قصة سورة البقرة وسبب نزولها.. فيها أغرب موقف قد يحدث من ميت
تاريخ النشر: 28th, March 2024 GMT
لعل قصة سورة البقرة وسبب نزولها أحد أسرار سورة من أعظم السور القرآنية، التي فيها حل لكل ما قد يواجه الإنسان من مشاكل، ففضلها العظيم المعلوم للجميع هو ما يثير الفضول حول قصة سورة البقرة وسبب نزولها، التي لا يعرفها كثيرون، فإن كنت على علم بفضائل سورة البقرة للسحر والرزق والزواج والحفظ وما نحوها، أو حتى لو كنت على علم بأسمائها، لا شك أنه لا يزال هناك أكثر لم تعرفه بعد عنها، من بينها قصة سورة البقرة وسبب نزولها، فإذا كانت أسماء سورة البقرة توضح فضائلها، ومن خلالها نستدل على أسرار هذه السورة العظيمة لكنها في الوقت ذاته تثير التساؤل عن قصة سورة البقرة وسبب نزولها، ولعل عظمتها ومكانتها وكثرة ما فيها من أحكامٍ ومواعظ هو ما يزيد التساؤل عن قصة سورة البقرة تلك.
جاء في قصة سورة البقرة أنه لم ترد قصة بقرة بني إسرائيل إلا في سورة البقرة، قصة بقرة بني إسرائيل رُوِي أنَّ رجلًا من بني إسرائيل قُتِل، فاختلف النّاس في القاتل، وحتى يستدلّوا على القاتل أمرهم الله سبحانه عزَّ وجلّ عن طريق الإيحاء لنبّيهم موسى عليه السّلام أن يذبحوا بقرةً، ولم يَذكر لهم مواصفات البقرة تخفيفًا عليهم، ثم يضربوا ببعض تلك البقرة بأي جزء منها ذلك الميت، فإن ذلك الميت سيتكلّم بأمر الله ويُخبِر بمن قتله، فأخبر موسى عليه السّلام بني إسرائيل بذلك، قال الله عزَّ وجلّ: «وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً».
وقد جاء ذكر البقرة هنا نكرةً، فخفّف الله عليهم وشدّدوا هم على أنفسهم: «قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ»، والمقصود هنا السّؤال عن سنّها، فبدأ الاشتراط من هنا لسؤالهم: «قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ» ليست مُفرطةً في السنّ ولا صغيرة، «عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ» أي: بين هذين السِنَّين، وهنا شدّدوا على أنفسهم مرّةً أخرى بسؤالهم عن لونها مع عدم اشتراطه للونٍ مُعيّن.
وقال تعالى: «قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا»، فلما أجابهم عن لونها وعمرها سألوه عن وصفها بقولهم: «قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ»، غير مُذلّلة في الحراثة والسّقاية، تحرث أحيانًا وأحيانًا لا تحرث، نصف في كل شيء: في سنها، وفي كونها تُثير الأرض حينًا لكنّها لا تسقي الحرث، يعني: تعمل شيئًا وتترك أشياء، فليس هناك عيب فيها، وقيل: ليس هناك لون يُداخل الصّفار الذي فيها «مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ».
واختلف العلماء في قوله: «وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ» هل هي عائدة على أنّهم تعبوا ووجدوا مشقّةً في الحصول عليها؟ أم أنهم كأنّما أُكرِهوا على هذا الأمر إكراهًا بدليل كثرة سؤالهم واعتراضهم على نبيّهم؟ وعندما فعلوا ما أمرهم الله به وذبحوا البقرة ثم أخذوا جزءًا منها ورموه على جثّة القاتل فنطق بقدرة الله وذكر لهم من القاتل، حيث كان منهم «وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا»، فكشف الله كذبهم وقتلهم لنفسٍ بغير وجه حقّ، وفوق كل ذلك سترهم على القاتل وادعائهم بالباطل عدم المعرفة وإلباس التّهمة لبريءٍ لا ذنب له.
