لم تُوفق قناة «بي بي سي إفريقيا» في بثها للفيلم الوثائقي والتقرير المتصل بالعاملات القادمات من جمهورية ملاوي للعمل في سلطنة عُمان واللاتي -بحسب ما ورد في التقرير المنشور- تعرّضن للاتجار بالبشر، وهنا لست بصدد الغوص في مصداقية ما أوردته القناة؛ فهذه المزاعم فندتها اللجنة العمانية لحقوق الإنسان، وأفردت لها مساحة في وسائل الإعلام العمانية مطلع الأسبوع الجاري.
ولكن على ما يبدو أن القنوات الكبيرة والمعروفة بمصداقيتها في حقب زمنية ماضية، بدأت تتخلى عن مهنيتها في تقصّي الحقائق وإعطاء كافة الأطراف حقها في الرد، وهذا مؤشر خطير على تراجع مهنية قنوات لها مكانتها العالمية طوال حقب زمنية طويلة، حيث يؤشر هذا التراجع إلى فقدان هذه الوسائل للمصداقية ومن ثم ثقة المجتمعات بها، وذلك من خلال ممارساتها «اللامهنية» في بعض القضايا الإنسانية التي تخص الدول.
تستطيع بعض الوسائل الإعلامية أن تذهب للتزييف وتسوق المزاعم الواهية، وفي الوقت ذاته هي -تعرف مسبقا- أن ما ساقته ونشرته لا يخرج عن إطار التلفيق وقلب الحقائق، ولا يمكن لمثل ذلك المحتوى، إحداث تأثيرات ملموسة، خاصة إذا كانت تلك المزاعم عن بلد كسلطنة عمان، بلد المؤسسات والقانون، التي تشهد عليها الإنسانية جمعاء.
إن سلطنة عمان ومنذ بداية نهضتها الحديثة، وضعت العدالة والقانون من أهم الأسس، في منظومتها الوطنية ونظامها الأساسي الذي ببوصلته شقت دروب التنمية؛ تنمية الإنسان، وصون حقوقه، كما حافظت على مسار سياستها على المستويين الداخلي والخارجي وفق أسس قانونية، تحترم فيه حقوق الإنسان والقوانين الدولية، وعززت ذلك بمنظومة مؤسسات عدلية وقانونية وتشريعية، مستندة إلى قانون يحكم بين الناس بالعدل دون النظر إلى لون أو عرق أو دين، لذلك كان ميزان العدالة في سلطنة عمان راجحًا دائمًا.
كما سنت القوانين والتشريعات الخاصة بالعمل والعمال؛ لضمان حقوق كل من يعيش في سلطنة عمان، وصون كرامته وضمان عيشه بحرية.
وإضافة إلى المؤسسات العدلية والقانونية والتشريعية التي ترسي الدعائم العدلية للجميع، أنشئت لجان وجمعيات ومؤسسات للمجتمع المدني، تمارس صلاحياتها بحرية، وتتابع أوضاع حقوق الإنسان وكرامته وفتحت كل قنوات التواصل معها للوصول إليها، والتقدم بأي شكوى أو بلاغ أو مظلمة، من أي شخص وفي كل وقت، وأوجدت هذه المؤسسات لتكون دعامة حقيقية لنيل الحقوق واللجوء إليها -إن تطلب الأمر ذلك.
وحسب إحصائيات عام 2023، يعمل في سلطنة عمان ما يقارب من1.821 مليون عامل وافد، مقارنة بنحو 1.707 مليون عامل لعام 2022م، وذلك يؤكد أن سلطنة عمان دولة جاذبة للعمال، ومقصد لطلب الرزق، تقصدها جنسيات مختلفة، من مختلف دول العالم، ويفضلون استمرار العيش فيها بدلًا من بلدانهم الأصلية، بعد أن قضوا سنوات في عمان وحقوقهم مكفولة ويعيشون بسلام واطمئنان.
سلطنة عمان بلد المؤسسات والقانون، وضعت الإنسان في المكانة التي يستحقها، وسنت القوانين التي تحميه وتضمن حقوقه، كما وضعت القوانين المراعية لحقوق الجميع، ومن يريد التعرف على مجتمع الألفة والتسامح والتعايش عليه زيارة سلطنة عمان، وسيجد كيف يعيش المواطن مع المقيم دون تفرقة، يمارسون حياتهم بحرية وسلام وأمان.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: سلطنة عمان فی سلطنة
إقرأ أيضاً:
مفتي الجمهورية: الفقر والجهل والمرض ثلاثية خطيرة تُغذي الفكر المتطرف
ألقى الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، محاضرة بعنوان "التطرف وأثره على المجتمع"، بجامعة عين شمس، ضمن ندوة تثقيفية أقامتها الجامعة بحضور نخبة من القيادات الأكاديمية والطلابية.
