الثورة /

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.


الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
نستكمل الحديث عن يوم الفرقان (غزوة بدرٍ الكبرى)، التي كان لها تأثيرٌ كبيرٌ جداً في تاريخ المسلمين، ولها أهميةٌ كبيرة في صناعة فارقٍ كبير على مستوى تاريخ البشرية بشكلٍ عام، وكنَّا تحدثنا أمس بإيجازٍ واختصار، وعلى ضوء بعضٍ من الآيات المباركة، التي وردت بشأن ذلك في (سورة الحج، وسورة الأنفال)، ووصلنا إلى ما قبل الالتحام في القتال والمعركة، ونتحدث اليوم، لنقدم موجزاً ملخصاً عن مجريات المعركة، ثم نتحدث عن الدروس والعبر، التي نحن بحاجةٍ إليها؛ للاستفادة من هذا الحدث التاريخي العظيم.
عندما اصطف الطرفان للقتال في بدر، خرج ثلاثةٌ قبل البدء بالاشتباك من أبطال المشركين، هم: عتبة بن ربيعة، وأخوه شيبة، وابنه الوليد، وكان عتبة هو وأخوه وابنه أيضاً هم من الذين لهم دور أساسي في مكة، في الصد عن الإسلام، في محاربة الرسول “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه” بالحملات الدعائية، في تثبيط الآخرين وتخويفهم عن الالتحاق بالإسلام، وكما هو حال بعض البيوتات الأخرى في مكة، التي كانت تقوم بهذا الدور؛ فخرج ليبين مدى إخلاصه لقضيته، التي هي: الشرك والكفر، والصد عن سبيل الله، والحرب ضد الإسلام، خرج بأسرته (بأخيه، وابنه)، وفي المقابل أخرج رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم” علياً، وحمزة، وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب “رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِم”، لمبارزتهم، وبدأ القتال بين الطرفين، وكان هذا القتال له أهمية كبيرة جداً لما بعده، فالذين خرجوا من جهة المشركين من أبرز الشخصيات المهمة في صف المشركين، والذين خرجوا في صف المسلمين كذلك هم أبرز المجاهدين في صف المسلمين؛ ولذلك سيكون للنتيجة، للمبارزة فيما بين هؤلاء، أهمية وتأثير معنوي فيما بعده.
ولأهمية هذه المواجهة التي بدأت في مقدمة معركة بدر، وفي بداية الاشتباك، قبل الاشتباك العام، نزل قول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ}[الحج: من الآية19]، ليكون أولئك هم المصاديق الأولى لهذا الاختصام، ولهؤلاء المتخاصمين.
والشيء المؤسف في واقع البشرية هو هذا: أن يكون منهم من يتَّجه للصد عن سبيل الله، للكفر بنعم الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، للجحود بالحق الذي أتى من عند الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، لمحاربة الرسالة الإلهية، والوقوف ضدها، حينها يصبح الاختصام بهذا الشكل؛ بينما من الشرف الكبير لمن ينطلق وهو مناصرٌ لرسالة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، يقف في صف الحق، يؤيد توجيهات الله، يتبنى نهج الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” ويقف في صفه، يصبح هذا من الشرف الكبير جداً، ويصبح الخصام هذا كما قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ}، ثم تكون النتيجة نتيجة كبيرة في الدنيا والآخرة، نتائج وتداعيات وآثار وتبعات هذا الاختصام تمتد من عالم الدنيا إلى عالم الآخرة.
عندما حصلت المبارزة بين هؤلاء الذين خرجوا من صف المشركين، والثلاثة الذين خرجوا من صف المسلمين، كانت النتيجة انتصاراً مهماً للمسلمين، حيث قُتِل الثلاثة الأبطال الذين خرجوا من صف المشركين بكلهم: عتبة، وشيبة، والوليد، ومن جانب المسلمين استُشِهد عبيدة، فكان هذا له أثره الكبير في معنويات المسلمين من جهة، وتفاؤلهم بالنصر، وترسيخ ثقتهم بوعد الله الحق الذي لا يتخلف؛ أمَّا في جانب المشركين فقد كان لمقتل الثلاثة الذين خرجوا، وهم من أبطالهم، وفرسانهم، ومقاتليهم، والشخصيات البارزة فيهم، والبيوتات المؤثرة في أوساطهم، كان له انعكاس على هبوط معنوياتهم وتشاؤمهم، ومثَّل صفعةً مهمةً لهم.
والتحم الطرفان للقتال، واشتد القتال، وحمي الوطيس، وأخذ رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم” كفاً من الحصباء- ملأ كفه من الحصباء- ورمى به أثناء اشتداد المعركة، وبعد وقت من النهار والمعركة مشتدة، رمى به في وجه المشركين، وقال: ((شاهت الوجوه))، صاح بهم بهذا: ((شاهت الوجوه))، ومكَّن الله منهم، واستحر فيهم القتل، في أبطالهم، وفي كبارهم وشخصياتهم المؤثرة والبارزة؛ فَقُتِل من مقاتليهم وأبطالهم ما يقارب- أو حسب الإحصائيات- سبعين قتيلاً، وأسر منهم سبعون، وانهزموا هزيمةً كبيرة، يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا}[الأنفال: من الآية17]، فعلاً أتى التأييد الإلهي حتى في وقت تلك الرمية، التي كان لها أثرها العجيب جداً، مع أنه رماهم بالحصى، ولكن كان لتلك الرمية أثرها الكبير مع الفعل، مع الموقف، مع القتال، مع الاشتباك؛ فيأتي التأييد الإلهي بأشكال كثيرة، ولكن مع قيام المؤمنين بمسؤولياتهم وما عليهم، وأخذهم بأسباب النصر، وأخذهم بأسباب النصر.
فتحقق الانتصار الإلهي العظيم للمسلمين، وكان نصراً قوياً، فاجأ الأعداء، وفاجأ المتربصين، سواءً من كانوا متربصين في المدينة، من المنافقين، والذين في قلوبهم مرض، واليائسين، وضعاف الإيمان؛ أو من البقية، من المحيطين بالمجتمع المسلم، مثلما هو الحال بالنسبة لليهود، وبقية القبائل العربية الأخرى، الذين فوجئوا جميعاً بذلك الانتصار العظيم، وتلك الهزيمة المُرَّة والنكبة الكبيرة للمشركين من قريش.
وأسس الله بهذا الانتصار لمرحلةٍ جديدة، أصبح للمسلمين فيها هيبتهم وعزتهم، وأعزهم الله بذلك النصر بعد الاستضعاف الكبير، كما قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[آل عمران: الآية123]، فكان فعلاً يوماً فارقاً، وكانت تلك المعركة فارقة، ما بعدها اختلف تماماً عمَّا قبلها، في عزة المسلمين، في هيبتهم، في أمل الآخرين، الذين كانوا مضطربين ومترددين: [هل سينتصر الإسلام لو واجه تحدياً عسكرياً؟ هل سيتمكن من تحقيق النصر والثبات والاستمرار، أم أنه عند أول عاصفة وفي بداية أول تحدٍ عسكري يمكن أن يتغير كل شيء؟]، فكانت تلك المعركة مصيرية في آثارها ونتائجها؛ بينما كان أمل المشركين أن يقتلوا رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه” ومن معه من المسلمين، والذين خرجوا معه هم صفوة المسلمين، هم الأكثر ثقةً بالله، وتوكلاً على الله، واستجابةً لرسوله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”، وتفاعلاً معه، واستجابة للتحرك في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
وكان موقف الأنصار موقفاً عظيماً ومميزاً، كما قال عنهم سيدهم (سعد بن معاذ) فهم كانوا فعلاً صُبُراً في الحرب، وصُدُقاً عند اللقاء، واستبسلوا، وقاتلوا ببسالة. أيضاً تميز في معركة بدر موقف أمير المؤمنين عليٌّ “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، وبسالته، وشجاعته، وتفانيه في سبيل الله تعالى، وفتكه بالأعداء، وما حققه الله على يديه، حيث في الأخبار والسِّيَّر أنَّه قُتِل من المشركين على يديه ستةٌ وثلاثون من مجموع القتلى، وفي بعضها أكثر، إضافةً إلى اشتراكه في قتل آخرين، وذاع صيت شجاعته وبطولته في أوساط العرب وأوساط المشركين بعد تلك المعركة وما حصل فيها، وذكر التاريخ وذكرت السِّيَّر بطولات للمؤمنين، ولكن المسألة كلها تعود إلى تأييد الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والدور العظيم للرسول “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”، في الترتيبات القتالية بكلها، وفي إدارة المعركة، وما حققه الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وما كان للجوانب المعنوية فيها من أهمية وتأثير كبير.
التفاصيل المتعلقة بالمعركة هي مذكورةٌ في كُتب السِّيَّر والتاريخ، ومن أهم التفاصيل أيضاً، ومن أهم الدروس والعبر المتعلقة بغزوة بدر: ما ذكره الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في (سورة الأنفال)، سورة الأنفال قدَّمت أهم توثيق لغزوة بدر وليوم الفرقان، وقرنته بالدروس والعبر والمعارف المهمة جداً، فهي غنية بما فيها من المعارف ذات الأهمية الكبيرة التي تبني هذه الأمة، ليكون لديها رؤية متكاملة في الجهاد في سبيل الله، وفي التحرك في إدارة الصراع مع أعداء الله بشكلٍ صحيح، ومن كل الجوانب؛ لأن (سورة الأنفال) تذكر كل الجوانب: الروحية، المعنوية، العملية، الاجتماعية، تحيط المسألة من كل جوانبها.
المسلمون في هذا العصر في أمسِّ الحاجة لاستلهام الدروس والعبر من سيرة رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم” وجهاده؛ لأنه فيما بعد غزوة بدر استمرت السرايا، والغزوات، والحروب، والمعارك الكبرى، مع المشركين بمختلف فئاتهم: الحرب مع قريش، الحرب مع اليهود، عدة حروب مع اليهود، وكذلك الحرب مع دولة الرومان (مع الروم)، وكلها حقق الله فيها نتائج مهمة للمسلمين: ثبَّتت قواعد الإسلام، وكذلك مكَّنت المجتمع الإسلامي من النهوض، وأن يبني نفسه؛ ليكون له دوره العالمي في إطار الرسالة الإلهية؛ فكان لها النتائج المهمة جداً.
المسلمون أيضاً بحاجة إلى فهم صحيح لفريضة الجهاد في سبيل الله؛ لأنها فريضة استُهدِفت بالتهميش والتغييب:
غاب وقَلَّ الحديث عنها، سواءً في المناهج التعليمية، سواءً فيما يتعلق بالإعلام والبرامج الإعلامية، أو على المستوى التثقيفي والفكري، قَلَّ الحديث عنها كثيراً، ونقص، حتى لو كان هناك حديث، عادةً ما يكون ناقصاً، يُغفِل جوانب ذات أهمية كبيرة جداً تتعلق بالجهاد في سبيل الله.
ومن جهة أخرى: تعرضت هذه الفريضة العظيمة المقدَّسة المهمة للتشويه، شُوِّهت بشكلٍ كبير، شوِّهت من جانب التكفيريين، وبعض الأنظمة التي تدعمهم بإشرافٍ أمريكي، وتوجيهٍ غربي، والتشويه من جوانب كثيرة جداً: سواءً في تحديد من هو العدو، أو في الممارسات الوحشية والإجرامية: من قتلٍ للأبرياء، من عمليات انتحارية في المساجد، في الطرقات، في الأسواق، في المستشفيات، من استهدافٍ للناس بشكلٍ عام (كباراً وصغاراً)، وتوجيه بوصلة العداء إلى غير الأعداء: إمَّا إلى من لهم مشكلة مع أمريكا، ويتحركون في أوساط الأمة ضد العدو الإسرائيلي؛ وإمَّا بهدف إثارة الفتنة الطائفية والمذهبية بين المسلمين، وهكذا، من هذا النوع عناوين وأساليب تخدم الأعداء، في مجملها تخدم الأعداء بشكلٍ كبير ولا تخدم الأمة.
عندما نتحدث عن الجهاد في سبيل الله، على ضوء الدروس المستفادة من سيرة النبي “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم”، ومن الآيات القرآنية، والرسول “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه” كان لديه اهتمام كبير جداً بالجهاد، فأخذ مساحةً كبيرة من اهتماماته، وكان حاضراً في مقدمة أولوياته، وكان أيضاً يعطيه الوقت، والجهد، والاهتمام، والتحريض، والأعمال الواسعة المتنوعة، المرتبطة بفريضة الجهاد، يعطيه أهميةً بارزةً وكبيرةً جداً، وهذا معروف؛ فهو استمر في الغزوات، والسرايا، والعمليات الاستطلاعية، ومختلف الأعمال المتعلقة بذلك، حتى كان على فراش الموت، في لحظات حياته الأخيرة، وهو يُعِدُّ جيشاً، كان يحاول أن يدفع بتحريك ذلك الجيش (جيش أسامة) لمواجهة الروم، وهو على فراش المرض، فكان اهتمامه كبيراً؛ نتحدث عن بعض من الدروس المستفادة من مسيرة النبي “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم” وجهاده، والآيات القرآنية المتعلقة بفريضة الجهاد في سبيل الله:
