ترتبط فكرة المقاومة في التاريخ الإنساني مع وحشية الجائر القادم من بعيد بأقصى عقلية عنصرية تستهدف كل أشكال الحياة بطرق وآليات تمثل الخداع المتوحش، تتكرر القصة ذاتها منذ آلاف السنين وقد يذيع صيت قائد مقاوم تحتفظ به صفحات الكتب إلى قرون مديدة أو تختفي تلك القصص في بقايا أنقاض مهدمة تتفحصها عدسة عالم آثار في العصر الحديث.

نشاهد حاليا فظائع الاحتلال الإسرائيلي في غزة ويحدث ذلك على مرأى ومسمع من العالم المتحضر، لكن لا شيء يحدث فالحياة اعتيادية جدا في الأنحاء التي تحاصر غزة، الأمر أشبه بشاشة سينمائية هائلة رباعية الأبعاد يشاهدها العالم بأسره قبل وبعد وأثناء إنجاز الشؤون الحياتية التي تتحسس المستقبل بوصفه فرديا أو عمليا على المستوى الشخصي.

في كتاب سجلات أفونسو دلبوكيرك - الصادر عن هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة عام 2012م ضمن إصدارات دار الكتب الوطنية بترجمة الدكتور عبدالرحمن عبدالله الشيخ ومراجعة وتقديم الدكتور أحمد عبدالرحمن السقاف – يؤرخ أفونسو دلبوكيرك فظاعات جيشه في المدن التي احتلها بفخر في مراسلاته إلى ملك البرتغال دوم مانويل الذي حكم البرتغال بين عامي 1495 إلى 1521م، مؤلف الكتاب هو براز دلبوكيرك الابن غير الشرعي لأفونسو دلبوكيرك وقد نشر كتابه أول مرة سنة 1557م، أي بعد وفاة أفونسو دلبوكيرك باثنين وأربعين عاما، وكان المجمع الثقافي في أبوظبي قد أصدر الكتاب سنة 2000م بالترجمة ذاتها في مجلدين.

براوة، الصومال

وللتدليل على ذلك نقتبس من هذه المراسلات قصة دخول البرتغاليين لمدينة براوة وما حدث من إبادة لأهلها حيث يقول المؤلف: «أقبل رئيس القباطنة ودخل المدينة بكل رجاله .. فراحت النسوة تقذفن من الشرفات الحجارة على رجالنا فجرحن منهم عددا كبيرا وعندما وصل المسلمون إلى الميدان الكبير الذي يضم مسجدا تجمعوا وترقبوا هجومنا وقد عقدوا العزم على المقاومة حتى الموت..»، نقف هنا أمام هذه الثنائية التي يحملها العنوان، فالمقاومة فطرة في النفس الإنسانية التي تأبى الحياة في قبضة الطغيان، تدرك عقلية الاحتلال أن المقاوم يستصغر الحياة على الرغم من إدراكه أن سبيل المقاومة هي طريق ممهد نحو الموت، هكذا إذن يصور الكاتب في رسالته جبروت المقاومة إذ هي استعداد للموت ورفض للانصياع حتى لو وقف المقاوم أعزلا أمام الزحف المتكبر بالآلة والعتاد والاختراعات المتطورة، إنها صيرورة حتمية لا بد أن تحدث.

يقول: «ومباشرة وصلت هذه الأخبار لمن في القوارب، فغادرها البحارة ورجال المدافع الذين كانوا فيها لتكون في مسؤوليتهم حاملين معهم أحزمة جلدية محملة بعبوات من البارود وغير ذلك من الأسلحة النارية وهرعوا بأقصى سرعة إلى ميدان المسجد في المدينة حيث كان رئيس القباطنة وأحدثوا دمارا هائلا بين المسلمين مستخدمين البارود في العبوات والرماح والأسلحة النارية»، هذه ثقافة متأصلة في الاحتلال، فعلى الرغم من علم المحتل ببدائية الأسلحة التي يمتلكها أصل القاطنين في المنطقة إلا أن آلة الاحتلال تأتي بأعنف ما تملك وهو فعل لا يتجزأ عن ثقافة الخوف والارتباط بطغيان المادة في مواجهة صاحب الحق بالضرورة، يصور الظالم دائما ما يحدث بكثير من التهويل رغبة في إحداث خلخلة فكرية في ذهن القارئ فتنقلب المفاهيم حتى يستحيل المحتل مناضلا والمقاوم ظالما وهو ما يحدث اليوم في غزة فلسطين إذ يدعي الاحتلال أنه صاحب حق حتى لو أباد عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والمدنيين فالتبرير دائما حاضر في إعلامه ولو بدا للمشاهد تبريرا أشبه ما يكون بمسرحية تتبنى غرض الملهاة الكوميدية.

