أرجأت المحكمة العليا في ديربان بجنوب أفريقيا النطق بالحكم في دعوى رفعها حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم ضد حزب "أومكونتو وي سيزوي" حديث النشأة، بعدم أحقية استخدام الاسم الذي يعود للجناح المسلح لحزب المؤتمر إبان النضال ضد حكم الفصل العنصري في البلاد.

وأمام مبنى المحكمة، اصطف العشرات من قدماء المقاتلين بزيهم العسكري من أنصار الحزب الجديد، وعلى مقربة منهم ترفرف أعلام خضراء، ورسمُ مقاتل يمتشق رمحا أفريقيا، وهو معنى "أومكونتو وي سيزوي" الذي يعني تحديدا "رمح الأمة"، بينما شق الرئيس السابق جاكوب زوما طريقه باسطا كفه مختالا وملوحا لأنصاره.

وعلى امتداد المنطقة المحيطة بمبنى المحكمة تجمع أيضا أنصار حزب المؤتمر الوطني الأفريقي بقمصان خضراء وأخرى صفراء ومتوشحين بأعلام الحزب، بينما انضم أمينه العام فيكيلي مبالولا للهيئة القانونية لحضور الجلسة.

واتهم فيكيلي غريمه زوما "بمحاولة انتزاع ملك ليس له"، وقال في كلمة أمام الصحافيين: "حتى لو خسرنا القضية، فإن معركتنا الحقيقية ستكون في صناديق الاقتراع لنستعيد ما هو حق لنا".

وانعقدت المحكمة للنظر في استخدام اسم "أومكونتو وي سيزوي"، الذي يرتبط بشكل وثيق بواحدة من أكبر وأنجح حركات التحرر في التاريخ الحديث ضد نظام فصل عنصري دموي حكم جنوب أفريقيا.

أطلق اسم "رمح الأمة" على الجناح العسكري لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي خلال فترة الفصل العنصري (غيتي) ملكية فكرية

وأتى قرار المحكمة بتأجيل النطق بالحكم بعد جلسة امتدت قرابة 5 ساعات استمعت خلالها لمرافعات الادعاء والدفاع. لكن التأجيل، لا يعني أن التوتر السياسي بين حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم وأحد أبرز أعضائه التاريخيين الرئيس السابق زوما ستخفت حدته.

ويعكس المشهد أمام مقر المحكمة العليا حجم الاستقطاب السياسي الحاد على مسافة شهرين من الانتخابات البرلمانية. وحاول المؤتمر الوطني الأفريقي تفادي انشقاق زوما، لكن الأخير بدا مصرا على الابتعاد كليا عن إرثه السياسي وتاريخه في صفوف الحزب، الذي أوصله سابقا لسدة الرئاسة في جنوب أفريقيا.

وبعد انتهاء الجلسة، خاطب رئيس جنوب أفريقيا السابق مناصريه قائلا: "لا يوجد أي أساس قانوني للقضية. إنهم (حزب المؤتمر الوطني الأفريقي) يعتقدون أنهم قادرون على الفوز بكل شيء، نحن رمح الأمة". ولم تخل كلمة زوما أمام المحكمة من مهاجمة تاريخ وحاضر حزب المؤتمر.

واعتمد حزب المؤتمر الوطني الأفريقي في مرافعته عدم أحقية أي طرف استخدام اسم "أومكونتو وي سيزوي" ورايته، بوصفهما إرثا وطنيا. وقال المستشار القانوني لحزب المؤتمر الوطني غافين ماريوت إن اسم الجناح العسكري ورايته هما ملكية فكرية لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي.

وقبل الحكم بساعات، كان حزب المؤتمر الوطني قد خسر دعوى أمام حزب "أومكونتو وي سيزوي"، حين أجازت المحكمة المختصة بالنظر في قضايا الانتخابات في جنوب أفريقيا، للحزب الجديد خوض الانتخابات البرلمانية المقررة نهاية مايو/أيار المقبل. والحكم صدر في دعوى اتهم فيها حزب المؤتمر الأفريقي غريمه "رمح الأمة" بعدم استيفائه معايير التسجيل الرسمية.

انقسامات قديمة

حزب "أومكونتو وي سيزوي" هو أحدث الأحزاب في البلاد؛ حيث تأسس نهاية عام 2023، ونال دعما مباشرا من الرئيس السابق جاكوب زوما، مع شكوك بوقوف زوما نفسه وراء تأسيس الحزب. واختار زوما اسم الجناح المسلح لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي الذي أعلن عن حله بعد سقوط نظام بريتوريا.

وإثر إعلان زوما الوقوف خلف "رمح الأمة"، اتهم المؤتمر الوطني الرئيس السابق بالعصيان، وعلق عضويته، وعلل الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي القرار بأن "دعم زوما حزبا سياسيا آخر بدون الخروج رسميا من حزب المؤتمر الوطني يناقض نظام الحزب الداخلي".

وتعود الأزمة بين حزب المؤتمر وجاكوب زوما لعام 2018، حين دفع الحزب زوما للتنحي عن سدة الرئاسة على وقع اتهامات بالفساد. وبعد أسابيع من التعنت، استقال الرجل في خطاب ناري وتحدث حينها عن "انقسامات داخلية دفعته للاستقالة".

ووُجهت لجاكوب زوما تهم بتلقي رشاوى بنحو 3.4 مليارات دولار في صفقة لشراء مقاتلات حربية وزوارق دوريات ومعدات عسكرية صنعتها 5 شركات أوروبية بينها مجموعة "تاليس"، في تسعينيات القرن الماضي، وكان حينها نائبا للرئيس ثامبيو مبيكي.

