المسلة:
2024-06-30@01:33:45 GMT

الارادة السياسية وبناء الانسان والدولة

تاريخ النشر: 27th, March 2024 GMT

الارادة السياسية وبناء الانسان والدولة

27 مارس، 2024

بغداد/المسلة الحدث:

رياض الفرطوسي

لا يخفى على احد اهمية الارادة السياسية والشجاعة في ان تغير مجرى الحياة على مستوى التعليم والصحة لبناء مقومات الانسان العراقي . الاهمية تكمن في فهم الاخطار والتهديدات التي ممكن ان يتعرض لها المواطن من خلال تكثيف حملات الوعي . نعرف ان شخصية الانسان تتوازن على اساس القيم والافكار والمبادىء وحينما تكون هذه القواعد ثابتة ولا تتغير في كل حقبة حينها يمكننا ان نبشر بجيل رصين ومختلف.

لم تسلم التجربة العراقية في عهد النظام البعثي المباد من جريمة بتر وتغيير النظام التعليمي من خلال محو المناهج المعرفية والثقافية لتحل محلها ( صور القائد وشعاراته واقواله ) وفق مزاجيات مرحلية شكلت اكبر خطر على اجيال متعاقبة من تجربتنا السياسية في تلك الحقبة . ما زلنا نواجه تحديات كثيرة منها ما هو محلي او اقليمي . محليا نحتاج الى تطوير نظامنا التعليمي والصحي والانتقال الى الفضاء الرقمي من اجل انجاز اكبر قدر ممكن من الخدمات للمواطنين حتى نستطيع ان نتعايش مع التحولات التي تحصل في العالم على مستوى الثورة العلمية والصناعية الكبيرة . ممكن ان تشمل هذه الامور حتى المناطق الريفية النائية.

اخذ المواطن العراقي يصيبه القلق مما يروج له في مواقع التواصل الاجتماعي من سموم واكاذيب وادعاءات وشائعات ومعلومات مزيفة لا علاقة لها بالحقيقة الامر الذي من شأنه ان نكون على مستوى من الوعي الاجتماعي لدعم وتطوير الثقافة العامة بما في ذلك الثقافة السياسية لكي نؤسس الى جيل يخلق ويبدع ويكتشف يمتلك القدرة والكفاءة والتضحية وليس جيلا يتوارث التكرار والاجترار. نستطيع تحقيق ذلك من خلال مجموعة من النقاط في مقدمتها تعزيز مفهوم الامن القومي المتمثل بكل ما له علاقة بأمن المجتمع ( الامن الاجتماعي ) القائم على اطمئنان الانسان على نفسه وعقله ودينه واهله وبقية حقوقه الانسانية . بعد ذلك تأتي المواطنة والانتماء والاعتزاز بالارض والقيم والمرجعيات الوطنية والتضحية من اجل الوطن والثقة بالقيادات السياسية والعدل الذي يعتبر الدعامة الاساسية لحقوق الناس وواجباتهم والقانون الذي يكون هو المسؤول عن تحقيق وتطبيق ذلك.

لابد ان نعرف اهمية الارادة السياسية وضرورتها في المشروعات القومية التي من استراتيجياتها ‘ البناء والتنمية.
لقد كفل الدستور العراقي الديمقراطية وفرض سيادة القانون واحترام الانسان وتلك هي الدعائم التي جعلتنا نواجه كل تلك الاخطار بعزيمة واقتدار . وعليه لابد ان تكون في قمة اولوياتنا تنشيط الوعي المجتمعي والثقافي على مستوى الاحزاب والمؤسسات الدينية والاعلامية والامنية. مسؤولية المواجهة كبيرة ونحتاج ان تتصدى كل المنصات الاعلامية والسياسية والثقافية من اجل ان نحقق الوعي المجتمعي . علينا ان لا نهمل اي ازمة لان اهمالها يشكل معوق كبير من الصعوبة بمكان التغلب عليه . ان الضمانة الاكيدة للتغلب على اي ازمة هو التضامن فالسلوك الجمعي هو الرصيد الحقيقي الذي يضمن التقدم والتنمية.

