بـ"التاريخي"، وُصِف قرار مجلس الأمن الذي نجح للمرّة الأولى منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في تخطّي حاجز "الفيتو"، فدعا إلى "وقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان"، ولو بعد مرور أسبوعين من بدئه، على أن يؤدي إلى "وقف إطلاق نار دائم"، وإلى "الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن"، مع اكتفاء الولايات المتحدة بالامتناع عن التصويت، من دون استخدام "حق النقض" كما درجت العادة.


 
صحيح أنّ القرار الذي ظهر على إثره "توتر" قد لا يكون مسبوقًا في العلاقات بين واشنطن وتل أبيب، وإن قلّل البعض من شأنه بوصفه أقرب إلى "التمثيلية"، مع تأكيد الولايات المتحدة عدم تغيّر موقفها لجهة دعمها "الثابت" لإسرائيل، يُعتبَر إنجازًا بحدّ ذاته، لكنّ مشكلته تبقى أنّ تنفيذه "غير مضمون" وفق كثيرين، ولا سيما انّ لإسرائيل تاريخًا طويلاً بل حافلاً في تجاهل قرارات مجلس الأمن، تمامًا كعدم اكتراثها بالقوانين الدولية بصورة عامة.
 
مع ذلك، قد يكون قرار مجلس الأمن خطوة أولى "تقرّب" الهدنة التي طال انتظارها في غزة، والتي تستمرّ المفاوضات بشأنها في العاصمة القطرية الدوحة، وإن بقي "التباعد" سيّد الموقف، ما يطرح علامات استفهام حول "موقع" لبنان من المعادلة في ضوء قرار مجلس الأمن، فهل ينعكس الأخير على "الجبهة اللبنانية" التي يربطها "حزب الله" بحرب غزة، فيما يحاول الإسرائيليون الإيحاء بأنّ "حرب الشمال" هي التالية على "الأجندة"؟
 
من يُلزِم إسرائيل؟!
 
لا يمكن تجاهل حقيقة أنّ قرار مجلس الأمن الأخير يشكّل "تحوّلاً" على مستوى الموقف من الحرب الإسرائيلية على غزة، ولو أنّ هناك من يضع امتناع الولايات المتحدة عن التصويت، من دون إجهاض القرار كما كان يحصل سابقًا، في خانة "الحسابات الأميركية الداخلية"، من باب "مراعاة" الانتخابات الرئاسية التي تقترب، والخشية من انعكاس الحرب سلبًا على حظوظ الرئيس جو بايدن، بفعل المزاج العالمي الذي ضاق ذرعًا بالمأساة المتفاقمة في غزة.
 
لكن، مع ذلك، قد يكون الرهان على أن يؤدي قرار مجلس الأمن إلى "تحول جذري" موازٍ على الأرض في غير مكانه، وفق ما يقول العارفون، الذين يلفتون إلى أنّ "إلزام" إسرائيل بتنفيذ القرار الجديد قد لا يكون سهلاً، خصوصًا أن احتمالات الذهاب إلى الفصل السابع، أو إلى استخدام سلاح العقوبات لإلزامها مثلاً، تبدو ضئيلة، لأنّ "الفيتو الأميركي" سيكون حاضرًا في هذه الحالة، ولن يوضَع على الرف كما حصل في جلسة مجلس الأمن الأخيرة.
 
إلا أنه وبموازاة هذه المقاربة "المتشائمة" إلى حدّ بعيد، ثمّة من يرى أنّه بمعزل عن السجال العلني الأميركي الإسرائيلي، فإنّ امتناع واشنطن عن التصويت قد يحمل بين طيّاته "رسالة" ليست تل ابيب بمنأى عنها، تفيد بأنّ طريق "إنهاء الحرب" قد بدأت بشكل أو بآخر، بل إنّ إسرائيل نفسها قد تكون باحثة عن "مَخرَج" يسمح لها بطيّ الصفحة، مع تحصيل "إنجازات ما" تستطيع تسويقها لجمهورها، وهو ما تحاول انتزاعه من خلال مفاوضات الدوحة.
 
ماذا عن لبنان؟
 
في مقابل القراءات المتفاوتة حول "إلزامية" قرار مجلس الأمن حول غزة، والضمانات التي يفتقر إليها، ولا سيما بالنسبة للعارفين بتاريخ إسرائيل مع "عدم" احترام القوانين، ثمّة من يسأل عن انعكاسات القرار على لبنان، الذي شهدت "جبهته" في الساعات الأخيرة تطورات ملحوظة، خصوصًا بعد استهداف الغارات الإسرائيلية منطقة الهرمل في سهل البقاع، وأكثرها عمقًا في الأراضي اللبنانية منذ اشتعال الجبهة في الثامن من تشرين الأول الماضي.
 
في هذا السياق، لا تزال وجهتا نظر "متنازعتان" تقول الأولى إنّ جبهة لبنان باتت "منفصلة" عن جبهة غزة، وبالتالي فإنّ وقف إطلاق النار في القطاع قد يؤدي إلى "اشتعال النار" في محور ما يسمّيه الإسرائيليون "جبهة الشمال"، وهو ما تعزّزه بعض المواقف الإسرائيلي، ككلام وزير الأمن يوآف غالانت الذي قال إنّ انتهاء الحرب في غزة يقرّب الحرب في الشمال، علمًا أنّ هناك من يتحدّث عن "هيبة" يخاف عليها الإسرائيليون، إذا ما أذعنوا لفكرة أنّ "حزب الله" يفتح ويقفل الجبهة متى شاء.
 