وفي صيف عام 2021، حكم على زوما بالسجن لمدة 15 شهرا، في محاكمة وصفها بأنها "ذات دوافع سياسية"، اندلعت على إثرها اضطرابات وأعمال شغب دامية، قتل جراءها قرابة 300 شخص. وفي سبتمبر/أيلول من العام نفسه أطلق سراح زوما لأسباب طبية.

رُمح الأمة بنسختيه

وكان حزب "أومكونتو وي سيزوي" أو "رمح الأمة" قد تأسس عام 1961 على يد الراحل نيلسون مانديلا، لمقاومة نظام الفصل العنصري. ووصف البيان التأسيسي أعضاء "أومكونتو وي سيزوي" بأنهم مناضلون من أجل الحرية، يدافعون عن حق الأفارقة في حكم أرضهم، وعن حقوق متساوية للجميع بصرف النظر عن العرق أو اللون.

وأعلن البيان في 16 من ديسمبر/كانون الأول عام 1961. وفي مفارقة لافتة، تزامن الإعلان عن تأسيس الحزب الجديد في الذكرى 62 لانطلاق "أومكونتو وي سيزوي" والعمل المسلح ضد حكومة الأقلية الأوروبية إبان الفصل العنصري.

سارع حزب المؤتمر الوطني لاتهام زوما بالحط من "التاريخ المشرف للكفاح المسلح ضد نظام الفصل العنصري" من خلال "الاستخدام الانتهازي للرمزية العسكرية"، في معركة سياسية.

وتدريجيا، وعلى مدى السنوات الست الأخيرة، تحول جاكوب زوما من قيادي مشاكس كثير المتاعب، إلى خصم لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي. وصل الخلاف بينه وبين حزبه ذروته مع إعلان زوما دعمه الكامل للحزب الوليد على أعتاب انتخابات قد تكون فارقة منذ سقوط نظام الفصل العنصري عام 1994.

ويدخل حزب المؤتمر الوطني الانتخابات المرتقبة غير مرتاح بالكامل لأفضليته المطلقة على الساحة الداخلية. ويحاول زوما الاستفادة من هذه اللحظة السياسية، ويجهد للإيحاء بأن "أومكونتو وي سيزوي" هو النسخة الأكثر التصاقا واتساقا مع تاريخ حزب المؤتمر الوطني الأفريقي من الحزب عينه.

ولا يمكن الجزم من هو خصم جاكوب زوما، هل هو حزب المؤتمر الوطني الأفريقي أو سيريل رامافوزا، أو الاثنان معا. فبين زوما والحزب الذي أسقط حكم الفصل العنصري تاريخ نضال مشترك، وبين الرجلين زوما ورامافوزا التاريخ نفسه وقضايا تشهير ومحاكمات، وثأر سياسي يبدو أن زوما لم يطو صفحته بعد.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات حزب المؤتمر الوطنی الأفریقی الرئیس السابق الفصل العنصری جنوب أفریقیا جاکوب زوما

إقرأ أيضاً:

أذربيجان تتهم أرمينيا بقصفها..ويريفان تنفي

اتهمت أذربيجان اليوم الأحد، القوات المسلحة الأرمنية، بقصفها من مواقع في إقليم سيونيك بجنوب أرمينيا، لكن يريفان نفت هذا الاتهام.

وأعلنت وزارة الدفاع الأذرية في بيان إطلاق قوات أرمنية النار بأسلحة خفيفة صباح اليوم من منطقة جوريس، دون مزيد من التفاصيل.  بعد صراع 40 عاماً.. أرمينيا وأذربيجان تعلنان التوصل لاتفاق سلام - موقع 24قال مسؤولون من أرمينيا وأذربيجان، الخميس، إنهم اتفقوا على نص اتفاق سلام لإنهاء صراع لنحو أربعة عقود بين الدولتين الواقعتين في جنوب القوقاز في انفراجة مفاجئة لعملية سلام متعثرة ومريرة. ولكن وزارة الدفاع الأرمينية قالت، إن بيان أذربيجان لا يتوافق مع الواقع.

وأعلنت باكو ويريفان يوم الخميس التفاهم على مسودة اتفاق سلام لإنهاء صراع مستمر منذ ما يقرب من أربعة عقود بين البلدين في جنوب منطقة القوقاز، في تقدم مفاجئ في عملية سلام صعبة ومريرة.

مقالات مشابهة

  • حسني بيّ: هدف مؤتمر المجلس الوطني للعلاقات الأمريكية الليبية منع تقسيم ليبيا
  • صراع القوة يهدد مستقبل دولة جنوب السودان
  • أذربيجان تتهم أرمينيا بقصفها..ويريفان تنفي
  • جنوب أفريقيا: طرد واشنطن لـ سفيرنا أمر مؤسف
  • قرار مفاجئ.. وزير الخارجية الأمريكي يعلن طرد سفير جنوب أفريقيا
  • قوجيل يهنّئ ذوي الاحتياجات الخاصة في يومهم الوطني
  • سفير جنوب أفريقيا "ليس موضع ترحيب" في أميركا
  • قوجيل يهنئ ذوي الاحتياجات الخاصة في يومهم الوطني 
  • العمال الكردستاني يؤكد "استحالة" حل الحزب في الوقت الحالي
  • المشهداني يرعى لاحتفالية المركزية بمناسبة يوم المرأة الوطني وتحت شعار ( المرأة العراقية عزيمة الاستنكار )