أسباب نزول سورة البقرةنزلت آيات سورة البقرة مُتفرّقةً، ولكل آية أو مجموعة من الآيات سبب خاصّ لنزول سورة البقرة ، ومن هذه الأسباب: قال الله عزَّ وجلّ: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)؛ سبب نزول هذه الآية قول اليهود بعد تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة أنَّ محمداً يأْمر أصحابه بشيء ثم يناهم عنه، وهذا يعني أنّه يناقض بعضه بعضاً.
قال الله عزَّ وجلّ: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ...)؛ سبب نزول هذه الآية أنَّ مجموعة من كبار اليهود قالوا للمسلمين (بعد غزوة أُحُد): ألم تنظروا إلى ما أصابكم وما حلَّ بكم؟ فلو كنتم على الحق لما هُزمتم، فارجعوا إلي ديننا هو خير لكم. قال الله عزَّ وجلّ: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ ... )؛ سبب نزول هذه الأية أنَّه لما جاء وفد نجران (المسيحيّ) إلى رسول الله عليه الصّلاة والسّلام وجاءهم أحبار اليهود، فحدثت مُناظرةٌ بينهم وارتفعت أصواتهم، وقال كل فريق منهم للآخر: لستم على شيء.
قال الله عزَّ وجلّ: ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ...)؛ وسبب نزول هذه الأية: نزلت في مشركين مكّة لأنّهم منعوا رسول الله عليه الصّلاة والسّلام عام الحُديبية من دخول المسجد الحرام، و قال الله عزَّ وجلّ: (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ)؛ سبب نزول هذه الأية أنّ كُفّار قريش طلبوا من النبيّ عليه الصّلاة والسّلام وصف لربِّه عزَّ وجلّ.
قال الله عزَّ وجلّ: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ)؛ سبب نزول هذه الآية: أنَّ الصحابيين معاذ بن جبل وثعلبة بن غنم قالا لرّسول الله عليه الصّلاة والسّلام: ما بال الهلال يبدو دقيقاً مثل الخيط، ثم يزيد حتى يصبح عظيماً ويستوي، ويستدير، ثم لا يزال ينقص، ويدقّ حتى يعود كما بدا، لا يكون على حالة واحدة؟.
قال الله عزَّ وجلّ: (وقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)؛ سبب نزول هذه الآية أنّ المُشركين منعوا رسول الله عليه الصّلاة والسّلام في عام الحُديبية، وصالحوه على أن يرجع عَامَهُ القادم فيطوف بالبيت ويفعل ما شاء، فلما جاء الموعد تجهّز رسول الله عليه الصّلاة والسّلام وأصحابه لعمرة القضاء، فخاف الصّحابة ألا تفي لهم قريش بذلك وأن يمنعوهم عن المسجد الحرام ويقاتلوهم.
قال الله عزَّ وجلّ: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ...)؛ سبب نزول هذه الآية أنَّ النبيّ عليه الصّلاة والسّلام بعث مجموعةً من الصّحابة بقيادة عبد الله بن جحش إلى نخلة، فقال: (كن بها حتى تأتينا بخبر من أخبار قريش، ولم يأمره بقتال، وكتب له كتاباً قبل أن يُعلمه أين يسير، فقال: اخرج أنت وأصحابك، حتى إذا سِرت يومين فافتح الكتاب وانظر فيه، فما أَمرتك به فامض له ففعل)، فإذ فيه أمرهم بالنّزول بنخلة والحصول على أخبار قريش، فتوجّه بأصحابه نحو نخلة، فلقوا نفراً من قريش فقتلوا أحدهم، وأسروا اثنين منهم، وأخذوا عِيرهم وعادوا إلى المدينة فلما قدموا على رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- قال لهم: والله ما أمرتكم بقتال في الشّهر الحرام.
