هل نتحول من المقاطعة العربية إلى المقاطعة الشاملة؟
تاريخ النشر: 28th, March 2024 GMT
المعنى العام للمقاطعة (Boycott)، هو الامتناع عن التبادل التجاري شراءً وبيعًا، سواءً على مستوى الأفراد أو على مستوى الدول، وقد تتخذ المقاطعة الجانب السياسي. ففي التاريخ الإسلامي حسب ما تذكره المصادر التاريخية بأنه تمت مقاطعة قبيلة بنو هاشم وهي القبيلة التي ينتمي لها سيدنا محمد «صلى الله عليه وسلم» من قبل قبائل قريش لمدة ثلاث سنوات، فلا يبايعوهم ولا يشتروا منهم، وذلك لإرغامهم على التخلي عن مساندة الدعوة النبوية.
ولكن بعد فترة من الزمن من توقيع اتفاقية المقاطعة العربية، فإن أغلب الدول العربية لم يكن لديها تغلغل استراتيجي عالمي لنشر المقاطعة، وإعطائها زخمًا على الصعيد العالمي. بل انغمست أغلب الدول العربية - إلا ما ندر - في صراعاتها الداخلية والإقليمية وكثرت الانقلابات على مقاليد الحكم، وبالتالي لم يكن للجامعة العربية القوة السياسية في مواجهة الصراعات التي تتعلق بدولها. وكانت في أغلب اجتماعاتها تطلب الاستعطاف من الدول الغربية في حل القضية الفلسطينية. ثم لتصحيح ذلك الضعف العربي، تأسست مجالس عربية حسب النطاق الجغرافي، ومنها على سبيل المثال: مجلس التعاون العربي واتحاد المغرب العربي وأيضًا مجلس التعاون الخليجي، حيث إن جمعيها لم يصمد، ولم يستطع تحقيق أهدافه، عدا مجلس التعاون الخليجي. بعد تلك الانهيارات في السياسة العربية أخذت الدول شيئًا فشيئًا بالتوجه نحو نسف اتفاقية المقاطعة العربية، والبدء في مرحلة التطبيع بحجة الدخول في السلام مع الإسرائيليين، ومن ذلك خرجت مبادرة السلام العربية، التي تهدف إلى تحقيق السلام، وذلك بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وأيضًا التطبيع الكامل مع الكيان الصهيوني.
أما فيما يخص دولة الاحتلال، فقد قامت بتوظيف سلاح المقاطعة العربية لصالحها، حيث عملت على ترسيخ وجودها سياسيًا، وقامت بدعم مجالات البحث العلمي، وبالتالي نجدها تتفوق بكثير على الدول العربية في التصنيع العسكري، ومؤشرات الابتكار العالمي، وفي براءات الاختراع. إضافةً إلى ذلك فإن بعضًا من دول العالم كادت تتعاطف مع تلك المقاطعة، وبالتالي حاولت الدول الكبرى تقديم كل أشكال الدعم العسكري والاقتصادي والتكنولوجي لدولة الاحتلال الإسرائيلي؛ بدعاية أنها ليست بمأمن من الدول العربية، وأنها في حالة خطر دائم. وحسب المشاهد فإن المقاطعة العربية وإن صمدت فترة من الزمن، إلا أنها قد تكون خدمت الجانب الصهيوني، حيث زاد تدفق اليهود إلى فلسطين كنزعة يهودية للتقارب الديني مع بعضهم البعض، وأيضًا توسعت المساحة الجغرافية للاستيطان احتلالًا للأراضي الفلسطينية.
ولكن حرب غزة أشعلت فتيلًا من التأجج لدى الشعوب، وانكشف الغطاء الأسود للدولة الصهيونية، بأنه مهما حاولت الدول العربية الدخول معها في علاقات دبلوماسية واقتصادية تطلعا نحو إقامة سلام دائم بحل الدولتين، إلا ويزيدها ذلك غرورًا وفسادًا في الأرض. فهي دولة تولدت فيها صفات الكراهية للمسلمين. ولقد تمت الإشارة إلى ذلك بالقرآن الكريم في سورة البقرة بالأية قم (120) في قوله تعالى: «وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ». عليه وبعد تكشف تلك النوايا العدوانية لدولة الاحتلال، فقد انبرى بعض من دول العالم إلى إعادة النظر في العلاقات مع الكيان الصهيوني، ولعمري أن تلك الدول أغلبها إفريقية وغربية، حيث وصل بعضها إلى تقديم شكاوى لمحكمة العدل الدولية ليس ضد دولة الاحتلال فحسب، وإنما ضد الدول التي تدعمها، ومن ذلك دولة نيكاراغوا التي قدمت شكوى لمحكمة العدل ضد ألمانيا مدعية بأنها تنتهك اتفاقيات منع الإبادة الجماعية، بتقديمها السلاح والعتاد لدولة الاحتلال. في الجانب المخزي يظل الصديق والرفيق من الدول العربية في سبات ونوم عميق. والشاهد على ذلك حال الجامعة العربية التي أصبح يضرب بها المثل من قبل الساسة فيما تتمخض عنه اجتماعاتها، فهي إن استطاعت الاجتماع فتكون قراراتها وبياناتها الاستنكارية كمن يسكت دهرًا وينطق خجلًا.
