عندما نسمع أغنية "رمضان في مصر حاجة تانية" للفنان الإماراتي حسين الجسمي، أرجع بالزمن لأول رمضان حضرته في مصر بلدي الجميلة. إذ كنت طالبة في الفرقة الأولى بالجامعة. كنت مندهشة من المتحف المفتوح الذي تحفل به شوارع مصر في كل محافظاتها.. متحف مكتظ بكل أشكال الثقافات. تجد كل العالم في مصر. ذلك ما أدهشني. هاهو العالم الإسلامي في مصر.
لا يمكن أن أنسى تلك النزهات التي كنت أخرج فيها بصحبة والدي قبل الإفطار مباشرة. كان أبي مدخنًا شرهًا. لكنه كان يجيد الاستعاضة عن التدخين بالنوم في رمضان. قبل الإفطار بساعة كان يتحايل عليه بما أسميه أنا الآن "فن الفرجة". نخرج معًا في الشوارع المحيطة بالبيت. نراقب بسط الموائد.. استعدادات الجوامع لماء وتمرات الإفطار.. نصب الخيامية التي تظهر قرب آذان المغرب لتستقبل ليلة حافلة وتختفي بعد آذان الفجر.. إشعال المصابيح والفوانيس.. الحلوى التي تستعرض كل مفاتنها في واجهات المحلات.. وجوه البشر المجهدة التي تستعين بالذكر على فورة نهاية اليوم.. إن الدولة الفاطمية جاء حكامها من المغرب إلا أن زينة شوارع رمضان لم تظهر في المغرب، لكنها ظهرت في مصر في عهدهم وظلت هنا. شوارع مصر تتزين بالزينة التقليدية البسيطة.. ورق ملون ملصق بخيوط طويلة بين شرفات المنازل داخل الشوارع الصغيرة وفانوس كبير ورقي أحيانًا معلق في منتصف الشارع. تحولت هذه الزينة في الشوارع الكبيرة الآن لفانوس كهربائي يتوسط مجموعة من عروق "اللمبات" الصغيرة الراقصة الضوء تغذي جسد الشرفات أو مداخل المنازل. كان (راعي شئون الشارع) في عهد الفاطميين يأمر أصحاب المحلات في مصر بتنظيف وتزيين الشوارع في رمضان مع تعليق القناديل أمام محلاتهم. يحب المصريون الفرح لذا اعتنقوا مظاهره حتى الآن. كنت أراقب الأمور مع أبي وننسى معًا موعد الإفطار أحيانًا.
حين نسمع معًا آذان المغرب نجري على عجل ومعنا العائدون من أعمالهم أو المحاصرون في سياراتهم وانفرج حصارهم فجأة حين اختفى المحاصرون داخل بيوت إفطارهم.. يواجهنا بعض الأطفال يحملون صناديق تمر.. "اكسر صيامك" بصوتهم الطفولي المتكسر في غنج الطفولة.. البيوت عامرة بأنفاس الأحياء. لا يعمرها شيء آخر. تعلمت هذا من رمضان.
لم أسمع المسحراتي بهذه الكثافة إلا في مصر. تجد لكل شارع وكل مجموعة سكنية المسحراتي الخاص بها. كان أول مسحراتي لمصر هو والي مصر العباسي إسحق بن عقبة عام 853 م الذي كان يمر على بيوت المصريين لإيقاظهم سائرًا على قدميه من مدينة العسكر في الفسطاط إلى جامع عمرو بن العاص. عرف المصريون اسم "المسحراتي" في عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي الذي أمر المصريين بالنوم بعد التراويح وأمر جنوده بإيقاظهم داخل بيوتهم لتناول السحور، فسمي جندي الإيقاظ بـ"المسحراتي" نسبة للسحور.
عندما تسافر تجد الطعام في رمضان محدودًا إلى حد بعيد لو كنت مصريًا. لأن تنوع الأطعمة التي يتناولها المصريون في رمضان كبير أكثر مما تتخيل. إن العالم كله هنا بطريقة يصعب وصفها. أتذكر حين كان يأتي رمضان كانت أمي تريد أن تحمل مصر للبيت في كل مكان نكون فيه. رأيتها تعاني في البحث عن أشياء كثيرة كي نأكل ما يأكله المصريون. إذ تجد رمضان العالم الإسلامي كله تقريبًا على موائد المصريين. هي بلد عظيمة يمكنها أن تكون العالم كله بطريقتها ولا يستطيع العالم كله أن يكون حتى جزءًا منها.
أستطيع أن أنهي هذه المقالة بجملة "إن البيوت عامرة بالأحياء". تذكروا هذه الجملة ولا تنسوها. كونوا على موعد مع حياة الدنيا والآخرة في رمضان. سهل الله صيامكم وتقبل طاعتكم.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: حسين الجسمي مصر رمضان في مصر العالم کله فی رمضان
إقرأ أيضاً:
بيان الأعضاء التي يجب السجود عليها في الصلاة
قالت دار الإفتاء المصرية إن من رحمة الله تعالى بعباده المؤمنين أنه يسَّر لهم طريق العبادة، ورفع عنهم كل حرجٍ فيه؛ فما كلفهم إلا بما هو في طاقتهم ووسعهم؛ قال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]، وقال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 28]، وقال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78].
