الموقف من المليشيا .. بين الإمام وأبنائه
تاريخ النشر: 27th, March 2024 GMT
اعادت مشاهد الضابط ب”الجيش السوداني اللواء “عبد الرحمن الصادق المهدي، وهو يتفقد منزل والده الإمام الراحل الصادق المهدي، وضريحه وضريح اجداده” قبة الإمام المهدي”، بجانب هيئة شؤون الأنصار بمنطقة أمدرمان القديمة بعد نحو اسبوعين من تحرير الجيش لها من مليشيا الدعم السريع، امس الاول، اعادت مشاهد اعتقال والده الإمام الصادق في العام 2014 بسبب اعتراضه على تكوين مليشا الدعم السريع، الامر الذي جعله يختار منفاه في القاهرة، بعد الإفراج، وكذا مشاهد مصافحة نجله الصديق الصادق، وخليفته في الحزب اللواء فضل الله برمة ناصر وهما يصافحان قائد المليشيا في أديس أبابا ويوقعان معه اعلان أديس أبابا معه، ضمن تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية المدنية “تقدم” التي تمثل الذراع السياسي للدعم السريع! .
وفيما اعادت هذه المشاهد تلك الصور اظهرت ايضا في ذات الوقت حجم التناقض الكبير بين موقف الامام الرافض للمليشيا، وموقف بعض أبنائه وقيادات حزبه الداعمين لها.
واعتبر كثيرون ان موقف الراحل الصادق المهدي من مليشيا الدعم السريع، كان يجب أن يوافقه رفض من أبنائه بشكل خاص ومن قيادات الحزب بشكل عام، سيما عقب حجم الدمار الكبير الذي احدثته مليشيا الدعم، غير ان معادلات العمل السياسي وفق معايير حزب الأمة، لها حساباتها المختلفة بحسبهم.
وينظر مراقبون إلى أن هذه النقطة تحديدا تمثل عقبة خلاف داخل الحزب، حيث ترى مجموعات ضرورة الاستمرار في تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية المدنية “تقدم” واخرى ترى ضرورة الانسحاب.
الحسم “قتالا”
وعبر مواقف مختلفة كانت نظرة الأمام الراحل الصادق المهدي بشأن الدعم السريع، انها مدعاة للتسبب في تمزيق البلاد وهتك نسيجها، واندلاع حرب أهلية رغم تقينيها، ما جعله يرفضها خلال نظام البشير، ويدعو لتقنينها عقب تولي قائدها سدة الحكم في البلاد اعقاب الحادي عشر من أبريل 2019.
ودعا زعيم الأنصار في يوليو 2019 لدمج قوات الدعم السريع بالجيش السوداني تجنبا للتوترات مع الجيش بأي ثمن، وإلا فإنها تخاطر بالمزيد من الاضطرابات، كما دعا حميدتي إلى دمج قواته التي يقودها بالجيش لتعزيز الوحدة في صفوف القوات المسلحة، مؤكدا إنه يجب تسوية أي “توترات بين مجموعاتنا المسلحة سلميا”.
وأضاف لوكالة رويترز “إما أن يحسمها الناس قتالا وهو ما سيكون في غاية السوء للسودان، أو يقبلون بعملية مصالحة”.
خط أحمر
ولاحقاً أبدى الصادق المهدي ترحيبه بانضمام قوات الدعم السريع لحزب الأمة، وقال في برنامج تلفزيوني ان كانت هناك رغبة من الدعم السريع للإنضمام في حزب الأمة فنحن جاهزون لذلك ومرحبون ونتمنى لهم مسيرة ناجحة، في تحقيق أهدافهم، كما دعا قائد المليشيا للتفكير في مستقبله السياسي الذي ينتظره.
وقال المهدي انه اذا كان حميدتي يامل ان يصبح رئيسا للسودان فعليه الانضمام لحزب سياسي مدني او تشكيل حزب، ما ينم عن نبوءة مبكرة للإمام بما سيحدث جراء هذه القوات، غير ان طموح قائد المليشيا كان أكبر من كل ذلك.
