لجريدة عمان:
2024-12-23@02:10:14 GMT

العمل مع الغرب وليس القطيعة معه

تاريخ النشر: 28th, March 2024 GMT

السبت، الساعة الثالثة ظهرا في هانوفر، وأنا أمشي في المسيرة الداعية لوقف الإبادة في غزة، ألمح زميلة فلسطينية لي، وأتجه إليها مباشرة. وبعد تبادل «العلوم»، أشرت إلى أن المظاهرات والمسيرات صارت «أنظف» ففي نوفمبر من العام الماضي، كانت المظاهرة تتحول فجأة من دعوة إلى وقف الحرب، والدعم الألماني لها، إلى دعوة لإقامة دولة خلافة.

من يدعون بهذا يستفزونني بشكل خاص، لأنهم- أولا- يركبون على هذا الحدث لتمرير أجندتهم الخاصة. وأنهم -ثانيا- ونتيجة ذلك، يُنفّرون غير المسلمين -العرب من دروز ومسيحيين ولادينيين-، وغير العرب -من ألمان ومهاجري ألمانيا- من الخروج في مثل هذه المظاهرات. لا أشك في أن المسألة تتخطى كونها فعلا عفويا ساذجا، لكونها مسألة محسوبة: حشد أكبر عدد ممكن من الناس للمطالبة بوقف الحرب أقل أهمية من بناء قاعدة جماهيرية يُمكن استغلالها لاحقا للتغيير السياسي. أخبرتها كيف أن امرأة ما أخذت المايكرفون، وراحت تخطب فينا لأكثر من نصف ساعة مُحاججة أن إقامة دولة مُتأسلمة هو الحل الوحيد لمواجهة المعايير المزدوجة للغرب، ولإنهاء الإبادات، والجرائم الواقعة بحق دول الجنوب. ردت علي زميلتي: آه هذا ليس أسوأ ما شهدتها، ففي المظاهرة التي سبقتها طلب المنظمون بفصل النساء عن الرجال.

نجحت المقاومة الفلسطينية في كسب دعم جميع الأطياف السياسية، التي تؤمن بمشروعية الحركات التحررية من الاحتلال واستحقاقها الدعم بغض النظر عن توجهها السياسي. ثمة أولويات، والأولوية اليوم هي تحرر الأراضي الفلسطينية من الاستعمار الاستيطاني، ولا مكان لأي خطاب يُشتت هذه الجهود، وكل ما عداه من مسائل غير ملحة يُمكن وضعها على الرف إلى أن يتحقق هذا المطلب. هذا ما كنتُ أؤمن به شخصيا، إلا أنني أرى اليوم أن هذا النقاش ضروري قبل أن نصل إلى مرحلة اللاعودة.

بالطبع أنا لا أتحدث عن الفلسطينيين هنا، بل عن غير الفلسطينيين ممن يستغلون القضية لتمرير أفكارهم. لطالما هُوجمت المطالب النسوية المشروعة، وحقوق المُهمشين، باعتبارها نتيجة للغزو الفكري الغربي. اليوم يستغل المُتأسلمون نقدنا لموقف الغرب (الغرب الذي يستغل قيمه وقانونه ومؤسساته ضد الجنوب العالمي) للمحاججة بأن «جميع» القيم الغربية هي أدوات سيطرة على الجنوب.

يُمكن الاستجابة لهذه المغالطة بعدة ملاحظات. أولا، لا يُمكن اعتبار قيم العدالة، الإنصاف، حقوق الإنسان، قيما غربية، وإنما هي قيم -مهما سُيست، وأُسيء استغلالها- تبقى قيما كونية علينا جميعا أن نسعى لتحقيقها. المطلوب هو نقد المؤسسات الدولية، طريقة عملها، ازدواجية معاييرها، وانتصارها للقوى العظمى (كمنح حق الفيتو لدول دون أخرى)، لا أن تُعادى بشكل كامل. فوجود قوة عالمية ساعية لحفظ حقوق البشر، ولاستدامة السلام (متى ما أمكن، وبما لا يتعارض مع الحقوق الأساسية) هو أفضل ما توصلنا له إلى اليوم، وبالتالي تقع علينا مسؤولية تطويرها وتحسينها.

ثانيا، لطالما توفرت للشمال العالمي الأسباب (وإن كانت بطرق ظالمة للجنوب) التي تؤهله لإقامة مجتمعات تحفظ حقوق الأفراد، حرياتهم، رفاههم. فنحن وإن انتقدنا مواقف الحكومات، نُسلم بجودة النظام الذي يُتيح للشعوب التعبير عن اعتراضهم على هذه المواقف. أكبر المظاهرات إلى يومنا هذا خرجت من عواصم الدول الداعمة لإسرائيل بشكل مباشر، بينما الدول التي تدعي وقوفها مع القضية الفلسطينية تقمع وتُجرم حتى أقل أشكال التضامن.

ثالثا، نحن بحاجة لتكاتف جهود جميع دول الجنوب ضد قوى الشمال، ونقد كل ما من شأنه أن يُعيق أوجه التعاون بين هذه الدول. ولأجل تحقيق ذلك، علينا فوق اختلافاتنا الهوياتية، الدينية، الثقافية، والسعي لإيجاد صيغة تعاون لخلق قوة مضادة للقوى الشمال.