وبعد تبخر اتفاقية المقاطعة العربية، لم يبق الفلسطينيون مكتوفي الأيدي، ففي عام (2005) ظهرت حركة «BDS» التي هي «Boycott Divestment Sanction» وتعني المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات. حيث كتب أحد مؤسسيها وهو عمر البرغوثي قبل خمسة أشهر بصحيفة الجارديان البريطانية: إن الحركة مناهضة للعنصرية وغير عنيفة، حيث أصبحت أكثر أهمية عن أي وقت مضى. كما وقع في شهر فبراير من هذا العام ما يقرب من (1500) من نشطاء مجتمع الجامعات بإحدى المقاطعات في بلجيكا من بينهم (350) من الأكاديميين، على بيان بإدانة الاحتلال الإسرائيلي، والمطالبة بوقف التعاون الأكاديمي مع الجامعات الإسرائيلية. كما دشنت الحركة حملة عالمية لمقاطعة الشركة الأمريكية إنتل (تعمل في صناعة الرقائق) نظرا لقرارها الاستثمار في إسرائيل بالرغم من حملة الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة. وفي سياق متصل أعلن التحالف الدولي لعمال النقل القائم على التطبيقات الذي يمثل (100,000) سائق في (20) دولة لمقاطعة محطات الوقود التي تحمل العلامة التجارية «شيفرون»؛ وذلك وقوفًا مع دعوة النقابات العمالية الفلسطينية. عليه ومنذ بداية حركة «BDS» ويحاول الكيان الإسرائيلي بكل الوسائل منعها من التوسع الإعلامي، ونشر الحقائق في دول العالم، هذه الحركة لها مؤيدون، وهي تستمد دعمها من الشعب الفلسطيني ومن المنظمات الحقوقية حول العالم، ومن المدافعين عن حق الشعب الفلسطيني. كما أن المقاطعة الاقتصادية لها تأثير على اقتصاديات الشركات وقد تكبدت خسائر مالية. حيث تأثرت سلسلة مطاعم ماكدونالدز بشكل كبير نظير المقاطعة الشعبية في دول العالم بعد إعلان فرع الشركة بدولة الاحتلال بأنها قدمت آلاف الوجبات المجانية للجيش الإسرائيلي. الشيء نفسه لحق بالشركة الأمريكية العملاقة ستاربكس، والمثير في الأمر أن ضعف المبيعات حدث أيضًا في الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا يعطي دلالة على الاتجاهات المتضادة للسياسة وبين حرية الشعوب التي تطمع للعيش بسلام. كما تشير المصادر إلى أن ستاربكس انخفضت قيمتها السوقية بما يعادل (11) مليار منذ شهر نوفمبر الماضي وهي الخسارة الأكبر لها منذ عام (1992).
كما أن المقاطعة قد تعطي دروسًا لأغلب الدول العربية كيف أنها أصبحت ضعيفة اقتصاديًا، وبأنها لا تعتمد على إنتاجها في مأكلها وملبسها. الدول العربية بحاجة إلى مختبرات عمل في الصناعة والتجارة والخدمات، لتخرج تلك المختبرات بسيناريوهات استراتيجية تعمل على الوصول للاكتفاء الذاتي على أقل تقدير من المنتجات الغدائية الأساسية. فما أكثر التوصيات التي خرجت عنها تلك المختبرات الوطنية المتعلقة بالأمن الغذائي؛ ليكون بلدنا معتمدًا على نفسه، ولكن حتى الآن هناك شح كبير في المنتج المحلي على سبيل المثال: (المواشي واللحوم). فنجد بأن أغلب ما يوجد بالسوق المحلي هو استيراد خارجي، وإن وُجد المنتج العماني فإن أسعاره تكون مرتفعة. فأنى للمقاطعة أن تستمر وليس لدينا قوة وأمن غذائي بل نعتمد على الغير في توفير الاحتياجات الأساسية. عليه المقاطعة يجب أن تستغلها الشركات المحلية والعربية والإسلامية والقطاع الصناعي نحو إعادة صياغة الولاء الكامل للمنتج المحلي. ولعل وجود صناعات واعدة ليس بالأمر السهل، فهو بحاجة إلى سوق نشطة وقوة شرائية كبيرة. ولكن تفعيل ذلك عن طريق بناء التكتلات الاقتصادية الخليجية، والإسلامية، وإيجاد شراكات استراتيجية أمر يمكن الوصول إليه.