وبحسب الأكاديمي والمحلل السياسي مختار عبدالله فان مواقف الإمام حيال القضية الوطنية كانت تعبتر خط أحمر، رغم رمادية مواقفه حيال عدد من القضايا او الانتماءات، لكن قضية الأمن القومي له كانت تمثل خط أحمر لا يمكن تجاوزها، مؤكدا في حديثه ل ” الكرامة ” ان الزعيم الصادق المهدي وغيره من زعماء الاحزاب التقليدية كانوا يعلمون اين تقف حدود الخلاف السياسي بعكس ما يحدث الان.
وتابع: من المؤسف ان يكون أبناء الصادق المهدي وحزبه الذراع السياسي لهذه المليشيا التي كان يرفضها وعندما أصبحت أمرا واقعا دعا إلى تقتينها، ثم ها هو الجيش الذي ينتقدونه أعاد لهم ممتلكاتهم التي خربتها المليشيا.
منفلتون وقبليون
وفي العام 2014 اعتقلت السلطات الامنية السودانية رئيس حزب الامة القومي المعارض الصادق المهدي من منزله واقتادته الى جهة غير معلومة، عقب اتهامه قوات الدعم السريع بارتكاب انتهاكات كبيرة في قتالها في دافور وكردفان خلال موتمر صحافي، مؤكدا ان معظم عناصرها منفلتون وقبليون.
ودون جهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني وقتها، بلاغا في مواجهة الصادق في نيابة امن الدولة بعد انتقاده لقوات الدعم التي كانت تتبع للأمن، بأنها مليشيا متفلتة، لكن الاجهزة الامنية كانت تقول انها قوات نظامية تتبع لها وأنها لا ترتكب انتهاكات ما جعله يغادر البلاد بعد الإفراج عنه.
معادلة مختلفة
ويرى متابعون ان عقب وفاة الامام أصبحت المعادلة بالنسبة لابنائه وحزبه مختلفة، بشأن قوات الدعم السريع، حيث يعتبر حزب الأمة المنضوي تحت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” احد الاذرع السياسية للمليشا، واحد الاحزاب الرافضة للجيش.
وانتقدت مجموعات كبيرة من سياسيين ومواطنين سودانيين مواقف حزب الأمة حيال استمرار إنضمامه لتنسيقية تقدم، سيما عقب تحرير الجيش مقار الحزب وبيت الإمام وضريحه وضريح والده الامام المهدي، التي قامت المليشيا باحتلالها وتخريبها.
ويذهب محلولون إلى أن ابناء الصادق المهدي انحرفوا عن مسار والدهم بشأن مليشيا الدعم رغم نفي التنسيقية المتكرر لدعمها ويرون ان حزب الأمة يعتبر من الاحزاب الكبيرة في السودان، وكان الأفضل لها اعلان انسلاخها من التنسيقية بدلا عن توقيع اعلان أديس أبابا ومصافحة قائد الدعم في إثيوبيا واياديه ملطخة بدماء الشعب السوداني.
الكرامة: هبة محمود
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع الصادق المهدی ملیشیا الدعم حزب الأمة
إقرأ أيضاً:
لماذا توقفت أميركا عن تأييد الدعم السريع؟
في أواخر يوليو/تموز 2024 أبلغ المبعوث الأميركي الخاص للسودان توم بيريلو، الحكومة السودانية أنه سيزور السودان في الثامن من شهر أغسطس/آب من نفس العام برفقة مديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية السفيرة سامانثا باور، وذلك للتباحث حول سبل إنجاح المبادرة الأميركية الخاصة بإنهاء الحرب في السودان عبر مفاوضات (جنيف) التي حُدد لها يوم الرابع عشر من نفس الشهر.
لكن بيريلو وضع شرطًا غريبًا لإتمام زيارته، وهو أن تتم المباحثات مع الجانب السوداني في مطار بورتسودان، وتحت حراسة مشددة من قبل فريق حراسة أميركي خاص، مبررًا ذلك بعدم استتباب الأوضاع الأمنية بالبلاد، الأمر الذي رفضته حكومة السودان، مما أدى إلى إلغاء الزيارة.
لكن، وبعد مرور قرابة أربعة أشهر على إلغاء تلك الزيارة، عاد المبعوث الأميركي وطلب زيارة السودان، ووافقت الحكومة السودانية على طلبه غير المشروط هذه المرّة، مما يُعتبر إقرارًا ضمنيًا – بمفهوم المخالفة – بشرعية الحكومة، وبأن الوضع الأمني مستتب وليس هناك ما يدعو للخوف والقلق.
