عقد الجامع الأزهر اليوم الأربعاء في الليلة الثامنة عشرة من شهر رمضان المبارك، عقب صلاة التراويح «ملتقى الأزهر.. قضايا إسلامية»، بمشاركة فضيلة ‏الدكتور محمود الصاوي، وكيل كلية الإعلام والدعوة السابق، وفضيلة الدكتور محمود الهواري، الأمين العام المساعد لشؤون الدعوة والإعلام الديني بمجمع البحوث الإسلامية، وأدار اللقاء د.

حازم مبروك، الباحث بالجامع الأزهر، وذلك بحضور جمعٍ من علماء وقيادات الأزهر الشريف، وجاء عنوان الملتقى اليوم: «الوعي وأثره في بناء المجتمعات».

وقال الدكتور محمود الصاوي إن موضوع الوعي ودوره في بناء المجتمع هو موضوع الساعة وكل ساعة، فالوعي كلمة عامة تدل على سلامة الفهم والإدراك، وهي مفردة عربية نبوية قرآنية، ولا شك أن مقياس تقدم الأمم والأوطان يكون بمقدار ارتفاع وعيها وسلامة هذا الوعي، خاصة في هذا الزمن الذي يشهد حروبا فكرية طاحنة تستهدف الوعي وتحاول التأثير عليه، مع استمرار محاولات اختطاف الوعي وتزييفه وتضليله عبر منصات إعلامية ومنافذ متعددة تقف ورائها مراكز بحثية بتمويلات ضخمة تحاول اختطاف عقول شبابنا والتأثير على وعيهم، لافتا إلى أن للوعي أنواع كثيرة، منها العفوي والتلقائي، والوعي العمدي والوعي الحدثي، ولكل منها ما يميزه عن غيره.

وأكد وكيل كلية الإعلام والدعوة السابق أننا في حاجة ماسة لتفحص الأغذية التي يتم تقديمها للعقول، لأنها هي التي تنتج الوعي، وهو ما يفرض علينا الحديث عن مؤسسات صناعة الوعي والتي لا بد أن تكون لديها رؤى واستراتيجيات تجتمع عليها حتى نضمن للمجتمع سلامة وعيه وتقدمه، فمجال الوعي متسع وكبير، ومنه الوعي الاقتصادي والوعي الثقافي والتربوي والديني والأخلاقي، وهكذا، فهي متسعة باتساع حركة الإنسان في الحياة، لافتا إلى أننا في حاجة ماسة في خطابنا الديني المعاصر للتركيز على باب مهم من أبواب الوعي وهو الوعي بالسنن الإلهية والسنن الربانية، فلا شك أن لله تعالى سننا إلهية وقوانين ثابتة لا تتحول ولا تتبدل يدير بها هذا الكون، وقد ينتج عن غياب الثقافة السننية وغياب الوعي بها يحدث الكثير من الفوضى والانحرافات السلوكية والأخلاقية، فلله تعالى سنن يدير بها هذا الكون وهي ثابتة لا تتغير، ونحن في حاجة كبيرة لدراسة هذه السنن وتثبيت الثقافة السننية، لرفع مستوى الوعي في الأمة بشبابها ونسائها.

وأوضح فضيلته أن الأصل الذي ينطلق منه المسلم في بناء وعيه الفكري هو كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، مصداقا لقول نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي"، فلا شك أن دراسة الأفكار الوافدة من المجتمعات الأخرى وتشريحها وتفكيك مقولاتها مما يعيننا على التصدي لجميع الأفكار الدخيلة التي تستهدف هويتنا، مشيرا إلى أننا بحاجة ماسة لمتابعة مستمرة لما يتم ترويجه مؤخرا من أفكار ومقولات تحاول التأثير سلبيا على عقول أبنائنا وبناتنا، لتفنيدها والتصدي لها.