يتضح لنا من خلال النصوص القرآنية، والاهتمام الكبير جداً لرسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه” بأمر الجهاد: ضرورة الجهاد:
هذا من أهم ما ينبغي أن نستوعبه: أنه لابدَّ من الجهاد، أنه من الضروريات التي نحتاج إليها؛ لأن الصراع حالة قائمة في واقع البشر، ليس الوضع البشري والواقع البشري مستقراً، هادئاً، لا مشاكل فيه، ولا حروب فيه، ولا صراع فيه، والبشر هادئون، وأوضاعهم مستقرة؛ فأتى تشريع الله بالجهاد ليسبب لهم المشاكل، وليثير بينهم الحروب، وليدخلهم في صراعات. ليست المسألة هكذا.
المسألة: أن الصراع هو جزءٌ من حياة المجتمع البشري، وحالة قائمة في الواقع، ومستمرة، مستمرة، البشر بينهم أشرار، بينهم طغاة، بينهم مجرمون، يثيرون الشر، يعتدون، يرتكبون الجرائم، يظلمون عباد الله، يتحركون بأطماعهم، بأهوائهم، بعدوانيتهم، يرتكبون أبشع الجرائم بحق الناس؛ فلابدَّ من الجهاد؛ لدفع شرهم، لدفع خطرهم، ولذلك يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ}[البقرة: من الآية251]، وفعلاً الواقع والأحداث تثبت ذلك.
في تاريخ البشر، فيما قد مضى وإلى اليوم، كم هناك من جهات ومن أشرار ومن طغاة سيئون، يتجهون هم ويتحركون هم للعدوان على الناس، لارتكاب الجرائم، لظلم المجتمع البشري، تأتي اعتداءات على شعوب، اعتداءات على أمم، اعتداءات على مناطق، اعتداءات ومظالم كبيرة جداً؛ ولذلك فليس التشريع بالجهاد هو الذي أثار المشكلة في واقع البشر، ولكنه لحماية الناس، ولدفع شر الأشرار، ولإنقاذ المستضعفين؛ أمَّا الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” فهو غنيٌ عن عباده، غنيٌ عن عباده، ليس بحاجةٍ إليهم ليدافعوا عنه؛ ولهذا يقول الله “جَلَّ شَأنُهُ”: {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[العنكبوت: الآية6].
ولذلك عندما يتجه المسلمون للعمل وفق انتمائهم للإسلام على أساس شريعة الله، وهديه، وتعليماته المباركة المقدَّسة، التي فيها الخير والفلاح، وفيها الفوز العظيم في الدنيا والآخرة، فيها السمو للناس، لتحقيق إنسانيتهم؛ يأتي من يعتدي عليهم، من يحاربهم، من يحارب انتشار رسالة الإسلام، من يتحرك في هذه الأرض بظلمه، بفساده، بطغيانه، بجبروته، بإجرامه، فلابدَّ من الجهاد في سبيل الله.
أيضاً الجهاد في سبيل الله ضروريٌ من حيث هو عامل بناءٍ مهم، وحافز لنهضة الأمة، وحافزٌ لها لتسعَ لتكون قويةً في كل المجالات:
وهذه المسألة معروفة في مختلف الأمم والبلدان: أنَّ التحدي يعتبر حافزاً مهماً، وأن حالة الصراع، والمخاطر، والمخاوف، التي تُحَرِّك الأمة عملياً لتبني نفسها لتكون قوية، هي من أهم الدوافع والعوامل لبناء أي أُمَّة.
بل إنَّ بعض الأمم، وبعض الشعوب، وبعض البلدان، تحدد لها- ليكون حافزاً لنهضتها- عدواً معيناً، حتى لو لم يكن عدواً حقيقياً، أو كان خصماً يمكن التفاهم معه، فهم لا يركنون إلى فرضية إمكانية التفاهم معه، ولو نأتي إلى كل البلدان التي نهضت، وتطورت، وتقدمت، وبنت نفسها لتكون قوية؛ سنجد أن لديها حافزاً مرتبطاً بالصراع والتحدي، ومواجهة الأخطار، وأنها حوَّلت هذا إلى حافز قوي، مُلهِم ومؤثِّر في أن تتحرك بفاعلية واهتمام كبير، وهذه مسألة معروفة في واقع البشر، وحينما غابت من واقع المسلمين، الذين دُجِّنُوا بطريقة غريبة جداً، وكأنه ليس لهم أعداء، ولا عليهم تحديات ولا مخاطر، وليس هناك ما يدعو إلى أن يتحركوا ليكونوا أمةً قوية في كل المجالات. فالصراع بنفسه هو حافز مهم للبناء، وللنهضة، والسعي للقوة.
هو أيضاً ضروريٌ لتحرر الأمة واستقلالها، وإلَّا أخضعها أعداؤها، وأذلوها، وسيطروا عليها، واستغلوها، واستعبدوها:
وهذه مسألة معروفة في واقع البشر، ليس هناك حتى الآن- مثلاً- في شرق الأرض وغربها، ولدى مختلف أممها وشعوبها وبلدانها، تفكير في أن مصلحة أي شعب أن يكون شعباً ضعيفاً، عاجزاً، لا يمتلك القوة، ولا القدرة العسكرية، ولا يمتلك المنعة والعزة والجهوزية لمواجهة أي عدو، وأن يتَّجه لبرامج تدجينية، بعيدة عن افتراضية الأعداء والمخاطر والتحديات.
الحالة الغريبة جداً هي: الحالة القائمة في أوساط المسلمين، في أكثر شعوبهم وبلدانهم، من أصبحت الحالة عندهم حالة تدجين، وكأنه لا أعداء لهم أصلاً، وكأن مصلحتهم في أن يكونوا أمةً ضعيفة، تهرب من كل عناصر القوة، وتتخلى عن كل أسباب القوة والعزة والمنعة، وتتمسك بكل عوامل الضعف والعجز والتدجين، وهذه حالة مؤسفة جداً في واقع المسلمين!
نحن كأمة مسلمة نعيش في وسط عالم، تحيط بنا أمم وشعوب وبلدان، لديها أهدافها، توجهاتها، كثيرٌ منها توجهاتها استعمارية، عدوانية، استغلالية، وعندما يكون هناك بلد ضعيف، عاجز، لا يمتلك القدرة، ولا يسعى للقوة، ولا يقف شعبه على أُهبة الاستعداد، وفي حالة اليقظة والجهوزية لمواجهة أي عدو، بل يكون شعباً ضعيفاً، عاجزاً، مدجناً؛ فهي وضعية- بحد ذاتها- تُطمِع الآخرين في ذلك الشعب، وفي وطنه، ثروته، ممتلكاته، ولا يمكن أن يحظى أي شعب يتَّجه على أساس التدجين، والضعف، والعجز، وعدم السعي للأخذ بأسباب القوة واليقظة والجهوزية، لا يمكن أن يحظى بالحريَّة، بل سيتجه الآخرون، كم من البلدان الطامعة والحاقدة، كم من فئات الأعداء الذين قد يتحركون ويعتبرون تلك فرصة رائعة جداً لأن يسيطروا، وأن يتغلبوا، وأن يستعبدوا ذلك الشعب، ويسيطروا على ذلك البلد.
فلا يمكن للأمة أن تكون حرةً، مستقلةً، عزيزةً، إلَّا إذا بنت نفسها على أساس الجهاد في سبيل الله، لتكون أمةً قويةً، في منعة، في عزة، في حالة جهوزية لمواجهة الأعداء والتحديات.
ثم نحن كمسلمين أمةٌ مستهدفة أكثر من غيرنا، بالرغم مما بين البشر من صراعات وخلافات، بمختلف أديانهم، وأممهم، وشعوبهم، وتوجهاتهم، بينهم الصراعات، الحساسيات، الاختلافات، الأطماع، النزاعات، ولكن الأمة الأكثر استهدافاً بين المجتمع البشري هم المسلمون، هذا ثابتٌ تاريخياً، وهذا واضحٌ في عصرنا الراهن، وبشكل يمكن للإنسان أن يتابع في أي يوم من الأيام نشرات الأخبار، حوادث الحروب، القتل، الاعتداءات، كل الأخبار المؤسفة المحزنة هي في واقع المسلمين، بين أوساط المسلمين، القتلى، الجرحى، الدمار، الخراب، الاحتلال… في واقع المسلمين.
في هذا العصر، الذي حاولت دول الغرب والدول الأخرى أن تقدِّم نفسها بأنها دول حضارية، وأنَّ هذا العصر هو عصر الحقوق، حقوق الإنسان، وحق تقرير المصير للشعوب، تبقى الحالة مختلفة لدى المسلمين، البلدان التي تستهدف بالاحتلال والغزو بلدان المسلمين، الطمع الكبير في بلدان المسلمين، وثرواتهم، ومواقع بلدانهم، ويركِّز الأعداء على احتلال أوطان المسلمين، على فرض قواعد عسكرية فيها، على نهب ثرواتهم، على التحكم فيهم على كل المستويات: السياسية، والاقتصادية، على التأثير عليهم، والضغط عليهم؛ للتغيير في فكرهم، وثقافتهم، ومناهجهم الدراسية، والتحكم بها وبمخرجاتها، ليس هناك أمة تعاني من الاستهداف لها، والتدخل في شؤونها، والضغط عليها، والنهب لثرواتها، وحياكة المؤامرات لإثارة الفتن فيها، وإغراقها بالأزمات، مثل ما هو حال المسلمين، فنحن الأمة الأكثر استهدافاً بين كل أمم الأرض وشعوبها، وهذه حالة واضحة جداً، المسلمون هم من يتعرَّضون للغزو إلى بلدانهم، وأوطانهم، وللاحتلال، وللإذلال، وللإهانة، ولجرائم الإبادة الجماعية، تُرتَكب بحقهم، ولا نزال نسمع في كل مرحلة، في كل مرحلة، في كل مرحلة عن إبادات جماعية للمسلمين هنا أو هناك، وهذا على المستوى التاريخي، على مدى التاريخ، وفي عصرنا الراهن كما قلنا.
على مستوى التاريخ: نجد أنَّ المسلمين تعرَّضوا للغزو، ولجرائم الإبادة الجماعية بشكل كبير جداً، حملات كبيرة جداً عليهم؛ لغزو بلدانهم، واحتلال أوطانهم، ونهب ثرواتهم، ولتدميرهم، وقتلهم، وإبادتهم، وإهانتهم، وإذلالهم، كلنا نعرف ما جرى في التاريخ من حملات المغول، ومن حملات الصليبيين، التي هي ثمان حملات كبرى، ثم ما بعد ذلك: المجتمع الغربي بعد أن تحرَّك تحت العنوان الاستعماري، والاحتلال، والنهب، والطمع، والسيطرة، وليس تحت العنوان الصليبي، مع أنه لا يزال في الواقع يحمل نفس التوجه، نفس العداء، يحمل نفس العداء ونفس التوجه الذي كان أثناء حملاته الصليبية التي استهدفت بلداننا كمسلمين.
قرون من الزمن، تحرَّك الغرب تحت العنوان الاستعماري؛ لاحتلال بلداننا، لارتكاب جرائم رهيبة جداً، يعني: بعض الشعوب قد تصل الإحصائيات إلى قتل ثلث السكان فيها، قتل الملايين من المسلمين، ضحايا من المسلمين في تلك الحملات بالملايين، وهكذا استمر الغرب حتى هذه اللحظة، في مخلفات الاستعمار الغربي أتوا بالعدو الاسرائيلي لاحتلال فلسطين، مكَّنوه، ودعموه، وقدَّموا له كل أشكال الدعم، بما في ذلك الدعم العسكري، الدعم المالي، الدعم السياسي، وحاولوا أن يفرضوا هذا الاحتلال ليكون مقبولاً، أصدروا له حتى قرارات، قرارات في الأمم المتحدة، بمصادرة نسبة كبيرة من فلسطين، أراضي عام 48، بأي حق تصادر أرض المسلمين، أوطانهم، بلدانهم، لصالح الآخرين؟! لكن الغرب هكذا سيتعامل مع المسلمين، هم أعداء، هم أعداء.
المؤسسات الدولية نفسها هي تحت سيطرتهم، يمتلكون فيها الفيتو، يمتلكون فيها ما يعيق أو يجمِّد أي قرارات، ثم يتعامل الآخرون مع قضايا أمتنا- سواءً الغرب، أو أي دول أخرى- يتعاملون مع قضايا أمتنا الواضحة، ومظلوميتها الواضحة بلا مبالاة، وفعلاً هل نتوقع من الآخرين أن يكونوا أكثر اهتمامٍ منَّا كمسلمين بقضايانا؟! هل نريد من بلد غير مسلم هنا أو هناك، مثل ما هو الحال الآن في أحداث فلسطين، والعدوان الذي يشنه العدو الإسرائيلي على غزة، بعض المسلمين كان ينتظر من الصين، أو من روسيا… أو من أي دولة هنا وهناك، أن تهبَّ هي لتوقف العدوان على غزة، كيف نتوقع من الآخرين أن يكونوا أكثر اهتماماً بقضايانا منَّا نحن المسلمين؟!
حملات التحريض ضدنا كأمة مسلمة، سواءً في المناهج الدراسية، مثلاً: المناهج الغربية، مخرجاتها تكوِّن رؤية سلبية جداً ضد المسلمين، وضد العرب، وتعزز الحالة الاستعمارية، والأطماع في بلداننا، وأوطاننا، وثرواتنا، والموقع الجغرافي لبلداننا… وهكذا. أمَّا المنهج التعليمي والتثقيف، وكل الأنشطة التثقيفية التعليمية لدى العدو الإسرائيلي، فهي مشحونة بالحقد، والكراهية، والعداء الشديد للمسلمين، والاستباحة، والتحريض، الاستباحة لهم، لدمائهم، لأموالهم، لممتلكاتهم، لأوطانهم، وكذلك بالتحريض الشديد جداً على إبادتهم، وقتلهم، وتشبيههم بالحيوانات، بل الادِّعاء بأن أصلهم حيوانات وليسوا بشراً؛ وإنما هم في أشكال بشر، وعندما حصل التطبيع من بعض الدول العربية، لم يتغير شيءٌ أبداً في المناهج الدراسية التعليمية لدى العدو الإسرائيلي، في الأنشطة التعبوية، التي ترسِّخ الكراهية الشديدة للمسلمين؛ ولذلك عندما نرى ما يفعله العدو الإسرائيلي في غزة، من جرائم إبادة شاملة، إبادة جماعية، قتل للأطفال والنساء، تباهٍ من جنوده بقتل الأطفال، بقتل المسنين، بقتل النساء، تَعَمُّد لقنص النساء وقتلهن، هتك للأعراض، فلا غرابة في ذلك، هم تربوا على ذلك من طفولتهم، رضعوا الحقد والكراهية والعداء للمسلمين.
