في تبريره للغارة الجوية التي شنها فجر الأربعاء على «جمعية الإسعاف اللبنانية»، في قرية «الهبّارية» في جنوب لبنان، قال العدو الصهيوني إنه استهدف عناصر للجماعة الإسلامية كانوا قد أطلقوا سابقا صليات صاروخية على مستوطنات الشمال، وهذا التبرير في واقع الأمر ليس إلا جزء من الحقيقة، بل إنه في واقع الأمر هو الجزء الأبسط، وربما الهامشي، إذ أن الهدف الأساس، هو الرهان على فتنة طائفية، ومذهبية، تساعده فيها أبواق الانعزاليين اللبنانيين، الذين أثبتت التجارب التاريخية، استعدادهم لزرع، وتأجيج الفتن، ولو أدت إلى حروب أهلية.

. فالأهم لديهم، هو رضا رعاتهم، والمنافع التي سيجلبها هذا الرضا.

الغارة استهدفت قسم الطواري في (جمعية الإسعاف اللبنانية)، التي قيل إنها تابعة للجماعة الإسلامية (سنية المذهب)، بيد أن الجماعة نفت تبعية الجمعية لها، مؤكدة في المقابل أن الشهداء، الأحد عشر، من صفوف الجماعة، مرجحة أن الهدف من الغارة كان الشيخ شريف عطوي القيادي في الجماعة، وقد استشهد بالفعل في الغارة، هو وأبناؤه (عبد الله)، و(عبد الحكيم)، و(حسين) وآخرون.

الجماعة اعتبرت أنّ الاستهداف جريمة نكراء بكل المعايير وانتهاك صارخ للقوانين والمواثيق الدولية وحملت إسرائيل كامل المسؤولية عن هذه الجريمة النكراء (بحسب وصف تصريحات قيادات في الجماعة الإسلامية.

ومن قبل أن يتبدد دخان القصف، انطلقت نغمة نشاز، شديدة القبح أطلقها الكيان الصهيوني، ورددت صداها في لبنان جهات، تحاول أن تصور الصراع مع الصهاينة، على أنه صراع بين (إسرائيل)، و(شيعة لبنان)، فألهبت وسائل التواصل الاجتماعي بولولة، ليست بغريبة على خصوم المقاومة، وأذرفت دموع تماسيح على قرية (الهبارية)، وشهدائها، تحت شعارات ساقطة، ليس أقبحها: (إلى متى يدفع المسلمون السنة ضريبة مغامرات حزب الله ضد إسرائيل)؟ (إلى متى سيسكت المسيحيون الموارنة وهم محبو الحياة، على ممارسات أعداء الحياة)، كذلك شعارات محسوبة على مسلمين شيعة، مثل: (الشيعة ضد الحرب)، (حركة أمل وحزب الله ليسوا كل الشيعة).

مثل هذه اللغة، والصياغات، التي تتعمد إهدار تاريخ طويل لمواقف وبطولات عديدة للسنة، وللموارنة، وللدروز، والعلويين لا هدف من ورائها سوى استمالة قطاعات لبنانية طائفية ومذهبية لخلق رأي عام يمكن ان يصبح رقما صعبا يتخطى حدود رفض المقاومة، ليصبح في خط العداء لها.

بالتأكيد، لا يمكن الادعاء بأن لبنان عن بكرة أبيه يشكل بيئة حاضنة للمقاومة، فهذه الحالة من الإجماع لم يعرفها التاريخ، ولم تشهدها الجغرافيا، ومن ضمنهما تاريخ، وجغرافية لبنان، الذي يعاني منذ وجوده تباينا حادا بين الخط القومي، والإسلامي، واليساري المقاوم، والمنتمي إلى خيار العروبة، وبين ما سمي تاريخيا بالخط (الانعزالي).

فالخط الاول، خيار منحاز لمقاومة العدو الصهيوني، ليس انطلاقا من رغبته في تحرير ما كان محتلا من الأرض اللبنانية، وما بقي منه تحت الاحتلال، ولكن من منطلق إيمانه المطلق بأن فلسطين غير قابلة للاقتسام، ولو اعترف النظام العالمي الرسمي كله بذلك، وبأن الإقليم لا يمكن أن يستوعب (وطنا عربيا)، و(كيانا صهيونيا) و بأن الكيان الصهيوني إلى زوال.

