ناجي ظاهر: سلمان ناطور وميلان كونديرا
تاريخ النشر: 27th, July 2023 GMT
ناجي ظاهر استدعاني نبأ رحيل الكاتب التشيكي الموطن الفرنسي الجنسية والهوى ميلان كونديرا ( 1929 – 2023(، للعودة إلى أيام خلت التقيت خلال أحدها بالكاتب الصديق الراحل سلمان ناطور (1949-2016) ابن دالية الكرمل طابت ذكراه. جرى ذلك اللقاء في أيام سلمان الأخيرة في الحياة، وذلك خلال لقاء عابر لنا في بلدتي الحبيبة الغالية الناصرة.
وكان أننا تحدّثنا في أمور حياتنا الثقافية والسياسية، وكالعادة انتقلنا ليتمحور حديثُنا في مسالة القراءة وأهميتها في تطوير الرؤية وبناء المنظور الثاقب للواقع المر. وأذكر أن مُحدّثي توقّف مطولًا عند قراءاته مشيرًا إلى أنه صبّ جُلّ اهتمامه في الفترة الأخيرة- حينها-، في قراءة كلّ ما وقعت يده عليه من الاعمال الأدبية، خاصة الروائية لكونديرا. بل إنني أتذكر أنه يومها كان يبحث عن المزيد من تلك الاعمال.. وأنه كان في طريقه إلى مكتبة كبيرة في بلدتي علّه يجد ما قرأ او سمع عنه من تلك الاعمال ولم تصل إليه يده. لم تطل وقفتنا تلك لهذا لم تُتح لي الفرصة أن أساله عمّا دفعه كلّ ذلك الدفع وأثاره كلّ تلك الاثارة كي يقرأ كونديرا، أو يتفرّغ لقراءته كلّ ذلك التفرغ. وما زلت أذكر أنه لوّح لي بيده خلال توجهه إلى المكتبة قائلًا إنه يبحث عن رواية كوندير حول خفة الكائن التي لا تحتمل، أو عن رواية الهوية. اليوم وقد رحل كونديرا عن عالمنا بعد عمر مديد ( 94 عامًا)، في معاناة هذه الحياة وآلامها التي لا تطاق، أتذكر ذلك اللقاء الدافئ، وأحاول أن أحفر باحثًا عن السبب الذي جعل سلمان يتعلّق كل ذاك التعلق بكاتب، ثائر ومتمرد، رفض التضييقات السياسية عليه في بلاده، فتركها مغادرًا إياها إلى فرنسا ليقيم فيها وليكتب هناك عمّا شاهده وعاناه من تلك التضييقات الفظيعة في بلاده. فما الذي دفع سلمان إلى تلك القراءة المحمومة لكونديرا؟.. هل هو التشابه بينهما.. هل كان سلمان يشعر بمثل ما شعر به كونديرا؟ بل هل كان هو الكاتب الذي عانى من حكم الآخر على بلاده بالقوة، أم هل كان السبب هو نزعة إنسانية فنية ساخرة قربت بين الاثنين لا سيّما وأن كتابتاهما مع المحافظة على الاختلاف الطبيعي بينهما، قرّبت وجمعت بينهما؟.. سواء كان هذا السبب أو ذاك هو ما جمع بين هذين الكاتبين، كاتبًا وكاتبًا أولًا وكاتبًا وقارئًا ثانيًا، أو العكس، فإنني اعتقد أن الامر يحتاج إلى شيء من التفكير، المعاينة والنظر. بإمكان الناظر المتمعّن في هكذا وضع أن يسجّل العديد مما يجمع بين هذين الكاتبين، خاصة وأنه اطلع على العديد مما انتجاه، وأنه بإمكانه أن يسجّل عددًا من الملاحظات التي تؤكد القرابة الروحية بين كاتبين مختلفي المشرب والموقع وتغلب عليهما الرؤية الذاتية للواقع إضافة الى الرؤية الفنية الواعية. فيما يلي أحاول أن أمركز ما أراه بهذا الخصوص في عدد مُركّز ومكثف من النقاط. *السياسة: لقد اتفق سلمان في رأيه ورؤيته وربّما في توجهه العام مع كونديرا، وقد اتفق معه على ما يبدو في نقطة أخرى أكثر أهمية واشدّ الحاحًا، هي أن الحرية مطلب انساني قبل ان يكون سياسيا، بهذا المعنى أرى أن الكاتب المثقّف لدى سلمان تغلّب هنا على الشخص الإنساني المفرد تاركا مساحة واسعة لذاته الجمعية. *الفن والفلسفة: كان سلمان طوال عمر صداقتنا التي تواصلت منذ السبعينيات حتى أواخر أيامه، كاتبًا طامحًا للارتقاء الفني الإبداعي، وأذكر في هذا السياق، أنه كان ميّالًا إلى التفكير الفلسفي العميق، بل انه كتب عددًا من المقالات والخواطر، خاصة في بداياته الاولى، بل أذكر أنه كان اقترح علىّ أن نتبادل الرسائل العلنية- المنشورة-، في ذلك المجال، قائلًا لي إنه يشعر بقرابة روحية عميقة في الميول الفلسفية فيما بيننا. هذا الميل الفني الفلسفي تجلّى على أفضل ما يكون في كتاباته القصصية خاصة، وأشير منها إلى كتابه “وما نسينا”، ففي هذا الكتاب حاول أن يسجّل قصصًا واقعية استمع إليها من أفواه اخوان مهجرين له، غير أنه صاغها بأسلوب فنيّ راق حافظ عبره على ما تتطلّبه الاعمال الابداعية الجادة من براعة في الأداء وبساطة في التوجّه. فيما يتعلّق بكونديرا من هذه الناحية، صحيح ان شهرته قامت كما رأى الكثيرون ممن كتبوا عنه على مواقفه السياسية، غير اننا لا يمكن إلا أن نرى إلى محاولاته الإبداعية الفنية الدائبة لتقديمه ذاته المبدعة عبر رؤى خاصة ذات رائحة نكهة ولون، وهو ما جعله متفرّدًا في كتاباته سواء كانت مباشرة، من مقالات وما إليها من هواجس وخواطر، أو روائية إبداعية حظيت باهتمام القراء عبر أكثر من أربعين لغة ترجمت اليها، في انحاء مختلفة من عالمنا. *السخرية: جمع بين كاتبينا، كاتبًا وقارئًا أيضًا، سخرية شديدة الوقع، ميّزت كلًا منهما بطريقتها الخاصة، فقد عُرف عن سلمان أنه كاتب ساخر من طراز خاص، وبإمكان مَن يقرأ كتابه “خمّارة البلد”، ان يتأكد من هذه الصفة، بل يمكنني القول إن السخرية كانت واحدة من المميّزات البارزة للكتابة الأدبية والسياسية أيضًا لدى سلمان، أما فيما يتعلّق بكونديرا، صاحب الضحك والنسيان، فإن الامر/ السخرية، يظهر طاغيًا على العمق البعيد في كتاباته المختلفة، وبإمكان مَن يقرأ عمليه اللافتين “الحياة هي في مكان آخر” و “غراميات مرحة”، أن يتأكد من هذه الخلة الجامعة بعرى وثقى بين كاتبينا، زاد في اعجاب سلمان بميلان أن الاثنين كانا يغترفان من سيرتيهما الذاتية في جُلّ ما انتجاه وابدعاه، اذا لم يكن فيه كلّه، وانهما جعلا من السخرية، كلّ بطريقة، أسلوبًا لمواجهة واقع مر قاس لا يترك فضاءً كافيًا لشيء من الامل. أما ما جمع بين هذين الكاتبين وجعل سلمان يُقبل كلّ ذلك الاقبال على قراءة ميلان، فاعتقد أنه يعود إلى ميل سحيق في الرؤية السياسية خاصة للواقع، وإلى فهم عميق للإبداع الادبي في مجتمعات محاصرة.
المصدر: رأي اليوم
إقرأ أيضاً:
عمرة رمضان.. كيف تستعد لإحدى أجمل رحلات حياتك
هناك لحظات في الحياة تظل محفورة في القلب، وعمرة شهر رمضان واحدة من أعظم التجارب الروحانية التي يمكن أن يعيشها المسلم، فهي تجمع بين أجواء الشهر الفضيل، وقدسية الحرمين الشريفين وخاصة إذا كانت عمرتك الأولى.
