موقع النيلين:
2025-01-18@03:09:39 GMT

إدوارد سعيد: مثقف في الهرج

تاريخ النشر: 28th, March 2024 GMT


ما تزال قضية فلسطين عندنا حقاً مضاعاً لا نعززه بمعرفة به من فوق علم دقيق بمن أضاعه. لن تجد “الجزيرة” أو “الحدث” تنتحي في سيل أخبارها بمختص بالتاريخ والثقافة ليلقي الضوء على قضايا تثيرها الحرب من جديد فوق نار شعواء. وددت طوال تتبعي للمعارك وخبرائها و”المعلقين على الأنباء” أن تأتي هذه القنوات بمن يناقش موضوع العداء للسامية الذي يقرض الآن في قماشة الديمقراطية الامريكية كما لم تُقرض منذ المكارثية.

بل أن تدعو هذه القنوات هؤلاء العلماء لتقليب الرأي حول تهجير الفلسطينيين الذي بدا وكأنه مما اضطرت له إسرائيل بسبب الحرب، أو هي التي تزعم ذلك. مع أنه خطة مبيتة من اليمين الديني اليهودي ك”الحل النهائي”، في مصطلح النازية، منذ صعود نجمه في الحكم في إسرائيل كما جاء في كتابات أخيرة للصحافي اليهودي بيتر بينيت. بل استحق المستمع العربي أن يعلم خلفيات إعفاء الهيرديم من الخدمة العسكرية بواسطة بن غورين المعدود علمانياً حداثياً لأنه ظن أنهم جماعة منقرضة آجلاً أو عاجلاً فلا ضرر ولا ضرار من تجنيبهم الخدمة العسكرية حتى يرحل آخرهم. وهو الإعفاء الذي فيه يختلفون الآن اختلافاً عظيماً.
في معرض نعيي للبروفسير إدوارد سعيد في 2003 عرضت لمساهمته في “تثقيف” المسألة الفلسطينية وتقعيدها في مخيال الغرب التاريخي والسياسي. فالقضية عنده ليست حقاً أندلسياً سليباً آخر. هي الغرب بطريقة أخرى.
قال الشيخ محمد فضل الله إننا لم نعلم عن اسرائيل كثير شيء على أننا لم نعرف سواها لنصف قرن من الزمان. فقد أعمانا حقنا الصريح في فلسطين عن الإحاطة الدقيقة بهذا العدو اللئيم. فالحق عندنا يعلو ولا يعلى عليه وما ضاع حق وراؤه مطالب. ولكن سيبقى السؤال إن كنا قد تصفحنا أوراق حقنا هذا لا كعقيدة وطنية وقومية ودينية مجردة، بل كثقافة نسربها الي العالم فيصبح حقنا جزءاً من وعي العالم بذاته ومن احترامه لآدميته وغضبته للحق.
ولذا قال المرحوم إدوارد سعيد إن فلسطين هي قضية العالم. ولم تكن هذه القضية في أحسن حالاتها نبلاً ومصداقية مثل يوم أجازت الأمم المتحدة قراراً أدخل الصهيونية في العقائد المعادية للجنس البشري. مثلها مثل النازية ونظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. ثم انحدرنا تدريجياً من هذه القمة إلى سفح انكمشت فيه القضية الي حجم عربي أو فدائي بالأحرى لا صدى مذكوراً له في جنبات العالم.
من المعلوم أن فلسطين شاغل عربي محرج وقديم. ولكني لا اعرف إن كنا جعلناها محوراً للتعليم المدرسي أو العام عندنا. وهو تعليم يتجاوز إلحاحنا على حقنا فيها لمعرفة أدق بالعالم الذي تمخض عن إسرائيل فولد مصيبة.
اقتحمتني هذه الأفكار المراجعة وأنا أقرأ كتاب المرحوم إدوارد سعيد “مسألة فلسطين” بعد وفاته في العام الماضي لأول مرة. وتحسرت على تباطؤي في قراءته. فقد قرات له “الاستشراق” و”الإمبريالية والثقافة” وغيرها من الكتب النظرية في وقتها. وقدرت أنني استبعدت كتبه عن فلسطين لأنني ربما اكتفيت بالمعلوم بالضرورة من حقنا المغتصب فيها.
وعلمت من الكتاب بعد قراءته لا عن هذا الحق المغتصب فحسب، بل عن منطقه الغلاب أيضاً الذي إن بلغ العالم بالحكمة والموعظة الحسنة لهدى العالم الي الأقوم. فمن رأي سعيد أن إسرائيل هي من عمل العالم والغرب بالطبع. فهي بالنسبة للغرب استثمار مزدوج. فمن جهة هي استثمار في الماضي في تلك الأرض المقدسة التي لم يهدأ للغرب بال وهي في يد العرب أو المسلمين. وهي من الجهة الأخرى استثمار في المستقبل. فالغرب اراد ان يجعلها وطناً لليهود ممن أخذوا بثقافته ومناهجه حتى تكون منارة غربية ديمقراطية في صحراء العرب المسكونة بالاستبداد الشرقي.
وهنا ينبه سعيد بذكاء إلى “تحالف” عجيب بين الماضي والمستقبل لقتل الحاضر. ففي فلسطين، في قول سعيد، شحنة خيالية وعقائدية غربية ثقيلة حولت فلسطين من حقيقة إلى شبح ومن حضور إلى غياب. فإسرائيل عنده هي تأويل للماضي ورجم بالمستقبل ولم يحفل مهندسوها بالحاضر الفلسطيني. فهي في نظر سعيد التأويل الذي غطى على النص الذي هو الفلسطينيون. وقول سعيد هذا في عمومه معروف لدي معظمنا، ولكن بربك أنظر كيف أحكم سعيد تأطيره بحيث يسوغ لكل ذي نظر وفؤاد.
أعجبني أيضاً قول سعيد إن إسرائيل مستعمرة من نوع جديد. فالمعلوم عن الاستعمار بالضرورة أن الأهالي المستعمرين هم جزء من مشروعه الحضاري المزعوم. فهو يريد أن يأخذ بيدهم في مراقي التحديث والتمدين. خذ مثلاً مشروع الجزيرة. فهو قد قام لخدمة مصلحة إنجليزية معلومة، ولكن السودانيين كانوا مادة مهمة فيه. أما إسرائيل فهي مستعمرة ليس الأهالي (الفلسطينيون) في حسبانها. فليس في مشروعها إدخالهم في أي “حظوة” تمدينية كما قد فعل الإنجليز فينا كما تذيع صفوة البرجوازية الصغيرة.
فهي وطن لليهود، وبس. وقد حال ذلك دونها ودون الاستثمار في مستقبل الأهالي الذين استولت على ديارهم. كان الأوربيون قساة على الأهالي الذين ينكصون عن السير الي المستقبل المرسوم لهم متذرعين بالتراث ومتمسكين بالماضي. أما إسرائيل فتقسو على الفلسطينيين الذين ينقدون مشروعها الذي لا سند له سوي الماضي والحجة الإنجيلية. فهي في الاستعمار لا تشبه إلا روحها.
إن فقد سعيد لفقد والله. فقد خلق الله قلمه الذكي لمنعطف الهرج والخنا والتبذل العربي الراهن. وهو منعطف أصبح فيه التهافت على إسرائيل عادة علنية. وأصبح الاصطلاح معها حق شرعي. فأنت تسمع أليس من حقي أن اصطلح إذا اصطلح فلان. ومن يقرأ سعيد يعلم أن خصومة إسرائيل التي تاجها الظفر، باسم الله، لم تبدأ بعد.

