الأموال الساخنة.. مسكنات مؤقتة للاقتصاد
تاريخ النشر: 27th, March 2024 GMT
مطالب بتنويع مصادر النقد الأجنبى للحفاظ على الاستقرار الاقتصادى والاهتمام بالاستثمار
فى ظل التحولات الاقتصادية العالمية وتزايد التدفقات المالية عبر الحدود، أصبحت الأموال الساخنة ظاهرة ملحوظة فى الاقتصاديات المعاصرة. تُعرف الأموال الساخنة عمومًا بأنها التدفقات النقدية الوافدة إلى البلدان النامية بغرض الاستثمار السريع فى الأصول المالية مثل الأسهم والسندات والعقارات، وذلك بهدف تحقيق أرباح سريعة.
يُعتقد أن الأموال الساخنة قد تلعب دورًا هامًا فى تعزيز النمو الاقتصادى فى المدى القصير، ولكنها قد تؤدى أيضاً إلى تقلبات كبيرة فى الاقتصادات المستقبلية وزيادة الضغط على السياسات النقدية والمالية.
ويعتبر الاقتصاديون الأموال الساخنة استثمارات غير مباشرة وغير مستدامة، حيث لا تساهم فى تعزيز الاستثمار الحقيقى وتحسين البنية التحتية أو خلق فرص عمل، ولذلك فإنه من الضرورى على مصر كدولة نامية أن تستهدف جذب الاستثمارات المباشرة التى تسهم فى تحقيق التنمية المستدامة.
وحذر خبراء الاقتصاد من الاعتماد على الأموال الساخنة، مطالبين بضرورة دراسة آثارها على الاقتصادات الوطنية والعالمية، بالإضافة إلى تحليل السياسات والإجراءات التى يمكن اتخاذها لتنظيم تدفقات الأموال الساخنة وتحقيق التوازن بين الفوائد والمخاطر المرتبطة بها.
يعتبر الدكتور على الادريسى، أستاذ الاقتصاد، الأموال الساخنة من مصادر النقد الأجنبى للدول، وغالبًا ما تستخدم كوسيلة لتحقيق أرباح سريعة فى الأسواق المالية. ومع ذلك، يرى أن الاعتماد الرئيسى عليها يمكن أن يكون خطيرًا وغير مستقر، خاصةً إذا كانت هذه الأموال تتدفق بكميات كبيرة وبسرعة. حيثُ يُظهر التاريخ أن الاعتماد الزائد على الأموال الساخنة قد يؤدى إلى زيادة التقلبات فى الأسواق المالية والاقتصادية، وقد يجعل الدولة عرضة لمخاطر اقتصادية كبيرة فى حالة التدهور السريع للتدفقات المالية.
ويؤكد أن تنويع مصادر النقد الأجنبى للدولة يعتبر أمرًا حيويًا للحفاظ على استقرار الاقتصاد وتجنب المخاطر المالية. مشددا على الدول بالسعى جاهدةً لتطوير مصادر متنوعة للدخل، مثل التصدير، والاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتنمية القطاعات الاقتصادية المحلية، بالإضافة إلى الاستفادة من الأموال الساخنة بشكل متوازن وتنظيمى، بحيث لا تؤثر سلبًا على استقرار الاقتصاد الوطنى.
وأوضح الدكتور خالد الشافعى، الخبير الاقتصادى، العواقب المترتبة على خروج الأموال الساخنة بشكل مفاجئ بعد استفادة أصحابها، مؤكدا أن هذا يمكن أن يتسبب زيادة فى التضخم وتقليل قيمة العملة المحلية، مما يؤثر سلبًا على الاقتصاد المحلى وقد يؤدى إلى انعكاسات سلبية على مستوى الأسعار والاستقرار المالى.
وأكد أن الحكومات تتخذ إجراءات مختلفة للتعامل مع هذه الظاهرة، مثل رفع أسعار الفائدة لجذب الأموال الساخنة وتقليل تدفقها، كما فعلت مصر. ومع ذلك، يعتبر الشافعى هذا الإجراء حلاً مؤقتًا وله عواقبه السلبية، مثل تباطؤ النمو الاقتصادى وارتفاع تكلفة الاقتراض.
بالإضافة إلى ذلك، يشير الخبير الاقتصادى إلى أهمية ضبط آليات دخول وخروج الأموال الساخنة بطريقة تحافظ على استقرار الاقتصاد وتقلل من المخاطر المالية. تشمل هذه الآليات تقييد تداول العملات الأجنبية أو فرض رسوم على الاستثمارات القصيرة الأجل، وتوجيه الأموال الساخنة نحو القطاعات الاستثمارية المستدامة بدلاً من الاستثمارات القصيرة الأجل ذات المخاطر العالية.
وأشار إلى أن الدولة لا ينبغى أن تعتمد بشكل رئيسى على الأموال الساخنة كمصدر أساسى للنقد الأجنبى وتمويل العجز فى الميزانية. لافتا أن الاعتماد الرئيسى على هذه الأموال يمكن أن يؤدى إلى عدة مشكلات اقتصادية، بما فى ذلك تقلبات سعر الصرف، وارتفاع معدلات التضخم، وتراجع الاستقرار المالى. بدلاً من ذلك، يجب أن تعتمد الدولة على مصادر متنوعة للدخل، مثل الاستثمارات الخارجية، وتحسين الصادرات، وتطوير الصناعات المحلية، وزيادة الإنتاجية، وتحسين بيئة الاستثمار.