قال الله عزَّ وجلّ : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا ...)؛ سبب نزول هذه الآية: لما نزلت الآية (217) من سورة البقرة اطمأنّ عبد الله بن جحش ومن معه إلى أنّهم لم يرتكبوا إثماً في قتال المشركين في الشّهر الحرام، وظنّ بعضهم أنّ الآية نفت عنهم الإثم فقط، فقالوا: إن لم يكونوا أصابوا وزراً فليس لهم أجر. فقال عبد الله بن جحش ومن معه: يا رسول الله، أَنطمع أن يكون لنا غزوة نُعْطَى فيها أجر المجاهدين؟.
قال الله عزَّ وجلّ : (وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ...)؛ سبب نزول هذه الآية أنَّ عبد الله بن رواحة كانت له أَمةٌ سوداء وأنّه غضب عليها فلطمها، ثم إنّه فزع فأتى النبيّ عليه الصّلاة والسّلام فأَخبره خبرها، فقال له النبي عليه الصّلاة والسّلام: ما هي يا عبد الله؟ فقال هي يا رسول الله تصوم وتُصلّي، وتُحسن الوضوءَ، وتشهد أن لا إله إلا الله وأنّك رسول الله، فقال: يا عبد الله، هي مُؤمنة. قال عبد الله: فوالذي بعثك بالحق نبيّاً لأعتقنها ولأَتزوجها، ففعل.
قال الله عزّض وجلّ: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى ...)؛ سبب نزول هذه الآية أنّ اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم أخرجوها من البيت، ولم يأكلوا معها ولم يشربوا معها ولم يجامعوها في البيوت، أي لم يكونوا معهنّ في البيوت، فسُئل رسول الله عليه الصّلاة والسّلام عن ذلك، فأنزل الله هذه الآية. قال الله عزّ وجلّ : ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَاتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ...)؛ سبب نزول هذه الآية أنَّ اليهود قالت: أنّه إذا أتى الرّجل امرأته من خلفها في قبلها (أي في فرجها ) ثم حملت، جاء الولد أحوْل، فنزلت هذه الآية.
قال الله عزّوجلّ: (وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ ..)؛ سبب نزول هذه الآية في أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه لَمَّا حلف أَلَّا يُنفق على مُسطح ابن خالته، وكان من الفقراء المهاجرين، حين وقع في إفك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. قال الله عزَّ وجلّ: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ...)؛ سبب نزول هذه الآية أنَّ معقل بن يسار كانت له أُخت، فجاءه ابن عم لها فأنكحها إياه، فكانت عنده ما كانت، ثم طّلقها تطليقةً ولم يُراجعها حتى انقضت عدّتها، فَهَوِيَهَا وَهَوِيَتهُ ثم خطبها مع الخُطَّاب، فقال له معقل: يا لكع، أكرمتك بها وزوجتكها، ثم طلقتَها، ثم جئتَ تخطبها، والله لا ترجع إليك أبداً. وكان رجلاً لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فعلم الله حاجته إليها، وحاجتها إلى بعلها.
قال الله عزَّ وجلّ: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ... )؛ سبب نزول هذه الآية أنَّ عثمان بن عفّان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما، عندما حثَّ رسول الله عليه الصّلاة والسّلام النّاس على الصّدقة -حين أراد الخروج إلى غزوة تبوك- جاءه عبد الرّحمن بن عوف بأربعة آلاف، وقال: أقرضتها لربي. فقال رسول الله عليه الصّلاة والسّلام: بارك الله لك فيما أمسكت، وفيما أعطيت.
وقال عثمان: يا رسول الله، عليَّ جهازُ مَنْ لا جهاز له. قال الله عزَّ وجلّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ...)؛ سبب نزول هذه الآية أنّ النبيّ عليه الصّلاة والسّلام أمر بزكاة الفطر، فجاءَ رجل بتمر رديءٍ ليُخرجه زكاةً.