وقد استقبل الدكتور محمد ضياء زين العابدين، رئيس جامعة عين شمس، فضيلة المفتي بكل حفاوة وتقدير، مشيرًا إلى دَور دار الإفتاء المصرية في تعزيز القيم الإنسانية ونشر الوعي الديني الوسطي. وأكد رئيس الجامعة أن الحوار هو السبيل الأمثل للقضاء على التطرف، وأن التعاون بين المؤسسات الدينية والأكاديمية ضروري لفهم هذه الظاهرة والتصدي لها.
صرَّح الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، بأن الحديث عن التطرف ليس من باب الرفاهية، بل هو من الأمور التي ينبغي أن تسير عليها المؤسسات، خاصة في ظل مواجهة المؤسسات الدينية باتهامات باطلة تربطها بالإرهاب.
وأضاف أن التطرف ليس مقتصرًا على الدين فقط، بل هو مجاوزة الحد في الفكر، سواء كان ذلك بالتشدد أو بالتحرر المبالغ فيه، حيث يدعو البعض إلى تمييع الدين واجتزاء النصوص، موضحا أن الغلو في التمسك بأمور خارجة عن المألوف يُعَدُّ من أشكال التطرف التي يجب التحذير منها.
وأضاف المفتي أنه عندما نتحدَّث عن التطرف يجب التفرقة بين الدين نفسه وبين أتباعه، فالحكم على الدين من خلال تصرفات المنتسبين إليه ظلم بيِّن، موضحا أن الدين جاء لتحقيق مجموعة من المقاصد، وإذا تمَّ الاعتداء على هذه المقاصد يكون ذلك تطرفًا فكريًّا واضحًا. فالمقاصد الكلية للدين إذا غابت، أدى ذلك إلى فساد الدنيا والدين معًا.
وأشار المفتي إلى أن هناك بعضَ أصحاب الأجندات المختلفة الذين يسعون إلى تشويه صورة الدين وتقليل قيمة العقل والاستهانة بالدماء، مؤكدًا أنَّ الدين في جوهره رسالة إصلاحية تحقِّق الصلاح في الدنيا والفلاح في الآخرة، وتضع إطارًا للعلاقة بين الإنسان وربه، وأضاف أن هذا الدين العظيم لم يترك حتى العلاقات الإنسانية دون ضوابط دقيقة تنظِّمه، بل وضع أطرًا للتعامل مع الجميع.
وأكَّد المفتي أنه من الخطأ الكبير إلصاق التشدد بالدين، موضحًا أن أسباب التطرف بعيدة كل البُعد عن جوهر الدين. وأوضح أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم بُعث بالحنيفية السَّمحة التي تراعي حقوق الله والكون والبلاد والعباد دون إفراط أو تفريط، معربا عن شُكره للمؤسسات التربوية والجامعات التي تهتمُّ بمثل هذه القضايا المهمة، لأن هذه المؤسسات تعدُّ من أهم الأماكن التي ينبغي أن تُعنى بتشكيل وعي الأجيال لمواجهة التطرف.
وأردف المفتي أن التطرف ليس ظاهرة حديثة، بل هو نتاج تراكمات اجتماعية وثقافية وتربوية وسياسية واقتصادية. قد تكون هناك أسباب دينية، لكنها ليست الأكثر تأثيرًا في نشأة التطرف وانتشاره. لذا، فإن مواجهة هذه الظاهرة تتطلَّب تكاتف جميع المؤسسات للعمل وَفْقَ رؤية واضحة وشاملة، وأكَّد أن الدين هو طوق النجاة للأمم، حيث نجد أنَّ الحضارات التي ازدهرت ماديًّا شهدت في الوقت نفسه انحدارًا أخلاقيًّا وسلوكيًّا، وهو ما يعكس أهمية الحفاظ على القيم الدينية والأخلاقية.
كما أشار المفتي إلى أن الله أيَّد الخلق بوحيين: الوحي المنظور وهو العالم الخارجي الذي نراه ونتأمله، والوحي المسطور وهو الكتاب السماوي. وبيَّن فضيلته أن هناك جوانب يتشابك فيها العلم مع الدين وجوانب أخرى تستقل كل منهما عن الآخر، وهذا يعكس التكامل بينهما لا التعارض.