وشدد على ضرورة توجيه الجهود نحو تعزيز الاقتصاد الوطنى وتحسين بنية الاقتصاد المحلى ما يسهم فى تعزيز الاكتفاء الذاتى والاستقرار الاقتصادى على المدى الطويل. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للدولة تبنى سياسات واستراتيجيات لضبط تدفق الأموال الساخنة وتوجيهها نحو القطاعات الاقتصادية ذات الأولوية والمستدامة.
ومن جانبه يعرب د. مصطفى بدرة، الخبير الاقتصادى، عن قلقه إزاء تصاعد الاعتماد على الأموال الساخنة مرة أخرى كوسيلة لتعزيز السيولة المالية فى مصر، ويشير إلى أن ذلك قد يكون حلاً مؤقتاً وليس جذرياً للتحديات الاقتصادية التى تواجه البلاد.
تؤكد تحليلاته أن الأموال الساخنة تُعتبر وسيلة غير مستدامة لتمويل النقد الأجنبى فى مصر. ويحث بدرة الدولة بضرورة تبنى استراتيجيات تنويع مصادر التمويل والتركيز على تعزيز البيئة الاستثمارية المحلية لتحقيق نمو اقتصادى مستدام. بالإضافة إلى ذلك، يشير بدرة إلى الأثر السلبى الذى قد تتركه عمليات خروج الأموال الساخنة على الاقتصاد المصرى، حيث يمكن أن يؤدى ذلك إلى زيادة شح النقد الأجنبى وتدهور قيمة العملة المحلية، مما يؤثر سلباً على الاستقرار الاقتصادى والاجتماعى فى البلاد.
يشدد بدرة على أهمية أن تتعامل الدولة بحذر وتحكم فى عملية دخول وخروج الأموال الساخنة، وتضع خططا استراتيجية لتعزيز الاستقرار المالى والاقتصادى على المدى الطويل، مع التركيز على تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز قدرة البلاد على مواجهة التحديات الاقتصادية المستقبلية.
وأكد أن مصر دائمًا ما تواجه تحديات فى جمع موارد النقد الأجنبى بما يكفى لتلبية احتياجاتها. فقد لوحظ أن موارد النقد الأجنبى فى مصر تبقى دائمًا أقل من احتياجاتها، حيثُ تعتمد مصادر النقد الأجنبى لمصر بشكل كبير على الإيرادات الريعية مثل إيرادات قناة السويس والصادرات النفطية، ولكن هذه المصادر تتعرض بشكل دائم للتهديدات الإقليمية والدولية. لذا، لجأت مصر إلى الأموال الساخنة كحل مؤقت لتعزيز السيولة المالية وتثبيت سعر الصرف.
ويعتبر بدرة، الأموال الساخنة استثمارات غير مباشرة وغير مستدامة، حيث لا تساهم فى تعزيز الاستثمار الحقيقى وتحسين البنية التحتية أو خلق فرص عمل، ولذلك فإنه من الضرورى على مصر كدولة نامية أن تستهدف جذب الاستثمارات المباشرة التى تسهم فى تحقيق التنمية المستدامة. بالإضافة إلى ذلك، يثير الدين العام فى مصر قلقًا كبيرًا، حيث تعتبر فوائد الدين عبئًا كبيرًا على الميزانية العامة، وقد بلغت هذه الفوائد مستويات مرتفعة خلال الفترة الأخيرة مقارنة بإجمالى الإيرادات العامة. وهذا يزيد من الضغوط على الوضع المالى للدولة ويجعل أى تزايد فى تكاليف الدين أمرًا صعبًا للغاية. وبالتالى، فإن الاعتماد المفرط على الأموال الساخنة يمكن أن يكون ضارًا للاقتصاد المصرى على المدى الطويل، ولذلك يجب على الدولة اتخاذ إجراءات تهدف إلى تنويع مصادر النقد الأجنبى وتحسين بيئة الاستثمار المحلية لضمان الاستقرار المالى والاقتصادى على المدى البعيد.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الأموال الساخنة النقد الأجنبي على الأموال الساخنة بالإضافة إلى ذلک على المدى فى تعزیز یمکن أن فى مصر
إقرأ أيضاً:
انهيار الائتلاف الحاكم يهدد الاقتصاد الألماني.. وخلاف حول السياسات المالية
عرضت قناة «القاهرة الإخبارية»، تقريرا بعنوان «في ألمانيا.. اقتصاد على المحك بعد انهيار الائتلاف الحاكم»، إذ تخلى الاقتصاد الألماني عن بريقه ليقع في براثن الركود.
انهيار الاقتصاد الألمانيوذكر التقرير، أن الاقتصاد الألماني فقد ثقة المستثمرين بعد انهيار الائتلاف الحاكم، وقد تدفع الأزمة السياسية الاقتصاد الأكبر في أوروبا نحو الهاوية وتزيد من صعوبة التئام جراحه.
معهد البحوث الاقتصادية الألماني رصد انهيارا في ثقة المستثمرين بأكثر من المتوقع في نوفمبر، إذا هبط مؤشره للمعنويات بنحو 50%، وقبل أيام أقال المستشار الألماني أولاف شولتز وزير ماليته بعد أشهر من الخلافات العميقة.
خلاف حول السياسة المالية يهدد الاقتصاد الألمانيانهيار الائتلاف الحاكم المكون من 3 أحزاب نجم عن خلاف رئيسي حول السياسات الاقتصادية، إذ يؤيد الحزبان اليساريان وهما الاشتراكي والديموقراطي الذي ينتمي إليه شولتز وحزب الخضر سياسات تميل إلى زيادة الاستدانة، بينما يتبنى الحزب الليبرالي الذي ينتمي إليه وزير المالية الألماني وجهة نظر معاكسة ويصر على الالتزام بالحد من الديون وخفض الضرائب.