الأعضاء التي يجب السجود عليها في الصلاةقال الإمام البغوي في "معالم التنزيل" (1/ 601، ط. دار إحياء التراث العربي): [﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ﴾: يُسَهِلَ عليكم أحكام الشرع، وقد سَهَّلَ؛ كما قال جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ﴾ [الأعراف: 157]، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ السَّهْلَةِ»] اهـ.
ومن المقرر شرعًا أنه ينبغي للمصلِّي عند سجوده أن يباشر الأرض بسبعة أعضاء مخصوصة؛ منها: اليدان؛ فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: عَلَى الْجَبْهَةِ -وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ-، وَالْيَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ، وَلَا نَكْفِتَ الثِّيَابَ وَالشَّعَرَ» متفق عليه.
قال الإمام النووي في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (4/ 208، ط. دار إحياء التراث العربي): [هذه الأحاديث فيها فوائد؛ منها: أن أعضاء السجود سبعة، وأنه ينبغي للساجد أن يسجد عليها كلها] اهـ.
المقصود باليدين في الحديث باطن الكفين
والمقصود باليدين في الحديث باطن الكفين؛ لما أخرجه الإمام ابن خزيمة في "صحيحه" عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةٍ: عَلَى وَجْهِهِ، وَكَفَّيْهِ، وَرُكْبَتَيْهِ، وَقَدَمَيْهِ، وَنُهِيَ أَنْ يَكُفَّ شَعَرًا أَوْ ثَوْبًا".
قال الإمام الرافعي في "العزيز شرح الوجيز" (1/ 521، ط. دار الكتب العلمية): [والاعتبار في اليدين بباطن الكف] اهـ.
وقال العلامة العدوي في "حاشيته على كفاية الطالب الرباني" (1/ 269، ط. دار الفكر) عقب استدلاله بهذا الحديث: [المراد باليدين: الكفان] اهـ.
حكم صلاة من يصلي بالقفازين "الجوانتي" لشدة البرد
أوضحت الإفتاء أنه إذا شق على المصلي أن يباشر الأرض بكفَّيه وهما مكشوفتان عند سجوده من شدة البرد، فله أن يسجد عليهما مع وجود حائلٍ بينهما وبين الأرض؛ كأن يلبس القفاز الساتر لكفَّيه ونحوه، ولا يمنع ذلك من صحة الصلاة؛ قياسًا على ما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يتقي -عند سجوده- حرَّ الأرض وبرودتها بفضول ثوبه، وكذلك ما جاء عن الصحابة رضوان الله عليهم أنهم كانوا يصلون وأيديهم داخل أكمامهم دون أن يخرجوها؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ يَتَّقِي بِفُضُولِهِ حَرَّ الْأَرْضِ وَبَرْدَهَا" أخرجه الإمامان: أحمد في "مسنده"، وابن أبي شيبة في "مصنفه".
وقد بوَّب الإمام البخاري في "صحيحه" بابًا أسماه: (باب السجود على الثوب في شدة الحر)، وقال: قال الحسن: "كَانَ الْقَوْمُ يَسْجُدُونَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقُلُنْسُوَةِ، وَيَدَاهُ فِي كُمِّهِ".
وأخرج فيه عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: "كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَيَضَعُ أَحَدُنَا طَرَفَ الثَّوْبِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ فِي مَكَانِ السُّجُودِ".
وبوَّب الإمام ابن خزيمة في "صحيحه" بابًا أسماه: (باب إباحة السجود على الثياب اتقاء الحر والبرد).
وبوَّب الإمام ابن ماجه في "سننه" أيضًا بابًا أسماه: (باب السجود على الثياب في الحر والبرد)، وأخرج فيها عن ثابت بن الصامت رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم "صَلَّى فِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَعَلَيْهِ كِسَاءٌ مُتَلَفِّفٌ بِهِ، يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَيْهِ، يَقِيهِ بَرْدَ الْحَصَى".
وكذلك بوَّب الإمام الترمذي في "سننه" أيضًا بابًا أسماه: (باب ما ذكر من الرخصة في السجود على الثوب في الحر والبرد).
وعن إبراهيم النخعي أنه قال: "كَانُوا يُصَلُّونَ فِي مَسَاتِقِهِمْ وَبَرَانِسِهِمْ وَطَيَالِسِهِمْ؛ مَا يُخْرِجُونَ أَيْدِيَهُمْ مِنْهَا"، قلنا له: ما الْمِسْتَقَةُ؟ قال: "هِيَ جُبَّةٌ يَعْمَلُهَا أَهْلُ الشَّامِ، وَلَهَا كُمَّانِ طَوِيلَانِ، وَلَبِنُهَا عَلَى الصَّدْرِ، يَلْبَسُونَهَا، وَيَعْقِدُونَ كُمَّيْهَا إِذَا لَبِسُوهَا" أخرجه الإمامان: عبد الرزاق في "مصنفه" واللفظ له، والبيهقي في "السنن الكبرى".