سورة البقرةتُعدّ سورة البقرة أطول سورة في القرآن الكريم، عدد آياتها 286 آيةً، وترتيبها في المُصحف الثّانية بعد سورة الفاتحة، نزلت بالمدينة، بل تُعدّ أوّل سورة نزلت بالمدينة باستثناء الآية «وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ» إذ نزلت في حجّة الوداع، فهي آية مكيّة.
وورد أن سورة البقرة لها فضلٌ وثواب كبير، وهي ذات أهميّة كبيرة، وتحوي العديد من الأحكام إلى جانب آيات الرّقية، وكغيرها من السّور المدنيّة تناولت سورة البقرة التّشريع الإسلاميّ المُنظِّم لحياة المسلمين في نطاقَي العبادات والمُعاملات، من إقامة الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وأحكام الجهاد، والحدود وغيرها الكثير ممّا يُنظّم حياة الفرد المسلم والجماعة، وذَكَرت السّورة أحوال المُنافقين وصفاتهم، وكذلك صفات الكفّار وأحوالهم.
وممّا يُميّز سورة البقرة عن غيرها من السّور الكريمة وجود أطول آيةٍ في القرآن الكريم في ثناياها، وهي آية الدَّين التي بيّنت أحكام الدَّين في الإسلام، وكذلك اشتمالها على آية الكرسي التي هي أعظم آية في القرآن الكريم.
ولأن سورة البقرة ذات منزلة عظيمة، ولكثرة احتوائها على الأحكام والمواعظ، أُطلق عليها اسم فُسطاط القرآن، ولقد جاء فضل سورة البقرة في العديد من الأحاديث النبويّة الشّريفة، منها: قال رسول الله عليه الصّلاة والسّلام: «لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة»، وقال رسول الله عليه الصّلاة والسّلام: «اقْرَؤوا القرآنَ؛ فإنه يأتي يومَ القيامةِ شفيعًا لأصحابه. اقرَؤوا الزَّهرَاوَين: البقرةَ وسورةَ آلِ عمرانَ؛ فإنهما تأتِيان يومَ القيامةِ كأنهما غَمامتانِ، أو كأنهما غَيايتانِ، أو كأنهما فِرْقانِ من طيرٍ صوافَّ تُحاجّان عن أصحابهما. اقرَؤوا سورةَ البقرةِ؛ فإنَّ أَخْذَها بركةٌ، وتركَها حسرةٌ، ولا يستطيعُها البَطَلَةُ. قال معاويةُ: بلغني أنَّ البطلَةَ السحرةُ».
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: سورة البقرة البقرة بنی إسرائیل قال الله عز عبد الله بن الس لام على أن ل سورة وا على
إقرأ أيضاً:
4 أوقات يحرم فيها الجماع .. واحذر هذا التوقيت كفارته «4 جرامات ذهب»
هل هناك أوقات يحرم فيها الجماع شرعا؟ أباح الله تعالى الزواج، وخلق لنا من هذه الدنيا أزواجًا نسكن إليها، وجعل المودة والرحمة دوحة نستظل بها، والحقوق الزوجية عظيمة ويترتب عليها أمورٌ مهمة، قال الله تعالى: «وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا» (سورة النساء:19)، والزوجة أمانة عند زوجها، وسيسأل عنها يوم القيامة، هل أديت حقوقها أم فرطت وضيّعت.
أوقات يحرم فيها الجماع شرعا
حدد القرآن الكريم 4 أوقات يحرم فيها شرعا الجماع بين بين الزوجين -الرجل وزوجته-، وهي:-
أولاً: هو وقت نهار رمضان منذ طلوع الفجر الصادق حتى وقت أذان المغرب، لقوله تعالى: «أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنّ» (البقرة: آية 187) والرفث: هو الجماع ومقدماته.
