لورا فاغليري.. قراءة فكرية لجوهر الإسلام وشموليته
تاريخ النشر: 28th, March 2024 GMT
محمد عبدالسميع (الشارقة)
أخبار ذات صلة «فيينا الإسلامي».. تصميم تاريخي «كتاب نفيس» يتناول نشأة العلوم الإنسانية في الإسلاملورا فيشيا فاغليري، باحثة إيطالية في التاريخ الإسلامي واللغة العربية، وترجم لها منير البعلبكي كتابها الشهير «دفاع عن الإسلام»، وهو كتابٌ قيّم يحسّ من يقرأه، أو يطّلع على بعض عناوينه أنه أمام جهدٍ استشراقي منصف وجاد يتوخّى توصيل رسالة، خصوصاً إذا ما عرفنا أنّ لورا فاغليري من مواليد عام 1893 وتوفيت عام 1989، فهي فترة كافية لقراءة أفكارها المدعّمة بكتب في هذا السياق، من مثل «قواعد اللغة العربية»، و«الإسلام»، والكتاب الذي نحن بصدد قراءة مقتطفات منه، والوقوف عليها تحت العنوان العريض «دفاع عن الإسلام».
مثل هذه القراءات والجهود المنصفة للفكر الإسلامي، ولجوهر الدين الحنيف وآثاره الإنسانية التي يقبلها العقل ويحتفي بها، هي قراءات وجهود تضاف إلى آثار قيّمة لمستشرقين دأبوا على البحث والحفاوة المبررة التي أودعوها كتبهم، ونستعيد بعضاً منها اليوم، للتذكير بعظَمَة هذا الدين، ووسطيّته وحضوره في كلّ ميادين الحياة، عنصراً إيجابياً يمنح الإيجابية، ويعزز الذات ويدعو إلى تصالحية الإنسان مع نفسه ومع الكون.
أمّا الكتاب الصادر سنة 1952، فكان يتناول في عناوينه وخطوطه العريضة مواضيع القدرة على التغيير، ومغزى الشعائر الخمس، والشريعة والحياة، والانسجام مع الإنسان، والبعد الأخلاقي في سيرة الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم.
وتداول المؤرخون ودارسو الاستشراق، جملاً رائعة للمستشرقة فاغليري، وتعبيرات ثريّة تحمل فكراً وتزدهي بثوبٍ قشيب من البيان، كما في وصفها نشأة الإسلام كينبوعٍ من الماء الصافي النمير، جاء ليحيي شعباً في بلاد منعزلة، ويمنحها الحضارة والفكر حين تحوّل هذا الينبوع إلى جداول، ثم أصبح نهراً تفرّع في البلاد متدفقاً بآلاف القنوات، وهذا من بديع تأثّرها واهتمامها، كاحتفاء بالدين الذي جعله الله رحمةً للعالمين، في نداء مباشر للعالم كلّه تعدّى حدود الأمة العربية إلى أجناس عديدة ولغات متنوعة أثّرت فيها الكلمة التي غيّرت الكثير من المفاهيم والأفكار.
وفي الكتاب، تداولت لورا فاغليري الموضوع اللافت لكل منصفٍ لدين الإسلام، وهو موضوع التعامل مع الرقيق، كشعور إنساني أكّده رسول البشرية محمد، صلى الله عليه وسلم، ونبّهت إليه الباحثة في مقايستها لحالة الرقيق في الإسلام، وحالته في البلاد الأخرى، مهتمّةً بالجوهر الرائع لهذه النظرة، من خلال سرد الحوادث والشواهد العديدة على ذلك.
أمّا قيمة الشعائر الخمس من وجهة نظر الباحثة لورا فاغليري، فكانت في ما تمنحه هذه الشعائر من قيمة روحية تسمو بالإنسان، وتصله بربه القريب منه، وقد لفَتَها هذا النداء الجميل إلى الصلاة التي يتعبّد المسلمون فيها، ويبجّلون خلالها خالقهم، وتنعكس على حياتهم بالخير والبركة والسعادة والطمأنينة، وهي صلاةٌ تعتمد طهارة النفس والجسد، ولها وقعٌ مؤثرٌ في النفس. ومن هذه الشعيرة، تذهب الباحثة فاغليري لتدرس الصوم أيضاً في انضباطه ورحمته واستعلاء الصائم على ملذات الجسد خلال مدى معين، كدرس في تعلّم الصبر والسمو، ومثل ذلك كانت الزكاة والصدقات ومساعدة المحتاجين، والحجّ، فكلّ شعيرة لها مزاياها وحكمتها، وتأثيرها الإيجابي على الفرد والمجتمع.
وأخيراً، كان البعد الأخلاقي في سيرة الرسول، صلى الله عليه وسلم، أمراً مهماً عند الباحثة فاغليري، وهي تحتفي بمناقب الرسول الكريم وقِيَمِهِ وأخلاقهِ، وبذلك فقد كانت تنتصف له من كل التهمّ والافتراءات، وقد ترسّخت لديها أمانة هذا الرسول ونقاؤه وصدقه وحكمته أيضاً في كلّ مراحل حياته والقضايا المهمة التي كانت بمثابة تأكيد جديد في كلّ مرة على صبرهِ وسماحتهِ وحرصهِ على هداية الناس من الظلمات إلى النور.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الإسلام
إقرأ أيضاً:
الشيخ ياسر السيد مدين يكتب: في حديث جبريل
حدَثٌ غريبٌ يستحق منَّا النظرَ والتأمل.. إنه ذلك الحضور الحسىّ لأمين الوحى سيدنا جبريل عليه السلام، فى صورة رجل غريب رآه الصحابة كما يرى بعضُهم بعضاً، وسمعوه كما يسمع بعضُهم بعضاً.
