د. عبد المنعم مختار
استاذ جامعي متخصص في السياسات الصحية القائمة على الأدلة العلمية

مدخل نظري

المليشيات هي تنظيمات مسلحة ذات أصول مدنية، إذ أنها تشكل من مجموعات مدنية بتم تسليحها وتدريبها وإدارتها من قبل الدولة أو مجموعة مجتمعية وغالبا بالتعاون بين الاثنين. هناك عدة مداخل نظرية لفهم المليشيات. المنظور الاول يركز على دور الدولة والثاني على دور المجتمع والثالث على دور الدولة والمجتمع في تشكيل الميليشيات.



المليشيات التي تؤسسها الدولة تتميز بالآتي:

1. يتم تشكيلها بالتطوع أو الإجبار
2. يتم تمويلها وإعدادها وتدريبها من قبل الدولة
3. تخضع للنظم والتقاليد والقيم العسكرية الرسمية للدولة

المليشيات التي تشكلها المجتمعات تتميز بالتالي:

1. يتم تشكيلها من قبل المجتمعات المتنافسة على الموارد والسلطة
2. تنبني على هويات دينية أو عرقية أو قبلية
3. تخضع لنظم وتقاليد وقيم تقليدية

وغالبا تتميز المليشيات بخليط من الميزات المذكورة أعلاه.

اسباب تشكيل المليشيات السودانية

يرصد الكس دي (١٩٩٣) وعثمان تار (٢٠٠٥) عدة دوافع عامة لتشكيل المليشيات في السودان وهي:

1. وجود صراع محلي بين المجتمعات مثل الصراع بين القبائل الكبرى والصغرى في جنوب السودان (مثلاً الدينكا ضد المندرين والموريل والفرتيت) والصراع بين القبائل الرعوية والزراعية في دارفور (مثلاً المسيرية والرزيقات ضد الفور والزغاوة والمساليت)
2. فشل آليات فض النزاعات التقليدية بين المجتمعات المحلية
3. تواطؤ الدولة مع ودعهما لأحد أطراف الصراع المحلي المجتمعية
4. استخدام الدولة لأحد الأطراف المجتمعية كوكيل لها في حربها ضد المجتمعات المتمردة ضد الدولة
5. سعي أحد الأطراف المجتمعية للحصول على الغنائم من المجتمعات المتمردة وخاصة الأراضي والثروة الحيوانية والمعادن والمجوهرات والأموال والغذاء

من المثير للاهتمام هو الأسباب السياقية التي تدفع الدولة لتشكيل المليشيات في السودان وتكليفها بمحاربة التمرد العسكري ضد الدولة بالوكالة عنها وتحت إشراف وتمويل وتسليح وتدريب الجيش الرسمي. من هذه الأسباب:
1. عدم توفر الموارد البشرية الكافية للجيش لمحاربة التمرد
2. عدم توفر الموارد البشرية الكافية للجيش لضبط حدود السودان الطويلة مع دول الجوار التي تشكل مصادر إمداد للتمرد. ويلاحظ هنا انه قد تم تدريب مجموعات من مليشيات المراحيل في ثمانينيات القرن الماضي داخل ليبيا على الحدود الليبية-التشادية-السودانية المشتركة
3. توفر السلاح والذخيرة في السوق السوداء أو/ وتوفيره بواسطة الدولة
4. الرفض الشعبي في الوسط النيلي في شمال السودان للتجنيد الاضافي للجيش
5. عدم ولاء قواعد الجيش للدولة في حربها ضد التمرد وذلك لإنتماء معظم قواعد الجيش عرقيا للتمرد. وقد ظهر ضعف ثقة الدولة في قواعد الجيش لأول مرة في حرب الحكومة السودانية ضد الانانيا الاولى بين ١٩٥٥ و ١٩٧٢
6. معرفة المليشيا لجغرافيا واجتماع حركات التمرد بصورة أفضل من الدولة وجيشها
7. توفر المصالح ذات البعد التاريخي للمليشيا في محاربة المجتمعات المتمردة
8. قيام المليشيا بحملات التطهير العرقي والجرائم ضد الانسانية بدلاً عن جيش الدولة

وغالبا ما يقود نشاطات المليشيات إلى حالة استقطاب حادة تدفع حتى بالمجتمعات الغير مشاركة في التمرد والحرب للاصطفاف مع أو ضد المليشيات والمشاركة في الصراع والحرب.