ثانيًا: عند الاعتكاف لقوله تعالى «وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ» (سورة البقرة: آية 187).
ثالثًا: هو وقت الحيض عند المرأة، لقوله تعالى: «وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ» (البقرة: آية 222).
كفارة الجماع في فترة الحيض وقوع الجماع فترة الحيض له حالتان: أولا: إما أن يقع نسيانا أو خطأ بأن يغلب على ظن الزوجة أنها قد طهرت، والحقيقة أنها ليست كذلك، ففي هذه الحالة يرجى أن لا يؤاخذ الله تعالى الزوجين به، فقد قال عليه الصلاة والسلام: «إن الله قد تجاوز عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه» رواه ابن ماجه. ولا يلزم الزوجين شيء في هذه الحالة.
ثانيا: أما إذا وقع الجماع من عامد مختار عالم بالتحريم، فالواجب حينئذ التوبة والاستغفار من هذه المعصية. يقول الخطيب الشربيني رحمه الله: "ووطء الحائض في الفرج كبيرة من العامد، العالم بالتحريم، المختار...» وهذا كماورد في كتاب "مغني المحتاج" (1/ 110).
ويستحب في هذه الحالة التكفير بإخراج قيمة دينار ذهب «أي وزن 4,25 جرام من الذهب الصافي عيار 24» إذا وقع الجماع أول الحيض، وبنصف دينار إذا وقع آخره.
يقول الإمام الرملي رحمه الله: "يستحب للواطئ -مع العلم وهو عامد مختار- في أول الدم تصدق ولو على فقير واحد بمثقال إسلامي من الذهب الخالص، أو ما يكون بقدره، وفي آخر الدم بنصفه" انتهى من "نهاية المحتاج" (1/ 332)، وفي الحالتين لا يجب على الزوجة الاغتسال من الجنابة، وإنما يكفي الاغتسال بعد الطهارة من الحيض عن الحدث الأكبر، كما يقول الإمام النووي رحمه الله: "لو اجتمع على المرأة غسل حيض وجنابة كفت نية أحدهما قطعا".
رابعًا: وقت الإحرام بالحج أو العمرة، لقوله تعالى: «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجّ» (البقرة: آية 197).
هل يجوز قضاء قيام الليل والوتر في النهار؟.. أمين الفتوى يوضحهل يجوز قراءة سورة يس أثناء دفن الميت.. دار الإفتاء تجيبهل يجوز ترديد آيات قرآنية في السجود؟.. دار الإفتاء تجيبهل يجوز للزوجة رفض المعيشة مع زوجها في الغربة؟.. أمينة الفتوى تجيب
هل يجوز الزواج أثناء الحج ؟
اتفق العلماء على أنه يجوز عقد النكاح في كل وقت إلا حال الإحرام بحج أو عمرة، ويجوز في كل مكان، ويجوز في أي حال إلا في وقت العدة المرأة المطلقة أو المتوفى عنها زوجها والحامل، ويجوز في حال الطهر، والحيض، سواء كانت بكرًا أم ثيبًا، وشدد الفقهاء على أنه لا يجوز التصريح بخطبة المعتدة، سواء كانت معتدة من طلاق رجعي أو بائن، أو في عدة وفاة
والمقصود بـ الإحرام : هو مصدر أحرم الرجل يحرم إحرامًا إذا أهل بالحج أو العمرة، وباشر أسبابهما وشروطهما ونوى أداء العبادة وأطلق النية: «لبيك اللهم حجًا أو عمرة»، وخلع المخيط -الملايس العادية-، وتجنب الأشياء التي منعه الشرع منها كالطيب والنكاح والصيد وغير ذلك.
معنى الإحرام في الحج أو العُمرة هو نية الدخول في النسك مقرونًا بعمل من أعمال الحج كالتلبية أوالتجرد، ويُخطئ كثير من الناس، حيث يعتقد البعض أن الإحرام هو التجرد من المخيط والمحيط فقط دون نية.
