مقال بموقع بريطاني: هذه طريقة محاسبة إسرائيل على تعذيب الفلسطينيين
تاريخ النشر: 28th, March 2024 GMT
ترى سماح جبر، وهي طبيبة ورئيسة وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة الفلسطينية، أنه وسط تصاعد حالات تعذيب الفلسطينيين منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، هناك حاجة ملحة إلى قيام المتخصصين في مجال الصحة بتوثيق مثل هذه الفظائع بشكل صحيح.
وذكرت -في مقال نشره موقع ميدل إيست آي البريطاني- أن التعذيب لا يزال حقيقة منتشرة في فلسطين، حيث عانى عدد لا يحصى من الأفراد من صدمات جسدية ونفسية لا توصف على أيدي قوات الاحتلال.
ولفتت جبر إلى أن هذه كانت مشكلة خطيرة، بشكل خاص منذ بدء حرب غزة، حيث أخبر الفلسطينيون الموقع البريطاني أنهم تعرضوا للتعذيب الجسدي باستخدام الكلاب والكهرباء، ولعمليات إعدام وهمية، والاحتجاز في ظروف مهينة ومذلة.
ووصف أحدهم طريقة تقييده وتعصيب عينيه واحتجازه في قفص معدني طوال 42 يوما.
وأضافت الطبيبة أن مثل هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان تستلزم اتباع نهج شامل، بما في ذلك تطوير المهارات المتخصصة لأخصائي الرعاية الصحية المكلفين بتوثيق وعلاج الناجين.
توثيق التعذيب
وأشارت إلى أنها بحكم تدربها في بروتوكول إسطنبول لتوثيق التعذيب، كرست نفسها لتزويد زملائها المحترفين بالأدوات اللازمة للتنقل عبر هذه التضاريس الصعبة.
ومع استمرار تصاعد العنف -مع عدم اقتصار التعذيب على مراكز الاحتجاز، بل معاينته أيضا في شوارع الأراضي الفلسطينية المحتلة وتسجيله بالفيديو- أصبح لزاما أكثر من أي وقت مضى تعزيز قدرات العاملين في مجال الصحة على توثيق مثل هذه الانتهاكات، وبالتالي تضخيم أصوات الناجين في سعيهم لتحقيق العدالة.
وألمحت جبر إلى أن العناصر الرئيسية للتعذيب تشمل تعمد إلحاق معاناة نفسية أو جسدية شديدة لغرض محدد، بمشاركة شخص يتصرف بصفة رسمية.
واعتبرت الارتفاع الكبير في عدد حالات التعذيب منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول بمثابة تذكير صارخ بالحاجة الملحة لتوثيق هذه الفظائع ومحاسبة مرتكبيها أمام المجتمع الدولي.
وأفاضت في وصف أنواع التعذيب النفسي والجسدي التي يمارسها المحققون الإسرائيليون من خلال الإهانة والتلاعب الممنهج بما يقوض إحساس الضحية بذاته وقدرته على التعبير عن محنته بشكل متماسك.
وبعد فترة من التئام الجروح الجسدية، يواجه الناجون عددا لا يحصى من العواقب النفسية، بما في ذلك اضطراب الإجهاد الناتج عن الصدمة والاكتئاب وانعدام الثقة العميق في الآخرين.
وعلقت بأنه في مواجهة مثل هذه الانتهاكات البغيضة لحقوق الإنسان، يقدم "بروتوكول إسطنبول" إطارا موحدا لتوثيق التعذيب يرتكز على التعاطف والكرامة الإنسانية.
ومن خلال تزويد المختصين في الرعاية الصحية بالمهارات والمواد اللازمة، يمكننا تمكين الناجين من استعادة السيطرة على رواياتهم وتوصيل أصواتهم إلى العالم في السعي لتحقيق المساءلة والإنصاف.
وختمت بقولها " وبينما نسعى جاهدين لمكافحة التعذيب ودعم حقوق الضحايا، دعونا نقف متضامنين مع الناجين، ونشهد على آلامهم وندعو بلا كلل إلى مستقبل خال من الاضطهاد والإفلات من العقاب".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات ترجمات ترجمات مثل هذه
إقرأ أيضاً:
رحلة البحث عن 150 ألف سوري في “أرخبيل التعذيب”
يمن مونيتور/ بلومبيرغ
جلست فاتن رمضان على سرير في شقتها تشاهد فيديوهات على هاتفها المحمول واحدًا تلو الآخر لرجال منهكين ومُبللين بالدموع يتم تحريرهم من السجون في حماة بعد سيطرة الثوار على المدينة السورية.
