خلال حضوري الاحتفالية التي نظّمتها وزارة الثقافة والرياضة والشباب بمناسبة اليوم العالمي للشعر، سألني أحد الأصدقاء: لماذا يُحتفى في الشعر تحديدا دون سواه؟ خصوصا أن منزلة الشاعر تراجعت عمّا كانت عليه بالأزمنة الغابرة، ولم يعد لسان قومه، ولم تعد القبائل تتبادل التهاني «إذا نبغ فيها اسم شاعر، فتُقام الولائم، وتجتمع النساء كما في الأعراس» كما ذكر ابن رشيق القيرواني في كتابه (العمدة)، ولم يعد الشعر، بنظر صاحبي، مرآة المجتمع، فهو لا يتغنى بالأمجاد، والأنساب، وتقوقع الشاعر على ذاته، فصار شعره تعبيرا عن آلام فرديّة، ناتجة عن ذوات متورّمة، فلماذا نحتفي بالشعر؟ ولماذا هذا التقدير الاستثنائي له، منذ أقدم العصور إلى اليوم؟
هذه التساؤلات، وسواها تطرح باستمرار، وينسى من يطرحها أن منظّمة اليونسكو حين خصّصت يوما عالميّا للاحتفال بالشعر، لم يأت ذلك من فراغ، بل لأنها تعرف جيّدا أنّ الشعر فنٌّ لصيقٌ بروح الإنسان، وواقعه، وتطلعاته، وسيبقى يضيء أفق الإنسانية، ويعمّق إحساسنا بالوجود، ويضاعفه، ويجعلنا نفكر، ونسمو، ونتساءل، أما ما يتردّد عن تراجع مبيعات كتب الشعر في معارض الكتب ومنافذ البيع، ودخولنا (زمن الرواية)، فهو وضع عابر لا يعكس الصورة الحقيقيّة للشعر، الذي هو مثل طائر العنقاء كلّما ضاقت عليه دائرة الحياة، يحترق ليعود مجدّدا معافى يفرش جناحيه، ليحلّق عاليا، فاتحا الآفاق لمستقبل أبهى، وأجمل.
لقد جاء قرار منظّمة اليونسكو الصادر عام 1999م بتخصيص يوم عالمي للشعر، هو الحادي والعشرين من مارس من كل عام عن معرفة كاملة بالمكانة التي يحتلّها الشعر، وجاء اختيارها لهذا اليوم دقيقا، كونه يتوافق مع مجموعة أعياد ترتبط بالحضارات القديمة، وتاريخ الأديان، يقول د. خزعل الماجدي: «هذا اليوم هو عيد رأس السنة السومرية، وعيد الأكيتو البابلي والآشوري في التقويم البابلي القديم، وعيد نوروز الفارسي والكردي والتركماني وعيد سرصالي الإيزيدي وعيد البنجة المندائي ..وعيد الفصح المسيحي واليهودي»، فهل يحيلنا هذا التوافق إلى العلاقة القديمة التي تربط الشعر بالدين، وحتى بالطبيعة، التي ترتدي في الربيع ثوبا قشيبا؟ فالحادي والعشرون من مارس يحمل بشارة إعلان نهاية الشتاء وبداية الربيع، ففيه تتساوى ساعات النهار مع ساعات الليل وهو ما يُعرف بالانقلاب الربيعي، فيُحتفى بعيد الشجرة، وليست الأشجار وحدها تستيقظ من سباتها، بل تستيقظ جذوة التغيير في داخل روح الإنسان، فتزهر، بل وتثور، كما فعل (كاوا الحدّاد) في عيد نوروز الفارسي الذي يحيلنا إلى أسطورة آشوريّة تتحدث عن ملك ظالم يدعى «الضحاك» التفّ حول كتفيه ثعبانان كبيران حين يطلبان الطعام، يشعر بألم شديد، فيطعمهما، حتى يشبعا، وطعامهما هو مخّ الأطفال، وتقول الأسطورة إنّه كان يقتل كلّ يوم طفلين للحصول على مراده، فاحتال «كاوا الحداد» وقام بذبح خروف ليقدّم مخّه للحاكم بدلاً من مخّ الأطفال الأبرياء وكان يخبّئ الأطفال في مكان سرّي لا يعلمه إلّا هو إلى أن كبروا، فعلّمهم فنون القتال، وكوّن منهم جيشا، وثار على الملك الظالم، في هذا اليوم، فصار الناس يحتفلون به، ولعلّي وجدتُ في هذه الأسطورة جوابا على تساؤلات الشاعر يحيى الإلزامي في منشور له، وهي «ماذا باستطاعة الشعر أن «يفعل»؟ وأنًى له تضميد جراح الإنسانية النازف وترميم قيم العدل والحرية والجمال، وقد تهشمت إثر سقوطها المدوي أمام سمع الدنيا وبصرها ، تحت أحذية الجنرلات المتباهية بفجور القوة وغطرسة التفوق» فالشاعر هو (كاوا الحداد) المنقذ، الذي خرج على سطوة الظلم، وراهن على المستقبل، المتمثل بالأطفال، أما عن الذين يتحدّثون عن عزلة الشعر بسبب صعوبة الشعر وغموضه، فالشعر «طائر ريشه المجاز» وهو كما يقول هوميروس «رحلة صيد ليلية»، بل أن جماله يكمن في غموضه، فالشاعر الراحل عبدالرزاق عبد الواحد يرى أن جماليّته تكمن في ذلك :
وأجملُ الشعرِ ما أحسستَ أنَّ بِهِ
شيئًا يُضيءُ ولكن أنتَ جاهلُهُ
فالشعر الحقيقي حسب إليوت «هو الذي بوسعه أن يحقّق تواصلا مع القارئ قبل أن يفهمه»
والشعر الحقيقي صنيعة التجربة والحياة، فهو يحيط بنا من كل مكان، وهذا هو الذي جعل أحدهم يتنبّأ بأن سيأتي يوم يصبح فيه كلّ الناس شعراء، والأمر غير مستبعد، فإذا كان الفنّان الإيطالي (مايكل أنجلو) يرى أنّ كلّ صخرة نصادفها يمكن أن تحتوي على التمثال في داخلها، وما على الفنان إذا أراد الحصول عليه إلا أن يقوم بتقشير تلك الصّخرة «فلو قشّرنا صخور أيامنا سنجد بذرة القصيدة مختبئة»، يقول ريلكه «تسلّلْ إلى أعماقك وابحثْ عن الأسباب التي تمنعك من أن تصبح شاعرا».
والأمر ليس بالسهولة التي يتخيّلها البعض، فـ«الشعر صعب وطويل سلّمه» كما يقول الحطيئة فالكثيرون كتبوا الشعر، ولم يتمكنوا من مواصلة الطريق، لكنّهم، قطعا، لا يستغنون عنه، ويحتفلون بيومه، كما احتفلنا، في تلك الليلة الرمضانيّة الجميلة.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2025 وفق الحسابات الفلكية
يترقب الملايين موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2025، خصوصًا مع كون الإجازة المرتقبة واحدة من أطول العطلات الرسمية المنتظرة في عام 2025، حيث تمتد 5 أيام كاملة.
أول أيام ذو الحجة 2025 وموعد رؤية الهلال.. اعرف موعد وتواريخ وقفة عرفات وعيد الأضحى
موعد وقفة عرفات 2025 وعيد الأضحى المبارك.. التفاصيل والتواريخ
5 أيام إجازة رسمية.. موعد عيد الأضحى ووقفة عرفات 2025
موعد وقفة عرفات وإجازة عيد الأضحى 2025.. متى تبدأ مناسك الحج
وبحسب ما أعلنه المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، فإن الحسابات الفلكية تشير إلى أن غرة شهر ذو الحجة للعام الهجري 1446 ستوافق يوم الأربعاء 28 مايو 2025، وذلك بعد أن يولد هلال شهر ذو الحجة مباشرة بعد حدوث الاقتران في تمام الساعة الخامسة وثلاث دقائق فجرًا بتوقيت القاهرة المحلي، يوم الثلاثاء 27 مايو 2025 الموافق 29 من شهر ذي القعدة.
وكشفن الحسابات أن الهلال الجديد سيبقى ظاهرًا في سماء مكة المكرمة لمدة 38 دقيقة، بينما سيظهر في سماء القاهرة لمدة 47 دقيقة عقب غروب الشمس في يوم الرؤية، مع تسجيل مدد بقاء الهلال في باقي المحافظات المصرية تتراوح بين 40 إلى 49 دقيقة.
و بناءً على الحسابات الفلكية السابقة، من المتوقع أن تكون وقفة عرفات يوم الخميس 5 يونيو 2025، ويليها مباشرة أول أيام عيد الأضحى المبارك يوم الجمعة 6 يونيو 2025، وإذ كان ذو القعدة كاملا 30 يوما وفقا للرؤية الشرعية، فسيكون وقفة عرفات يوم الجمعة 6 يونيو ، وأول أيام عيد الأضحى المبارك يوم السبت 7 يونيو 2025.
وهذا الموعد يعتبر تقديريًا بحسب الحسابات الفلكية، على أن يتم تأكيده رسميًا من قبل دار الإفتاء المصرية والجهات الدينية المختصة عقب الرؤية الشرعية لهلال شهر ذو الحجة.
أطول إجازة رسمية في 2025تبدأ إجازة عيد الأضحى رسميًا يوم الخميس 5 يونيو 2025 الذي يوافق وقفة عرفات، وتستمر حتى يوم الإثنين 9 يونيو 2025، أي لمدة 5 أيام متتالية، ما يجعلها من أطول الإجازات الرسمية خلال العام.
وتُعد هذه العطلة فرصة ذهبية للعديد من الموظفين والعاملين في القطاعين الحكومي والخاص لقضاء وقت مع العائلة أو السفر، خصوصًا مع تزامنها مع بداية فصل الصيف، حيث يفضل الكثيرون استغلالها لقضاء عطلة قصيرة في أماكن سياحية داخلية أو خارجية.
رغم أن الحسابات الفلكية حددت الموعد المتوقع لبداية شهر ذو الحجة، إلا أن الإعلان الرسمي عن مواعيد إجازة عيد الأضحى سيكون عقب استطلاع الهلال، حيث ستقوم الحكومة بالإعلان عن تفاصيل العطلة وعدد أيامها الرسمية للموظفين في الدولة وموظفي القطاع الخاص أيضًا.
وفي بعض الدول الخليجية والعربية، تشير التقديرات إلى أن إجازة عيد الأضحى قد تمتد لأسبوع كامل، خاصة في القطاع الحكومي، إذ تعد هذه المناسبة الدينية إحدى أهم العطلات الرسمية في العالم الإسلامي.
موسم الحجيأتي موعد وقفة عرفات بالتزامن مع ذروة مناسك الحج، حيث يتوافد الحجاج من مختلف أنحاء العالم إلى جبل عرفات، في الركن الأعظم للحج، ومن ثم تتوجه الأنظار إلى مكة المكرمة في متابعة شعائر العيد المبارك.
ومع اقتراب هذا الموعد، بدأت الجهات المختصة في المملكة العربية السعودية في وضع الترتيبات اللوجستية والصحية اللازمة لتنظيم موسم الحج لهذا العام، وسط توقعات بمشاركة ضخمة بعد تعافي العالم من تبعات الجائحة.
موعد إعلان الإجازةوينتظر المواطنون في مصر بيان الإفتاء الرسمي الذي يؤكد بداية الشهر الهجري الأخير ذو الحجة، والذي بدوره يحدد موعد وقفة عرفات، وعيد الأضحى المبارك بشكل قاطع.