نبهت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) إلى أن استمرار الحرب في أوكرانيا والحرب على غزة والصراع المحتدم في السودان لا يزال يخلق حالة من عدم اليقين في الاقتصاد العالمي واقتصادات المنطقة العربية، مما يؤدي إلى تباطؤ النمو.

الخرطوم ـ التغيير

ورد ذلك في أحدث نسخة من تقرير “مسح التطورات الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة العربية”، الذي تصدره (الإسكوا) سنويا.

ومع استقرار أسعار النفط والغاز عند مستويات معتدلة عام 2023، كان من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة العربية ليصل إلى 3.6% العام الحالي و4.2% العام المقبل، غير أن التوقعات الحالية تشير إلى انخفاض الناتج ليكون 3.3% عام 2024، وفقا للتقرير.

وبحسب التقرير، قفزت معدلات الفقر في البلدان العربية منخفضة الدخل وتلك المتضررة من الصراعات من 56% و45% في عام 2019 إلى حوالي 63% و50% العام الماضي. وتهدد الحرب على غزة بإغراق جميع سكان القطاع – أي حوالي 2.3 مليون فلسطيني – في فقر متعدد الأبعاد، سيطال دولة فلسطين بكاملها بالإضافة إلى لبنان.

في هذا السياق، أكد المشرف على فريق إعداد التقرير أحمد مومي أن الوضع في البلدان العربية المتأثرة بالنزاعات لا يزال غير واضح، تطغى عليه تداعيات الحرب على غزة والمخاوف الأمنية والانقسامات السياسية.

وحذر مومي من أن الحرب على غزة تُغرق القطاع في ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة، عمّت دولة فلسطين بأسرها، حيث يُتوقَع أن يدفع العدد الهائل من القتلى والجرحى والدمار الساحق البلد من 10 إلى 15 عاما إلى الوراء.

أما في البلدان مرتفعة الدخل، فمن المتوقّع أن ينخفض الفقر من 11.4% عام 2019 إلى 10.3% عام 2023 و9.7% العام المقبل. وتتماشى اتجاهات الفقر المتباينة هذه في المنطقة مع تفاقم عدم المساواة، إذ تشير المتوسطات إلى وضع سيء لأكثر من ثلث سكان المنطقة.
التضخم يشكل تحديا

وسلّط تقرير الإسكوا الضوء على معدل التضخم في المنطقة العربية الذي بلغ 12.3% عام 2023، مرجِّحًا أن يكون سببه التأثير السلبي على أسعار المواد الغذائية الأساسية التي تستوردها البلدان العربية، نتيجة توقف مبادرة البحر الأسود لنقل الحبوب من موانئ أوكرانيا.

وعلى الرغم من التوقع بتراجع معدل التضخم إلى حوالي 7.5% عام 2024 و6% عام 2025، يرى المسح أن التضخم لا يزال يمثل تحديا للمنطقة العربية، وأنّ احتواء آثاره السلبية يجب أن يكون من أولويات السياسات النقدية والضريبية في معظم الدول التي تعاني منه.
آفاق قاتمة

وذكر التقرير الأممي أن الصراع المتفاقم في السودان يجعل الآفاق الاقتصادية في المنطقة العربية غير واضحة وقاتمة إلى حد كبير، ويرجّح المسح أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي ليصل إلى سالب 3.8% في المتوسط في الفترة 2023-2025 بسبب ضيق الحيّز المالي في البلدان الأقلّ نموًا والظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة. ومع ذلك، فمن المتوقّع أن يتحسّن العجز المالي لينخفض من 3.2% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2023 إلى 2.6% في عام 2024 و2.3% في عام 2025.
معدلات البطالة

أما على الصعيد الاجتماعي، فإلى جانب ارتفاع معدلات الفقر، لا تزال المنطقة العربية تسجل أكبر فجوة بين الجنسين بين جميع مناطق العالم، حيث يقدّر التقرير أن الوقت اللازم لسدّ هذه الفجوة يفوق 150 عاما. هذا ويُقدّر معدّل البطالة في المنطقة بحوالي 11.6% في عام 2023، على أن ينخفض بشكل طفيف إلى 11.5% بحلول عام 2024. كذلك، يبلغ المعدل العام لبطالة الشباب حاليا 26.4%، بنسبة 22.2% للشبان و42% للشابات تقريبا، وفقا للتقرير.