وأما الخط أو الاتجاه الثاني، فيستقيم وصفه بـ(الانعزال)، فقط حين الحديث عن العروبة، أما الواقع فيشي بانتمائه بقوة إلى كل ما هو غربي، وخاصة (الفرنسي والأمريكي)، وهو يرى أن (قوة لبنان تكمن في ضعفه)، وأن أي خط مقاوم، إنما هو تابع لمصر (في الستينيات)، ثم لسورية (إبان الحرب الأهلية اللبنانية)، ثم لإيران (بعد نشوء حزب الله في ١٩٨٢)، والغريب أن أصحاب هذا الخط، يدّعون ان المقاومة هي التي تستفز (إسرائيل)، وأن الأخيرة ليس لها أية أطماع في لبنان، ولا تحمل له أي عداء، وبالتالي، يتجاهل أهل هذا الخيار الانعزالي عشرات المذابح، والاختراقات التي تعرض لها لبنان منذ ١٩٤٨، وكبدت البلاد آلاف الضحايا.. .المنضوون في هذا الخط، والذين سبق وجروا لبنان إلى معاهدة مع الكيان الصهيوني، عرفت بـ(اتفاق 17 أيار)، وهو مشروع تسوية تم التوصل إليها في 17 مايو 1983 بين الحكومة اللبنانية و(إسرائيل)، إلا أنه ألغي بعد أقل من عام على صياغته، وقبل المصادقة عليه، وذلك، أمام الرفض الشعبي، ما أدى إلى اهتزاز حكم الرئيس (أمين الجميّل) وبروز دور (حركة أمل)، وزيادة زخم (حزب الله)، الذي لم يكن قد مر على إعلانه أكثر من بضعة أشهر، كما أدى إلى إضعاف صورة وقيمة الزعامات الشيعية والسنية والمسيحية، التي أيّدت الاتفاق، كما أدى الغاء الاتفاق إلى تدعيم موقف سوريا، وهزيمة دبلوماسية لإسرائيل وفشل للدور الأمريكي في لبنان.

وبما أن (الهبارية) والاعتداء الصهيوني عليها، هو من فتح شهية الانعزاليين، فلابد من التأكيد على أن كل نواح الانعزاليين، يعد في واقع الأمر تطاولا وتجنيا على الهبارية، وتاريخها، وإن حاول الانعزاليون إظهار عكس ذلك، فالهبارية هي التي فتحت ذراعيها للكثير من الفلسطينيين في أعقاب نكبة عام 1948، وهي التي هبت في أحداث 1958، للتصدي للمؤامرة الانعزالية التي دعمتها أمريكا (دوايت أيزنهاوار)، وممثله الشخصي في الأزمة اللبنانية آنذاك (روبيرت مورفي)، وكان صوت الهبارية آنذاك مدويا، في الانحياز لخط جمال عبد الناصر، وإنقاذ لبنان من حرب أهلية، وسقوط الرئيس (كميل شمعون)، وتولي اللواء (فؤاد شهاب) رئاسة الجمهورية.

الهبارية، كانت من أوائل من رحبوا باتفاق القاهرة، الذي نظم وجود المقاومة الفلسطينية في لبنان، وكان أهلها في طليعة المقاومين، وهي التي احتضنت مقر قيادة منطقة (العرقوب)..

(الهبارية) أبلت بلاء حسنا إبان اجتياح عام 1978، وكان شبابها في طليعة المقاومين، وكذلك في اجتياح 1982 حيث سارع شبابها في الالتحاق بجبهة المقاومة الوطنية، واستشهد منهم العشرات، واكتظت معتقلات وسجون الصهاينة بأعداد كبيرة من شبابها، الذين لم يثنهم الأسر ولا التعذيب عن خطهم المقاوم، رغم ما لحق بالبلدة من دمار، ورغم الاحتلال، ورغم الابعاد القسري للعائلات.

وسائل الانعزاليين، وأدواتهم، وخطابهم الذي يتقن توظيف (الدم)، و(الضحايا)، و(الدمار)، وتجميل صورة الغرب، ورهن فرص استقرار لبنان، ورخائه، بتسليم المقاومة لسلاحها وعلى الأخص (الصواريخ).. هذه الوسائل، تلقي على كاهل خط المقاومة، أعباء إضافية، من أهمها نشر (ثقافة المقاومة)، تلك الثقافة التي ستتكفل بعلاج عوار واضح نتج عن جهود الغرب في كي وعي العرب، وتزييفه، تلك الجهود التي تواصلت لنحو نصف قرن وظفت فيه كل ما تيسر من علوم، ووسائل، وتقنيات، برعاية دول ومنظمات وهيئات لم تؤدي مهامها بشكل اعتباطي، ولكن ضمن منهج محكم، لا يمكن مواجهة نتائجه وآثاره إلا بنهج مقابل، مضاد.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: إسرائيل لبنان حزب الله العدو الصهيوني جنوب لبنان الجماعة الإسلامية الفتن الطائفية فی لبنان

إقرأ أيضاً:

إعلام عبري: الجيش لن ينسحب من كامل الأراضي اللبنانية حتى الأحد

ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية عن مصادر، بأن الجيش لن ينسحب من كامل الأراضي اللبنانية حتى يوم الأحد، وفقًا للقاهرة الإخبارية.