وأنت أيها السائح العربي والخليجي فإن الصيف على الأبواب، وبالتالي الخيار متاح لك في أن تحدد المقاصد السياحية بالدول التي وقفت ندًا ضد الكيان الصهيوني. وبالتالي في حال تمكن (50%) من السياح على الأقل من تغيير مقاصدهم السياحية، والابتعاد عن الدول الداعمة للاحتلال الإسرائيلي فسوف يكون لذلك تأثير سلبي في النشاط السياحي لتلك الدول. هذا التغيير في أسلوب المقاطعة سوف يسهم في اقتصاديات الدول العربية والإسلامية، باعتبار أن السائح العربي هو الأعلى إنفاقًا على السياحة.
المقاطعة الشاملة يجب أن تكون ذات أفكار تنويرية لهذا الجيل والأجيال القادمة، حيث يجب على كل فرد محب للعدالة، ونابذ للظلم، بأن يعيد هيكلة حساباته الشرائية وأيضًا توجهاته الاستثمارية بالبحث عن أماكن ودول تنشد السلام، وتؤمن بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة. وبالتالي فإن كبار رجال الأعمال العرب وغيرهم الذين لا زالت ضمائرهم تنبض وتبصر بما يحدث في فلسطين عليهم أن يعيدوا حساباتهم واستثماراتهم الخارجية مع الدول، فلم يعد هناك أمل مع اليهود الحاقدين على الأمة الإسلامية. كما يجب على الدول الإسلامية أن تعمل على تهيئة البيئة الاستثمارية القوية مما يشجع المستثمرين من سحب المليارات التي تستثمر في الأسواق العالمية، لكي توجه للبلدان الواعدة اقتصاديًا والتي تساند وتدعم السلام الدائم، وأن يحصل الفلسطينيون على حقوقهم المشروعة. وما نسرده ليس فراغًا، وإنما يتوافق مع أول اتهام صريح من الأمم المتحدة لدولة الاحتلال؛ بأن حربها على غزة ترقى إلى الإبادة الجماعية، ومطالبة الدول إلى فرض عقوبات، وحظر على تصدير الأسلحة. فهل يكون هناك حظر وعقوبات على دولة الاحتلال، أم تزيد الشعوب من المقاطعة الشاملة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المقاطعة العربیة لدولة الاحتلال الدول العربیة دولة الاحتلال دول العالم وأیض ا
إقرأ أيضاً:
مستشار الأمن الأمريكي: ترامب اقترح السيطرة على غزة للضغط على الدول العربية
واشنطن
كشف مستشار الأمن القومي الأميركي، مايك والتز، اليوم، عن الهدف الذي يريده الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حينما صرح بأنه يريد السيطرة على غزة.
وقال “والتز” إن ترامب يهدف إلى الضغط على الدول العربية المجاورة للتوصل إلى حل خاص بها.
وكان ترامب قد صرح إنه يريد الاستيلاء على قطاع غزة وتطويره بعد إعادة توطين الفلسطينيين، مشيرا إلى أنه لا يستبعد نشر قوات أميركية لدعم إعادة إعمار غزة.
وأضاف ترامب، خلال تواجده بجوار رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إنه لا يدعم استيطان قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة لكنه لا يعتقد أن سكان غزة يجب أن يعودوا إلى القطاع.
وقال إنه سيدعم جهود إعادة توطين الفلسطينيين من غزة بشكل دائم إلى أماكن يمكنهم العيش فيها دون خوف من العنف، مشيرا إلى أنه يناقش إمكان إعادة التوطين مع الأردن ومصر ودول أخرى في المنطقة.
أقرأ أيضا
مصر ترفض رسميا فكرة ترامب لتهجير الفلسطينيين