الوسومالأمم المتحدة الإسكوا الاقتصاد السودان غزة

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الأمم المتحدة الإسكوا الاقتصاد السودان غزة

إقرأ أيضاً:

هل دخل السودان عصر الميليشيات؟

هناك أكثر من سردية لبداية الحرب في السودان، ومن هو صاحب المصلحة في إشعال الحرب، لكن السردية الحكومية الرسمية تقول إن ميليشيا «قوات الدعم السريع» تمردت على سلطة الدولة وحاولت الاستيلاء على السلطة، فاضطر الجيش للتصدي لها. لكن حتى من يقول بتلك السردية يعترف بأن «قوات الدعم السريع» تكونت في عهد حكومة الإنقاذ الإسلامية، وكانت مهمتها هي القيام بالأعمال التي لا يمكن للجيش أن يقوم بها، بخاصة في دارفور التي كانت مشتعلة. وصدر قانون «الدعم السريع» في ظل حكومة الإنقاذ، وتم السماح لها بالتمدد من ناحية العدد ونوعية التسليح حتى صارت تشكل خطراً حقيقياً، ثم جاء الفريق عبد الفتاح البرهان وعدّل قانون «الدعم السريع» ليمنحها مزيداً من الصلاحيات، ويعطيها قدراً من الاستقلالية عن القوات المسلحة السودانية.

إذا افترضنا حسن النية في كل ما حدث، إن كان ذلك ممكناً، فالطبيعي أن يتعلم الناس من التجربة، ويمتنعوا عن تكرارها، على الأقل في المستقبل القريب، ويتجهوا ناحية تقوية الجيش الرسمي، وإعادة تأهيله وتسليحه وتدريبه ليكون القوة الوحيدة الحاملة للسلاح، ولكن ما حدث عكس ذلك تماماً.

أعلنت الحكومة الاستنفار، وكان المفهوم هو قبول متطوعين من المدنيين للالتحاق بالجيش. وفعلاً بدأ هذا العمل في عدد من الولايات، لكن في الوقت ذاته ظهرت «كتيبة البراء بن مالك» التابعة للحركة الإسلامية، وبدأت من جانبها فتح باب التجنيد وسط الشباب، واتخذت لنفسها شعاراً وراية مختلفين، وأدبيات مستوحاة من تاريخ الحركة الإسلامية وفصائلها المسلحة في العهد الماضي، ثم أعلنت حركات دارفور المتحالفة مع الحكومة تخليها عن الحياد وانضمامها لصفوف الجيش، مع فتح معسكرات للتجنيد والتدريب داخل وخارج السودان، وبالتحديد في دولة إريتريا المجاورة، ثم ظهر نحو خمسة فصائل من شرق السودان فتحت معسكراتها في إريتريا وبدأت تخريج المتطوعين. وكان الملمح الظاهر لكل هذه المجموعات المسلحة، بما فيها حركات دارفور وشرق السودان، هو الطابع القبلي للحشد والتعبئة والتجنيد.

الاختلاف الوحيد ظهر في منطقة البطانة، شرق الجزيرة، وولايتَي سنار والنيل الأزرق، حيث ظهرت مجموعات مسلحة انضمت لـ«الدعم السريع»، بقيادة أبو عاقلة كيكل في منطقة البطانة، والبيشي في منطقة سنار، والعمدة أبو شوتال في النيل الأزرق. وبالطبع كان الطابع القبلي لـ«قوات الدعم السريع» أظهر من أن يتم إخفاؤه؛ فقد اعتمدت بشكل أساسي على القبائل العربية في ولايات دارفور.