وتمت الزيارة يوم الاثنين الماضي، حيث قابل بيريلو رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان بمكتبه بالعاصمة المؤقتة بورتسودان، كما قابل أيضًا نائب رئيس مجلس السيادة الفريق مالك عقار، وأجرى مباحثات مع وزير الخارجية السوداني علي يوسف، وقابل السلطان بحر الدين سلطان (دار مساليت)، وهي إحدى إثنيات إقليم دارفور ذات الأصول الأفريقية وحاضرتهم مدينة (الجنينة) التي تقع في أقصى غرب إقليم دارفور ومتاخمة لحدود السودان مع دولة تشاد.
وقد تعرضت هذه الإثنية لعمليات إبادة جماعية على أساس عرقي وعمليات تهجير واغتصاب للنساء، ودفن المئات منهم وهم أحياء على أيدي قوات الدعم السريع التي تحتل المدينة منذ قيام الحرب وحتى الآن، وهي مقابلة لم تتجاوز المواساة وإظهار الأسى والأسف بعد فوات الأوان.
وبحسب السفير محمد عبدالله إدريس، سفير السودان لدى واشنطن، فإن مباحثات المبعوث الأميركي للسودان "تطرقت إلى خارطة طريق لإنهاء الحرب، وكيفية إيصال المساعدات الإنسانية، ورتق النسيج الاجتماعي، فضلًا عن العملية السياسية كمخرج نهائي لما بعد الحرب".
ويصف الكثير من المراقبين للشأن السوداني زيارة بيريلو الأخيرة هذه بأنها زيارة "علاقات عامة"، تأتي في سياق المراجعة الأخيرة للملفات في أضابير مكتب الرئيس بايدن قبل رحيله عن المكتب البيضاوي بلا رجعة.
أرادت إدارة بايدن والحزب الديمقراطي أن تترك أثرًا يُحسب لها في ملف السودان الذي لم تتعاطَ معه بجدية، وسايرت فيه قوى إقليمية صغيرة حديثة الولادة كانت هي السبب في تأجيج الأزمة بالدعم المالي واللوجيستي والعسكري والدعائي لقوات الدعم السريع، ولم تتعاطَ مع الملف بصفتها قوة عظمى ينبغي أن تنظر لساحة السياسة الدولية بمنظار كلي يجعل من حفظ الأمن والسلم الدوليين قيمة عليا وغاية سامية تسعى إلى تحقيقها انطلاقًا من كونها تمتلك كل الموارد والإمكانات اللازمة والضرورية لتحقيقها.
كان في مقدور إدارة بايدن إدارة ملف الأزمة في السودان بصورة أكثر نجاعة وأكثر احترافية بما يفضي إلى حل مُرضٍ يكون أنموذجًا يُحتذى إقليميًا على الأقل. لكنها آثرت أن تحرز هدفًا في مرماها في اللحظة الأخيرة، من حيث أرادت تشتيت الكرة بعيدًا عنه. فقد صرّح بيريلو في لقائه بوزير الخارجية السوداني بأنه لا يرى مستقبلًا سياسيًا أو عسكريًا للدعم السريع في السودان.
فهل اكتشفت إدارة بايدن فجأة وهي تلملم أوراقها ومتعلقاتها لمغادرة البيت الأبيض، وبعد مرور 19 شهرًا من الحرب في السودان وما صاحبها من فظائع وانتهاكات جسيمة ومجازر مروعة ارتكبتها مليشيا الدعم السريع في حق المدنيين، أن هذه المجموعة المسلحة لا تصلح لأي دور سياسي أو عسكري في مستقبل السودان؟!
ألم تكن إدارة بايدن بما أوتيت من قوة ومن مؤسسات استشارية وأدوات استشعار مبكر وما تملكه من وسائل صنع القرار ومستودعات الفكر التي ترفدها بالمعلومات الموثقة، أن تصل إلى حقيقة ألّا مستقبل للدعم السريع في السودان فلا ترمي بثقلها خلف "الاتفاق الإطاري" الذي كان السبب الأساسي في إشعال نار الحرب؟!
ألم تكن إدارة بايدن عشية 15 أبريل/ نيسان 2023 تدرك أن العواقب ستكون وخيمة، وهي تبارك خطة الدعم السريع وجناحها السياسي (قوى الحرية والتغيير) للاستيلاء على السلطة بالقوة صبيحة اليوم التالي؟!