موقف الجيش من تشكيل المليشيات في السودان

يذهب البعض الى معارضة الجيش السوداني في أغلب المراحل التاريخية لتكوين الدولة لمليشيات مسلحة وذلك لأنها تشكل منافس له في احتكار العنف وفي الحصول على موارد الدولة الموجهة للتسليح والتدريب العسكري. وقد لاحظ المراقبون في بعض المحليات المتفككة بسبب الحرب، تفوق قوة ونفوذ المليشيات لقوة ونفوذ الجيش. وقد حذر الجيش السوداني اخر حكومات الصادق المهدي في مذكرته الشهيرة لها من خطر القوة المتزايدة للمليشيات خاصة وأنها تعكس ولاءات جهوبة أو عرقية محدودة.

مليشيا الجنجويد: النشأة والمكونات

لا يمكن ارجاع أسباب نشأة مليشيا الجنجويد فقط للدولة السودانية فتشكل هذه المليشيا ساهم فيه بجانب الدولة الصراعات المجتمعية المحلية القديمة خاصة بين القبائل الكبيرة المالكة للأراضي والقبائل الصغيرة الغير مالكة للأراضي والقبائل الرعوية والقبائل الزراعية. اذن يمكننا اعتبار الجنجويد مليشيا دعمت تشكيلها الدولة بغرض محاربة التمرد في دارفور واستجابت لها مكونات مجتمعية بغرض محاربة المكونات المجتمعية المنافسة لها في الموارد والاراضي والسلطة والمختلفة عنها عرقياً..

قاد دعم وادارة الدولة الى تحويل المجموعات البدوية ضعيفة التسليح الى مليشيا الجنجويد الحديثة والقوية التسليح. وفرت الدولة لمليشيا الجنجويد
:
1. السلاح والذخيرة وخاصة الكلاشينكوف و "البازوكا" و"البلجيكا" و"الجي ٣" ومعدات رؤية بعيدة النظر
2. المال اذ يفوق الراتب الشهري للمجند في المليشيا راتب الجندي في الجيش ويقدر ب 100 الى 400 دولار أمريكي
3. اجهزة الاتصالات الحديثة مثل هواتف الثريا المشغلة بالأقمار الصناعية واجهزة اللاسلكي
4. الامداد والدعم اللوجستي خاصة بسيارات تويوتا لاند كروزر ذات الدفع الرباعي
5. الثكنات وكانت قاعدة عمليات الجنجويد هي مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور
6. الحماية القانونية..

يقدر عدد المجندين في مليشيا الجنجويد عند سقوط نظام عمر البشير بعشرين الف مجند ينتمي أغلبهم لقبائل دارفور العربية خاصة للعريقات وأولاد زيد, وهي عشائر فرعية من رعاة الإبل الرزيقات والماهرية والبني حسين ويحمل معظمهم الجنسية السودانية وبعضهم الجنسية التشادية.

خلاصة

أدمنت الدولة السودانية على استغلال الصراعات المجتمعية في مناطق التمرد لتكوين واستغلال المليشيات المحلية لمحاربة التمرد بصورة مدمرة للتركيبة الاجتماعية الهشة أساساً. استنفذت الدولة استغلال الاختلافات الدينية في تشكيل المليشيات في جنوب السودان حتى انفصاله وعملت على توظيف التباينات العرقية في تشكيل المليشيات في دارفور ربما حتى انفصالها هي أيضاً.

moniem.mukhtar@googlemail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: ملیشیا الجنجوید

إقرأ أيضاً:

الحرب والفيضانات والأوبئة.. ثالوث ينهش جسد السودان (تقرير)

منسق الطوارئ في دارفور بمنظمة أطباء بلا حدود، تونا تركمان: أكبر أزمة إنسانية في العالم والتي يشهدها السودان تحولت إلى كارثة كبرى ونحن في حالة طوارئ ونحاول منع حدوث وفيات جماعية

وكالة الأناضول

** منسق الطوارئ في دارفور بمنظمة أطباء بلا حدود، تونا تركمان:
- أكبر أزمة إنسانية في العالم والتي يشهدها السودان تحولت إلى كارثة كبرى
- نحن في حالة طوارئ ونحاول منع حدوث وفيات جماعية
- يجب بذل جهود عاجلة لإرسال كميات ضخمة من المساعدات
-آلاف الأطفال يواجهون خطر الموت جوعا
- أزمة نقص الغذاء الحادة وصلت إلى مستويات كارثية
-الكثير من السودانيين يكتفون بوجبة واحدة أو أقل يوميا
يواجه السودان تحديات هائلة جراء الحرب الأهلية والفيضانات وانتشار الأوبئة، وسط حاجته الملحة لمساعدات إنسانية وإغاثية ضخمة وعاجلة.

تونا تركمان، منسق الطوارئ في دارفور بمنظمة أطباء بلا حدود، سلط الضوء، في حديث للأناضول، على الأوضاع الانسانية المتدهورة في السودان.

وقال تركمان إن الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع المتصاعدة في المنطقة أدت إلى تفاقم "الأزمة الإنسانية وتدهور الوضع الصحي في البلاد".

وأوضح تركمان الذي يعمل في مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور السودانية، إن الأوضاع الإنسانية في هذه المنطقة "متردية"، محذرا من تزايد الهجمات الجوية عليها.

إلى جانب ذلك، فإن الفيضانات غير المسبوقة منذ ثمانينيات القرن الماضي والتي تشهدها دارفور تسببت بـ"عرقلة الجهود الإنسانية بشكل كبير"، وفق قوله.

واستكمل قائلا: "فرقنا تواجه صعوبات كبيرة في العمل ضمن المناطق التي تشهد اشتباكات نشطة".

وذكر أن دارفور واحدة من "أكثر المناطق تضررا بسبب نقص المساعدات الإنسانية، خاصة وأنها لم تحظَ بوصول القدر الكافي من مواد الإغاثة الأممية".

وعن أزمة النزوح في البلاد، أشار تركمان إلى تقارير الأمم المتحدة التي تحدثت عن نزوح نحو 11 مليون شخص بينهم مليونان فروا إلى دول مجاورة، فيما نزح البقية لمناطق مختلفة داخل السودان.

ولفت إلى أن مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، "محاصرة من قبل قوات الدعم السريع فيما تشهد معارك عنيفة".

ومنذ 10 مايو/ أيار الماضي، تشهد مدينة الفاشر اشتباكات بين الجيش و"الدعم السريع"، رغم تحذيرات دولية من المعارك في المدينة، التي تعد مركز العمليات الإنسانية لكل ولايات دارفور (غرب).

وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب بما يجنب السودان كارثة إنسانية بدأت تدفع الملايين إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 13 ولاية من أصل 18.

ومنذ منتصف أبريل/ نيسان 2023، يخوض الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل وقرابة 10 ملايين نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة.

**أزمة متشابكة

وقال المسؤول في أطباء بلا حدود إن أكبر أزمة إنسانية في العالم والتي يشهدها السودان تحولت إلى "كارثة كبرى".

وأضاف إن الأزمة في السودان "متشابكة"، لافتا إلى أن العمليات الإغاثية الطارئة تواجه "تحديات ضخمة" في ظل "نظام صحي منهار بالكامل".

وعن تلك التحديات، قال تركمان إنهم يواجهون "مشاكل كبيرة جدا في توفير الإمدادات الطبية بسبب عدم قدرة موظفين دوليين وأمميين على الوصول للمناطق المنكوبة".

واستكمل قائلا: "ما زلنا ننتظر وصول شاحنات برنامج الأغذية العالمي إلى جنوب دارفور، لكنها لم تصل بعد".

وأشار إلى أن "المخاطر الأمنية والعوائق البيروقراطية أعاقت وصول مساعدات من الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية أخرى"، كانت منظمته تتوقع وصولها للسودان.

**الأوبئة والمجاعة

وعن انتشار الأوبئة، قال تركمان إن منظمته تكافح انتشار مرض "الملاريا" في جنوب دارفور.

وفيما يتعلق بالجهود المبذولة في إطار ذلك، قال إن مكافحة هذا المرض يتم عبر "إنشاء نقاط صحية متنقلة".

وأكد أن "الكوليرا" تفشى في 9 ولايات بالسودان، لافتا إلى "اتخاذ تدابير للسيطرة على الأوبئة"، دون ذكرها.

