تقرير| تقسيم السودان يلوح في الأفق مع إعلان الدعم السريع إدارة مدنية لولاية الجزيرة
تاريخ النشر: 28th, March 2024 GMT
أثار الإعلان المفاجئ لقوات الدعم السريع بالسودان عن تأسيس إدارة مدنية لولاية الجزيرة وسط البلاد، مخاوف من تقسيم هذا البلد الذي يعاني من صراع بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع منذ نحو عام.
سيطرت قوات الدعم السريع على ولاية الجزيرة في 18 ديسمبر الماضي 2023، بعد انسحاب الجيش السوداني من حامية مدينة ودمدني عاصمة الولاية.
وتسيطر الدعم السريع بشكل كامل على ولايات غرب دارفور، وجنوب دارفور، ووسط دارفور، وشرق دارفور، لكنها لم تشكل في تلك الولايات إدارات مدنية، بل أوكلت مهمة الإدارة للقيادة العسكرية التابعة لها.
وتحتدم المعارك بين الطرفين، حيث طالب المتحدث باسم الجيش السوداني المدنيين بالابتعاد عن مواقع تجمعات الدعم السريع، مشدداً على أنها أهداف للضربات العسكرية الجوية.
وأكد الجيش في بيان حرصه على تفادي إلحاق أي أضرار بالمواطنين والأعيان المدنية، لكنه حذر من أن "المليشيا المتمردة" تتخذ المدنيين دروعا بشرية، ودعا المواطنين للابتعاد عن مناطق تجمعات الدعم السريع.
تتوقع الولايات المتحدة الأمريكية عودة طرفي النزاع في السودان إلى طاولة المفاوضات بعد رمضان، منعا لاندلاع حرب إقليمية أوسع.
وقال مبعوث الولايات المتحدة الخاص إلى السودان توم بيرييلو، أن المحادثات التي ستشارك السعودية في قيادتها قد تنطلق بحدود 18 أبريل.
وحذّر بيرييلو من أن الحرب "لا تمثل كارثة للمدنيين فحسب، بل يمكنها بسهولة أن تثير انقسامات أكثر وتصبح حربا إقليمية".
واندلعت الحرب في أبريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع، وتمخض عن الصراع أكبر أزمة نزوح في العالم، ودفع قطاعات من السكان البالغ عددهم 49 مليون نسمة إلى شفا المجاعة وفجّر موجات من القتل والعنف.
وراح ضحية المعارك الدائرة نحو أكثر من 13 ألف قتيل، وبلغ عدد النازحين في 9 ولايات أكثر من 11 مليون نازح، وفر نحو 8.1 مليون شخص من منازلهم في السودان، ويشمل ذلك حوالى 6.3 مليون داخل السودان و1.8 مليون فروا إلى خارج البلاد.
قدر حجم الدمار والتخريب في القطاع الصحي في السودان بـ11 مليار دولار بسبب الحرب، بينما قدّر وزير المالية في حكومة الانتقال حجم الخسائر التي لحقت بالبنية التحتية للبلاد بنحو 60 مليار دولار.
يواجه السودان خطر التقسيم مع تصاعد الصراع بين الجيش ومليشيا الدعم السريع، بينما تتفاقم الأزمة الإنسانية مع ازدياد أعداد النازحين والجوعى.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: تقسيم السودان الأفق إعلان الدعم السريع إدارة مدنية ولاية الجزيرة الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
جدّة- ميتر لرصد الانتهاكات في السودان
زوايا
حمّور زيادة
جدّة– ميتر لرصد الانتهاكات في السودان
بينما تضرب الخلافات تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية (تقدّم) حول تكوين حكومة موازية، في المنفى أو داخل السودان، تزداد معاناة المواطنين من الآثار غير المباشرة للحرب، ومن الانتهاكات المباشرة من طرفي الصراع.
ظل تاريخ القوى السياسية المدنية دوماً هو تاريخ الخصام، والبحث عن نقطة تلاقٍ. منذ اندلاع ثورة ديسمبر/ كانون الأول (2018)، ظلت القوى المدنية تروّج فكرة “أوسع/ أكبر تحالف في تاريخ السودان السياسي”. هذا الهدف المراوغ عطّل الأحزاب السياسية عن العمل لانشغالها بمحاولة تسوية الخلافات والوصول إلى نقاط تفاهم. ورغم اللحظات التاريخية المشرقة في مناسباتٍ ثوريةٍ ماضية، إلا أن التحالفات السودانية عادة ما تكون هشّة، ولا تصمد زمناً طويلاً قبل أن تتحوّل عداءات، مثلما حدث مع قوى إعلان الحرية والتغيير التي انقسمت إلى ثلاثة كيانات بأسُها بينها شديد. وها هي تنسيقية القوى الديمقراطية تواجه اختلافاً حاسماً بعد شهور من وقوعها تحت ضغوط اتهامات الانحياز، فهي تواجه ضغوطاً من الرأي العام الموالي للجيش (استجابة لاتهامات الجيش الرسمية) بأنها غطاء سياسي لقوات الدعم السريع، بينما تواجه ضغوطاً من عدة كيانات قبلية في غرب السودان والقيادات الأهلية داخل التنسيقية ذاتها تتّهمها بالميل الإثني إلى الجيش، والتغاضي عن انتهاكات الطيران. ويمكن تخيّل كيف تكبّل التهمتان المتعارضتان حركة التنسيقية التي يبدو أن دورها سيضعُف أكثر كلما استمرّت الحرب. لأن مطلب الحكم المدني ذي المصداقية الذي كان يتردّد قبل الحرب لم يعد يصدق على القوى السياسية. إذ تغيّرت المصداقية عن قبل، بعد أن كانت سلطة معبّرة عن الشارع الثوري الراغب في التغيير. لكن الأزمة اليوم أصبحت مسلحة، وتحتاج توافق حملة السلاح أكثر من توافق القوى المدنية التي لا تملك إلا بياناتها الرسمية بينما تآكل رأس مالها الرمزي في المدن المحترقة. … هكذا يطارد المكون المدني ذيله في دوائر مفرغة، بينما يتفرّغ طرفا الحرب لممارسة الانتهاكات المتبادلة.