فأمة لها أعداء، تواجه مخاطر كبيرة، واجهت على مدى تاريخها مخاطر رهيبة جداً، تواجه مخاطر، هناك تحريض مستمر ضدها، حتى الآن فيما يعرف في الغرب بحملات التحريض والكراهية ضد الإسلام [الإسلاموفوبيا]، كم هناك من أنشطة في إطار هذا العنوان؟ أنشطة ومنظَّمات مدعومة بالأموال، وتعمل بكل ما تستطيع لترسيخ الكراهية ضد الإسلام والمسلمين، حتى في المجتمعات الغربية؛ فنحن أمة نحتاج إلى أن نتحرك للجهاد في سبيل الله.
أيضاً الجهاد في سبيل الله بقدر ما هو ضرورة، وحاجة واقعية وفعلية، هو فريضة دينية، مهما تنصلنا عنها وتجاهلناها:
والقرآن الكريم أعطى مساحة للحديث عن هذه الفريضة واسعة جداً، أكثر من أي فريضةٍ أخرى، في الحث عليها، والإلزام بها، والتأكيد عليها، وصيغ الأمر، والصِّيَّغ التي تُبَيِّن أنها من فرائض الدين، وأنها إلزامية، والمساحة الكبيرة في القرآن للحديث عن الجهاد واضحة، سور بأكملها، مثلما هو الحال بالنسبة لـ(سورة الأنفال، وسورة التوبة، وسورة محمد، وسورة الفتح)، ومساحة في السور الأخرى، مساحة واسعة مثلما هو الحال في (سورة البقرة، وآل عمران، وسورة النساء، والمائدة، في سورة الحج كذلك…)، في سور كثيرة من القرآن الكريم، آيات كثيرة جداً، أكثر من خمسمائة آية عن الجهاد في سبيل الله.
حديث عنه يُبَيِّن أهميته، فضله، الإلزام به، الذم للمثبِّطين عنه، الترغيب فيه، توضيح للآداب والالتزامات العملية والأحكام المتعلِّقة به، كشف واقع الأعداء، وخطورتهم، ونقاط الضعف، ونقاط القوة، وأسباب النصر، وأسباب الهزيمة، وكل ما يتعلق بفريضة الجهاد في سبيل الله.
وفي هذا السياق نفسه جعله الله معياراً يُبيِّن مصداقية الإنسان في انتمائه الإيماني، هل هو مؤمن أم لا؟ ولهذا يقول الله في الرد على الأعراب، عندما: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا}[الحجرات: من الآية14]، ردَّ الله عليهم: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}[الحجرات: الآية15]، {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ}[التوبة: من الآية111]، {لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ}[التوبة: 44-45].
يبين أنه شرط للفوز والنجاح: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}[آل عمران: الآية142].
رغَّب فيه، بيَّن مكاسبه الكبرى للأمة، في الدنيا والآخرة، وسمَّاه تجارة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[الصف: 10-11]، يعني: خيرٌ لكم في الدنيا والآخرة، ما وراء الإخلال به إلَّا الشر عليكم، والخطر عليكم، {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}[الصف: 11-13].
ربط به النصر والتمكين للأمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد: الآية7]، يعني: لا يمكن للأمة أن تنتصر، لدفع الخطر عنها، ودفع شر أعدائها، بدون الجهاد في سبيل الله.
ثم نحن أمة لها رسالة، وعليها مسؤولية، ومنوطٌ بها التصدي لجبهة الشر:
الإسلام هو رسالة إنقاذ للمستضعفين وللبشرية، وتخليصٌ لها من سيطرة الطاغوت المرتبط بالشيطان، الذي يظلم الناس، ويذلهم، ويستعبدهم، فالإسلام رسالة تحرير، وإنقاذ، وحريَّة، وكرامة، وعزة، وشرف، ولإقامة القسط، ولنشر العدل، والحق، والخير، والقيم العظيمة في الحياة، ومثل هذه المهمة لابَّد أن يكون إلى جانبها الجهاد، وإلَّا فمعروف كيف يتصرف الأشرار، والطغاة، والمجرمون، في سعيهم لمنع مبادئ الإسلام وقيمه ورسالته، التي هي رسالة خيرٍ، ونجاةٍ، وفلاحٍ للبشرية.
في السياق الإيماني نفسه، أهمية الجهاد في التربية الإيمانية، وصلاح النفوس:
لأن الجهاد يعتمد أساساً على الإيمان، لابدَّ فيه من الثقة بالله، لابدَّ فيه من التوكل على الله، لابدَّ فيه من المحبة لله، لابدَّ فيه من الخوف من الله، هذه ركائز يبنى عليها الجهاد، وإلَّا لا تستطيع الأمة أن تتحرك للقيام بهذه الفريضة بدون ذلك.
لابدَّ أيضاً والإنسان يواجه فيه المخاطر، والتحديات، ويستشعر قرب لقاء الله، ويتوقع الشهادة في أي لحظة، لابدَّ أن يتجه بصدق بالتزام إيماني في أعماله، في سلوكياته، ويستشعر القرب من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ويكون حريصاً على قبول عمله.
له أهميته على المستوى التربوي:
لأنه يربيك على العزة، على الكرامة، على الإباء، ينمِّي فيك هذه المشاعر على الحريَّة؛ وإلَّا هانت النفوس بدون ذلك، هانت، وتروَّضت على الهوان، وهبطت المعنويات، الاهتمامات… وغير ذلك.
أهميته كذلك في الارتقاء بالاهتمامات، والتفكير، والأعمال، والبرامج:
الأمة تكبر اهتماماتها، تتجه لما يبنيها لتكون قوية، بدلاً من أن تغرق في الأمور التافهة، والسيئة، والدنيئة، والرذائل، والمفاسد.
وكذلك أيضاً ارتبط به مصير المسلمين وعزهم:
النقلات والمتغيرات في تاريخ الأمة، سواءً في مسيرة النبي وحركته وجهاده “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”، أو ما بعد ذلك، المراحل التي اعتز فيها المسلمون، وانتصروا، وبرزوا كأمة قوية في الساحة، حاضرة برسالتها، بدورها، بمشروعها العظيم، متى كانت؟ في إطار الجهاد في سبيل الله، عندما تجاهد الأمة، ما الذي غيَّر واقع المسلمين عمَّا كانوا عليه في مكة: من حالة الاستضعاف، من حالة الاضطهاد، من حالة الضعف نفسه؛ إلى وضعٍ مختلفٍ تماماً، ثم إلى وضع أكبر وأكبر، كلما استمر جهادهم؛ كلما ازدادوا قوةً، وتمكيناً، ونصراً، ومهابةً، وعزاً؟ كان ذلك مرتبطاً بالجهاد.
في أيام الفتوحات الكبرى للمسلمين، ما الذي تحقق للمسلمين؟ كيف تحققت تلك الفتوحات؟ كانت هي بحد ذاتها امتداداً لما قام به النبي “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه” من جهد كبير في تربية الأمة، وإحياء روح الجهاد فيها، وتعزيز الثقة بالله فيها، وتعويدها على النهوض بمسؤوليتها، والشعور بمسؤوليتها.
أمَّا في الحالة التي عطَّل المسلمون فيها الجهاد في سبيل الله، فقد تكبَّدوا خسائر كبيرة جداً:
الخسائر تبدأ من النفوس:
يفقد الناس الشعور بالقوة النفسية، بالعزة، وتترسخ حالة الذل في نفوس الناس؛ لتعطيلهم الجهاد، والخوف، والتهرب من أي موقفٍ قوي، وهي حالة خطيرة جداً، إذا انتشرت حالة الذل والخوف، كما هي سائدة في واقع الكثير من بلدان المسلمين.
على المستوى التربوي:
تراجع كبير، وضعف الاهتمامات، وَتَهَرُّب من أبسط الأعمال، يفقد الناس حتى روحيتهم العملية، وفعلاً ترى كيف يصل الحال بالكثير من المسلمين: أنه لا يصل في مستوى الفعل والموقف إلى مستوى أن يقاطع بضائع الأعداء، بل يدعم الأعداء بماله، لا يصل إلى مستوى أن يكون له موقف إذا كان ينشط أصلاً في الجانب الإعلامي، في إطار نشاطه ذلك: لدعم قضايا أمته، وتحمل المسؤولية تجاهها، أو للخروج مثلاً في مسيرات ومظاهرات وغير ذلك.
من أخطر النتائج هي: جرأة الأعداء على الأمة:
الأمة بتركها للجهاد يتجرأ عليها أعداؤها، يتشجَّعون عليها؛ لأنهم يرونها أمة ضعيفة، حسب التعبير المحلي: [مدفخة]، يضربونها متى شاءوا والأمر طبيعي جداً، يقتلون أبناءها، يحتلون أوطانها، يستهدفون مقدساتها، وهم غير قلقين من ردة فعل قوية، فهذه حالة خطيرة جداً، تراجع في مستوى الوعي عن الأعداء، بالرغم من حديث القرآن الواسع عنهم، وما يفيده الواقع في إطار الاهتمام والمتابعة.
عملياً: يتجه الأعداء للسيطرة على الشعوب، والتحكم بها في كل مجالات حياتها:
يحتلون الأوطان.
يستبيحون الأمة.
يخترقونها.
يستنزفونها في تحريك بعضها على البعض الآخر… وهكذا.
ومن أبرز ما يجلي لنا هذه الحالة المؤسفة: موقف الشعوب الإسلامية في الوطن العربي وغيره، تجاه مأساة الشعب الفلسطيني ومظلوميته في غزة، هي قضية واضحة، ليس فيها التباس، ليست المشكلة عند المسلمين أنَّ هناك التباس حول الموضوع، لكن كيف هو مستوى تفاعلهم مع مظلومية الشعب الفلسطيني؟ في أكثر البلدان، في أكثر الشعوب، ليس هناك أي اهتمام عملي أصلاً، لا على مستوى التبرعات لدعم الشعب الفلسطيني بالمال، لا على مستوى المسيرات والخروج والمظاهرات، الذين ينشطون إعلامياً بالملايين من تلك البلدان، اهتمامهم ضعيف، أو يكاد ينعدم تجاه هذه المظلومية، كذلك على المستوى الرسمي: هناك توجه بأن لا يكون هناك أي موقف فعلي لمناصرة الشعب الفلسطيني، وأقصى ما يقدَّم هو بيانات فيها عبارات- حتى العبارات ينتقونها- لا تكون مزعجة بشكلٍ أكبر للعدو الإسرائيلي… وهكذا، هذه الحالة المؤسفة، وهم يشاهدون مآسٍ رهيبة جداً، مظالم رهيبة جداً: قتل للأطفال، للنساء، للكبار، للصغار، جرائم إبادة جماعية، شعب من هذه الأمة، من المسلمين يتضوَّر جوعاً، وهم يتفرَّجون! الحالة الهابطة على المستوى النفسي التربوي، على مستوى الأخلاق والقيم، على مستوى الإباء، والعزة، والكرامة، والغيرة، والحمية، والأسف للمظلوم، تضرر كل شيء: تضررت الحالة النفسية، الحالة التربوية في واقع الأمة، وأسهم في ذلك الحكام، وأسهمت الأنظمة فيما وصلت إليه الشعوب في هذه الحالة.
في البلدان التي فيها تحرُّك، مثلما هو الحال في بلدنا في اليمن، هناك تحرَّك- بحمد الله، بتوفيق الله- لحمل راية الجهاد، شعبنا اليوم عملياً في حالة جهاد، وموقف فعلي، وموقف عملي، وموقف مواجهة مع الأعداء، هذه نعمة كبيرة جداً جداً، والوصول إلى هذه المرحلة: أن نكون في مواجهة مباشرة ضد أمريكا وإسرائيل وبريطانيا، هذا نعمة عظيمة جداً جداً، كثيرٌ من الشعوب كم ستحتاج من مراحل حتى تصل إلى مثل هذه المرحلة، بالنظر إلى ما قد صنعه الأعداء، وما تأثر به الواقع، تراكمات تحصل على الشعوب في الواقع، تراكمات نتيجةً للتقصير، تراكمات كبيرة، والتفريط، ونتيجةً لما عمله الأعداء وصنعوه من عوائق.
لكن في ظل هذه النعمة العظيمة جداً، هناك ذنب كبير جداً في التخاذل، في التفريط، في التنصل عن المسؤولية، في الإهمال، أمام هذه الفرصة التي قد هيَّأها الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ لذلك ينبغي أن نستشعر نعمة الله علينا، وهو “جَلَّ شَأنُهُ” القائل: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[المائدة: من الآية54]، الإنسان في إطار هذا الموقف يستطيع أن يقاتل، يستطيع أن يخرج ليتظاهر، يستطيع أن ينفق، يستطيع أن يتكلم، يستطيع أن يسهم بأي إسهام، الذين لهم عذرهم الشرعي يستطيعون في إطار النصح لله ورسوله، كما ورد في (سورة التوبة)، أن يساهموا بالتشجيع، بالكلام… بغير ذلك، فهي نعمة كبيرة جداً، نعمة، وفعلاً نرى ثمرتها: عزةً، كرامةً، مهابةً عند الأعداء، مهابةً كبيرة عند الأعداء، قوةً، ونرى ثمرتها أيضاً، ونرى أنها عامل نهضة فعلاً، عامل نهضة لتطوير القدرات والإمكانات… وغير ذلك؛ إنما كيف نتَّجه بشكل أكثر إخلاصاً لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وجداً، واهتماماً، والتزاماً، التزاماً في بقية المجالات: على المستوى السلوكي والعملي بتعليمات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، واهتماماً ببقية المجالات، التي فيها قصور مُعَيَّن، أن نتلمس مواطن القصور؛ لنهتم بها، ونتفادى تقصيرنا فيها.
نَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّج عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