وقد جاءت أحداث هذا الحدَث جاذبة لكل الجالسين، بحيث تلفت انتباههم لكل ما يُقال، فالحاضر رجلٌ غريب تتطلع لمعرفته الأنظار، له وجه حسَنٌ لا تلتفت عنه العيون، طيّبُ الريح بحيث تأنسُ له النفوس، ثيابه نظيفة لا يُرى عليها شىء من آثار السفر كالغبار والعرق! رغم أنه غريب غير معروف، فليس من أهل المكان وليس ضيفاً على بعض أهله! إنه شأن يجذب الحواسّ.
ثم هو يسلم على سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ويستأذنه فى الاقتراب منه مراراً، وقد جاء وصف هذا فى رواية الإمام النَّسَائىّ التى جاء فيها «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس بينَ ظَهْرانَى أصحابه [أى: بينَهم]، فيجىءُ الغريب فلا يَدرى أيُّهم هو حتى يسألَ، فطلبنا إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم [أى: استأذناه] أن نجعلَ له مجلساً يعرفُهُ الغريب إذا أتاه، فبَنيْنَا له دُكَّاناً مِن طين [أى: دَكَّةً يقعد عليها] كان يجلس عليه، وإنا لجلوس ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم فى مجلسِه إذ أقبل رجلٌ أحسنُ الناس وجهاً، وأطيب الناس ريحاً، كأنَّ ثيابه لم يمسّها دنَس، حتى سلَّمَ فى طرَفِ البساطِ، فقال: السلام عليك يا محمدُ. فردَّ عليه السلام، قال: أَدنُو يا محمد؟ قال: «ادنُهْ». فما زال يقول: أدنو؟ مِراراً، ويقول له: «ادنُ»، حتى وضع يده على ركبتى رسولِ الله، صلى الله عليه وسلم».
هذه الأمور كلها تتآزر لجذب انتباه الجالسين، بحيث تعى قلوبهم كل ما سوف يُقال، أليس فى هذا إرشادٌ للمعلمين وللدعاة وللآباء كيف يهيئون نفوس مَن يريدون توجيه الكلام والنّصح إليهم بحيث تكون قلوبهم أوعية واعية لما يوجّه إليهم من إرشاد؟!
ثم يبدأ الحوار الذى يرويه لنا سيدنا عمر الفاروق، رضى الله عنه وأرضاه، فيحكى قولَ الرجل الغريب الذى تمثَّلَ فى صورته سيدنا جبريل عليه السلام، إنه يبدأ الكلام، فيقول: يا محمدُ أخبرنى عن الإسلام.
البدءُ بالسؤال عن الإسلام أمر منتظرٌ من غريب جاء ليعرفَ الدين؛ فليس هذا غريباً أو عجيباً، ولكن الغريب حقّاً هو ما سوف يقولُه سيدُنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، كيف يستطيع صلى الله عليه وسلم أن يُلخّصَ شأن هذا الدين الذى هو رسالة الله تعالى للعالمين فى كلمات قلائل.. لو قيل لجمع كبير من العلماء الذين أفنَوْا أعمارَهم فى دراسة هذا الدين أن يلخّصوه فى كلمات ما استطاعوا، إنهم يحتاجون أن يُفرّغوا حتى يضعوا مؤلَّفاً لبيان هذا الدين، ثم هم كلما أعادوا النظر فيه زادوا فيه وبدّلوا وغيّروا.
وها هو سيدُ الخَلق، صلى الله عليه وسلم، يُلخصُّ الإسلام فى كلمات قليلات، فيقول، صلى الله عليه وسلم: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقيم الصلاة، وتُؤتى الزكاة، وتصومَ رمضان، وتحجَّ البيت إن استطعتَ إليه سبيلاً».
لقد بدأ صلى الله عليه وسلم تعريفه للإسلام بقوله: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم». إن الإسلام يبدأ من الشهادتين الكريمتين؛ الشهادة لله تعالى بالوجود والوحدانية، والشهادة بصدق سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فى دعواه النبوة والرسالة.
ولا بد من الانتباه إلى خصوصية كلمة (أشهد) التى أشار إليها السادة العلماء، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يقل بدلاً منها: (أعترف)، أو: (أُقرّ)، أو غير ذلك... وإنما قال: (أشهد) تلك الكلمة التى لا بد من أن ينطقها مَن يريد أن يدخل فى هذا الدين، ويُردّدها المسلم فى كل أذان وصلاة.
والشهادة يُعرّفُها العلماء بأنها «قولٌ صادرٌ عن علمٍ حصَلَ بمشاهدةِ بصيرة أو بصر»، إذن الإسلام يبدأ من هذه النقطة، من نقطة إزاحة أىّ غشاوة عن البصر والبصيرة، حتى يشهد الإنسان شهادة ليس فيها أدنى لبس بوحدانية الله تعالى وصدق رسالة رسوله الكريم، صلى الله عليه وسلم.