كانت الضغوط الدولية والمحلية قد نجحت في دفع المتقاتلين للتفاوض عبر منبر جدّة في الأسابيع الأولى للحرب. ما أنتج بعد أقل من شهر إعلان جدّة للالتزام بحماية المدنيين. لكن الاتفاق ظل كسيحاً، لرفض الطرفين في “جدّة 2” التوافق على آليات لتنفيذ ومراقبة ما اتفقا عليه سابقاً.
ورغم انهيار “جدّة 2” في ديسمبر/ كانون الأول 2023، لكن “الدعم السريع” وقع لاحقاً، في يناير/ كانون الثاني (بعلم الجيش)، إعلان أديس أبابا مع تنسيقيّة القوى الديمقراطية والمدنية. وتالياً، رفض الجيش أي تفاهم مع المدنيين، ورفض العودة إلى أي تفاوض، واكتفى باختزال إعلان جدّة في إخلاء “الدعم السريع” لمنازل المواطنين.
في متاهة المفاوضات والتوقيعات هذه، يمكن للقوى المدنية أن تستند إلى إعلان جدة لرصد الانتهاكات اليومية التي يرتكبها المسلحون. فبين القصف المدفعي واحتجاز المدنيين رهائن مقابل فدية مالية ونهب الممتلكات وتهجير السكان وغيرها من “الدعم السريع” وبين قصف الطيران الأسواق والتجمعات المدنية والاعتقال التعسفي والتعذيب وغيرها من الجيش يجد المواطن نفسه بلا سند لمواجهة الويلات اليومية.
ورغم رفض سابق لبعض قيادات “التنسيقية” المدنية لرصد الانتهاكات، بحجّة أنهم تحالف سياسي وليسوا جهة حقوقية، يظل الاحتكام لإعلان جدّة أنجع السبل الحالية لرصد جدّية (أو للدقة: عدم جدّية) طرفي القتال في حماية المدنيين. رصد الانتهاكات ومحاكمتها بمرجعية إعلان جدّة يساعد على توسيع دائرة رؤية الفاعلين السياسيين، ما قد يعينهم على إيجاد تصور قابل للتنفيذ يساعد على تقصير مدّة الحرب التي تواصل إعادة تشكيل نفسها وحمولاتها. … تبدو هذه الوظيفة الوحيدة التي يمكن للقوى المدنية أن تقوم بها لتكون صوت المواطنين، بعدما تعقّد مسار الحرب وتعدّد فاعليها الدوليين، مع صعوبة (إن لم يكن استحالة) ممارسة القوى المدنية للعمل السياسي داخل السودان، سواء في مناطق سيطرة الجيش أو مناطق سيطرة “الدعم السريع”.
لعلّ القوى المدنية السودانية تحتاج للاعتراف بأنها في أضعف حالاتها في تاريخ السياسة السودانية. وأنها تعرّضت لعملية شيطنة غير مسؤولة من الأصدقاء قبل الأعداء، تضافرت مع أخطاء وضعف وارتباك ظاهر في الأداء نتجت عنه حالة سوء ظن وتشكّك في أحسن الأحوال، واتهامات بالخيانة والعمالة والعنصرية في أغلب الأحوال. ربما بهذا الاعتراف يمكنها البحث عن وسيلةٍ لإعادة التموضع في ظل صراع مسلّح لا تبدو نهايته قريبة، رغم تحديد الجيش مراراً مواعيد النصر النهائي، جديدها أخيراً شهر ديسمبر/ كانون الأول الحالي. ويبدو الانشغال برصد الانتهاكات، والقبول بدور “الصوت المعبّر عن ضحايا الحرب”، قد يكون وسيلة إنقاذ السياسة والسياسيين في مستقبل البلاد الذي تحدّده البنادق في هذه اللحظة.
* نقلا عن العربي الجديد
الوسومإعلان جدة السودان العربي الجديد تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية- تقدم ثورة ديسمبر حمور زيادة