هل من أحد يمكن أن يصدق أن الدولة العظمى (الوحيدة) كانت ترى الأمور من نفس الزاوية الضيقة التي كانت تنظر منها قوات الدعم السريع وجناحها السياسي المهيض "قحت/تقدم"، على أن الأمر مجرد نزهة، وأن العملية لن تستغرق سوى ساعة من نهار؟! أم أنها كانت تدرك فداحة العواقب، وأنها مغامرة غير محسوبة، لكنها أرادت ذلك رعايةً لمصالح بعض صغار أصدقائها الإقليميين فأعطت الضوء الأخضر لإنفاذها ترضية لهم؟
لا أحد يستطيع الجزم بحقيقة المرامي والأهداف التي جعلت إدارة بايدن تنساق خلف أحلام وأوهام مجموعة مسلحة همجية، وأحلام أغرار دخلوا مضمار السياسة بلا دراية ولا خبرة ولا رؤية، يظنون أن الديمقراطية يمكن أن تُجلب عبر صناديق الذخيرة، لا عن طريق صناديق الاقتراع.
تقف خلفهم قوى تعاني متلازمة تضخم الذات ومصابة بجنون العظمة، وتؤمن بأن المال يمكن أن يحول المستحيل إلى واقع، والحلم إلى حقيقة، وأن البندقية هي الوسيلة الوحيدة للحفاظ على المصالح، وأن علاقات التعاون وحسن الجوار واحترام سيادة الدول ما هي إلا أساطير الأولين اكتتبتها الأمم المتحدة لا تُسمن ولا تُغني من جوع.
أضاعت إدارة بايدن فرصة ظلت سانحة ومتاحة لها طيلة أشهر الحرب في السودان بأن تقود عربة الأزمة للخروج بها بسلام إلى بر الأمان بلا كلفة كبيرة، ومن ثم تكتب في لوحها هذا الإنجاز أنها حقنت الدماء وجنبت السودانيين تلك المجازر المروعة والتشريد والتهجير والنزوح واللجوء، وفوق ذلك السخط عليها وتحميلها جزءًا كبيرًا من المسؤولية جنبًا إلى جنب مع مليشيا الدعم السريع.
لكنها اختارت أن تكون (مجرورة) بعربة المليشيا وجناحها السياسي، فكان حصادها الفشل. إنها العربة التي قادت الأحصنة!
ورغم أنه من المبكر الآن تحديد الاتجاه الذي سيسلكه الرئيس المنتخب دونالد ترامب بشأن الملف السوداني بعد تنصيبه رسميًا رئيسًا للولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني من العام القادم، فإنه يمكن القول إجمالًا إنه لن يسير على ذات الطريق الخطأ الذي سلكه سلفه، وأفضى به إلى الفشل.
والراجح أن إدارة ترامب القادمة ستسلك طريقًا آخر أقل كلفة وأقصر مسافة، وذلك لعدة أسباب؛ أهمها أن الجمهوريين عُرف عنهم البراغماتية في السياسة الخارجية وليس الأيديولوجية. فالأولى واقعية والثانية قد تلامس الخيال في أحيان كثيرة.
كذلك فإن علاقة ترامب بروسيا جيدة، والسودان يحتفظ بعلاقات ممتازة مع روسيا، آخر شواهدها كان بالأمس، حيث استخدمت روسيا الفيتو بمجلس الأمن الدولي لصالح السودان ضد المشروع البريطاني الذي يدعو إلى "وقف فوري للأعمال العدائية بالسودان وحماية المدنيين".
وهو مشروع يرفضه السودان ويرى أنه مفخخ ويفتح الباب لتدخل قوات أممية في السودان، مما يعد انتقاصًا من سيادة الدولة وشرعية الحكومة، وإعادة مليشيا الدعم السريع وجناحها السياسي إلى المشهد مرة أخرى.
وقد وجد الفيتو الروسي ترحيبًا كبيرًا لدى الحكومة السودانية والرأي العام السوداني. لذلك فإن تعاطي ترامب مع الملف السوداني سيكون بتفاهم ناعم ومحسوب مع روسيا كغيره من الملفات التي فيها تقاطعات أميركية روسية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية