الدولة والاجتماع السياسي للميليشيات السودانية: من انفصال الجنوب لانفصال دارفور، ربما
تاريخ النشر: 28th, March 2024 GMT
د. عبد المنعم مختار
استاذ جامعي متخصص في السياسات الصحية القائمة على الأدلة العلمية
مدخل نظري
المليشيات هي تنظيمات مسلحة ذات أصول مدنية، إذ أنها تشكل من مجموعات مدنية بتم تسليحها وتدريبها وإدارتها من قبل الدولة أو مجموعة مجتمعية وغالبا بالتعاون بين الاثنين. هناك عدة مداخل نظرية لفهم المليشيات. المنظور الاول يركز على دور الدولة والثاني على دور المجتمع والثالث على دور الدولة والمجتمع في تشكيل الميليشيات.
المليشيات التي تؤسسها الدولة تتميز بالآتي:
1. يتم تشكيلها بالتطوع أو الإجبار
2. يتم تمويلها وإعدادها وتدريبها من قبل الدولة
3. تخضع للنظم والتقاليد والقيم العسكرية الرسمية للدولة
المليشيات التي تشكلها المجتمعات تتميز بالتالي:
1. يتم تشكيلها من قبل المجتمعات المتنافسة على الموارد والسلطة
2. تنبني على هويات دينية أو عرقية أو قبلية
3. تخضع لنظم وتقاليد وقيم تقليدية
وغالبا تتميز المليشيات بخليط من الميزات المذكورة أعلاه.
اسباب تشكيل المليشيات السودانية
يرصد الكس دي (١٩٩٣) وعثمان تار (٢٠٠٥) عدة دوافع عامة لتشكيل المليشيات في السودان وهي:
1. وجود صراع محلي بين المجتمعات مثل الصراع بين القبائل الكبرى والصغرى في جنوب السودان (مثلاً الدينكا ضد المندرين والموريل والفرتيت) والصراع بين القبائل الرعوية والزراعية في دارفور (مثلاً المسيرية والرزيقات ضد الفور والزغاوة والمساليت)
2. فشل آليات فض النزاعات التقليدية بين المجتمعات المحلية
3. تواطؤ الدولة مع ودعهما لأحد أطراف الصراع المحلي المجتمعية
4. استخدام الدولة لأحد الأطراف المجتمعية كوكيل لها في حربها ضد المجتمعات المتمردة ضد الدولة
5. سعي أحد الأطراف المجتمعية للحصول على الغنائم من المجتمعات المتمردة وخاصة الأراضي والثروة الحيوانية والمعادن والمجوهرات والأموال والغذاء
من المثير للاهتمام هو الأسباب السياقية التي تدفع الدولة لتشكيل المليشيات في السودان وتكليفها بمحاربة التمرد العسكري ضد الدولة بالوكالة عنها وتحت إشراف وتمويل وتسليح وتدريب الجيش الرسمي. من هذه الأسباب:
1. عدم توفر الموارد البشرية الكافية للجيش لمحاربة التمرد
2. عدم توفر الموارد البشرية الكافية للجيش لضبط حدود السودان الطويلة مع دول الجوار التي تشكل مصادر إمداد للتمرد. ويلاحظ هنا انه قد تم تدريب مجموعات من مليشيات المراحيل في ثمانينيات القرن الماضي داخل ليبيا على الحدود الليبية-التشادية-السودانية المشتركة
3. توفر السلاح والذخيرة في السوق السوداء أو/ وتوفيره بواسطة الدولة
4. الرفض الشعبي في الوسط النيلي في شمال السودان للتجنيد الاضافي للجيش
5. عدم ولاء قواعد الجيش للدولة في حربها ضد التمرد وذلك لإنتماء معظم قواعد الجيش عرقيا للتمرد. وقد ظهر ضعف ثقة الدولة في قواعد الجيش لأول مرة في حرب الحكومة السودانية ضد الانانيا الاولى بين ١٩٥٥ و ١٩٧٢
6. معرفة المليشيا لجغرافيا واجتماع حركات التمرد بصورة أفضل من الدولة وجيشها
7. توفر المصالح ذات البعد التاريخي للمليشيا في محاربة المجتمعات المتمردة
8. قيام المليشيا بحملات التطهير العرقي والجرائم ضد الانسانية بدلاً عن جيش الدولة
وغالبا ما يقود نشاطات المليشيات إلى حالة استقطاب حادة تدفع حتى بالمجتمعات الغير مشاركة في التمرد والحرب للاصطفاف مع أو ضد المليشيات والمشاركة في الصراع والحرب.
موقف الجيش من تشكيل المليشيات في السودان
يذهب البعض الى معارضة الجيش السوداني في أغلب المراحل التاريخية لتكوين الدولة لمليشيات مسلحة وذلك لأنها تشكل منافس له في احتكار العنف وفي الحصول على موارد الدولة الموجهة للتسليح والتدريب العسكري. وقد لاحظ المراقبون في بعض المحليات المتفككة بسبب الحرب، تفوق قوة ونفوذ المليشيات لقوة ونفوذ الجيش. وقد حذر الجيش السوداني اخر حكومات الصادق المهدي في مذكرته الشهيرة لها من خطر القوة المتزايدة للمليشيات خاصة وأنها تعكس ولاءات جهوبة أو عرقية محدودة.