ويجوز الزواج أثناء الحج بعد التحلل من الإحرام، والتحلل نوعان، التحلل من الإحرام يعني الخروج منه، وحل ما كان محظورًا على الحاج وهو محرم، والنوع الأول من التحلل هو التحلل الأصغر: ويقصد به أن يفعل الحاج اثنين من ثلاثة أمور، وهي رمي جمرة العقبة يوم العيد، والحلق أو التقصير، وطواف الإفاضة مع السعي بين الصفا والمروة، فإذا رمى وحلق أو قصر، أو رمى وطاف وسعى إن كان عليه سعي، أو طاف وسعى وحلق أو قصر، فهذا هو التحلل الأول.
والنوع الثاني: التحلل الأكبر أن يفعل الحاج الأمور الثلاثة: الرمي، والطواف، والسعي إن كان عليه سعي، والحلق أو التقصير، فهذا هو التحلل الثاني.
فإذا فعل اثنين فقط من هذه المناسك لبس ثيابه المخيطة المعتادة التي كان يلبسها قبل سفره، وتطيب، وحل له كل ما حرم عليه بالإحرام، ما عدا الجماع، فإذا فعل الثالث حل له الجماع.
دليل حرمة الزواج في الحج أو العمرورد حديث صحيح عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يمنع عقد النكاح أثناء الإحرام بحج أو عمرة، فعن عُثْمَانَ رَضِي اللهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لَا يَنْكِحُ المُحْرِمُ، وَلَا يُنْكِحُ، وَلَا يَخْطُبُ» وَالْمُرَادُ بِهِ عَقْدُ النِّكَاحِ، وَالْحَدِيثُ هُنَا قَالَ: «لا يَنْكِحُ المُحْرِمُ»، أَيْ: لَا يَتَزَوَّجُ المُحْرِمُ، «وَلَا يُنْكِحُ»، أَيْ: لَا يُزَوِّجُ غَيْرَهُ، سَوَاءً كَانَ وَلِيًّا، أَوْ كَانَ وَكِيلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَلَّى عَقْدَ النِّكَاحِ، «وَلَا يَخْطُبُ»، وَالْخِطْبَةُ مُحَرَّمَةٌ، سَوَاءً خَطَبَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ.
وينبه الحديث على أنه لا يجوز للمحرم أن يعقد النكاح لنفسه ولا لغيره بالوكالة أو الولاية وهذا من محظورات الإحرام، أما في أيام التشريق بعدما يتحلل من إحرامه بفعل المناسك الثلاثة التي هي رمي جمرة العقبة وحلق الرأس وطواف الإفاضة والسعي معه فإنه يجوز له ذلك لأنه يباح له أن يستمتع بزوجته فكذلك يجوز أن يعقد النكاح.
وذكر الشافعية أنه إذا وقع العقد النكاح أثناء الإحرام وقبل التحلل كان باطلًا، فقال الشربيني رحمه الله في "مغني المحتاج" (4/ 258): "إحرام أحد العاقدين من ولي أو زوج أو وكيل عن أحدهما أو الزوجة بنسك - ولو فاسدا - يمنع صحة النكاح؛ لحديث: «المحرم لا ينكح ولا ينكح» رواه مسلم".
وذهب الأحناف إلى صحة عقد نكاح المحرم، وقالوا إنما يحرم الوطء «يعني الدخول والجماع»، كما جاء في كتاب "الاختيار" للموصلي: "يجوز أن يتزوج المحرم حالة الإحرام، لأن النبي عليه الصلاة والسلام «تزوج ميمونة وهو محرم». والمحظور الوطء ودواعيه، لا العقد، وهو محمل ما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام «نهى أن ينكح المحرم».