في عصر المتغيرات المتسارعة في السياسة والاعلام ومواقع التواصل حيث تتغير بين فترة واخرى مظاهر واتجاهات واخلاقيات قد تتعارض مع قيمنا ومفاهيمنا الامر الذي من شأنه ان نؤكد على تقييم ومراجعة تلك التحديات من خلال الارشاد والتنظير والتوضيح في المدارس والجامعات والمؤسسات المهنية واعداد برامج تثقيفية من اجل تحقيق ضمان نفسي وثقافي رصين لبناء الانسان على مستوى مهني وفكري واخلاقي.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لا يعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

المصدر: المسلة

كلمات دلالية: على مستوى من خلال من اجل

إقرأ أيضاً:

السفر على اللواري وسطح قطار الألم

منصور الصويم

حكاية أولى

أذكر، منذ سنوات طويلة ونحن في مرحلة الطفولة المبكرة، كنا نخرج في “العصريات” ونتجه إلى الشارع السفري الترابي القريب من بيتنا بحي شم النسيم في مدينة نيالا بجنوب دارفور.

كنا نلتقي مع مجموعة كبيرة من الصغار “الشياطين”، بعضنا يأتي من حي السد العالي المتاخم لحينا. وفي التوقيت المحدد نقف بموازارة الطريق السفري، لن تمضي سوى دقائق حتى تحضر اللواري الكبيرة القادمة من جهة الغرب الأقصى “زالنجي، الجنينة”، محملة بالبضائع والمسافرين الذين يعتلونها متكومين على جوالات المحاصيل في طريق سفرهم نحو المشاريع الزراعية الكبرى في وسط وشرق البلاد بهدف العمل. وهؤلاء كانوا مقصدنا الطفولي، تمر اللواري قربنا ونبدأ الهتاف بأصوات ضاجة “جنقجورا، جنقجوار كسرة بمويه”، ونحن نشير إليهم بأصابعنا الصغيرة في استهزاء واستحقار نابعين من مكامن لم نكن ندرك – وقتها – أصلها. أما ركاب اللواري “الجنقو” فلم يكونوا يولوننا أدنى اهتمام، بل – واذكر هذا جيدًا – كان يبدو عليهم التوتر الشديد وكأنهم في رحلة نحو المجهول، وهذا أيضًا فهمته لاحقًا.

مكامن خطاب الكراهية

قد تبدو الحكاية السابقة عادية لا تعكس سوى الشغب الطفولي اللذيذ، الذي قد يتوجه في أحيان كثيرة للنيل من فئات مجتمعية وأفراد بعينهم بهدف اللهو والمغامرة لا أكثر. لكن، في بعد آخر، يمكننا أن نقرأ في مثل هذه الحكاية مؤشرا أوليا لكيفية نمو “خطاب الكراهية” دون وجود كوابح تمنعه التمدد والاتساع. فغياب الوعي المجتمعي هو الذي دفعنا – على ما أرى – للاستمرار في هذه الممارسة التحقيرية وتوريثها لمن هم بعدنا من أجيال، دون أن نجد في “الشارع السفري العريض” من ينبهنا إلى الخطأ الذي نمارسه، وأن يفعل ذلك بوعي تبصيري، لا بهدف منع “الإزعاج” أو لحمايتنا من مطاردة محتملة من سائقي اللواري أو حتى الركاب المتوترين. هذا الوعي الذي أتحدث عنه لم يتحقق بالنسبة لي إلا بعد سنوات من هذه الحكاية، وحدث لركاب آخرين ووجهوا بهتافات مشابهة لهتافاتنا المشاغبة، ولكن من أناس أكبر وأكثر وعيًا، وكان الضحية هذه المرة أنا وصحبي!