مليشيا الجنجويد: النشأة والمكونات
لا يمكن ارجاع أسباب نشأة مليشيا الجنجويد فقط للدولة السودانية فتشكل هذه المليشيا ساهم فيه بجانب الدولة الصراعات المجتمعية المحلية القديمة خاصة بين القبائل الكبيرة المالكة للأراضي والقبائل الصغيرة الغير مالكة للأراضي والقبائل الرعوية والقبائل الزراعية. اذن يمكننا اعتبار الجنجويد مليشيا دعمت تشكيلها الدولة بغرض محاربة التمرد في دارفور واستجابت لها مكونات مجتمعية بغرض محاربة المكونات المجتمعية المنافسة لها في الموارد والاراضي والسلطة والمختلفة عنها عرقياً..
قاد دعم وادارة الدولة الى تحويل المجموعات البدوية ضعيفة التسليح الى مليشيا الجنجويد الحديثة والقوية التسليح. وفرت الدولة لمليشيا الجنجويد
:
1. السلاح والذخيرة وخاصة الكلاشينكوف و "البازوكا" و"البلجيكا" و"الجي ٣" ومعدات رؤية بعيدة النظر
2. المال اذ يفوق الراتب الشهري للمجند في المليشيا راتب الجندي في الجيش ويقدر ب 100 الى 400 دولار أمريكي
3. اجهزة الاتصالات الحديثة مثل هواتف الثريا المشغلة بالأقمار الصناعية واجهزة اللاسلكي
4. الامداد والدعم اللوجستي خاصة بسيارات تويوتا لاند كروزر ذات الدفع الرباعي
5. الثكنات وكانت قاعدة عمليات الجنجويد هي مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور
6. الحماية القانونية..
يقدر عدد المجندين في مليشيا الجنجويد عند سقوط نظام عمر البشير بعشرين الف مجند ينتمي أغلبهم لقبائل دارفور العربية خاصة للعريقات وأولاد زيد, وهي عشائر فرعية من رعاة الإبل الرزيقات والماهرية والبني حسين ويحمل معظمهم الجنسية السودانية وبعضهم الجنسية التشادية.
خلاصة
أدمنت الدولة السودانية على استغلال الصراعات المجتمعية في مناطق التمرد لتكوين واستغلال المليشيات المحلية لمحاربة التمرد بصورة مدمرة للتركيبة الاجتماعية الهشة أساساً. استنفذت الدولة استغلال الاختلافات الدينية في تشكيل المليشيات في جنوب السودان حتى انفصاله وعملت على توظيف التباينات العرقية في تشكيل المليشيات في دارفور ربما حتى انفصالها هي أيضاً.
moniem.mukhtar@googlemail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: ملیشیا الجنجوید
إقرأ أيضاً:
حركة تحرير الجزيرة وتقرير مصير الجميع
*ظهور شخص بزي عسكري وهو يتلو بيان إنشاء حركة لتحرير الجزيرة يعبر عن حالة استجابة لما تعانيه الولاية منذ سقوطها قبل أكثر من عام حيث تأخر التحرير ووصلت مراحل إنتهاك الإنسان فيها حدا يفوق الوصف*
*في ظل ما حدث ويحدث في الجزيرة يبقى مفهوما مثل هذا الصوت والموقف بل يمتد الفهم للتفهم لبعض حالات الدعوة الإستباقية لمصير الجزيرة من بعد التحرير*
*ما حاق بالجزيرة شبيه بما جرى في غرب دارفور-الجنينة وشمال دارفور -الفاشر وبعض مناطق كردفان والخرطوم أيضا مع الفارق النسبي هنا وهناك وربما يكون الحال أسوأ ان ما تمكنت المليشيا من دخول الشمال ولكن أن كان الحديث والمواقف للتحرير مطلوبا فإن الحديث عن تقرير المصير سابق لأوانه وربما الخوض فيه الآن يضعف الصف -حتى صف الداعين للتحرير!!*
*المطلوب اليوم تحرير الجزيرة وكل السودان من مليشيا الدعم السريع والمطلوب غدا تقرير مصير كل السودان وليس الجزيرة وحدها*
*لن يكون السودان كما كان بعدالتحرير ولا أحد يرغب فيه أو يريده فلقد مضى مع الأيام ولن يعود ولكن هناك أكثر من صيغة يمكن أن نحافظ بها على الوطن ونعيد من خلالها تشكيل الدولة والسلطة من جديد*
*من نفسي اعتقد أن الفدرالية التى تعطى الأقاليم حقها الكامل في السلطة والثروة مع المحافظة على الوحدة هي الأنسب لحكم السودان وقد يرى البعض الآخر المناسبة في الحكم الذاتي للأقاليم وثالث الكونفدرالية ومتطرف قد يذهب للإنفصال ولكن دعونا نعرف اليوم بأن الوقت للتحرير وغدا لتقرير المصير مع التأكيد على أن لا مكان للسودان القديم في السودان الجديد!*
بكري المدنى