اظهر أحد المقاطع لفترة وجيزة رجلًا يرتدي نظارة، بثوب بني تقليدي وسترة رمادية ثم أعادت تشغيله مرات عدة للتأكد قبل ان تصيح “أبي، أبي، أبي ما زال حيًا!”.
بينما يحاول السوريون استيعاب نهاية نظام استمر لأكثر من 50 عامًا، يسعون لفهم كل شيء، بدءًا من من سيحكم البلاد وصولًا إلى مكان ثروة عائلة الأسد، لكن لا قضية أكثر حساسية من مصير عشرات الآلاف من الأشخاص الذين اختفوا على يد أجهزة الأمن التابعة لبشار الأسد وأبيه حافظ من قبله.
بالنسبة لرمضان، البالغة من العمر 39 عامًا والتي تم اعتقالها وتعذيبها في عام 2013، فإن هدفها هو معرفة ما حدث لوالدها، محمد، فقد تم اعتقاله قبل عقد من الزمن وأُعلن لاحقًا وفاته، رغم أن جثمانه لم يُسلَّم أبدًا.
تحطمت فرحة ابنة محمد رمضان عندما اتصل بها الرجل الذي ظهر في الفيديو من سوريا ليخبرها أنه ليس الشخص الذي ظنت هي ووالدتها وشقيقاتها أنه قد يكون، ومع ذلك، عاد بصيص الأمل مرة أخرى بعد أن سيطر الثوار على دمشق، واندفع الناس نحو سجن صيدنايا سيئ السمعة شمال العاصمة للبحث عن أحبائهم.
اظهر أحد مئات الفيديوهات التي وثّقت اقتحام صيدنايا أسماء مدينتها ووالدها وشقيقها أنور — الذي اعتقل أيضًا وأُعلن وفاته على الورق فقط من قبل النظام — محفورة على جدران زنزانة في السجن.
قالت رمضان، وهي طبيبة حصلت على حق اللجوء في فرنسا عام 2020، عبر الهاتف من مدينة روان: “سأواصل البحث عن أبي وكل مفقود”، وأضافت وهي التي فقدت زوجها وابنتها في الحرب الأهلية السورية : “أريد أن أجمع كل الأدلة لمحاسبة المجرم بشار وضباطه وشبيحته”.
وصفت منظمة هيومن رايتس ووتش الشبكة المعقدة لأجهزة الأمن التابعة لعائلة الأسد بأنها “أرخبيل التعذيب”، حيث كانت هذه الأجهزة تدير أو تسيطر على أكثر من 100 مركز اعتقال في جميع أنحاء سوريا، تعتقل وتعذب بشكل تعسفي معارضي النظام ومنتقديه.
كما تورطت تلك الأجهزة في نظام حكومي “لمعالجة وإخفاء الأعداد المتزايدة من المحتجزين الذين قتلوا أثناء الاعتقال”، وفقًا لتقرير صدر في 6 ديسمبر عن الآلية الدولية المحايدة والمستقلة، وهي جهة أنشأتها الأمم المتحدة لجمع الأدلة على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في سوريا.
ستحدد مسالة محاسبة النظام ما إذا كانت الفصائل المتحاربة والطوائف والعرقيات المختلفة في سوريا ستتصالح مع الماضي أو تغرق في دورة جديدة من الانتقام.
وتمتلك الدول الأوروبية ودول الشرق الأوسط، التي واجهت موجات من اللاجئين وهجمات إرهابية سابقة مرتبطة بسوريا، مصلحة مباشرة في استقرار هذه الدولة ذات الموقع الاستراتيجي في شرق البحر الأبيض المتوسط.
يقول فضل عبد الغني، مؤسس ورئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، التي حققت في الفظائع وجمعت بيانات تتعلق بالحرب الأهلية السورية المستمرة منذ 13 عامًا ونصف: “ملف المفقودين هو قضية هائلة معقدة تضم العديد من العوامل والمتغيرات”.
من الصعب معرفة عدد الأشخاص الذين اختفوا، لكن تقديرًا حديثًا للجنة الدولية للمفقودين وضع العدد عند حوالي 150,000 شخص.
قدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن هناك ما لا يقل عن 160,000 شخص تعرضوا للاعتقال التعسفي والاختفاء القسري منذ مارس 2011، عندما قمع الأسد الاحتجاجات السلمية ضده، مما أشعل حربًا متعددة الطبقات شارك فيها أطراف داخلية وخارجية، وحتى أغسطس الماضي.
لكن ليس جميعهم عانوا على يد نظام الأسد، فمن بين هؤلاء، حوالي 87% اعتقلهم النظام، بينما البقية احتجزتهم أطراف أخرى منخرطة في النزاع، بما في ذلك هيئة تحرير الشام، الفرع السابق لتنظيم القاعدة، التي قادت الإطاحة بالأسد وسيطرت على دمشق.
ويقدّر فضل عبد الغني أن حوالي 31,000 شخص أُطلق سراحهم منذ أن بدأ الثوار هجومهم الخاطف الشهر الماضي.
ومع اكتشاف المزيد من السجون المؤقتة والمقابر الجماعية، سيكون العدد الإجمالي للمعتقلين والمفقودين أعلى في النهاية.
في بداية الصراع، كان يُعتقد أن النظام يتبع منهجية لدفن جثث من أُعدموا شنقًا في السجون، أو عُذبوا حتى الموت، أو أُعدموا خلال مداهمات مناطق المعارضة، إضافة إلى الجنود الذين عصوا الأوامر، في مقبرة واقعة على طريق مطار دمشق الدولي.
لكن رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا وغيرها من الجهات استخدمت صور الأقمار الصناعية لتوثيق التوسع السريع في موقعين آخرين شمال العاصمة.
يقول دياب سريّة، المؤسس المشارك للرابطة وسجين سابق في صيدنايا: “ريف دمشق عمليًا أصبح مقبرة جماعية كبيرة”.
ويخشى سريّة، المقيم في تركيا ولديه فريق يعمل على الأرض في سوريا، أن تضيع بعض الأدلة وسط الفوضى أثناء بحث الناس عن أقاربهم وأصدقائهم.
في شقتها في برلين، شاهدت فدوى محمود المشاهد من صيدنايا بصدمة، فهي تبحث عن ابنها ماهر وزوجها عبد العزيز الخير.
كان الخير معارضًا قديمًا لعائلة الأسد، وقد سُجن على يد حافظ الأسد في التسعينيات، ثم أُطلق سراحه من قبل بشار في عام 2005، ليعاد اعتقاله مرة أخرى في عام 2012.
اعتُقل الخير مع شخصين آخرين فور وصولهم إلى مطار دمشق بعد زيارة إلى بكين، ولم يُسمع عنهم شيء منذ ذلك الحين.
تقول فدوى “هذه القضية تهم كل سوري”، ثم اضافت “إنها في صميم الحقيقة والعدالة التي نتوق جميعًا إليها”.
بعد اقتحام سجن صيدنايا، توجهت أُمية خنشو، الناشطة المعارضة ومنظمة الاحتجاجات من مدينة دوما قرب دمشق، إلى المساجد التي نُقل إليها المعتقلون المحررون وإلى مشارح المستشفيات التي أودعت فيها جثث الموتى، بحثًا عن “أصدقاء الثورة”.
تم اعتقالهم جميعًا في السنوات الأولى للانتفاضة وأُفرج عنها لاحقًا، لكنهم اختفوا.
وقالت خنشو، البالغة من العمر 51 عامًا: “هم بالتأكيد ماتوا لأن النظام كان انتقاميًا بشكل خاص تجاه دوما، لكن الناس ما زالوا يريدون إغلاق هذا الملف”.
يقول مالك سليم، الموظف المدني، إنه يشعر بنشوة لرؤية النظام يسقط بعد معارضته سرًا لعقود.
ولكنه يخشى كسوري علوي مثل عائلة الأسد، من العقاب لأن أجهزة الأمن كانت تتألف إلى حد كبير من أفراد من الطائفة ذاتها.
فقد سليم شقيقه وابن أخيه عندما شن مسلحون إسلاميون، بما في ذلك جبهة النصرة، السلف لهيئة تحرير الشام، هجوما عنيفا على قريته وبلدات أخرى قريبة في أغسطس/آب 2013، ولا يزال العديد من القتلى الذين بلغ عددهم نحو 200 شخص والمختطفين الذين تجاوز عددهم 100 شخص في عداد المفقودين حتى يومنا هذا.
وقال سليم: “نحن أيضا نتألم”.