة.
ويُعلق تشياكبي بتأييد، قائلا: "إن كنا نرغب حقا في تعزيز الديمقراطية في بلادنا، لاستكشاف النظم البرلمانية التي تُوفر منابر للحوار؛ فمن الآن فصاعدا، سندعم القوى السياسية التي تتشارك رؤيتنا بأصواتنا لتحقيق التغيير".
وفي انتقاد مباشر، اعتبرت فريدة بامبا نابوريما الناشطة الحقوقية التوغولية وقائدة حملة "ارحل يا فور"؛ التغييرَ الدستوري "نوعا من الانقلاب التشريعي من خلال برلمان يُعدّ تشكيلا ذاتيا ومُشبّعا بأفراد من عائلة غناسينغبي وأقاربه ومواليه".
وقالت إنه بموجب الدستور الجديد، لم يعد الرئيس يُنتخب من قِبل الجمهور، بل يتم تعيينه من قبل البرلمان "الذي أصبح يتشكل في هيئة تشبه إلى حد ما نظاما ملكيا".
وأضافت نابوريما للجزيرة نت أنه ليس هناك قيود على الفترات الزمنية أو عدد المرات التي يمكن فيها إعادة انتخاب رئيس مجلس الوزراء، الذي يمثل السلطة التنفيذية. واعتبرت أن وجود أقرباء الرئيس في قمة الهيكل البرلماني بأغلبية يعني أنهم يسعون لتأمين الحكم إلى الأبد.
واختتمت تصريحاتها بالتأكيد على أنه "في حين تشهد السنغال فجرا جديدا، يغرق الوضع في توغو بظلام أعمق". مشيرة إلى التباين بين التقدم الديمقراطي في السنغال والتراجع في توغو.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات الجمعیة الوطنیة الدستور الجدید مجلس الوزراء فی توغو من قبل
إقرأ أيضاً:
برلماني: قانون الضمان الاجتماعي الجديد يعزز التكامل مع مبادرات الدولة
أكد المهندس أحمد صبور، عضو مجلس الشيوخ، أن مشروع القانون المُقدم من الحكومة للبرلمان بشأن الضمان الاجتماعي والدعم النقدي، يساهم تعزيز شبكة الحماية الاجتماعي، من خلال حوكمة كافة أشكال الضمان الاجتماعي الموجهة للفئات الأولى بالرعاية، مشيرا إلى أن القانون يعتمد على أنظمة حديثة لجمع وتحليل البيانات، مما يسمح بتحديد دقيق للفئات المستحقة للدعم وفقًا لمعايير واضحة مثل مستوى الدخل وعدد أفراد الأسرة والوضع الصحي، كما أنه يُعزز مبدأ الشفافية في إدارة الموارد، حيث تُخصص الأموال بناءً على دراسات علمية وتحليلات بيانات دقيقة، مما يقلل من الهدر ويضمن استخدام الموارد بشكل مستدام.
وقال "صبور"، إن القانون برامج تدريب وتأهيل للمستفيدين بهدف تعزيز فرصهم في الحصول على وظائف، ما يسهم في تقليل الاعتماد على الدعم الحكومي، وبذلك يتحول من الدعم للإنتاج وتحقيق التمكين الاقتصادي لكل مواطن من خلال دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، لافتا إلى أن القانون يعتمد على استخدام قواعد بيانات موحدة ومنصات إلكترونية لمتابعة تنفيذ برامج الدعم، والتحقق من أهلية المستفيدين بشكل دوري عبر التكنولوجيا، فضلا عن وجود آليات رقابة لمنع الفساد وضمان توجيه الدعم إلى المستحقين، مع تعزيز دور المجتمع المدني والجهات المستقلة في مراقبة التنفيذ.
وأضاف عضو مجلس الشيوخ، أن قانون التضامن الاجتماعي يعزز التكامل مع مبادرات الدولة مثل "تكافل وكرامة" ويعمل على ربط الدعم النقدي بالخدمات الصحية والتعليمية لضمان تحسين جودة حياة المستفيدين، منوها أن القانون الجديد خطوة مهمة لزيادة الكفاءة في توزيع الدعم، وتقليل الفقر والفجوة الاقتصادية بين الطبقات، بالإضافة إلى تحفيز النمو الاقتصادي من خلال تمكين الأفراد وزيادة مشاركتهم الإنتاجية.
وشدد النائب أحمد صبور على ضرورة تحسين البنية التحتية الرقمية وضمان تحديث البيانات بشكل دوري بالتعاون مع الهيئات المحلية والمجتمع المدني، لضمان قاعدة بيانات دقيقة ومُحدثة، كذلك تنويع مصادر التمويل من أجل تأمين موارد مالية كافية ومستدامة لتنفيذ برامج الضمان الاجتماعي دون التأثير سلبًا على الميزانية العامة للدولة، مؤكدا على أهمية تعزيز آليات الرقابة والمساءلة باستخدام التكنولوجيا وتفعيل دور الجهات المستقلة في الرقابة.