قائد الثورة : العدوان الأمريكي فشل في الحد من قدراتنا أو منع عملياتنا العسكرية

 

 

 

الثورة/

 

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:

السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

في تطــورات العــدوان الإسرائيلي الهمجـي الغاشـم، على الشعـب الفلسطينـي في قطــاع غــزَّة، في هــذا الأسبــوع:

استشهد وجرح ما يقارب الـ(ألف) من أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، أكثرهم من النساء والأطفال، وما يقارب (ألفي شهيد) منذ العدوان المتجدد، الذي تجاوز الشهر، وكذلك أكثر من (خمسة آلاف جريح) في العدوان المتجدد منذ أكثر من شهر. جرائم وحشية يرتكبها المجرمون اليهود الصهاينة، ويحرقون خيام النازحين عليهم بالقنابل الثقيلة الأمريكية، فيما يسمونه بالمناطق الآمنة، التي يعطون الأمان لمن ينزح إليها من أبناء غزَّة، ومن تلك الجرائم الوحشية والفظيعة: قصف خيام النازحين في (مدرسة يافا) بالقنابل الثقيلة، وحرقهم وهم نيام في خيامهم المتهالكة، وشُوهِدَت مشاهد مؤلمة للغاية للأطفال، وقد تفحَّمت جثامينهم بالقصف الإسرائيلي. العدو الإسرائيلي، مع الإبادة الجماعية يستمر أيضاً في تدمير المنظومة الصحية، والسعي لإنهاء هذه الخدمة؛ ولـذلك تم الإعلان بالأمس عن وفاة 40% من المرضى الذين يعانون من مرض الكلى، يستهدف أي بقايا من الوحدات والمراكز الصحية، كما استهدف بالأمس (مستشفى الدُّرَّة للأطفال)، واستهدف فيه غرفة العناية المركزة، يستهدف المسعفين، يستهدف كل ما يتعلَّق بالخدمة الصحيَّة، من كوادر صحيَّة، مستشفيات… وغير ذلك. فيمـا يتعلَّـق بالتجويـع، الذي يعتمد عليه الإسرائيلي، كوسيلةٍ من وسائل الإبادة للشعب الفلسطيني، والضغط لتهجيره القسري من قطاع غزَّة، يستمر العدو الإسرائيلي في الحصار التام، والشامل، والمطبق في قطاع غزَّة، لأكثر من خمسين يوماً، يمنع دخول كل المواد الغذائية، وكل الأدوية، وكل المستلزمات الطِّبيَّة، والوقود، بل ويركِّز على قصف أي شيءٍ موجودٍ منها في داخل قطاع غزَّة، وتدميره وإحراقه. يستمر العدو الإسرائيلي أيضاً في تدمير كامل القطاعات الخدمية، في هذا الأسبوع قام بقصفٍ طال مُعِدَّات وآليات الإنقاذ في بلدية غزَّة، الآليات التي كانت دخلت في فترة الهدنة، بعد الاتِّفاق؛ لإزالة الأنقاض ورفعها، وانتشال الضحايا من تحتها، قام بقصفها وتدميرها قبل أن يتاح لها أن تعمل، وبالأمس كانت تُسمع نداءات الاستغاثة من تحت الأنقاض، في بعض الأماكن التي قام العدو بقصف المدنيين فيها، ودون أن تتمكن فرق الإنقاذ من إنقاذهم؛ نتيجةً لتدمير تلك المُعِدَّات اللازمة لرفعها. يستهدف أيضاً فرق الإنقاذ بنفسها، العدو الإسرائيلي يركِّز على الاستهداف لهم. فيمــا يتعلَّـق بالأســـرى أيضـــاً: العدو الإسرائيلي يستمر في نهجه العدواني تجاههم، وفي هذا الأسبوع استشهد أحد الأسرى، ليرتفع عدد الشهداء من الأسرى إلى (أربعةٍ وستين شهيداً) منذ بداية العدوان على قطاع غزَّة، حسب الإحصائية المعلنة من هيئة شؤون الأسرى، فيما يصل إليها من معلومات، الله أعلم في واقع الحال كم العدد؟!

العدو الإسرائيلي يعامل الأسرى بالتعذيب، والقمع، والاضطهاد، والإهانة، والإذلال، وكل الانتهاكات لحقوق الإنسان، مع الإهمال الطبي أيضاً، كل وسائل التعذيب مع الإهمال الطبي في نفس الوقت.

أمام كل هذا العدوان، والبلطجة، والإجرام، والوحشية الإسرائيلية، لا يزال الإخوة المجاهدون في قطاع غزَّة صامدين، ثابتين، ومن الواضح في التكتيكات التي يعتمد عليها العدو الإسرائيلي، منذ استئنافه للعدوان قبل أكثر من شهر، أنه يتهيَّب كثيراً من المواجهة المباشرة مع الإخوة المجاهدين في قطاع غزَّة؛ ولـذلك يعتمد بشكلٍ أساسي على التدمير الشامل، والإبادة الجماعية للناس، ويحرص على التقدم، ويعتمد أسلوب التقدم في المناطق المكشوفة والمفتوحة، التي ليس فيها سواتر للقتال، ويعتمد أيضاً على التجريف بشكلٍ كامل، فكل هذا مما يدل بشكلٍ واضح على تهيُّبه من المواجهة المباشرة مع الإخوة المجاهدين، وعلى مدى صمود الإخوة المجاهدين، وثباتهم، واستبسالهم، وفاعليتهم، فالعدو يتهيَّب من مواجهتهم المباشرة، بالرغم من كل ما يمتلكه من إمكانات وقدرات عسكرية، وبالرغم من ظروفهم هم الصعبة، ظروف الإخوة المجاهدين، وإمكانياتهم المحدودة جدًّا، فالعدو الإسرائيلي يعتمد الاستهداف والإبادة الجماعية، كأسلوب في تعامله، وسعيه لتحقيق أهدافه هناك.

في هـــذا الأسبـــوع:

نفَّذت (كتائب القسام) عدداً من العمليات وكمائن الموت، ومنها: (كمين كسر السيف)، الذي نفَّذته كتائب القسام ضد قوات العدو الإسرائيلي، ونتج عنه قتلى وجرحى من الجنود الصهاينة، هذا الكمين نُفِّذ بالقرب من السياج الحدودي، شرق (بلدة بيت حانون) في أقصى شمال قطاع غزَّة، ولهذا مدلول مهم، أن يُنَفَّذ هذا الكمين في تلك البقعة. كذلك نفَّذت (كتائب القسام) عدداً من العمليات في (حي التفاح)، وفي شرق (خان يونس).

والمواجهات المباشرة هي محدودة نوعاً ما، كما قلنا: لتهيُّب العدو الإسرائيلي من المواجهة المباشرة، يعتمد بالدرجة الأولى:

على الإبادة الجماعية للمدنيين. على التدمير الشامل. على التجريف. على الدخول في المناطق المفتوحة.

وذلك يدل- كما ذكرنا بوضوح- على الفاعلية العالية، والجدوى المحقَّقة المؤكَّدة الواضحة للجهاد والمقاومة.

كذلك نفذت (سرايا القدس) عدداً من العمليات ضد قوات العدو الإسرائيلي، منها: ما استهدفت به القوات المتوغِّلة في قطاع غزَّة، عبر القصف بالقذاف في شمال غزَّة (في حي التفاح)، وكذلك في جنوبها (في رفح).

في عجز العدو الإسرائيلي عن تحقيق إنجازات عسكرية ملموسة، انكشف أيضاً تضليله، فيما كان يقدمه كإنجازٍ عسكريٍ في اكتشاف الأنفاق وتدميرها، ما يسمى بوزير الدفاع الصهيوني السابق [غالانت] اعترف: أن ما تم نشره في وقتٍ سابق من صور، على أنها لأنفاق في محور رفح، لم يكن سوى خندقٍ عاديٍ بعمق مترٍ واحد، واعترف أن قوات كيانه هي من قامت بتغطية تلك القناة، التي كانت في الأصل قناةً خاصةً بتصريف المياه، فقاموا بتغطيتها بالتراب؛ من أجل تصويرها كفتحة نفق، والزعم أنها لتهريب السلاح، هذه فضيحة، العدو الإسرائيلي يلجأ إلى الأكاذيب، وإلى المسرحيات التي يصوِّر بها إنجازات عسكرية؛ لأنه عاجز عن تحقيق إنجازات عسكرية فعلية.

الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، للمدنيين، القتل للأطفال والنساء، التدمير للأحياء السكنية، التدمير للمستشفيات والمدارس، الاستهداف للنازحين في خيامهم، لا يعتبر إنجازاً عسكرياً، مهما بلغ، ومهما كان حجم الإجرام فيه؛ إنما هو رصيد إجرامي فظيع ومتزايد، له تبعاته، وله عواقبه السيئة.

كذلك كان من فضائحهم وانكشاف تضليلهم في هذا الأسبوع، فيما يتعلَّق بعنوان مهم يعتمد عليه العدو الإسرائيلي، في عدوانه الهمجي، والإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة: (عنوان الأسرى)، الذي يتجلَّى بوضوح أنه لا يمثل أهمية حقيقية لدى [المجرم نتنياهو]، ولدى زمرته المجرمة معه، في هذا الأسبوع كان هناك تصريح لمن يسمونه بوزير المالية، قال فيه: [أن إعادة الأسرى من غزَّة ليست الهدف الأكثر أهمية]، وهذا أثار ضجة لدى الإسرائيليين؛ لأنه يكشف عن استهتاره بحياة الأسرى من الإسرائيليين، وأنه لا يبالي بهم هو ومن معه من تلك الزمرة المتوحشة، المجرمة، اليهودية الصهيونية؛ إنما أهدافهم الحقيقية هي: التهجير للشعب الفلسطيني من قطاع غزَّة؛ وإلا كان مسار التبادل للأسرى كان مساراً ناجحاً في إطار الاتِّفاق الذي تم سابقاً، وكانت الدفع تخرج وفق الاتِّفاق ومساره، ولكنهم هم من انقلبوا على الاتِّفاق، بتشجيعٍ أمريكي، وحمايةٍ أمريكية؛ ليستمروا في عدوانهم، ولاسيَّما بعد أن تبنى [ترامب] بشكلٍ علني مسألة التهجير للشعب الفلسطيني من قطاع غزَّة؛ فزادت أطماعهم وآمالهم بتحقيق هذا الهدف الظالم.

فيمــــا يتعلَّــق بالضِّفَّــــة الغربيــــة:

هناك تصاعد وبشكل كبير داخل كيان العدو الإسرائيلي، في الحديث عن مسألة الضم للضِّفَّة الغربية، ويترافق مع ذلك خطوات عملية للضم التدريجي، وهذه مسألة واضحة، في النشاط الذي يسمونه [النشاط الاستيطاني]: الاغتصاب للأرض في الضِّفَّة الغربية، وإنشاء وحدات سكنية لليهود الصهاينة المغتصبين عليها.

هذه العملية الاستيطانية الاغتصابية هي متصاعدة بشكل كبير على مدى هذه السنوات، ومنها في هذا العام، وتمَّت المصادقة على آلاف الوحدات الاستيطانية، لاغتصاب مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية في الضِّفَّة الغربية، وهذا يكشف بكل وضوح أنه ليس هناك أي أمل في مسار التسوية؛ لأن العدو الإسرائيلي يسعى إلى فرض حقائق على الأرض، تقطع المجال أمام أي شيء يتعلَّق بهذه المسألة تحت عنوان تسوية، ومفاوضات سلام… وغير ذلك.

يستمر العدو الإسرائيلي في الضِّفَّة الغربية في عمليات القتل بشكلٍ يومي، وعمليات الاختطاف بشكلٍ واسع، وهدم المنازل، وتخريب البنية التحتية:

نفَّذ العدو الإسرائيلي في هذا الأسبوع حملات اختطاف واسعة في (جنين)، وفي (الخليل). نفَّذ عمليات هدم وتفجير للمنازل في (القدس)، وفي (الخليل)، وفي (رام الله).

يواصل المغتصبون الصهاينة أيضاً عمليات البلطجة، وحرق المحاصيل الزراعية في (جنوب الخليل)، وسرقة شبكات ومضخات المياه الخاصة بالفلسطينيين، كما حصل في (الأغوار) في شرقي الضِّفَّة الغربية، والاعتداء على مركبات المواطنين الفلسطينيين، على مركبات الشعب الفلسطيني في مناطق متفرقة من الضِّفَّة، كما حصل في (بيت لحم) بالأمس.

التصرفات الدنيئة والعدوانية لقطعان المستوطنين المغتصبين، دائماً ما تكون بحماية من العصابات الإجرامية الإسرائيلية، التي تسمى بـ[الجيش الإسرائيلي]، وهي سلوك يومي، لاضطهاد الشعب الفلسطيني وتعذيبه.

في (جنين)، وبعد أكثر من ثلاثة أشهر من العدوان، يستمر العدو الإسرائيلي في هدم المنازل، وتخريب وتجريف البنى التحتية، وواضح أن لدى العدو الإسرائيلي برنامجاً عدوانياً تدميرياً لإنهاء المخيمات في الضِّفَّة الغربية.

المخيمات في الضِّفَّة الغربية لها أهمية كبيرة جدًّا، فهي منشآت سكنية لأبناء الشعب الفلسطيني المهجَّرين مما يسمى بـ(أراضي عام ٤٨)، ومن مناطق محتلة في فلسطين في أنحاء متعددة، فالعدو الإسرائيلي يسعى إلى تدميرها، والسيطرة عليها، وفي هذا السياق الذي تحدثنا عنه: أنه يسعى إلى فرض حقائق على الأرض فيما يتعلَّق بالضِّفَّة الغربية، تساعده على السيطرة التامة، والضم الشامل بعد مراحل معينة.