وحول تأثير الأزمة على الأطفال، قال تركمان إن "معدلات سوء التغذية بين الأطفال في جنوب دارفور تجاوزت حدود الطوارئ".

وتابع: "أزمة نقص الغذاء الحادة وصلت إلى مستويات كارثية (...) ونقص الغذاء يؤثر بشكل كبير على الأطفال".

وحذر من أن آلاف الأطفال يواجهون خطر الموت جوعا، لافتا إلى أن الكثير من السودانيين يكتفون بوجبة واحدة أو أقل يوميا.

وأشار إلى أن "حجم الأزمة الحقيقي غير ظاهر بوضوح لأن الوضع لم يتم تقديره بشكل كامل"، متابعا "نحن في حالة طوارئ، ونحاول منع حدوث وفيات جماعية".

وطالب المنظمات الإنسانية الدولية والأمم المتحدة والمتبرعين الدوليين بـ"بذل جهود عاجلة لإرسال كميات ضخمة من المساعدات للسودان".

وفي 7 سبتمبر/ أيلول الجاري، قال برنامج الأغذية العالمي في منشور على "إكس"، إن استمرار حرب السودان يُعرض نصف السكان للجوع الشديد، في أول مجاعة مؤكدة بالعالم منذ 2017.

ويبلغ عدد سكان السودان نحو 49.5 مليون نسمة، وفق أحدث التقديرات غير الرسمية.

**المستشفى التركي

قال تركمان إن المستشفى التركي بمدينة نيالا، والذي أنشأته الوكالة التركية للتعاون والتنسيق "تيكا" بالتعاون مع الحكومة السودانية، ما زال يقدم خدماته.

وتابع إن الفريق الطبي الذي تلقى تدريبات من وزارة الصحة التركية (دون تحديد الفترة)، تمكن من "توفير الخدمات الطبية وتشغيل المستشفى طوال فترة الحرب".

ولفت إلى أن المستشفى كان يعمل في السابق بكوادر طبية قادمة من تركيا لكن اندلاع الحرب أعاق إرسال فرق طبية جديدة.

وأردف: "رغم كل التحديات، ما زال المستشفى يوفر خدمات الرعاية الصحية للمرضى والجرحى".

وفي ختام حديثه، أشار تركمان إلى التنسيق المستمر بين منظمته ووزارة الصحة التركية وسفارة أنقرة في الخرطوم لـ"تقديم الدعم والمساعدة" في المجال الإنساني بالسودان، قائلا إن هذا التعاون "مصدر فخر كبير لتركيا".

وعام 2014، افتتح المستشفى رسميا على يد البروفيسور أمر الله إشلر، نائب رئيس الوزراء التركي حينها، تحت إشراف "تيكا" بتكلفة بلغت 35 مليون دولار.

وتبلغ مساحة المستشفى التركي بنيالا 11 ألف متر مربع، كما يضم 150 سريرا، منها 46 سريرا للعناية المشددة، وثلاث غرف للعمليات، وقسمان للتوليد، وقسم للتصوير الشعاعي ومخبرا.  

مقالات مشابهة

  • الحكيم: والله مندمجين مع ناس المشتركة وقاعدين نخطط لي السودان خالي من الجنجويد
  • مني أركو مناوي: سقوط ولايات دارفور إهانة وطنية وعيب على الدولة
  • «طوارئ جنوب الحزام»: طيران الجيش يقتل ويصيب أكثر من «16» شخصاً بالعاصمة السودانية
  • الحرب والفيضانات والأوبئة.. ثالوث ينهش جسد السودان
  • الحرب والفيضانات والأوبئة.. ثالوث ينهش جسد السودان (تقرير)
  • وزير الخارجية المصري: ما يحدث في السودان يمس أمننا القومي ونعمل على الوقف الفوري لإطلاق النار وتنفيذ مقررات جدة .. نؤكد الدعم الكامل لمؤسسات الدولة السودانية وفي مقدمتها الجيش
  • ان شاء الله ليخرجن الجنجويد من السودان أذلة صاغرين
  • الجنجويد والفصل السابع في الانجيل
  • قطع طريق العودة الى تشاد.. السودان مقبرة الجنجويد!!
  • السودان: حرب منسية تهدد بكارثة إنسانية ومجاعة غير مسبوقة