ومن جانبه، أوضح الدكتور محمود الهواري أن الله منذ خلق الخلق والإنسان يعيش في صراع مستمر حول الحق والباطل، فهو في معركة مع نفسه ومع بني جنسه ومع الكون من حوله، وهذه المعارك قد اتخذت ميادين متعددة، الأرض والجو والبحر، واستخدمت أسلحة مختلفة الدروع والسيوف والخناجر والبنادق والتكنولوجيا، لافتا أن من تأمل حقيقة هذه المعارك وجد أنها تدور على الأفكار، ومن خطورة هذا الميدان أن فكرة واحدة صحيحة قد ترتقي بأمة وفكرة واحدة فاسدة قد  تكون سببا في انهزام الأمة، خاصة أننا في زمان تزييف المفاهيم وتمييع الثوابت وإسقاط القدوات والطعن في الهويات، في زمان اختلت فيه الموازين موازين الحلال والحرام والصواب والخطأ والحق والباطل، وكأنما يريد المغرضون أن يخرجوا منا عقولنا وقلوبنا وذواتنا ويصوغون منا خلقا جديدا بقلب جديد لا يحس وعقل جديد لا يفكر ولسان لا ينطق.

وبين الأمين العام المساعد لشؤون الدعوة والإعلام الديني بمجمع البحوث الإسلامية أن للوعي أدوات، كما قال الله عز وجل: «والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون»، فالناس يتساوون جميعا في أصل الخلقة، العالم والجاهل، الأبيض والأسود، الكبير والصغير جميعا درجة واحدة، وربما كان في هذا النص إشارة إلى الفطرة التي يخلق الله عز وجل عباده عليها، ثم ميز الله الخلق بوسائل الإدراك وطرائق المعرفة، وهنا وفي هذه المنطقة انقسم النَّاس إلى فريقين، ففريق أعمل الأدوات وحقَّق الوعي وصان الفكر فمدحه رسول الله ﷺ وأثنى عليه، وفريق أهمل الأدوات فكان نصيبه الذَّم، وهم أهل الغفلة، موضحا أن أهل الوعي قد قَالَ فيهم نبينا ﷺ: "نَضَّرَ اللهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَحَفِظَهَا وَوَعَاهَا، وَبَلَّغَهَا مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَا فِقْهَ لَهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ"، وأمَّا من لم يَسْتَخْدِمْ أَدَوَاتِ الْوَعْيِ وَالْفَهْمِ وَالْإِدْرَاكِ فقال فيه الله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}.

وحول منهجية الوعي، بين فضيلته أن تحضُّر أيِّ أُمَّة يبدأ بفكرةٍ تنطبع في أذهان أصحابها إلى درجة الاعتقاد الجازم المفضـي إلى الحركة الواقعية، في ظل واقع يعج بالتزييف، والطعن في المؤسسات، واستهداف الهويات، مضيفا أن الثّورة التُّكنولوجيَّة والمَعلُوماتيَّة قد أتاحت الفُرصة لرُوَيْبِضاتِ العصْر – وما أكثرَهم! – ومكَّنتهُم من الخوضِ في جواهِر الأمور، فهناك من يحاول أن يزيف وعينا اليوم ويريد أن يقنعنا بأنَّ «الهويَّة الدِّينيَّة» لبلادنا هو عبءٌ لا بدَّ من التَّخلُّص منه! وأنَّ هذه الهويَّة هي الَّتي منعتنا من التطور! واسمع منهم في هذا الباب ما لا يقبله عقل ولا عاقل، وهناك من يحاول أن يزيِّف وعينا اليوم ويريد أن يقنعنا بأنَّ «رجال الدِّين» هم السَّبب في التَّخلُّف والتَّقهقر، ويريدون زعزعة إيمانك، والتَّشكيك في ثوابتك، وتغيير هويَّتك، والإساءة إلى مؤسسات، مشددا على أنه وللانتصار في معركة الوعي فلا بد من الوعي بتحقيق معنى الإيمان والوعي بواجبات الأزمان والوعي بقضايا الأوطان.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الجامع الازهر وكيل كلية الإعلام أهمية الوعي الدکتور محمود فی بناء الله ع

إقرأ أيضاً:

غدًا..انطلاق المؤتمر الدولي الخامس لكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر

برعاية الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، تنظم كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بالقاهرة، غدًا السبت، الموافق 26 أبريل 2025، مؤتمرها العلمي الدولي الخامس تحت عنوان "بناء الإنسان في ضوء التحديات المعاصرة"، وذلك بحضور دكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، وأ.د سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، وبمشاركة لفيف من علماء وقيادات الأزهر وأعضاء هيئة التدريس بالجامعة.