رابعا، دعمنا لحملات انتقاد الغرب، ودعوات المقاطعة الاقتصادية، الثقافية، والأكاديمية، لا يجب أن يعني قطيعة كاملة مع الغرب. بل العمل معه للتفكير في خلاص جماعي. كما تعلمنا من تجربة كوفيد، لا يُمكن أن ننجو إلا بنجاة الجميع. مسؤولية حماية جميع الأفراد، تقع على عاتق كل فرد في هذا العالم الشاسع.

ليس مُفاجئا نمو الخطاب المتأسلم، وأسبابه مفهومة تماما. مع ذلك، علينا ابتكار خطاب جديد، منفتح، لكن مُستقل عن الخطاب الغربي. فلا تعارض بين احترام الحقوق والحريات الشخصية، ونقد القيم الغربية. وعلينا أيضا أن نحذر من الارتداد إلى هوياتنا الضيقة (العروبة، الإسلام)، والعمل على مضافرة جهود جميع أمم الجنوب العالمي.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

ستارمر: لمستقبل أفضل.. علينا التحدث مع "القادة الجدد" بسوريا

قال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إن بلاده بحاجة للتحدث مع قادة سوريا الحاليين للتأكد من أن "ما سيأتي بعد ذلك سيكون أفضل"، وذلك بعد أن التقى مسؤولون بريطانيون مع الفصائل المعارضة التي تولت السلطة في البلاد.

ووصف ستارمر الوضع في سوريا بأنه "يتغير بسرعة"، لكنه أضاف أن سقوط الأسد كان "شيئا جيدا".

ومع ذلك، حذر ستارمر من ارتكاب خطأ "الاعتقاد بأن ما سيأتي بعد ذلك سيكون بالضرورة مختلفا وأفضل"، وذلك خلال إجابته على أسئلة من النواب البارزين في لجنة الاتصال.

واعتبر عضو بارز في حزب المحافظين أن الاتصال الدبلوماسي البريطاني مع جماعة هيئة تحرير الشام والمصنفة على أنها محظورة قد يخاطر بمنحها الشرعية في البلاد بعد سقوط الرئيس بشار الأسد، بحسب "وكالة بي إيه ميديا" البريطانية.

والتقى مسؤولون بريطانيون كبار مع زعيم هيئة تحرير الشام، أحمد الشرع، المعروف باسم أبو محمد الجولاني، في وقت سابق من هذا الأسبوع في العاصمة السورية دمشق.

وبعد فرار الأسد من البلاد قبل نحو أسبوعين، عينت هيئة تحرير الشام محمد البشير رئيسا مؤقتا للوزراء لقيادة حكومة انتقالية حتى مارس 2025.

وكان ستارمر، قد قال في لقاء خاص مع قناة "سكاي نيوز عربية"، الأسبوع الماضي، إن الأولوية في سوريا هي لوقف العنف والإرهاب وحماية المدنيين والأقليات.

وأضاف ستارمر أن "الشعب السوري عانى من نظام وحشي لمدة طويلة وبالتالي فإن رحيل الرئيس السابق بشار الأسد عن الحكم هو موضع ترحيب من العالم كله".

وأوضح: "يجب علينا العمل مع الحلفاء في جميع أنحاء العالم، وخاصة هنا في المنطقة، لضمان أن ما سيحدث بعد ذلك سيحدث بشكل سياسي وسلمي، وأن يكون رفضا للإرهاب ورفضا للعنف والتأكد من أن ما سيحدث بعد ذلك هو ما احتاجته سوريا لفترة طويلة، ألا وهو مستقبل سلمي لشعبها".

وشدد على أن: "الأولويات هي الحل السياسي، وحماية المدنيين، وحماية الأقليات، وكذلك الوضوح الحقيقي بشأن رفض العنف والإرهاب والاستفادة مما قد يكون فرصة مهمة حقا لتغيير الوضع في سوريا".

مقالات مشابهة

  • عالم بـ«الأوقاف»: علينا تحري الأمانة في التعامل مع قضايا وطننا
  • كاساس: دفاع اليمن عقّد علينا المباراة والأهم النقاط الثلاث
  • مزاد القطن اليوم الأحد في جميع المحافظات.. اعرف سعر القنطار لكل صنف
  • هالاند: نحن محبطون ولكن علينا أن نستمر في العمل الجاد للعودة للانتصارات
  • مواعيد أهم مباريات اليوم في جميع البطولات والقنوات الناقلة
  • الرئيس السيسي: من حق الخصوم محاولة تخريب بلدنا.. علينا التجهيز لإفشالهم
  • أرحومة يتفقد الأضرار التي لحقت بمبنى وزراة العمل جراء الأمطار في سرت
  • برج الحوت.. حظك اليوم السبت21 ديسمبر: الحب هو اللغة التي نفهمها جميعًا
  • بنكيران: رجالات الدولة قطعو علينا التيليفونات مدة طويلة
  • ستارمر: لمستقبل أفضل.. علينا التحدث مع "القادة الجدد" بسوريا