وأكَّد أن الإنسان يجب أن يُترك للبحث دون قيود، ولكن في إطار أخلاقيات البحث العلمي حتى لا نصل إلى مرحلة "نشتري الموت بأيدينا".
وشدَّد المفتي على أن الإنسان قد غزا الفضاء، واستولى على البر والبحر، وحقَّق إنجازاتٍ عظيمةً ورفاهية غير مسبوقة، لكنه يبقى عاجزًا أمام سرِّ وجوده في الحياة الدنيا. وأشار إلى أنَّ العلم رغم تقدماته لا يمكنه تفسير كل شيء، وأن هذا يؤكد محدودية العلم، مضيفا أن {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85] هي حقيقة علمية تؤكِّد أن الإنسان لا يستطيع إدراك كل ما يتعلق بالوجود.
وتابع قائلًا: إنه عندما يُقحم العقل في أمور ليست من مجاله، فإن ذلك يؤدِّي إلى الغلوِّ والتطرُّف. لذلك، يجب أن تسلط المناهج التربوية الضوءَ على محاسن الدين، الذي بدأ مع خلق الإنسان تحت شرائع مختلفة تدعو للتعايش والتسامح والتراحم. وأوضح أن الرسالات السماوية جاءت بالوصايا العشر التي يجب أن تكون جزءًا أصيلًا في المناهج التعليمية.
وأضاف فضيلةُ المفتي أنه على الرغم من وصولنا إلى القرن الواحد والعشرين، ما زلنا نواجه مشكلة الثأر، رغم أن أطراف النزاع قد يكونون من ذوي العلم والوجاهة. وقال إن العقلية التي تقول: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف: 23] ما زالت سائدة في بعض البيئات التي تُحكم بالعادات أو الفهم الخاطئ لثقافة معينة، مما قد يُنتج تطرفًا فكريًّا.
مما يؤكد على دَور المورثات الخاطئة أيضًا في تفشي ظواهر التطرف لدى المجتمع.
كما أشار إلى أنَّ الصحبة لها تأثير كبير في تكوين الفكر، حيث إنَّ الكثير من العائدين من الجماعات الإرهابية أشاروا إلى أن الصاحب والصديق كانا البوابة الأولى للتطرف. لذلك، شدد المفتي على ضرورة تحري الصاحب الصالح الذي يأخذ بيد صاحبه إلى الحق والثبات عليه.
وفي حديثه عن العوامل التي تؤدي إلى التطرف، ذكر المفتي أن الفقر والجهل والمرض هي ثلاثة أضلاع خطيرة تهدد المجتمع، حيث إن الكثير ممن انضموا إلى الجماعات المتطرفة كانوا ضحية للفقر المدقع والجهل.
وأضاف أن الإعلام قد يكون أداة بناء أو هدم، حيث يمكن أن يُسهم في نشر القيم السلبية من خلال الترويج لمسلسلات وأفلام تدعو للمثلية والانحلال الأخلاقي.
كما أكد على ضرورة مواجهة الفكر بالفكر والآلة بالآلة، واستخدام المحتوى الإعلامي والتربوي لنشر القيم الصحيحة.
وأضاف أنَّ المؤسسات التعليمية والإعلامية ومنصات التواصل الاجتماعي يجب أن تتكاتف للتصدي للألعاب الإلكترونية التي تدعو للعنف والقتل وللحدِّ من تصدير الفكر المتطرف. وأشار إلى أن بعض القضايا قد تكون بسيطة، لكن بعض وسائل الإعلام قد تعمَّد إلى تضخيمها لتحقيق "الترند"، دون مراعاة للمآلات والآثار والنتائج؛ مما يستوجب من الإعلاميين تحرِّي المسؤولية في نشر الأخبار.
وتوجَّه المفتي للإعلاميين قائلًا: أنتم على ثغر خطير من ثغور الدين والوطن، فاتقوا الله فيما وضعكم فيه.
وفي ختام كلمته، أشار المفتي إلى أن الغلو والتشدد يؤديان إلى تضييق الحياة على الناس من خلال التكفير والتفسيق، مما يعطي مبررًا للتخريب بدلًا من الإعمار. وأكد أن العلم مفتاح التطور، ويجب الانفتاح على مختلف مجالاته، بما فيها علم الفلك، للاستفادة من أدواته لتحقيق التقدم والرقي.
وفي ختام الندوة تقدَّم رئيس الجامعة بالشكر له مهديًا إليه درع الجامعة في لفتة تقدير وامتنان لما يبذله فضيلة المفتي من جهود لنشر الوعي والفكر الوسطي.