ويعد المؤتمر منصةً استثنائيةً تجمع خبراء وباحثين ومتخصصين في مجالات الشريعة، والقانون، والاقتصاد، والتعليم، لطرح رؤى مبتكرة تعزز بناء الإنسان وتصنع الحضارة في مواجهة تحديات العصر، حيث يهدف المؤتمر إلى إبراز مرونة الشريعة الإسلامية واستيعابها لكافة المستجدات والنوازل ومعالجتها بما يحقق المصالح ويدرأ المفاسد، ومناقشة دور المنظومة التشريعية في تحقيق مقتضيات بناء الإنسان وتفعيل خطط التنمية المستدامة، إضافة إلى محاولة استخلاص حلول نوعية ومبتكرة قادرة على تحقيق حياة كريمة للإنسان نابعة من رؤية الدولة المصرية.

كما يهدف مؤتمر كلية الشريعة والقانون إلى تسليط الضوء على المبادئ الشرعية والقانونية التي تهدف إلى الاستفادة من مكتسبات التقنية الحديثة والحماية من مخاطرها، إضافة إلى الوقوف على تحديات التنمية، ومعرفة سبل معالجتها وتشجيع آليات البناء والإعمار في كافة المجالات التنموية، وتفعيل آليات بناء الإنسان في شتى المجالات من أجل واقع أفضل ومستقبل مشرق، وترسيخ أسس السلام والتعايش السلمي وقبول الآخر، بجانب تعزيز جهود التنمية المستدامة والمساهمة بفاعلية في بناء الوطن وحمايته من المخاطر.

وتدور محاور مؤتمر «بناء الإنسان في ضوء التحديات المعاصرة» حول «ميادين بناء الإنسان وصناعة الحضارة في الشريعة الإسلامية»، و«بناء الإنسان في ضوء المبادئ التي أقرها الفقه الإسلامي والمواثيق الدولية»، و«بناء الإنسان في ضوء التحديات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والبيئية»، و«تطوير البنية التشريعية وتعزيز المنظومة التعليمية وأثرهما في بناء الإنسان»، و«الحقوق والحريات الأساسية وأثرهما في بناء الإنسان»، و«التطور التقني وأثره في بناء الإنسان من حيث الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة ومكتسبات الذكاء الاصطناعي، والتجارة الإلكترونية».

مقالات مشابهة

  • ملتقى “عين على المستقبل” يناقش سبل بناء جيل علمي وتقني
  • خطيب الجامع الأزهر: الأمانة قيمة عظيمة يجب الحفاظ عليها وعدم التفريط فيها
  • غدًا..انطلاق المؤتمر الدولي الخامس لكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر
  • غدا.. انطلاق مؤتمر كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر حول بناء الإنسان
  • «الأسرة العربية للتنمية» يناقش 6 محاور في ملتقى «الثابت والمتغير في صورة المرأة».. السبت المقبل
  • هيئة تطوير محمية الملك سلمان بن عبدالعزيز الملكية ترفع مستوى الوعي في المجتمعات المحلية حول حماية البيئة والحفاظ على موائلها الطبيعية
  • ملتقى السيرة النبوية بالجامع الأزهر: غزوة بدر نموذج عملي للأخذ بأسباب النصر
  • أمين البحوث الإسلامية يبحث سبل دعم التعاون الأكاديمي مع وفد من بنين
  • المصارف الإسلامية التي أعادت الاعتبار للمال.. ماذا حدث لها؟
  • ملتقى المرأة بالأزهر يناقش طرق تأهيل التأخر اللغوي لدى الأطفال ذوي الهمم