ورأى الأحناف أنه إذا حدث الدخول -بناء على صحة العقد عند الحنفية- فيجب ذبح شاة توزع في الحرم عن كل جماع عند أبي حنيفة، خلافا للصاحبين، قال في "الاختيار" (1/ 165): "إن جامع فيها -أي العمرة- بعد أربعة أشواط لم تفسد؛ لوجود الأكثر، وعليه شاة؛ لأنها سنة [يعني العمرة]". وقال ابن نجيم رحمه الله في "البحر الرائق شرح كنز الدقائق" (3/ 19): "لو جامع بعد ما طاف أربعة أشواط لزمه شاة، ولا تفسد عمرته؛ لأنه أتى بالركن"، وفي "الجوهرة النيرة" للحدادي (1/ 171): "من جامع في العمرة قبل أن يطوف لها أربعة أشواط أفسدها ومضى فيها وقضاها وعليه شاة، وإن جامع بعدما طاف لها أربعة أشواط فعليه شاة. ولا تفسد عمرته".
وقال جُمْهُورَ أَهْلِ العِلْمِ يَقُولُونَ: إِنَّ العقد فَاسِدٌ، بِمَعْنَى: أَنَّ آثَارَهُ لَا تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، فَلَوْ أَنَّهُ عَقَدَ عَلَى امْرَأَةٍ، نَقُولُ بِهَذَا العَقْدِ: لَا يَحِلُّ لَكَ فَرْجُهَا، وَلَيْسَتْ زَوْجَةً لَكَ، وَلَوْ مَاتَتْ لَمْ تَرِثْهَا؛ لِأَنَّهَا ليَسْتَ زَوْجَةً لَكَ، وَلَا تَكُونُ هُنَاكَ مَحْرَمِيَّةٌ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا، إِلَى آخِرِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا الزَّوَاجِ؛ لِأَنَّ هَذَا نِكَاحٌ فَاسِدٌ، وَهَذَا هُوَ رَأْيُ جُمْهُورِ العُلَمَاءِ، وَإِنَّمَا كَانَ فَاسِدًا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ، وَالنَّهْيُ مُتَوَجِّهٌ إِلَى ذَاتِ النِّكَاحِ، فَإِذَا تَوَجَّهَ النَّهْيُ إِلَى شَيْءٍ أَبْطَلَهُ.
واستدَلَّ جمهور العلماء عَلَى هَذَا بمَا ثَبَتَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، عَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي «مُوَطَّأ مَالِكٍ»: «لَمَّا تَزَوَّجَ أَبَا غَطْفَانَ المُرِّي امْرَأَةً، رَدَّ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ نِكَاحَهُ» يَعْنِي: أَبْطَلَهُ، وَثَبَتَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ فِي «سُنَنِ البَيْهَقِيِّ»، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَنْكِحُ المُحْرِمُ، فَإِنْ نَكَحَ رُدَّ نِكَاحَهُ» يَعْنِي: أُبْطِلَ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ مَقْبُولًا.
ورد جمهور العلماء على رأي الأحناف: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: ثَبَتَ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» فَلإن الجواب مِنْ عِدَّةِ أَوْجُهٍ، أَحَدُهَا: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمَّا قَالَ: «وَهُوَ مُحْرِمٌ»، ذَكَرَ جَمْعٌ مِنَ العُلَمَاءِ -وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَهِمَ فِيَ هَذَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ»، مِنْ حَدِيثِ يَزِيدِ بْنِ الأَصَمِّ -وَكَانَتْ مَيْمُونَةُ خَالَتَهُ وَخَالَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ مَيْمُونَةَ حَدَّثَتْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ».
وأوضح جمهور العلماء: فَيَزِيدُ بْنُ الأَصَمِّ يُخْبِرُ عَنْ قَوْلِ مَيْمُونَةَ صَاحِبَةِ القِصَّةِ وَالشَّأْنِ، وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَلَمْ يَنْقُلْ عَنْهَا وَإِنَّمَا أَخْبَرَ هُوَ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَهِمَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ، حَدِيثُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ إِرْسَالٌ بَيْنَ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، إِلَّا أَنَّهُ يَشْهَدُ لِحَدِيثِ مَيْمُونَةَ الَّذِي فِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ»، قَالَ: «تَزَوَّجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ حَلَالًا، وَبَنَى بِهَا حَلَالًا». أَيْ عَقَدَ عَلَيْهَا حَلَالًا، وَدَخَلَ بِهَا حَلَالًا، قَالَ: «وَكُنْتُ السَّفِيرَ بَيْنَهَا». أَيْ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَيْمُونَةَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- فِيهِ وَهْنٌ.
وتابع: وَالْأَمْرُ الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ لَيْسَ المُرَادُ أَنَّهُ مُحْرِمٌ، وَلَكِنَّهُ فِي الشَّهْرِ الحَرَامِ، أَوْ فِي البَلَدِ الحَرَامِ، والأَمْرٌ الثَالِثٌ، وَهُوَ: أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ العِلْمِ حَمَلَ زَوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الخُصُوصِيَّةِ، فَقَالَ: إِنَّ نِكَاحَ المُحْرِمِ مُحَرَّمٌ عَلَى الجَمِيعِ إِلَّا فِي حَقِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ: حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا الثَّابِتِ فِي «الصَّحِيحِ»: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ».
وَقَوْلُهَا: «وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ»(9)، هَذِهِ الجُمْلَةُ تُفِيدُنَا فِي بَابِ النِّكَاحِ فِي الإِحْرَامِ؛ لَأَنَّ الإِنْسَانَ إِذَا بَنَى بِالْمَرْأَةِ وَعَقَدَ عَلَيْهَا، كَانَ ذَلِكَ وَسِيلَةً إِلَى وَطْئِهَا، وَقَدْ لَا يَتَمَكَّنُ الإِنْسَانُ مِنْ مَنْعِ نَفْسِهِ مِنَ الوُقُوعِ فِي هَذَا المَحْظُورِ، وَهَذَا الأَمْرُ فِي حَقِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَأْمُونٌ، وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ غَيْرُ مَأْمُونٍ؛ فَلِهَذَا حَمَلَهُ بَعْضُ العُلَمَاءِ عَلَى الخُصُوصِيَّةِ، وَقَالَ: إِنَّهُ خَاصٌّ بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
لَكِنْ أَقْوَى الأَجْوِبَةِ: هُوَ الجَوَابُ الأَوَّلُ، وَهُوَ الَّذِي يَذْكُرُهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ.
ثُمَّ إِنْ تَعَارَضَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَرِوَايَةُ يَزِيدِ بْنِ الأَصَمِّ، فَالْعُلَمَاءُ عِنْدَهُمْ قَاعِدَةٌ: «إِذَا تَعَارَضَا تَسَاقَطَا»، ثُمَّ رُجِعَ إِِِلَى الأَصْلِ، وَالْأَصْلُ عِنْدَنَا حَدِيثُ عُثْمَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ عُثْمَانٍ نَصٌّ عَامٌّ فِي كُلِّ مُحْرِمٍ؛ لأنه قال: «لا يَنْكِح المحرم»، وَهَذَا لَفْظٌ عَامٌّ يَشْمَلُ جَمِيعَ المُحْرِمِينَ، لَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ أَحَدٌ إِلَّا بِنَصٍّ صَحِيحٍ صَرِيحٍ.
وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعَ حَدِيثِ يَزِيدِ بْنِ الأَصَمِّ فِي أَقَلِّ الأَحْوَالِ: أَنَّهُمَا تَعَارَضَا فَتَسَاقَطَا؛ فَيُرْجَعُ إِلَى الأَصْلِ، وَهُوَ حَدِيثُ عُثْمَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الَّذِي يَنْهَى المُحْرِمَ عَنِ النِّكَاحِِ.