حين وطأت قدماي أرض مدينة رسول الله عليه الصلاة والسلام في الشهر المبارك من العام الماضي، شعرت بمزيج الرهبة والفرحة الغامرة. كنتُ قد سمعتُ كثيرا عن الأجواء الرمضانية في الحرم، لكن أن تعيشها بنفسك شيء آخر تماما، فهي تجربة ستظل عالقة في ذاكرتك مع كل رمضان يمر عليك.
ومن خلال هذه الرحلة، أدركتُ أن التخطيط المسبق والاستعداد الجيد هما مفتاح الاستمتاع بها رغم الزحام والإرهاق.
في هذا المقال، سأشارككم تفاصيل رحلتي في عمرة رمضان، خطوة بخطوة، بكل ما تعلمته وما تمنيتُ معرفته قبل السفر، لتكون دليلا عمليا يجعل عمرتكم واحدة من أجمل التجارب في حياتكم.
قبل السفر: كيف تختار رحلتكأحد أهم القرارات التي ستواجهها أثناء التخطيط لعمرة رمضان هو تحديد مدة الرحلة: هل تكتفي بعدة أيام، أم تغتنم فرصة قضاء الشهر الكريم بالكامل في مكة والمدينة؟ لكل خيار مزاياه وتحدياته، لذا من المهم اختيار ما يناسبك وفقا لظروفك.
إعلان
الرحلة القصيرة، التي تمتد لعشرة أيام أو أقل، تناسب من لديهم التزامات مهنية أو عائلية، وهي تتطلب تخطيطا محكما للاستفادة القصوى من الوقت في أداء العبادات. كما أنها أقل تكلفة من الإقامة طيلة الشهر، وأما قضاء رمضان بأكمله في الحرمين الشريفين فهو تجربة استثنائية لمن يستطيع ذلك، حيث تعيش أجواء روحانية لا مثيل لها بين الصيام والتراويح والقيام، وتصبح كل لحظة فيها فرصة للتقرب إلى الله.
هل تسافر بمفردك أم ضمن مجموعة؟من خلال تجربتي، وجدت أن السفر عن طريق وكالة سياحية هو الخيار الأكثر شيوعا، خاصة في رمضان، لأنه يُسهّل العديد من الأمور مثل استخراج التأشيرة، ترتيب الإقامة، والتنقلات وسط الزحام، كما أنه غالبا ما يكون أقل تكلفة من السفر الفردي.
لكن السفر بمفردك له سحره الخاص، وقد جربته في عمرتي الأولى في نهاية عام 2022. منحني ذلك حرية مطلقة في تحديد جدول الرحلة، واختيار متى أبدأ العمرة وأين أقيم، والتنقل وفقًا لرغبتي الخاصة. ومع ذلك، فإن هذا الخيار يناسب أكثر من لديهم خبرة سابقة، أو المقيمين في دول قريبة من المملكة، حيث تكون الإجراءات أبسط وأيسر.
أيا كان اختيارك، فإن الأهم هو أن ترتب رحلتك بما يناسبك نفسيا وعمليا، لأن تجربة العمرة في رمضان تستحق أن تعيشها بأفضل طريقة ممكنة.
من الناحية الصحية، من الضروري تجهيز حقيبة صغيرة تحتوي على الفيتامينات، ومسكنات الألم، وأدوية نزلات البرد واضطرابات المعدة، إضافة إلى الكمامات والمعقمات لتفادي العدوى، خاصة في ظل الازدحام. أما لمن يعانون أمراضًا مزمنة، فمن المهم حمل الأدوية بكمية تكفي طوال الرحلة، فقد لا تتوفر بنفس الأسماء التجارية أو قد تكون بتكلفة مرتفعة. الاستعداد النفسي والروحاني: الذهاب إلى العمرة، خاصة للمرة الأولى، تجربة روحانية عميقة، لكنها تتطلب معرفة مسبقة بالمناسك لضمان أدائها بسهولة وخشوع. قبل السفر، يُنصح بقراءة كتب أو مشاهدة مقاطع فيديو تشرح خطوات العمرة وأحكامها، بالإضافة إلى التعرّف على آداب زيارة الحرمين الشريفين، مثل التحلي بالصبر مع الحشود، وخفض الصوت، واحترام النظام داخل المسجدين.
1- ملابس مريحة وعملية: يُفضل اختيار ملابس مريحة، مع مراعاة سهولة غسلها وتجفيفها، وحيث أننا في فصل الشتاء؛ عليك أن تتوقع برودة في الطقس خاصة في ساعات الليل المتأخرة وكذلك هطول الأمطار وخاصة في المدينة المنورة. وبالنسبة للرجال، فإن الإحرام عنصر أساسي ينبغي التأكد من حمله، وكذلك احرص على ارتداء أحذية مريحة وسهلة الخلع وخفيفة الوزن، لكثرة المشي ولسهولة حملها مع دخول الحرم.2- مستلزمات النظافة الشخصية: مسحوق غسيل سائل، حبل صغير لنشر الملابس، أدوات النظافة الشخصية، وحقيبة خفيفة للظهر للاستخدام اليومي تحتوي على جيب مخصص لحفظ الحذاء، وهو أمر ضروري داخل الحرمين الشريفين.3- وجبات خفيفة وأدوات تحضير المشروبات: يمكن حمل بعض الأطعمة الجافة لتوفير بدائل سريعة عند الإفطار أو السحور، لكن لا تفرط في حمل أطعمة معك قد تتلف سريعًا. أما إذا كنت من محبي القهوة أو الشاي، فإن حمل صانعة قهوة كهربائية صغيرة أو براد حافظ للحرارة مع أكياس قهوة وشاي جاهزة سيكون خيارًا عمليًا، خاصة في أماكن الإقامة التي لا توفر هذه المستلزمات.
4- لا تنس كذلك إحضار مصحف صغير ومسبحة لاستغلال أوقات الانتظار في الذكر وقراءة القرآن. عليك أيضًا التأكد من وجود باقة تجوال للإنترنت لضمان سهولة التواصل لضمان سهولة التواصل واستخدام التطبيقات الضرورية مثل "نسك" و"خرائط غوغل"، ويمكن شراء شريحة محلية فور الوصول إلى المملكة لمن لا يفضل خدمة التجوال الدولي.
تختلف رحلة العمرة في رمضان عن أي وقت آخر من العام، حيث تمتلئ المطارات بالمعتمرين القادمين من شتى أنحاء العالم. ففي بعض الدول، يتم تخصيص صالات خاصة لموسم العمرة والحج نظرًا لكثافة الأعداد، كما هو الحال في مصر التي تخصص صالة موسمية للحجاج والمعتمرين. لذلك، من الضروري التخطيط الجيد لضمان سفر مريح وسلس.
إعلان الوصول إلى المطار مبكرًا: خلال رمضان، يكون الازدحام شديدًا في المطارات، لذا يُنصح بالوصول قبل موعد الرحلة بفترة أطول من المعتاد. بينما يكون الوصول قبل ساعتين كافيًا في الأيام العادية، فمن الأفضل في موسم العمرة الوصول إلى المطار قبل الرحلة بثلاث إلى أربع ساعات، خاصةً خلال العشر الأواخر من رمضان، حيث تزداد أعداد المسافرين. هذا يمنحك وقتًا كافيًا لإنهاء الإجراءات بهدوء دون توتر ولتجنب أي مفاجآت في المطار. الالتزام بتعليمات السفر: سواء في المطار أو عند الوصول، من الضروري اتباع توجيهات مشرفي الرحلة والسلطات المختصة، مثل إجراءات التفتيش، إبراز المستندات المطلوبة، والالتزام بالقوانين المحلية، مما يضمن عبورًا سلسًا من المطار إلى الطائرة دون أي تأخير غير ضروري.كما أن استلام الأمتعة قد يستغرق وقتًا أطول من المعتاد، لذا كن مستعدًا لذلك دون قلق. بالنسبة لوسائل النقل، من الأفضل ترتيب وسيلة انتقالك إلى مكة أو المدينة مسبقًا. إذا كنت مع حملة سياحية، فغالبًا ما يتم توفير حافلات مخصصة لنقل المعتمرين. أما إذا كنت مسافرًا بمفردك، فيمكنك استخدام حافلات النقل العامة أو سيارات الأجرة المعتمدة. إعلان
من هنا تبدأ رحلتك الإيمانية في أقدس بقاع الأرض، أبشر فقد وصلت إلى بلاد الحرمين لتبدأ عمرتك في بركة شهر رمضان. ودعنا نبدأ تلك الرحلة في المدينة المنورة ببركة القرب من رسول الله سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام.
——-
باحثة مصرية شغوفة بالكتابة والسفر