كانت التحذيرات تتردد من دوائر كثيرة، ليست فقط بين المجموعات المدنية التي وقفت ضد الحرب، ولكن حتى من بين صفوف السلطة والقوات المسلحة، واتفقت كلها على أن تمرد ميليشيا لا يمكن محاربته بتكوين عشرين ميليشيا أخرى لا تخضع بشكل مباشر لسلطة القوات المسلحة، وإنما لسلطة القبيلة.

بعد الانقلاب الكبير الذي قاده أبو عاقلة كيكل في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، وانضمامه للقوات المسلحة مع قواته المسماة «درع السودان»، شنت «قوات الدعم السريع» حملات انتقامية على مدن وقرى منطقة البطانة وشرق النيل، وقتلت المئات من المدنيين، وشردت مئات الآلاف من قراهم، ونهبت متاجرهم وممتلكاتهم. ورغم السخط الكبير على كيكل باعتبار أنه كان مسؤولاً عن استيلاء «قوات الدعم السريع» على ولاية الجزيرة، فإنه استفاد من التعبئة القبلية في المنطقة وضاعف حجم قواته، واستطاع أن يحقق انتصارات كبيرة ضد «الدعم السريع».

مع تقدم الجيش وتحقيق الانتصارات سرعان ما بدأ صراع الفصائل يظهر على السطح، بخاصة من خلال صفحات «السوشيال ميديا»، بين مجموعات «القوات المشتركة» المكونة أساساً من حركات دارفور المسلحة، وقوات «درع السودان» التي تمددت في منطقتَي شرق وغرب الجزيرة حتى غطت على ما عداها، ومجموعات الكتائب الإسلامية التي أحست بوجود منافسة مبنية على الأساس القبلي والمناطقي تحد من تمددها في المناطق المختلفة. وتحولت الانتقادات إلى اتهامات بالفساد وارتكاب الجرائم والتصفيات، ووصلت لمرحلة تبادل اتهامات الخيانة والعمالة. وتزامن ذلك مع تبني البرهان وأركان الحكومة لما يُعرف بـ«خريطة الطريق» لمرحلة ما بعد الحرب، والتي أعدتها قوى سياسية ومسلحة متحالفة مع البرهان لم تشرك الحركة الإسلامية في إعدادها. وتضمن «الخريطة» للبرهان حكماً مطلقاً خلال فترة انتقالية قادمة، رأت فيها بعض الفصائل إنكاراً لدورها في الحرب.

الخطر الذي يخشاه السودانيون هو تحول هذه الصراعات الإسفيرية إلى صراعات ميليشيات مسلحة على الأرض، وهو ما بدا ظاهراً الآن؛ إذ تحول السودان إلى «كانتونات» تدخل البلاد في دوامة لا يعرف أحد حدودها وخطوط نهايتها.

فيصل محمد صالح
نقلا عن الشرق الأوسط  

مقالات مشابهة

  • ارتفاع صادرات الأردن إلى الاتحاد الأوروبي بـ4.4% في 2024
  • بنك القاهرة يحقق صافي أرباح تتجاوز 12 مليار جنيه خلال عام 2022
  • أسعار الذهب في البلدان العربية
  • عادل الباز يكتب: الخطة (ط): التطويق (1)
  • اختفاء 2000 شخص فى السودان منذ بدء الحرب
  • الهيئة الملكية لمدينة الرياض تربط حي السفارات بشبكة النقل العام عبر حافلات الرياض
  • السودان: حملات مكثفة لإزالة الجثث ومخلفات الحرب في شرق النيل
  • كيكل: الوحدة التي حدثت بسبب هذه الحرب لن تندثر – فيديو
  • هل دخل السودان عصر الميليشيات؟
  • السلاح والغذاء في حرب السودان