عمليات التدمير، والتجريف، والاعتداءات، والقتل في (مخيم جنين)، تضررت منها قرابة (ثلاثة آلاف وحدة سكنية)، تسببت في نزوح أكثر من (واحد وعشرين ألف فلسطيني)، والوضع مشابه في (طولكرم) ومخيماتها، في (نابلس) شمال الضِّفَّة الغربية، العدو الإسرائيلي يشن عدوانه بشكلٍ مستمرٍ ومتواصل.

فيمــا يتعلَّــق بالاستهـــداف للمسجـــد الأقصـى:

خلال الأيام الماضية، رفع العدو الإسرائيلي من وتيرة الاستهداف للمسجد الأقصى، تعتبر عمليات الاقتحام فيما يسمى بـ[عيد الفصح] هي أكبر عمليات الاقتحام التي قد شهدها المسجد الأقصى، حيث وصل العدد لأكثر من (سبعة آلاف يهودي مغتصب)، ويتصاعد من يومٍ إلى آخر.

كذلك تم نشر فيديو من جانب الإسرائيليين، تحت مسمى [العام القادم في القدس]، يصوِّر عملية نسف المسجد الأقصى، وبناء ما يسمونه بالهيكل المزعوم، هذا الأسلوب الإسرائيلي هو أسلوب معتمد لدى العدو الإسرائيلي تجاه العرب: أسلوب الترويض، والتهيئة الذهنية والنفسية لتقبُّل ما لا ينبغي تقبُّله على الإطلاق، تقبُّل اعتداءات كبيرة، جرائم كبيرة، المهدد هنا هو: المسجد الأقصى، من أعظم مقدَّسات المسلمين وأهمها، وما لا ينبغي السكوت تجاهه أبداً، ولكن العدو الإسرائيلي هو يشتغل في كل المسارات:

الإبادة الجماعية، ويريد أن يحوِّلها إلى حالة معتادة لدى العرب والمسلمين بشكلٍ عام، إلى مشهدٍ روتينيٍ اعتياديٍ يوميٍ، لا يبنى عليه أي ردة فعل، ولا أي موقف مسؤول. كذلك في مسألة التهجير، ومساعيه للتهجير، نظير ما يفعله في الضِّفَّة الغربية، في مخيماتها ومدنها. وهكذا مساره فيما يتعلَّق بالمسجد الأقصى.

في مرحلة من المراحل، عندما قام [المجرم شارون] بالاقتحام لباحات المسجد الأقصى، قامت انتفاضة فلسطينية كاملة، وفي نفس الوقت كان مستوى التفاعل في الشعوب العربية والإسلامية بشكلٍ عام في تلك المرحلة بمستوى أفضل، من حيث التضامن، المظاهرات، ظهور حالة الغضب، والتفاعل، والتضامن مع الشعب الفلسطيني.

الحالة الآن مختلفة، يدخل الآلاف من اليهود الصهاينة المجرمين لاقتحام المسجد الأقصى، والرقص في باحاته، يدخل من كبار المجرمين معهم أيضاً، من يطلقون أيضاً تصريحات استفزازية عدوانية، ويدنسون باحات المسجد الأقصى، والحالة العامة في الأوساط العربية (رسمياً، وشعبياً) قد تصل- بالنسبة لبعض الأنظمة- إلى إصدار بيانات، وهي حالة لم يعد لها أي اعتبار ولا قيمة؛ لأنه لا يقترن بها أي خطوات عملية ولو في الحد الأدنى، كما نكرر كثيراً، ولو في مستوى المقاطعة الاقتصادية، والسياسية، والدبلوماسية، ولو في مستوى التَّوجُّه الإيجابي نحو الشعب الفلسطيني، ومساندته بشكلٍ حقيقيٍ وفعلي، بدعمٍ ملموس؛ إنما الحالة حالة راكدة، حالة جامدة بالنسبة للأنظمة العربية؛ إمَّا قِمَّة يصدر عنها بيان، ولا يترافق معه أي موقف عملية؛ وإمَّا كذلك بيانات تعلن في وسائل الإعلام بلهجة باردة، دون أي خطوات عملية.

العدو الإسرائيلي عندما قام بهذه الخطوة، التي هي: تصوير لعملية نسف للمسجد الأقصى، تمثيل، لكنه يحاول من خلال ذلك- كما قلنا- التهيئة الذهنية النفسية؛ لأنه من المعلوم لدى الجميع أن هذا من أهم الأهداف العدوانية للعدو الإسرائيلي: استهداف المسجد الأقصى، قضية أساسية بالنسبة لهم، في مخططهم الصهيوني، العدواني، الإجرامي، ولكنهم وقد عرفوا النفسية العربية، التي ابتعدت عن المسار الصحيح في التعبئة والتربية الإيمانية، وفي مستوى الوعي، واتَّجهت نحو الانحدار والهبوط في كل شيء: على مستوى الوعي، على مستوى الروحية الإيمانية والجهادية، والتربية الإيمانية والأخلاقية والقيمية، وأصبحت المؤثرات الأخرى تؤثِّر على المستوى النفسي، وعلى مستوى التَّوجُّهات والآراء والمواقف، مع الوقت؛ لأن هناك عمل كبير وراءه اليهود، ووراءه أذرعتهم، التي تعمل لصالحهم في مسار الحرب الناعمة، المفسدة، المضلَّة، التي يستهدفون بها الأُمَّة جمعاء في كل شيء: على المستوى الفكري، والثقافي، والنفسي، يستهدفون بها شباب الأُمَّة؛ لتمييعهم وتضييعهم، يستهدفون بها شعوب هذه الأُمَّة؛ لصرف اهتماماتهم عن كل قضاياهم المهمة، ولقتل الضمير الإنساني في هذه الأُمَّة.

هذا المسار هو مسار خطير، العدو الإسرائيلي هو يخطط ويعمل وفق مراحل معينة، ويشتغل معه الأمريكي في ذلك، كلاهما لهما نفس الأهداف، التَّوجُّهات، المواقف، هما وجهان لعملةٍ واحدة، المخطط الصهيوني هو مخططٌ مشترك ما بين الأمريكي والإسرائيلي.

الأمريكي في مسار دعمه المستمر للعدو الإسرائيلي، أيضاً هو مسار مكثَّف، وهو في هذا السياق يتحرَّك وفق جسر جوِّي، فيما تباهى الإعلام الإسرائيلي به، أنه قطار جوِّي أمريكي، يحمل شحنات كبيرة من الأسلحة، تصل إلى فلسطين بشكلٍ يومي، عشرات الطائرات، بمعدل (ست طائرات شحن كبيرة) في اليوم الواحد، مع كل ذلك، مع ما يقوم به العدو الإسرائيلي من إبادة جماعية يومية مستمرة، ما يقوم به في الضِّفَّة الغربية، وفيه درس واضح حتى للسلطة الفلسطينية، ترى العدو الإسرائيلي وهو لا يحترم أي شيء مما كان من اتِّفاقات بينها وبينه.

كذلك مساره العدواني والخطير جدًّا تجاه المسجد الأقصى، سعى العدو الإسرائيلي ومعه- وللأسف الشديد- بعض الأبواق العربية، التي تعمل معه إعلامياً، وتسنده إعلامياً، عملوا خلال هذه الفترة الماضية على تأليب الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة ضد الإخوة المجاهدين، حاولوا أن يحرِّضوا، أن يشوِّهوا، أن يدفعوا البعض للتحرُّك، في تأليبٍ لهم ضد الإخوة المجاهدين، وضد مسألة المقاومة والجهاد والسلاح.

شيءٌ غريب جدًّا في داخل هذه الأُمَّة، لدى بعض الأنظمة الرسمية، ولدى بعض القوى والمكونات، التي لا تمتلك رؤيةً صحيحة، لا بالاستناد إلى الوقائع والأحداث، ولا بالاستفادة من مسار هذا الصراع ما بين العدو الإسرائيلي وبين العرب، ما فعله مع الشعب الفلسطيني في كل المراحل الماضية، منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وإلى اليوم، ليس هناك استفادة لا من الوقائع والحقائق والتاريخ، ولا استفادة أيضاً من القرآن الكريم، ومن الحقائق المعروفة لدى البشر: أن ما يفيد كل شعب هو أن يمتلك القوة، قوة الردع في حماية نفسه، وأن يسعى لأن يكون قوياً، وأن يحافظ على أي عناصر قوة يستفيد منها في الدفاع عن نفسه، وعن حقوقه.

والشعب الفلسطيني مستهدفٌ في كل شيء، يباد ويُقتل، وفي نفس الوقت تغتصب الأرض، وتنتهك المقدَّسات، تنتهك الحرمات، هو أحوج ما يكون إلى المزيد من القوة، إلى المزيد من التسليح، إلى المزيد من التحاق قوافل أخرى من أبناء الشعب الفلسطيني بالصف الجهادي، ليكونوا مجاهدين في سبيل الله، إلى التحرك الواسع في إطار التعاون، وتظافر كل الجهود على كل المستويات، كشعبٍ له هذه القضية العادلة بالإجماع العالمي، الواضحة، له المظلومية التي لا مثيل لها، فتظافر الجهود، التعاون على كل المستويات، شد الجميع لأزر المجاهدين، لِعَضُدِ المجاهدين، المناصرة بكل الوسائل هي الاتِّجاه الصحيح، والموقف الصحيح.

ولـذلك عندما اتَّجهت السلطة الفلسطينية، ومعها كذلك بعض وسائل الإعلام العربية، لتتعاون مع الإسرائيلي بنفس منطقه، بنفس كلامه، بنفس أطروحاته، التي تهدف إلى التأليب على الإخوة المجاهدين، وعلى خيار الجهاد والمقاومة، وعلى مسألة امتلاك واقتناء السلاح، والتَّصدِّي للعدو الإسرائيلي به، فهو كان خطأً رهيباً، بل خيانة بكل ما تعنيه الكلمة، وفي نفس الوقت خدمة مجانية للعدو الإسرائيلي؛ لأنه مثل هذا التصرف، ومثل هذا الأسلوب، ليس له أي إيجابية لصالح القضية الفلسطينية إطلاقاً؛ لأنه خدمة بالكامل للعدو الإسرائيلي.

ولكن فشلت كل تلك المحاولات بفضل الله تعالى، ونتيجةً للوعي العالي لأبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، ونحن نثني على وعيهم، وعلى ثباتهم وصمودهم، واستبسالهم، بالرغم من كل المعاناة الكبيرة جدًّا، التي لا مثيل لها.

الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة ثابتٌ ثباتاً عظيماً، يستند في هذا الثبات العظيم، في مقابل المعاناة الكبيرة، في مقابل الإبادة الجماعية، والتجويع، والتدمير الشامل، وانعدام مقومات الحياة، يعتمد على إيمان، على وعي، على تَمَسُّك بقضيته العادلة.

فيمـا يتعلَّـق بقطــاع غــزَّة، والدعـم الأمـريكي، والشـراكة الأمـريكية:

من المعلوم أن استئناف العدو الإسرائيلي بعدوانه من جديد على قطاع غزَّة كان- حتى بالإعلان الأمريكي، إعلان البيت الأبيض- بإذنٍ أمريكي، وتبنٍ أمريكي، ودعمٍ أمريكيٍ مستمر، والجسر الجوي، والنقل اليومي المستمر للقنابل، والذخائر، والقذائف، التي يقدمها الأمريكي، هو يقدمها لإبادة الشعب الفلسطيني، حينما نشاهد كل المشاهد المأساوية، مشاهد المظلومية الرهيبة للشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، نشاهد الأطفال أشلاءً، ونشاهد جثامين أخرى لهم متفحمةً، هي بفعل القنابل الأمريكية.

الأمريكي شريكٌ في الإجرام، شريكٌ في العدوان، والدور الأساس هو له، في أن يستمر العدوان، وفي أن يكون بذلك المستوى حتى من الوحشية والطغيان، فالدور الأساس هو له.

هذا ينبغي أن يكون له أثر على مستوى النظرة العامة في عالمنا الإسلامي، في الشعوب العربية، وغيرها، وعلى المستوى العالمي، تجاه الأمريكي: أن المسلك الأمريكي هو مسلك إجرامي، وحشي، مسلك طغيان، وعدوان، واستهانة بالحياة البشرية، واستباحة للحياة الإنسانية، لا يعطي حرمةً لحياة الأطفال ولا النساء، هذه النظرة يجب أن تكون نظرةً مترسِّخة، وأن تُبنى على أساسها المواقف، وأن تكون واحدةً من مفردات الوعي، التي تشمل المجتمع البشري بكله؛ لأن التَّوجُّه الصهيوني الأمريكي الإسرائيلي يشكِّل خطراً على المجتمع البشري بكله؛ لأنه يتَّجه هذا الاتِّجاه، الذي لا يعطي أي كرامة ولا اعتبار للحياة الإنسانية، كحياة إنسانية، يستبيح قتل الناس، قتل الأطفال، قتل النساء، الإبادة الجماعية للشعوب، هذا مسلك ومنهج يتَّجهون عليه.

فيمـــا يتعلَّــق بلبنـــــان: خــــلال الأسبـــوع هذا:

استمر العدو الإسرائيلي في القصف الجوي والاغتيالات، وارتقاء الشهداء في لبنان بشكلٍ شبه يومي. كذلك في جنوب لبنان تستمر الاعتداءات على القرى اللبنانية الحدودية، بالقصف الإسرائيلي، والتمشيط الناري، وجرف الطرق، ومحاولات من قبل العدو الإسرائيلي لمنع أي عودة للحياة في تلك القرى، العدو الإسرائيلي يستهدف البيوت الجاهزة، والغرف الجاهزة، والجوانب الخدمية، يستهدف المدنيين أثناء عملهم في الأراضي الزراعية. لم يكتفِ بالاعتداءات في القرى الحدودية، بل وسَّع عدوانه باتِّجاه العمق اللبناني. نفَّذ أيضاً عملية اغتيال غادرة جنوب العاصمة بيروت، لقياديٍ في الجماعة الإسلامية، خرق طيران العدو الإسرائيلي جدار الصوت في الأجواء اللبنانية، وصولاً إلى العاصمة بيروت.