الحكاية الثانية

في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، وكنت مسافرًا من مدينة نيالا إلى العاصمة الخرطوم “حيث كان الرئيس بنوم”، ووسيلة السفر المتاحة في تلك الفترة كانت “قطار نيالا” الشهير، ولروح الشباب المتمردة قررنا ونحن مجموعة من الأصدقاء أن نسافر على سطح عربات القطار، بعضنا زائغ من رسم التذاكر وآخرون هكذا فقط محبة في المغامرة. حين وصلنا مدينة ومدني في وسط السودان بولاية الجزيرة، وكنا مستلقين على السطح نشاهد معالم المدينة فوجئنا ببعض الأشخاص (الرجال) وهم يقتربون من القطار ويبدأون بالصياح بأصوات مرتفعة: “يا غرابة، الغرابة وصولوا” ويقهقون! نبرة التحقير التي حملتها تلك الهتافات أعادتني مباشرة إلى هتافات الطفولة “يا جنقجورو”، وفتحت ما يشبه “كوة الضوء” معرفة سريعة وإن كانت سطحية بما يمكن أن أسميه بأزمة “المجتمعات السودانية”، أو الكراهية المستبطنة بين هذه المجتمعات أو الشعوب! في تلك اللحظة من الهتاف التحقيري وجدتني أرد بشكل تلقائي وغير مبال على الهاتفين: “امشوا يا عروب يا مواهيم”. وهو رد أضحك رفاقي كثيرًا وعدوه مفحمًا للآخرين ورددوه بصوت عالٍ رغمًا عن أن القطار كان قد مضى بعيدًا، وذلك رد أدخلني أيضًا من “كوة الضوء” المنفتحة لأقرأ نفسي وأفهم “خطابي”.

الدولة المتداعية

السودان بلد متنوع ومتعدد الثقافات والمناخات واللغات. ونظرة سريعة إلى القبائل التي تقطن هذه البلاد “600 قبيلة” تضعنا أمام الصورة المجتمعية المعقدة التي يحياها ويعيشها السودانيون. هذا التنوع والتعدد المعقد كان من المفترض أن يوجد منذ البداية “ما بعد الاستقلال” طرائقه وأساليبه القادرة على استيعاب كل هذه “الفسيسفاء” المتنافرة ليضعها داخل مكون عادل يعترف بالجميع ولا ينتقص من أحد أو يعلي ثقافة على أخرى، أو يرفع من أسهم قبيلة على قبيلة، لكن ما حدث كان عكس ذلك وهو ما نرى نتائجه ماثلة في شكل الدولة السودانية المتداعية الآن!

 نشيد “الألم”

هذه هي الحكاية الثالثة والأخيرة التي سأرويها، وهي مستدعاة أيضًا من طفولتي إبان تتلمذي في المرحلة الابتدائية بمدينتي نيالا. ونحن في الصف الرابع قدم إلينا طالب من المناطق الجبلية غرب دارفور. كان متين الجسد وذكيًا وقليل الكلام. ولأنه جاء من عمق قروي مجتمعي لا يتحدث العربية، كانت بعض الحروف العربية تشكل بالنسبة له إشكالية في النطق مثل حرف الـ”ع”. ورغم ذكائه وتفوقه الملحوظ إلا أن أستاذنا للغة العربية كان يترصده دومًا محاولًا إذلاله في كل مرة بـ “لسانه المعوج”. وحدث ذات مرة وأنا أحاول تصحيح كراستي المدرسية أن وجدت هذا الطالب وسط مجموعة من المعلمين، كانوا متحلقين في دائرة وهو في وسطهم منبطح على الأرض وأستاذ اللغة العربية يحمل سوطًا ويطالبه في كل مرة بترديد جملة “نشيد العلم”، فينطقها الطالب “نشيد الألم”، فينهال عليه المعلم بالسوط جلدًا لـ”يتألم” أكثر بينما يضج بقية المعلمين بالضحك. في ذلك اليوم أحسست بالاضمحلال و”الكراهية” والرغبة في مغادرة المدرسة التي غادرها الطالب الجبلي فعليًا، إذ كان ذلك آخر يوم دراسي له.