عبد الله علي إبراهيم

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: إدوارد سعید

إقرأ أيضاً:

الرئيس الكوري المعزول: رضخت للاعتقال "حقناً للدماء"

دخل الرئيس الكوري الجنوبي المعزول يون سوك-يول مقر هيئة التحقيق في سيؤول، بعد أن اعتُقل صباح الأربعاء، تنفيذا لمذكرة توقيف صدرت بحقّه في قضية محاولته الفاشلة قبل شهر ونصف فرض الأحكام العرفية في البلاد.

وشاهد صحافيون في وكالة "فرانس برس"، رئيس كوريا الجنوبية يتمّ اقتياده من مقرّ إقامته الرسمي المحصّن بشدّة في وسط سيؤول، ضمن موكب أمني إلى مقرّ هيئة التحقيق بفساد كبار المسؤولين بعد أن أعلن فريق مشترك من المحقّقين والشرطة أنّهم نفّذوا مذكرة الاعتقال الصادرة بحقه.

وبذلك أصبح يون أول رئيس في تاريخ البلاد يتم توقيفه أثناء وجوده في السلطة.

وفي رسالة مصوّرة نشرت بعد توقيفه، أعلن يون انّه وافق على الرضوخ لأوامر قوات الأمن "حقناً للدماء"، على الرغم من أنه يعتبر هذا التحقيق غير قانوني.

كوريا الجنوبية تبدأ محاكمة الرئيس المعزول - موقع 24من المقرر أن تبدأ المرافعات في محكمة كورية جنوبية، اليوم الثلاثاء، في محاكمة لتحديد مصير الرئيس يون سوك يول، الذي أوقف عن العمل بسبب محاولة إعلان الأحكام العرفية لفترة وجيزة، والتي دفعت البلاد نحو أسوأ فوضى سياسية منذ عقود.

وقال الرئيس المعزول: "لقد قررتُ الردّ على مكتب التحقيق بقضايا الفساد"، مؤكّداً في الوقت نفسه أنّه لا يعترف بشرعية التحقيق، لكنه يخضع له "من أجل تجنّب أيّ إراقة مؤسفة للدماء".

ونقلت وكالة أسوشيتد برس عن الرئيس المعزول قوله إن "سيادة القانون انهارت تماماً".

South Korea's impeached President Yoon Suk Yeol said Wednesday that he had decided to submit to questioning over his failed martial law bid to avert "bloodshed" even though he believed the probe was illegal.

"I decided to respond to the Corruption Investigation Office," Yoon… https://t.co/IOonaTmT90 pic.twitter.com/paMZZWmT4p

— Shanghai Daily (@shanghaidaily) January 15, 2025

وكانت هيئة التحقيق قالت إنّ "مقرّ التحقيقات المشترك نفّذ مذكرة توقيف بحقّ الرئيس يون سوك-يول، اليوم الأربعاء.

وبذلك يكون المحقّقون قد نجحوا في هذه المحاولة الثانية لتوقيف الرئيس المعزول، بعدما فشلت محاولة أولى لتوقيفه قاموا بها في 3 يناير (كانون الثاني)، لكنّ الحرس الرئاسي منعهم من دخول مقر الإقامة الرئاسي.

وقبيل بدء مداهمتهم مقر إقامة يون اليوم، حذّر المحققون من أنّهم سيعتقلون أيّ شخص يحاول منعهم من تنفيذ مهمتهم.

ونجحت هذه المحاولة الثانية بعدما تخلّلها عراك بالأيدي ومناورات قام بها المحققون لدخول المقر الرسمي الحصين.

وبحسب وكالة "يونهاب" للأنباء فإنّ "المحققين دخلوا مقرّ الرئاسة باستخدام سلالم" واخترقوا "حاجزاً ثانياً"، فيما أظهرت لقطات بثّتها قنوات تلفزيونية دخول المحققين إلى المجمّع الرئاسي.

South Korean authorities arrested impeached President Yoon Suk Yeol on Wednesday over insurrection allegations, with the embattled leader saying he agreed to comply with investigations to avoid "bloodshed", ending weeks of tense political standoff.

Since lawmakers voted to stand… pic.twitter.com/A9l1uwytpv

— Thai PBS World (@ThaiPBSWorld) January 15, 2025

وكانت يونهاب أفادت قبل ذلك بقليل أنّ عراكا اندلع لدى محاولة المحقّقين دخول مقرّ الإقامة الرئاسي.

وقالت الوكالة إنّ "المحققين انخرطوا في اشتباك جسدي أثناء محاولتهم دخول مقرّ الرئاسة بالقوة" تنفيذا لأمر قضائي جديد بتوقيف يون.

ولم توضح يونهاب الفريق الذي تعارك معه المحققون أثناء محاولتهم اقتحام المجمع.

رئيس كوريا الجنوبية المعزول يغيب عن أول جلسة لعزله - موقع 24أعلن يون جاب غيون، محامي الرئيس الكوري الجنوبي المعزول يون سيوك-يول، اليوم الأحد، أن يون لن يحضر الجلسة الرسمية الأولى في محاكمة عزله هذا الأسبوع بسبب مخاوف على سلامته.

ومن جهتهم، أفاد مراسلو وكالة "فرانس برس" في الموقع أنّهم شاهدوا لكمات تتطاير بين الجانبين من كل حدب وصوب.

وفور توقيف يون قال حزب المعارضة الرئيسي في كوريا الجنوبية إنّ هذه "أول خطوة" نحو استعادة النظام الديموقراطي.

وقال بارك تشان-داي، زعيم الحزب الديمقراطي، خلال اجتماع لكتلته النيابية إنّ "اعتقال يون سوك-يول هو الخطوة الأولى نحو عودة النظام الدستوري والديموقراطية وسيادة القانون".

مقالات مشابهة

  • ساندرز: نتنياهو وقع الاتفاق الذي رفضته حكومته المتطرفة في مايو الماضي
  • توفيق عكاشة: إسرائيل تحتاج العرب للسيطرة على العالم
  • هالاند بعد تمديد تعاقده: سعيد بالبقاء مع مان سيتي.. وجوارديولا أفضل مدرب في العالم
  • كشف مفاجأة مذهلة: ما الذي دفع إسرائيل وحماس للتوافق؟
  • إسرائيل تبلغ أهالي المختطفين بالاتفاق الذي تم التوصل إليه
  • ‏"أكسيوس": المفاوضات لا تزال جارية بشأن عدد من أسماء الأسرى البارزين الذي تطالب حماس بالإفراج عنهم وترفض إسرائيل ذلك
  • فلسطين اليوم.. ماذا قال قادة العالم عن الدور المصري في وقف إطلاق النار بغزة؟
  • الشيخ صبري: فلسطين حقنا وكل المؤامرات تهدف إلى تسليم الأقصى لليهود
  • رئيس الوزراء الفلسطيني: على العالم مواصلة الضغط على إسرائيل بعد هدنة غزة
  • الرئيس الكوري المعزول: رضخت للاعتقال "حقناً للدماء"