حزب الله كسر العدو الإسرائيلي في كل مراحل الصراع، منذ الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 82، وحتى التحرير في العام 2000، وفي حرب تموز 2006، وحتى في معركة الإسناد الأخيرة، العدو الإسرائيلي وقف عاجزاً على أعتاب القرى الحدودية اللبنانية لما يقارب الشهرين، دون تحقُّق تقدُّم واختراق فعلي ومهم.

حينما أتى الاتِّفاق لوقف إطلاق النار، التزم به حزب الله، ونفَّذ كل ما عليه، لم يبق هناك أي التزامات على أساس ذلك الاتِّفاق لم ينفِّذها حزب الله، نفَّذ كل الذي عليه؛ بينما العدو الإسرائيلي ليس فقط يخرق الاتِّفاق، بل بما هو أكثر من الخرق: عدم التزام، وتجاوز كامل للاتِّفاق، في اعتداءات كبيرة، وانتهاكات جسيمة.

ولـذلك المسؤولية الآن تقع على عاتق الدولة اللبنانية، فيما يتعلَّق بالاتِّفاق، والسعي للضغط على العدو الإسرائيلي، للالتزام بهذا الاتِّفاق وتنفيذ ما عليه؛ لأن هناك أشياء أساسية من الاتِّفاق لم يلتزم بها العدو الإسرائيلي، ولم ينفِّذها:

لم ينفِّذ ما عليه من وقفٍ فعليٍ كاملٍ لإطلاق النار، لا يزال يغتال، يدمِّر، يقصف، ينتهك ذلك بشكلٍ مستمر، وأكثر من انتهاك، اعتداءات مستمرة. لا يزال يحتل مراكز في الأراضي اللبنانية. لا يزال يمارس- كما قلنا- عمليات التجريف وغيرها، والتخريب للبنى التحتية. ينتهك الأجواء اللبنانية بشكلٍ كامل، وكأنه ليس للبنان حقٌّ في أجوائه أن تكون مصانة ومحفوظة، بل كأنها مستباحة ومباحة للعدو الإسرائيلي.

ولذلك ينبغي أن يكون كل الجهد اللبناني، على المستوى الرسمي والشعبي، ومن كل المكونات، بمختلف أشكالها، وأنواعها، وتوجهاتها، ينبغي أن يكون الجهد بكله، الكلام بكله، هو: الضغط على العدو الإسرائيلي لتنفيذ ما عليه في الاتِّفاق، والضغط على الضمناء عليه كذلك، ولا ينبغي إطلاقاً لا على المستوى الرسمي، لا للرئاسة اللبنانية، ولا للحكومة… ولا لأي جهة، ولا لأي مسؤول في لبنان، أن يوجِّه أي كلمة إساءة ضد حزب الله، ليس هناك أي التزامات لم يفِ بها حزب الله فيما يتعلَّق بالاتِّفاق.

حينما يتَّجه البعض وينطقون بنفس المنطق (منطق العدو الإسرائيلي) ضد حزب الله، فهذا خيانة للبنان، خيانة للبنان، وعمل لخدمة العدو الإسرائيلي، كما في الحالة التي تقوم بها السلطة الفلسطينية، خدمة مجانية، ليس لها أي إيجابية لصالح لبنان، والقضية اللبنانية، ولا لمصلحة الشعب اللبناني.

الأولويات التي ينبغي أن يركِّز عليها الجميع، هي:

السعي للضغط على العدو الإسرائيلي بتنفيذ ما عليه في الاتِّفاق. والتَّوجُّه الجاد لإعادة الإعمار في جنوب لبنان، وفي الضاحية… وفي سائر المناطق التي فيها دمار وخراب.

أمَّا ما يقوم به البعض من تبنٍ للمنطق الإسرائيلي، فهو خطأ فادح، وخيانة للبنان.

الأمريكي هو يسعى إلى إثارة البلبلة عبر بعض المكونات، يسعى لحرف مسار الأولويات لدى الجانب الحكومي، والهدف الأمريكي: أن يتبنَّى الجميع الموقف الإسرائيلي، وتتحول كل اهتماماتهم لخدمة العدو الإسرائيلي، مع التفريط في شعوبهم، وسيادة بلدانهم، ومصالحهم، مصالح شعوبهم الحقيقية.

والعدو الإسرائيلي هو يسعى لتجريد لبنان من أهم عناصر القوة، هو يسعى لذلك، وأطماعه مستمرةٌ في لبنان، عامل الردع الحقيقي في لبنان هو: المقاومة، التاريخ يشهد بذلك، الواقع يشهد بذلك؛ ولـذلك ينبغي أن تحظى دائماً شعبياً بالاحتضان والمساندة، وألَّا يصغي الشعب اللبناني إلى من يجعلون من أنفسهم أبواقاً للعدو الإسرائيلي، يرددون كلامه ومطالبه العدوانية.

فيمـــا يتعلَّــق بسوريــــا:

واصل العدو الإسرائيلي في هذا الأسبوع الاقتحامات، وحملات المداهمة للقرى في الجنوب السوري، في (القنيطرة)، نفَّذت قوات العدو الإسرائيلي حملات مداهمة وتفتيش للمنازل في: (قرية القحطانية، وبلدة العشة، وبلدة الأصبح)، وشملت اعتداءات على المواطنين، ومصادرة بعض إمكاناتهم وممتلكاتهم، وتفتيش المنازل، وترويع الأطفال… هكذا استباحة، استباحة وعدوان بكل ما تعنيه الكلمة! إضافةً إلى اعتقال بعض الأشخاص. تقوم قوات العدو الإسرائيلي أيضاً هناك بتنفيذ دوريات بشكلٍ شبه يومي في (ريف القنيطرة)، تُقيِّد حركة المواطنين السوريين في تلك المناطق، وضعية سيئة، يسعى العدو الإسرائيلي أن يكون متحكماً بك حتى في حركتك في منزلك (متى تدخل، ومتى تخرج)، في قريتك، في ذهابك في أنحاء وطنك، من هذه المنطقة إلى تلك.

في ما يقوم به العدو الإسرائيلي بشراكة أمريكية، وفي ما يسعى له مما هو أكبر من ذلك؛ لأن كل هذا يتم- كما قلنا مراراً وتكراراً- في إطار المخطط الصهيوني، الذي يهدف لما هو أبعد من هذا بكثير، يجب أن نستذكر ونذكِّر بالمسؤولية الكبيرة على المسلمين جميعاً في كل العالم الإسلامي، هذه أُمَّة كبيرة (أُمَّة الملياري مسلم)، عليها مسؤولية أمام الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، مسؤولية دينية، وأخلاقية، وإنسانية، وباعتبار مصالحها القومية، وأمنها القومي، هذه الأُمَّة التي أسهمت فعلياً بجمودها، وتخاذلها، وسكوتها، وتفرُّجها على تشجيع العدو الإسرائيلي، أسهمت- فعلاً- بأن يفعل ما يفعل وهو مطمئن البال، مطمئن تماماً، بل يلقى تشجيعاً- في الوقت نفسه- من بعض الأنظمة العربية.

العرب في المقدِّمة عليهم مسؤولية، مسؤولية كبيرة، الخنوع ليس من مصلحة أحد أبداً، حالة الخنوع تجاه العدو الإسرائيلي، بكل ما هو عليه من حقد وأطماع، وبكل ما هو عليه أيضاً من استخفاف، استخفاف بالعرب والمسلمين، لا يعترف لهم أساساً بأنهم من البشر، يعني: الخنوع له ليس له قيمةٌ عنده، هو لا يقدِّر لمن يخنعون له، ولا لمن يوالونه، ولا لمن يتَّجهون إلى تبني أطروحاته، وما يقدِّمه هو من عناوين في إطار مخططه، لا يقدِّر لأحدٍ مهما فعل معه أبداً، مهما قدَّم له من خدمات، ومهما سكت، ومهما خنع، ومهما خضع، لا يعتبر هذه إيجابية يقابلها بتوجُّه إيجابي، كما قلنا: لو كان هذا الخيار مجدياً؛ لكان مجدياً في سوريا، لكانت التوجهات الإسرائيلية هي: الانسحاب التام من الجولان، والإشادة بالموقف السوري، والثناء عليه، والتعامل بإيجابية عالية جدًّا؛ ولكن هو لا يقدِّر لأحد أي شيء.

فهناك مسؤولية، ومع أنها مسؤولية إيمانية، دينية، إنسانية، أخلاقية، هي: ضرورة حتمية، ليس هناك من خيار آخر، إلَّا خيار يخدم العدو، ويدمِّر الأُمَّة، كما قلنا:

خيار الموالين، الذين يقدِّمون خدمات للأعداء، هم يسهمون في تمكين الأعداء أكثر فأكثر. وخيار الاستسلام، كذلك هو خيار انتحاري، مدمِّر، كارثي، يجعل الأُمَّة تخسر كل شيء، قضية خطيرة جدًّا على الأُمَّة، وفي نفس الوقت يكون هناك عليها عقوبة كبيرة من الله؛ لأنها أُمَّة لديها كل المقومات.

الوضع الراهن، وتجاه أي إنسان يتأمل الوقائع والحقائق، والوضع على المستوى الدولي والإقليمي؛ يجد أنَّ هناك أيضاً عوامل مساعدة كثيرة، تشجِّع هذه الأُمَّة لو بقيت لديها أي نظرة صحيحة، لكن هناك حالة عمى بشكل رهيب ومخيف في واقع الأُمَّة.

هنـــاك عوامـــل مساعـــدة مشجِّعـــة، تشجِّـــع هـــذه الأُمَّـــة للنهــوض بمسؤوليتهــــا:

أول هذه العوامل المساعدة المشجِّعة، والتي هي حُجَّة- في نفس الوقت- على الأُمَّة، هو: مدى وحجم الصمود الفلسطيني في قطاع غزَّة:

الصمود الفلسطيني في قطاع غزَّة لأكثر من عام ونصف، بهذا المستوى من: الاستبسال، والثبات، والفاعلية، والتضحية، هو حُجَّةٌ على هذه الأُمَّة؛ لأنه غير مسبوق أصلاً، غير مسبوق في الصراع مع العدو الإسرائيلي، لا في فلسطين نفسها، منذ بداية الصراع مع العدو الإسرائيلي، ولا على المستوى العربي، لم يسبق أن كان هناك صمودٌ بهذا المستوى، في مقابل: إبادة جماعية، تدمير شامل، هجمة عدوانية إجرامية وحشية إسرائيلية أمريكية، مدعومة غربياً بهذا المستوى، مع إطلاق يد العدو الإسرائيلي لارتكاب أبشع الجرائم، مع فعل كل الجرائم، من تجويع من إبادة جماعية، من انتهاك لكل الحرمات، ومع ذلك عجز العدو الإسرائيلي لأكثر من عام ونصف من حسم ما يريد حسمه في قطاع غزَّة، ومن تحقيق أهدافه في السيطرة الكاملة عليها، هذا الصمود العظيم للإخوة المجاهدين هناك، بإمكانات محدودة للغاية، محدودة جدًّا، وصمود كذلك الحاضنة الشعبية، صمود الشعب الفلسطيني في أقسى ظروف، وأصعب وضع، هو حُجَّة على هذه الأُمَّة.

وكان من المفترض أن يقابل هذا الصمود بالاحتضان، بالدعم، بالمساندة، وأن يكون هناك- كما قلنا- تغيُّر في طبيعة التعامل، ومستوى التعامل تجاه الشعب الفلسطيني نفسه بالدعم الكبير، والمساندة الحقيقية، وتجاه المجاهدين، أن يكون هناك ما يعتبر فارقاً ملحوظاً عن الماضي؛ لأنه ليس هناك مساندة بالشكل المطلوب، دعم بالشكل المطلوب، الحالة إمَّا حالة تخاذل بالكامل، أو حالة تواطؤ من البعض، وهناك قوى محدودة تدعم الشعب الفلسطيني، وتساند مجاهديه، وتقدِّم الدعم لمجاهديه.

بل أصبحت هذه القضية تمثِّل عند الكثير من الأنظمة إشكاليةً بينهم وبين الجمهورية الإسلامية في إيران، يعني: بدلاً من أن يشكروا الجمهورية الإسلامية في إيران، أنها تقدِّم الدعم للإخوة المجاهدين في فلسطين، هي مما ينتقدونه على إيران، وينتقدونه- في نفس الوقت- على الشعب الفلسطيني، وعلى مجاهديه، هم يريدون من الشعب الفلسطيني ومن مجاهديه ألَّا يقبل بأي مساندة، وألَّا يقبل بأي دعم، فمن يساند الشعب الفلسطيني؛ يتعرض لهجمة إعلامية من بعض الأنظمة العربية، وفي نفس الوقت هجمة على الشعب الفلسطيني كيف يتعامل حتى إيجابياً مع هذه الوقفة والمساندة، وهذا واضح، حتى فيما يتعلَّق بإسناد اليمن، ترى بعض الأصوات التي تنتقد الشعب الفلسطيني، تنتقد مجاهديه: [لماذا يرحِّب بهذه الخطوة الإيجابية الفريدة في الساحة العربية؟! لماذا يشيد بها؟! لماذا يرتاح لها؟!]، لا يريدون من الشعب الفلسطيني أن يرتاح حتى لمن يقف معه، أو يعبِّر عن ارتياحه لأي وقفة صادقة معه من أي عربيٍ أو مسلم، حالة غريبة جدًّا!

فعلى كُلٍّ    ، هذا الصمود العظيم هو من العوامل المساعدة، التي تؤكِّد قطعاً على الجدوائية الواضحة للصمود، وهناك من إن قدَّمت له الأُمَّة الدعم الكامل، من هو واقف بثبات في مواجهة العدو الإسرائيلي، فبدلاً من التأليب ضد المجاهدين في فلسطين، ضد حركة حماس، ضد كتائب القسَّام، ضد حركة الجهاد الإسلامي وسرايا القدس… وغيرها، من المفترض أن يكون هناك تعاون، ودعم بكل الأشكال للشعب الفلسطيني، واعتبار هذا عنصراً مهماً جدًّا.