وفي حين يضيف البعض إلى هذا المبدأ، فكرة "مستوطنات الشمال" التي لا تزال فارغة منذ ما بعد الثامن من تشرين الأول، في ظلّ مطالبات بـ"حلّ جذري" قبل عودة سكانها إليها، تدحض وجهة النظر الثانية كلّ ما سبق، حيث يجزم المقتنعون بها بأنّ جبهة لبنان هي جبهة "إسناد" للفلسطينيين بغزة، وبالتالي فإنّ مجرّد حصول وقف لإطلاق النار في غزة لا بدّ أن ينعكس تلقائيًا على جنوب لبنان، وكلّ ما يقال بخلاف ذلك لا يتجاوز حدود "الحرب النفسية" المشتعلة بين الجانبين.
 
يخشى كثيرون أن يبقى قرار مجلس الأمن الأخير حول عزة "حبرًا على ورق"، شأنه شأن الكثير من القرارات الدولية التي ضربتها بإسرائيل بعرض الحائط، ومن بينها القرار 194 الذي نصّ على حق العودة، وغيره من القرارات حول القدس التي لم تُثنِ تل أبيب عن الاستيطان والتهويد. مع ذلك، ثمّة من يعتبر أنّ ما بعد القرار لن يكون كما بعده، ليس فقط لأنّ إسرائيل باتت في "عزلة"، ولكن أيضًا لأنّ الجميع بات يبحث عن "مَخرَج" ينهي الكابوس الذي ما عاد أحد قادرًا على تحمّله!
  المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

بيان مشترك للمنسقة الخاصة للأمم المتحدة ورئيس بعثة اليونيفيل: أمامنا الكثير من العمل الشاق لتحقيق الالتزامات التي تمّ التعهد بها

صدر بيان مشترك للمنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس-بلاسخارت ورئيس بعثة اليونيفيل وقائدها العام الجنرال أرولدو لاثارو جاء فيه: "يصادف اليوم نهاية الفترة المحددة لانسحاب الجيش الإسرائيلي الى جنوب الخط الأزرق وانتشار القوات المسلحة اللبنانية بشكلٍ موازٍ في مواقع في جنوب لبنان، كما نصّ عليه تفاهم وقف الأعمال العدائية بتاريخ 26 تشرين الثاني 2024."

وأضاف البيان: أي تأخير آخر في هذه العملية يناقض ما كنا نأمل حدوثه، ولا سيما أنه يشكل انتهاكاً مستمراً لقرار مجلس الأمن الدولي 1701 (2006). ومع ذلك، لا ينبغي لهذا الأمر أن يحجب التقدّم الملموس الذي تم إحرازه منذ دخول التفاهم حيّز التنفيذ في أواخر تشرين الثاني ، فقد انسحب الجيش الإسرائيلي من المراكز السكانية في جنوب لبنان، وانتشرت القوات المسلحة اللبنانية في ظروف صعبة، ودعمت عودة المجتمعات المحليّة وعملت على استعادة الخدمات الأساسية. وفي الوقت نفسه، فإن الرئيس اللبناني الجديد والحكومة عازمون على بسط سلطة الدولة بشكل كامل في كل المناطق في الجنوب وتعزيز الاستقرار لمنع عودة النزاع إلى لبنان، وهم يستحقون الدعم الثابت في هذا المسعى."

 
وتابيع البيان: "لا يزال أمامنا الكثير من العمل الشاق لتحقيق الالتزامات التي تمّ التعهد بها في تفاهم تشرين الثاني ، وفي القرار 1701. إننا ندعو الطرفين إلى الوفاء بالتزاماتهما. إن الشعور بالأمان بين سكان جنوب لبنان، الذين يعانون من الدمار الواسع النطاق الذي لحق بقراهم وبلداتهم، وكذلك بين سكان شمال إسرائيل الذين اضطروا إلى مغادرة منازلهم، لن يتأتى بين عشية وضحاها، ولا يمكن أن يأتي من استمرار العمليات العسكرية. بل إن الالتزام السياسي المستدام هو السبيل الوحيد للمضي قدماً."

وختم البيان: "في نهاية المطاف، يتعيّن على لبنان وإسرائيل أن يجعلا الحلول التي نصّ عليها التفاهم الذي تم التوصل إليه في تشرين الثاني والقرار 1701 حقيقة واقعة، وذلك على جانبي الخط الأزرق. والأمم المتحدة في لبنان على استعداد لمواصلة دعم كل الجهود في هذا الاتجاه."


مقالات مشابهة

  • العميد خالد حمادة: النقاط التي تحتفظ بها إسرائيل في جنوب لبنان ذات أهمية إستراتيجية
  • ترويكا الحكم تجتمع استثنائيا: هذا احتلال ومن حق لبنان اعتماد كل الوسائل لانسحاب العدو
  • الترويكا مع تحرير بقية الأرض بالدبلوماسية
  • التلال الـ5 التي تحتلها إسرائيل.. هذا ما يجب أن تعرفه عنها
  • خبير عسكري: بقاء إسرائيل في جنوب لبنان يعني تطبيق 1701 على حزب الله فقط
  • خبير عسكري يوضح تأثير النقاط التي لن ينسحب منها الاحتلال جنوب لبنان
  • بيان مشترك للمنسقة الخاصة للأمم المتحدة ورئيس بعثة اليونيفيل: أمامنا الكثير من العمل الشاق لتحقيق الالتزامات التي تمّ التعهد بها
  • تعرف على المواقع التي رفض الاحتلال الانسحاب منها جنوب لبنان (شاهد)
  • الحكومة اقرت البيان الوزاري: احتكار الدولة للسلاح وتنفيذ القرار 1701
  • مجلس الأمن الدولي يوافق على تمديد ولاية فريق الخبراء بشان السودان .. امتناع الصين وروسيا