حرب الكراهية

مع اندلاع حرب الخامس عشر من أبريل في العام الماضي، بدأ الجميع يحذر من تحولها إلى حرب أهلية شاملة. لماذا التخوف من تحول حرب وصفت بـ “حرب الجنرالين” و”الحرب العبثية” إلى حرب أهلية شاملة تقضي على كل شيء؟ لأن جميع من حذر من ذلك يعي هشاشة العلائق التي تربط المجتمعات السودانية مع بعضها، ولأن الجميع يدرك أن الدولة السودانية منذ تشكلها لم تفعل شيئًا سوى اللعب على التناقضات التي تسم هذه العلائق، وهو ما توضحه الحروب الكثيرة التي أدارتها هذه الدولة ضد هذه الشعوب في الجنوب والغرب وجبال النوبة ومختلف مناطق السودان. نعم الغبائن إحدى المسببات الرئيسية لتوليد خطاب الكراهية، لكن السؤال المهم الذي يفترض أن نواجه بها أنفسنا هو كيف تكونت هذه الغبائن ومن أسهم في تناميها لتصل هذه المرحلة التي نحياها الآن ونرى أنمذجتها في “قطع الرؤوس” والتهديد بغزو مدن بعينها والتحريض على الانفصال والاعتقال على الهوية ونزعها مزاجًا وكراهية!

بذرة الوعي

في الحكاية الأولى قلت إن “كوة من الوعي” انفتحت أمامي حين ووجهت بذات أساليبي “العنصرية” الطفولية ووجدت أن هناك أيضًا من ينظر إليّ من أعلى ويراني دون. أول ما فطنت له إن من الضروري أن أعرف الآخر وأعرفه بنفسي لأزيل كل وهم في “أناي” ولديه عني وعنه. هذا مجهود قد يبدو شاقًا وكبيرًا في بلد مثل السودان لا تزال تسيطر عليه “دولة المستعمر” بكل أدواتها الخبيثة في ذرع الفتن وبذر بذور الكراهية. لكن الوعي كثورة يتخلق بطيئًا، ويمكن لأي شخص من موقعه أن يسهم فيه بالقدر المعقول. في الحكاية الأولى تعرفت على نفسي وعلى “الجنقو” بسبب واقعة القطار، لكني أثق تمامًا أن آخرين لم يتحقق وعيهم ومعرفتهم ومن ثم احترامهم لـ “الجنقو” إلا بعد أن قرأوا رواية “الجنقو مسامير الأرض” لعبدالعزيز بركة ساكن. هذا عمل أدبي أسهم – في رأيي – بقدر كبير في فهم فئة سودانية ظلت مهمشة ومنسية على مدار التاريخ السوداني الحديث، أن تتعرف على الجنقو “نموذج” أو غيرهم وتحترمهم، أو يحدث العكس هذا هو الوعي المطلوب لنسف خطاب الكراهية من جذوره، وهو مجهود لكي يتحقق بالكامل يتطلب منا المضي في ثورتنا ضد “الدولة القديمة” وأن نعمل بكل طاقتنا على إنهاء مظهرها الأكبر في القبح وأعني حرب الجيش والدعم السريع.

.. ومن ثم نذهب في طريق دولة المواطنة والحقوق المتساوية.

 

الوسوممنصور الصويم

مقالات مشابهة

  • كيف نواجه سيوف التشكيك الأمريكي بالقضاء العراقي؟
  • السفر على اللواري وسطح قطار الألم
  • مسؤول: حملات التوعية ومحو الأمية هدفها ضمان وصول التعليم الجيد للجميع
  • عن الحرب في غزة والدولة الفلسطينية.. ماذا قال ترامب وبايدن في مناظرتهما التاريخية؟
  • المؤتمر السنوي الثامن عشر "اختر كُلِّيتك" لطلاب الثانوية العامة بمكتبة الإسكندرية
  • سيمفونية الاختلاف: نغمات متنافرة في المشهد بشأن الانتخابات المبكرة
  • القضاء العراقي العدالة بمعنى الإنسانية
  • إلي أين يتجه السودان برؤية المستقلين؟
  • أستاذ تخطيط: العشوائيات كانت بؤرة صديدية سرطانية.. والدولة تخلصت منها
  • السودان: إنقاذ ما لا يمكن إنقاذه