لو نأتي إلى من لهم تقديرات أخرى، وحسابات أخرى، من هم من ذوي اليأس والإحباط تجاه إمكانية الصمود في مواجهة العدو الإسرائيلي، كيف كانت تقديراتهم في بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزَّة؟ البعض منهم مع تلك الهجمة لم يكن يتوقَّع للشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة أن يصمد ولو لأسبوعٍ واحد، أو لشهر، أو لشهرين، في كل أسبوع يكونون منتظرين أن يكون في آخره رفعٌ للرايات البيضاء والاستسلام في قطاع غزَّة… وهكذا، يستمرون في حالة التربص شهراً بعد شهر إلى الآن، يكفي، يكفي، المفترض أن تفهموا أنَّ الثبات العظيم للشعب الفلسطيني ومجاهديه عامل قوَّة مهم، ينبغي أن يُبنى عليه: دعم، ومساندة، واحتضان، وتأييد، وتحرُّك جاد لدعم الموقف.

ثانياً: الاستفادة من المتغيرات العالمية في صحوة الضمير، وتصحيح النظرة تجاه القضية الفلسطينية:

هناك صحوة ووعي منتشر في الساحة العالمية، أصبحت النظرة العالمية في أوساط الشعوب، في مختلف البلدان، إلى العدو الإسرائيلي أنَّه: مجرم، ظالم، محتل، غاصب، يرتكب الإبادة الجماعية، والتغيرات في النظرة وصلت إلى الساحة الأمريكية نفسها، يعني: حسب استطلاعات للرأي في أمريكا نفسها، أنَّ أكثر من نصف المواطنين الأمريكيين لم يعودوا متضامنين مع إسرائيل، وهذا من المتغيِّرات المهمة جدًّا، المتغيرات أيضاً في الشعوب الأوروبية، في النظرة إلى القضية الفلسطينية، إلى المظلومية الفلسطينية، النظرة إلى العدو الإسرائيلي كمجرم، غاصب، ظالم، يرتكب الإبادة الجماعية، يرتكب أبشع الجرائم، وأفظع الجرائم، هذا متغير مهم في الساحة العالمية.

بل ليس فقط على مستوى الشعوب، هناك على مستوى الأنظمة، أنظمة كثيرة، بعض الأنظمة الأوروبية أعلنت عن مواقف متقدِّمة نسبياً في التضامن مع الفلسطينيين، حكومات وجهات رسمية في بلدان أخرى في غير أوروبا، مواقف متقدّمة جدًّا أيضاً في أمريكا اللاتينية.

هذا الموقف العالمي، الأكثر تعاطفاً مع الشعب الفلسطيني، والأقرب إلى الإنصاف للقضية الفلسطينية أكثر من أيِّ وقتٍ مضى، ينبغي أن يحسب من عوامل القوة، التي كان ينبغي أن تستفيد منها هذه الأُمَّة، وأن تتَّجه بموقف موحَّد، بمختلف حكوماتها، وأنظمتها، وشعوبها، للضغط لإنهاء العدوان على الشعب الفلسطيني، ولدعم القضية الفلسطينية.

هناك أيضاً مظاهرات تخرج في بلدان كثيرة، الرأي العام العالمي مهيأ أكثر من أيِّ وقتٍ مضى، ومتعاطف أكثر من أيِّ وقتٍ مضى مع الشعب الفلسطيني، كيف لا يستثمر هذا العامل المهم؟!

كذلك من العوامل المساعدة هي: الخلافات الإسرائيلية ما بين الإسرائيليين:

هناك خلافات كبيرة، وخلافات تتعمَّق وتزداد وتيرتها، والمسألة واضحة في المظاهرات، في التصريحات، في طبيعة تلك التصريحات للإسرائيليين فيما بينهم، تكشف عن حجم الفجوة التي تزداد اتِّساعاً فيما بينهم، تصريحات أيضاً بشكل حاد، المحاكمات، الإقالات، الاتِّهامات، المظاهرات… وغير ذلك.

في الجانب الأمريكي حتى رسمياً، هناك أيضاً إشكالات داخلية، وتباينات، والوضع الأمريكي مأزوم، والمشاكل التي يعاني منها الأمريكي هي مشاكل كبيرة؛ ولـذلك على المستوى الاقتصادي، اتَّجه إلى الحرب التجارية بممارسة الابتزاز المالي في إطار التلفيق لوضعه، الأمريكي في هذه المرحلة لديه مشاكل كبيرة، مشاكل كبيرة بكل ما تعنيه الكلمة.

مثلاً: على المستوى الاقتصادي، عندما لجأ إلى الابتزاز المالي، هو يحاول أن يعالج مشاكل في واقعه، لم تكن هكذا مجرد قرارات اتَّجه فيها، لديه مشاكل وتحدثنا عن هذا في الأسبوع الماضي، لكن عندما يتأمل الإنسان- مثلاً- عن بعض القرارات الأمريكية، منها:

أنه خفَّض ميزانية وزارة الخارجية الأمريكية إلى النصف. أغلق عدداً مهماً من السفارات في عدة بلدان، وكذلك عدداً كبيراً من البعثات الدبلوماسية.

إجراءات كثيرة تكشف عن حجم الأزمة الأمريكية، والمشكلة الأمريكية، هذا مما كان ينبغي الاستفادة منه.

الاستفادة أيضاً من الموقف اليمني كنموذج:

اليمن اتَّجه بموقفه (رسمياً، وشعبياً) بسقف عالٍ، هو كل المستطاع والممكن في إطار المشروع، اتَّجه على هذا الأساس، وأن يكون السقف هو: الاستجابة لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والانطلاق في المسؤولية.

هذا نموذج مهم، نموذج مهم، هل قامت القيامة؟! هل شُطب اليمن من الخارطة؛ لأنه اتَّخذ هذا الموقف القوي، الجريء، الصامد، الثابت، المستند على أساس التوكل على الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والاعتماد على الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؟! هذا الموقف كان من المفترض الاستفادة منه أيضاً كعاملٍ من العوامل المساعدة؛ لأنه موقف فعَّال، وقوي، وفي نفس الوقت بسقفٍ عالٍ، ومتكامل.

فيمــــا يتعلَّـــق بجبهـــة الإسنـــاد اليمنيــــة:

تستمر العمليات من يمن الإيمان والحكمة والجهاد، في (معركة الفتح الموعود والجهاد المقدَّس)، لإسناد الشعب الفلسطيني، حيث نفَّذت قواتنا خلال هذا الأسبوع (سبع عمليات)، بالقصف الصاروخي، وبالمسيَّرات، إلى عمق فلسطين المحتلة، منها:

باتَّجاه (حيفا)، وكانت عملية مفاجئة للأعداء. وباتِّجاه (يافا). باتِّجاه (عسقلان، والنقب، وأم الرشراش).

ونفِّذت بـ(سبعة صواريخ بالِسْتِيَّة وطائرات مسيَّرة).

العملية إلى (يافا، وحيفا) كان لها صدى وأثر:

توقفت الرحلات الجوية في مطار اللُّد، الذي يعرف بمطار [بن غوريون]. كذلك هرب الملايين إلى الملاجئ.

هذه العمليات هي دليلٌ واضح على فشل العدوان الأمريكي، فشله في إيقاف العمليات، في الحد من القدرات، في فاعلية الموقف وحجمه.

على مستوى العمليات البحرية أيضاً، هناك عمليات مستمرة في التَّصدِّي للعدو الأمريكي، في الاستهداف والاشتباك مع حاملتي الطائرات الأمريكية.

الأمريكي، بعد أن عزّز بحاملة طائرات أخرى، وأتت بعيداً هناك في أقصى البحر العربي، لم يستفد شيئاً، لم يُعزِّز موقفه بشكلٍ فعَّال، لم يتمكن من إحراز مزيد من التقدّم في تحقيق أهدافه العدوانية على بلدنا، التي هي كلها في إطار إسناده للعدو الإسرائيلي، وحمايته للعدو الإسرائيلي؛ ليستمر في الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني.

عمليات هذا الأسبوع فيما يتعلَّق بالاشتباك مع القوات البحرية الأمريكية، حاملات الطائرات، والقطع البحرية العسكرية المرافقة لها، كانت العمليات بـ (سبعة وعشرين) صاروخ مجنَّح، وطائرة مسيَّرة، في (تسع عمليات اشتباك)، خلال هذا الأسبوع كان هناك (تسع عمليات اشتباك)، مع حاملتي الطائرات، والقطع العسكرية البحرية التي معها، كانت تستمر عمليات الاشتباك لمدة ساعات طويلة، وفي إحداها كما ذكر موقع صيني، موقع إعلامي صيني: [هروب حاملة الطائرات في أقصى البحر العربي مئات الأميال، أثناء الاشتباك معها، والاستهداف لها]، هذه حاملة الطائرات التي أتت مؤخراً، باتت أيضاً تتدرَّب على عمليات الهروب أثناء المناورة والاشتباك.

كما تستمر قواتنا في منع الملاحة البحرية للعدو الإسرائيلي، وكذلك للأمريكي؛ لأنه ورَّط نفسه مع الإسرائيلي، في (البحر الأحمر، وباب المندب، وخليج عدن، والبحر العربي)، حيث أصبحت سفن العدو الإسرائيلي، ومعه الأمريكي، منعدمة تماماً في هذا المسرح، يعني: ليس هناك أي نشاط ملاحي لهم إطلاقاً، بل هناك توقُّف تام.

فيمــا يتعلَّــق بقـــوات الدفـــاع الجــوِّي: والحمد لله رب العالمين، هناك نتائج ملموسة في إمكانات الدفاع الجوي، وفي فاعلية العمليات في قوات الدفاع الجوي، تستمر قوات الدفاع الجوي في الاصطياد لطائرات الاستطلاع المسلح الأمريكي (إم كيو 9)، حيث تمكَّنت- بفضل الله- خلال هذا الأسبوع من إسقاط ثلاث طائرات استطلاع مسلَّح نوع: (إم كيو 9)، في أجواء محافظتي صنعاء والحديدة، وتعتبر الطائرة السابعة التي يتم إسقاطها خلال هذا الشهر، كذلك في أجواء حجة، وتعتبر الطائرة الثانية والعشرين التي تمَّ إسقاطها من بداية عمليات الإسناد، هذا إنجاز كبير بحمد الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ونعمة كبيرة.

الإحصائيات من شهر رمضان وإلى الآن كبيرة، ولكن لاختصار الوقت لن أقوم بالحديث عنها، نتركها- إن شاء الله- لكلمة أخرى.

على كُلٍّ، كان من الملفت فيما يتعلَّق بهذه العمليات هو: انزعاج [المجرم نتنياهو] من (مسيَّرة يافا)، ومن العنوان الذي يتكرر في البيانات (بياناتنا اليمنية) عن (يافا) المحتلة، العدو الإسرائيلي ينزعج حتى على مستوى التركيز في الأداء الإعلامي على الأسماء الحقيقية لفلسطين، والمدن والبلدات الفلسطينية، وهذه مسألة مهمة، وهذا درس مهم، انزعاجه هو درس مهم؛ لأنه يذكِّره دائماً بأنه كيانٌ غاصبٌ، محتلٌ، مجرم، وكيانٌ مؤقت، حتمي الزوال، كما وعد الله بذلك في التوراة والإنجيل والقرآن، لابدَّ من زواله، فعندما تذكر أسماء المدن والبلدات الفلسطينية، أسماءها الحقيقية، لهذا أهمية كبيرة جدًّا، فهو انزعج من تسمية الطائرة المسيَّرة (يافا) بالاسم الحقيقي، وكذلك عبارة (المحتلة) انزعج منها كثيراً، هذا درس مهم للجانب الإعلامي على المستوى العربي والإسلامي، أهمية المصطلحات والأسماء وما يتعلَّق بها كبيرة جدًّا في الأداء الإعلامي.

الإسناد مستمر بفاعلية تامة، بتأثير، الأمريكي فاشل في إسناده للعدو الإسرائيلي ضد اليمن، بالرغم من تصعيده، هو يسعى إلى التصعيد، في هذا الأسبوع أكثر من (مائتين وستين غارة) بقاذفات القنابل وبغيرها، ومع ذلك حاول أن يستهدف الأعيان المدنية، كما فعل في جريمته في الاعتداء على (سوق فروة)، وكذلك في اعتدائه على أماكن أخرى، وصل به الحال أن أصبح يستهدف المقابر، كما استهدف (مقبرة ماجل الدِّمَّة) في صنعاء، يستهدف العابرين في الطرقات، يستهدف الشارع العام، يستهدف الأحواش، كما فعل في فجر اليوم، هذه الجرائم كلها تشهد على فشله، على تخبطه، هل هذا يحدُّ من القدرات العسكرية: الاعتداء على سوق شعبي، هل هذا يحد من القدرات العسكرية؟ أو هو يعبِّر عن فشل وحقد- في نفس الوقت- على الشعب اليمني؟

الأمريكي، بالرغم من بلوغ عدد غاراته وقصفه البحري، منذ استئناف عدوانه المساند للإسرائيلي ضد اليمن- يعني: في هذه الآونة الأخيرة، خلال هذا الشهر، شهر وقليل- بلغت أكثر من (ألف ومائتين غارة وقصف بحري)، إلَّا أنَّ فشله واضحٌ تماماً، وهو يعترف أيضاً بالفشل، الواقع يثبت فشله، باب المندب والبحر مغلق على السفن الإسرائيلية، والملاحة الإسرائيلية، الأمريكي حتى بقدراته العسكرية البحرية، هو يبتعد بها هناك، على مسافة بعيدة، مئات الأميال، أكثر من (ألف كيلو) تبتعد في كثير من الأحيان، تبقى بعيداً على الدوام، مع ذلك هناك تصريحات أيضاً، تصريحات لخبراء أمريكيين وإسرائيليين، ونذكر بالاختصار البعض منها، قنواتنا هي تقوم بالبث لكثيرٍ من هذه التصريحات، والاعترافات، وإظهارها، وهي اعترافات مهمة:

هناك اعترافات لعقيد أمريكي متقاعد، يقول فيها: [سيبقون هناك]، يعني: لن تتمكنوا أنتم أيها الأمريكيون والإسرائيليون من القضاء على اليمنيين، وعلى المجاهدين في اليمن، [سيبقون هناك ما دامت الأرض والسماء قائمتين، وسيظلون صامدين، وأعتقد أنهم لن يختفوا أبداً من هناك بالقصف، لا يمكنكم إعادة الحوثيين إلى العصر الحجري، في الحقيقة هم يقفون بقوَّة أمامكم، فلا تتعبوا أنفسكم]، هذه العبارات التي تؤكِّد أنَّه لا جدوى من العدوان الأمريكي على اليمن (لا في الحد من القدرات، ولا في الضغط على الإرادة في الموقف، ولا في منع العمليات) هي كثيرة جدًّا، كثيرة جدًّا لدى الأمريكيين، لدى خبراء، لدى معلِّقين، لدى مسؤولين، لدى وسائل إعلامية.