نادي الأسير الفلسطيني: قوات الاحتلال تنفذ عمليات إعدام ميداني بالضفة جيش الاحتلال: اكتشاف مستودعات أسلحة تابعة لحزب الله جنوب لبنان


وعلى صعيد آخر، قال الجيش الإسرائيلي في بيان، مساء اليوم الخميس، إنه اكتشف مستودعات أسلحة عديدة وبنى تحت الأرض تابعة لحزب الله خلال أعمال "اللواء 7" في جنوب لبنان.
 و أوضح جيش الاحتلال، إن قوات "اللواء 7" بقيادة فرقة "الجليل 91" تواصل نشاطاها الدفاعي في جنوب لبنان بهدف حماية أمن إسرائيل وسكانها خاصة سكان وبلدات الجليل.
‏وذكر، أنه خلال عمليات التمشيط في جنوب لبنان، عثرت القوات على كميات كبيرة من الأسلحة شملت صواريخ كورنيت وقنابل وبنادق كلاشينكوف، مشيرا إلى مصادرة الأسلحة أو تدميرها.
‏ووفق البيان، عثرت القوات الإسرائيلية على عدة مسارات أنفاق تحت الأرض استخدمت كمواقع مكوث ومخازن أسلحة لحزب الله.

‏وأكد الجيش الإسرائيلي أنه يواصل نشاطاته وفق التفاهمات بين إسرائيل ولبنان مع الالتزام بشروط وقف إطلاق النار حيث ينتشر في منطقة جنوب لبنان ويعمل ضد أي تهديد يستهدف إسرائيل والإسرائيليين.
أفاد الجيش في بيان ثان بأنه دمر عشرات مستودعات الأسلحة في جنوب لبنان وخاصة في منطقة عيتا الشعب.

‏وقال في البيان إن "قوات اللواء 300 عملت في قرية عيتا الشعب الواقعة جنوب لبنان والتي استخدمها حزب الله للتسلح والاستعداد لتنفيذ العديد من العمليات الإرهابية حيث أطلقت من داخلها مئات القذائف الصاروخية والصواريخ المضادة للدروع نحو إسرائيل".

‏وأوضح أنه خلال عمليات التفتيش في المنطقة تم العثور على العديد من الوسائل القتالية منها منصات إطلاق وصناديق ذخيرة وصواريخ ومنصات إطلاق وعبوات ناسفة وقاذفات RPG وبنادق كلاشنيكوف ومئات القذائف الصاروخية والهاون وقنابل يدوية وصواريخ كورنيت وأسلحة قناصة.

‏وحسب المصدر ذاته، تم العثور على جميع هذه الوسائل داخل مبان تستخدم للسكن وفي ساحات المباني، وداخل رياض للأطفال، وأقبية المنازل.

‏وأعلن الجيش الإسرائيلي أيضا أنه تم العثور على أكثر من 30 مستودعا للأسلحة وموقع استعداد للحزب.

ونشرت القوات الإسرائيلية صورا ومقاطع فيديو قالت إنها توثق الأسلحة والبنى التابعة لحزب الله اللبناني والتي اكتشفها خلال نشاطاته.

مقالات مشابهة

  • وكالة الأنباء اللبنانية: إسرائيل تنفذ تفجيرات عنيفة في كفر كلا
  • أبعاد المحنة اللبنانية ودور إسرائيل
  • جنبلاط: إسرائيل المستفيد الأول من عدم تشكيل الحكومة اللبنانية
  • لبنان ينتظر اتصالات دولية للضغط على إسرائيل للانسحاب من الأراضي التي دخلها 
  • سلام: اعادة العلاقات اللبنانية - الخليجية ستكون من اولى اهتماماتنا
  • مباراة العلوم 2025.. فرصة لطلاب لبنان لعرض ابتكاراتهم العلمية في الجامعة اللبنانية
  • لم يهدد بعمل عسكري مستقل : «حزب الله» يطالب الدولة اللبنانية بضغط دولي لإلزام إسرائيل بالانسحاب
  • إعلام عبري: الجيش لن ينسحب من كامل الأراضي اللبنانية حتى الأحد
  • رئيس الجمهورية اللبنانية يستقبل وزير الخارجية
  • المقاومة الفلسطينية تفجر عبوة ناسفة بآلية للعدو الصهيوني في مخيم جنين