منها كذلك لمسؤول سابق في وزارة الخزانة الأمريكية، يقول فيها: [الحوثيون يردُّون على ما يفعله الإسرائيليون بالفلسطينيين، إذاً رد فعل الحوثيين في اليمن هو ضد إسرائيل]، يعني: هذه مسألة معروفة لدى الأمريكيين، القضية اليمنية هي: الإسناد للشعب الفلسطيني، في مقابل الإبادة الجماعية والتجويع، وهذه مسألة واضحة للأمريكيين: أنهم إنما قاموا هم بالعدوان على بلدنا إسناداً للعدو الإسرائيلي، فهذا الأمريكي- وهو مسؤول سابق في وزارة الخزانة الأمريكية- يقول: [إذاً رد فعل الحوثيين في اليمن هو ضد إسرائيل، لو لم تكن إسرائيل تفعل ما تفعله بالفلسطينيين، لما تحرَّك الحوثيون، هذا]، يعني: نستكمل كلامه يقول: [هذا هو الرد العربي الوحيد على الإبادة الجماعية الإسرائيلية في فلسطين، كل الدول العربية كأنَّ الأمر لا يعنيهم، أو يكتفون بكلمات دون فعل، إذاً هؤلاء هم العرب الوحيدون، الذين لديهم روح المقاومة، والضمير الأخلاقي، والتعاطف مع الفلسطينيين؛ لأن باقي العرب كأنهم مع إسرائيل]، يعني: هو ينتقد أيضاً موقف بقية العرب.

هناك أيضاً تصريح آخر لأحد الأمريكيين، محارب أمريكي قديم، وهو يشيد بدور اليمنيين في محاربة إسرائيل، والامبراطورية الأمريكية، يقول في تصريحه: [هذه هي حقيقة إسرائيل، ميناء حيفا مغلق، ومفلس، لماذا؟ لأن شعب اليمن حفظه الله]، يقول هو هكذا، [الحوثيين، أو أنصار الله، هؤلاء اليمنيين هم أفضل البشرية الذين واجهوا ليس فقط إسرائيل، بل الامبراطورية الأمريكية بأكملها، إنَّ إسرائيل تحرق الشعب الفلسطيني بفضل أموال دافعي الضرائب الأمريكيين]، هكذا يقول، ويثني على الموقف اليمني.

هناك تصريحات أيضاً مما يسمى بوزير الحرب السابق الإسرائيلي، قال فيها: [الحوثيون تهديد خطير لنا، وأمريكا ستفشل في حربها عليهم]، هناك الكثير جدًّا من التصريحات والاعترافات، التي تبيِّن أنَّه لا جدوى من العدوان الأمريكي في التأثير على الموقف اليمني.

فيمــــا يتعلَّـــق بالتظاهـــــرات:

هناك تظاهرات في كثير من بلدان العالم خرجت في هذا الأسبوع، مساندةً للشعب الفلسطيني في مدن متعددة: في أمريكا، وفي هولندا، والسويد، والنرويج، وألمانيا، وإيطاليا، والدنمارك، والنمسا، وبلجيكا، وفرنسا، وبريطانيا، وإسبانيا، وإيرلندا، وكندا، وأستراليا، واليابان، وكوريا الجنوبية. عربياً، خرجت تظاهرات في عدد من المدن المغربية، وفي موريتانيا، وفي ليبيا، وفي تونس، وفي البحرين.

الأمريكي هو مستمر في الضغط على الجامعات والطلاب، وبارتكاب انتهاكات، وإجراءات تعسفية ضد الجامعات الأمريكية، ومتنوعة، إجراءات عقابية، منها:

قطع التمويل. فرض ضرائب. إلغاء التأشيرات والإقامة، وترحيل الطلاب. اعتقال البعض منهم. حرمان الجامعات من حق استقبال الطلاب الأجانب… وغير ذلك.

إجراءات متعددة ومتنوعة.

فيمـــا يتعلَّــق ببلدنـــا:

الأنشطة الشعبية مستمرة بكل أنواعها بفضل الله، بتوفيقه، بمعونته، من: مسيرات، وفعاليات، وندوات، وأمسيَّات، ووقفات. أنشطة التعبئة العسكرية، من: تدريب، ومناورات، وعروض عسكرية، ومسير عسكري. وأيضاً الوقفات القبلية، وهي من أهم الأنشطة الشعبية: الوقفات القبلية، والبيانات، والتصريحات، والمواقف، التي تؤكِّد عليها. الشعب خرج في الأسبوع الماضي في أكثر من (أربعمائة ساحة) في الخروج المليوني في يوم الجمعة.

موقف شعبنا العزيز هو موقفٌ عظيم، موقفٌ قوي، موقفٌ ثابت، موقفٌ متكامل؛ لأنه مستمدٌ من قوة إيمانه، من قوة ثقته بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وتوكله على الله، وثقته بوعد الله الحق: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحج:40]، شعبنا يؤمن بهذا الوعد الإلهي، وفعلاً نحن في الواقع في حالة انتصار، هذا الصمود العظيم، بهذه الفاعلية، بهذا الحضور الكبير، بهذا التأثير، بهذا المستوى المتكامل من الموقف، وعلى مدى أكثر من عام ونصف، هو انتصار بكل ما تعنيه الكلمة، والمسار فيه مسار تصاعدي أصلاً، يعني:

تطوير أكثر للقدرات العسكرية. امتلاك أفضل للتقنيات العسكرية. اكتساب خبرة أكبر. ارتقاء في الروح المعنوية. ارتقاء في مستوى الوعي. حتى في تعزيز الثقة بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في إطار واقعٍ معاش، في إطار واقعٍ عملي، نعيش فيه ونلمس الرعاية من الله، المعونة من الله، التأييد من الله، النصر من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

تصريحات وكلام أقارب الشهداء تشهد على هذا الثبات، هذا الوعي، هذا الإيمان، هذه القوة في الموقف، المستمدة- كما قلنا- من قوة الإيمان، كذلك ما يقوله الجرحى، ما يقوله الناس في المظاهرات لوسائل الإعلام، وحتى في هتافاتهم، حجم الحضور الهائل، يعبِّر عن أنَّ مساحة الوعي، والثبات، والتَّوجُّه الجاد، مساحة واسعة، هذا الشعب يتحرَّك بشكلٍ مليوني في إطار موقفه الحق، يستجيب لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

الحرب هي حرب إرادة، وحرب مرتكزها- بالدرجة الأولى- هو: الجانب المعنوي والإيمان، الأمريكي يصعِّد، يعتدي، ولكن بفشل مكشوف ودنيء وواضح، ما معنى أن يهاجم مقبرة؟! أليس هذا هو منتهى الفشل؟! مقبرة عادية، مقبرة، أن يستهدف القبور بالقصف الجوي، هذا منتهى الفشل، كثير من اعتداءاته تشهد على فشله الذريع.

صمود شعبنا العزيز يعبِّر عن إرادته، أنَّه مهما كان التصعيد الأمريكي، فلن يكسر إرادة هذا الشعب، ولن يثني هذا الشعب عن موقفه الحق؛ لأنه- كما قلنا- موقف يستند إلى المنطلق الإيماني، إلى الثقة بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، إلى التوكل على الله “جَلَّ “شَأنُهُ”، وفي واقعٍ قوي بحمد الله، بحمد الله.

فيتنام، صمدَّت في مواجهة عدوان أمريكي كبير جدًّا؛ وفشل الأمريكي في عدوانه عليها، ليس الأمريكي بمستوى أن يقول للشيء: [كن فيكون]، أو أن يحسم أي عدوان لصالحه، أينما كان، حينما يكون هناك شعب يصمد، يؤمن بقضية، يثبت على موقفه، يمكنه أن يحقق النصر على الأمريكي، وشعبنا اليوم هو يقدِّم درساً مهماً جدًّا، تحتاج إليه كل الأُمَّة؛ لأن الدور الأمريكي، سواءً في الأطماع الأمريكية والاستهداف لأُمَّتنا، أو مع العدو الإسرائيلي، وهو الأساس: مع العدو الإسرائيلي، بمعنى: أنَّ العدو الإسرائيلي يعتمد عليه بشكلٍ أساسيٍ وكلي، وتتهيَّب معظم الشعوب والبلدان من أن تتبنى الموقف الصحيح، وتتَّجه في الموقف الصحيح؛ خوفاً من الأمريكي، شعبنا يقدِّم درساً مهماً لكسر هذا الحاجز، كسر هذا الحاجز الذي أثَّر على الأُمَّة، ودفعها إلى الحالة المخزية، والمهينة، والمذلَّة، في مقابل الأمريكي، فيرى العالم أنَّ الأمريكي فشل في عدوانه على هذا الشعب، وأنَّ هذا الشعب بقي ثابتاً، صامداً، متماسكاً، لم يتراجع، وكان المسار بالنسبة له مساراً تصاعدياً، يقوى فيه أكثر، كلما صعَّد الأمريكي؛ كلما كان الموقف بالنسبة لبلدنا أكثر قوةً، وكلما أسهم ذلك أيضاً في مزيدٍ من التطوير للقدرات العسكرية.

هناك أيضاً كوبا- مثال آخر- صمدت في مواجهة الحظر الاقتصادي، والحصار لأكثر من نصف قرن، فما بالك بيمن الإيمان، الذي ينطلق من منطلقات إيمانية، في قضية حق واضحة، كيف لا يصمد!

الخروج المليوني الأسبوعي المستمر مشاركة مهمة في الجهاد، مشاركة عظيمة في الجهاد، وفي الموقف، ودعم كبير للموقف، وصوت كبير لشعبٍ له موقفٌ صادقٌ متكامل؛ ولذلك ينبغي أن يستمر بالزخم الكبير جدًّا، هذا مهمٌ جدًّا، في مرحلة مهمة جدًّا، وهو عملياً ليس عمليةً صعبة، ليس عملاً شاقاً، وفيه عناء كبير، وحتى لو كان هناك عناء في بعض المناطق، أو تعب، فهو في سبيل الله تعالى، عند من يكتب للإنسان عندما يستجيب له كل تعبه، كل ظمائه، كل عنائه، ويجازيه على ذلك الجزاء العظيم، وأكبر جزاء هو الجزاء والأجر على الجهاد في سبيل الله تعالى؛ لأنه في مقدِّمة الأعمال التي أجرها عظيم، وفضلها كبير، وفي نفس الوقت في موقف مشرف.

أدعو شعبنا العزيز إلى الخروج المليوني العظيم الواسع يوم الغد إن شاء الله تعالى، في العاصمة صنعاء، وفي بقية المحافظات، هذا الخروج الذي يعبِّر عن الثبات، عن الصمود، عن الاستمرار، وهذا الخروج الذي يهتف للشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة؛ ليدرك أنَّ هذا الشعب مستمرٌ إلى جانبه، ولن يتخلَّى عنه أبداً، ولن يتفرَّج عليه، ولن يمكِّن العدو الإسرائيلي من الاستفراد به.

نَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُعَجِّلَ بِالفَرَجِ وَالنَّصْرِ لِلشَّعْبِ الفِلَسْطِينِيِّ المَظْلُوم وَمُجَاهِدِيهِ الأَعِزَّاء.

وَنَسْألُهُ “جَلَّ شَأنُهُ” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.

وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

مقالات مشابهة

  • سفيرة الجامعة العربية أمام جثمان البابا فرانسيس: «تأثرت بشدة وذكرت اللحظة التي تحدثت فيها عن معاناة الفلسطينيين»
  • قائد الثورة : العدوان الأمريكي فشل في الحد من قدراتنا أو منع عملياتنا العسكرية
  • قائد الثورة: على الأمة الإسلامية مسؤولية دينية وأخلاقية وإنسانية في مواجهة المشروع الصهيوني
  • كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي حول مستجدات العدوان على غزة وآخر التطورات الإقليمية والدولية (فيديو)
  • السيد عبدالملك الحوثي يحذر من مخطط صهيوني خطير يستهدف المسجد الأقصى المبارك
  • ترقبوا كلمة للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي
  • موقع عسكري: ما أنواع أهداف الضربات الأمريكية في اليمن التي تستخدم فيها صواريخ مضادة للإشعاع الثمينة؟
  • رئيس لجنة السجون ومستشار هيئة رفع المظالم بمكتب رئاسة الجمهورية فهد غثاية لـ” الثورة”:توجيهات السيد القائد كان لها الأثر الكبير في تحسين أوضاع السجون
  • بين تكالب الأعداء وسُبل المواجهة القرآنية.. مميزات المسيرة الجهادية
  • في زمن التيه.. الرجولة أن تكون من أنصار الله