وهذا ما يظهر جليا في النص: «أتت هذه النجدة لرجالنا فضغطوا بشدة على المسلمين حتى ولوا ظهورهم مدبرين خارجين من المدينة فلم يبق بها أحد خلا النساء اللاتي تبعن أزواجهن محملات بمؤن المنازل، فتعقبهن رجالنا ولحقوا بهن وقتلوا منهن نسوة كثيرات وأخذوا منهن ما كن يحملن، ثم شرع رئيس القباطنة في مهاجمة المسجد وعندما دخله جرحه المسلمون الذين كانوا به بسهم في ساقه فقتلهم جميعا»، هي ذات القصة تتكرر إلا أنها هذه المرة تأتي باعتراف من الجائر القادم من بعيد، إسراف في القتل وسرقة للثروات بكل بشاعة.

هذا هو وقود الاحتلال في كل زمان ومكان، وليس الأمر يقتصر على هذا الحد بل يتعداه إلى تدمير كل أشكال الحياة وتهديم ما تبقى من أنقاض لطمس هذه القصة، يقول: «عندما حان وقت الرحيل أمر رئيس القباطنة بالنفخ في الأبواق استدعاء لرجاله فلما اجتمعوا أشعلوا النيران في نواحي المدينة الأربعة فكان منظر الحريق رهيبا مرعبا بشكل لا يصدق فقد أحرقت بضائع كثيرة لم يكن لدى رجالنا وقت لنقلها بعيدا ولم تكن حالة البحر تسمح بتحميلها».

هذه الحكاية عن مدينة براوة التي يصفها البرتغالي بقوله: «مدينة شاسعة ومساكنها طيبة جدا ومشيدة بالحجارة والملاط، وتقع على حافة الماء.. إزاء ساحل مفتوح وسكانها من مسلمي هذه النواحي» ليست هي الوحيدة في فظاعات البرتغاليين قديما، فقد تكررت في مشاهد مروعة أخرى حدثت على المدن الساحلية لسلطنة عمان قديما وتخبرنا عن مقاومة العمانيين للمحتل واستبسالهم حتى الموت وهو ما يتماثل مع ما يحدث اليوم في غزة في مواجهة الوحشية المطلقة لجيش الاحتلال الإسرائيلي.

سقطرى، اليمن

وإن مما يستحق التخليد في قصص مقاومة الإجرام البرتغالي، قصة مقاومة حاكم سقطرى ومن معه عندما وصلته رسالة قائد الجيش البرتغالي يهدده فيها بتدمير سقطرى أو الاستسلام للبرتغاليين وتسليم الحصن لهم، فقد خلدت هذه السجلات شجاعة أهل سقطرى برد حاسم من قائدها جاء فيه أنه «لا هو ولا رجاله يمكن أن يموتوا من الخوف وإنما مماتهم لا يكون بغير السيف وأن على رئيس القباطنة [البرتغاليين] أن يفعل ما يحلوا له فهو – أي قائد الحصن – لن يغادره حتى يموت كل من معه فتلك عادة الفرتكيين [السقطريين].. لأن الفرتكيين لم يتعودوا أن يرجعوا من المعارك أحياء» وهنا تتمثل إرادة النصر أو الشهادة في قلوب أصحاب الحق وأهل الأرض، فتستحيل النفس جزءا من هذه الأرض والدفاع عنها هو دفاع عن الجسد والروح، هذا ما جسدته الأحداث التي تلت هذه المخاطبات، فقد استبسل أهل سقطرى في الدفاع عن وطنهم بالرغم مما أصابهم من قتل وتنكيل وفظائع لا يرعوي عن ارتكابها المحتل.

رأس الحد ورأس الحكمان، سلطنة عمان

وعندما عبر الأسطول البرتغالي شواطئ عمان، يروي الكاتب مشهدا آخر عن غريزة التدمير للمحتل تجاه الشعوب المقاومة، فيقول: «وقد وجدوا هناك في ذلك الميناء الذي قضوا الليل فيه ثلاثين سفينة صيد أو أربعين أتت قادمة من هرمز وقلهات، وكل هذا الساحل لصيد السمك.. حيث كانت قائمة آنذاك تجارة رائجة في هذه الأسماك لنواحي كثيرة، فقام البرتغاليون بإحراق هذه السفن كلها.. ووجدوا على هذا الساحل أربعة سنابيك فأحرقوها..»، وقد اختلفت ترجمات اسم هذا الساحل بين عدة مناطق من رؤوس شواطئ عمان المطلة على المحيط الهندي وهي رأس الحد أو رأس الحكمان أو رأس ألاقيت.

لا يخفي الكاتب أيضا نشوة الفرح النرجسية التي تعبر عن غريزة تدميرية في مشاعره عند هذه الأحداث وهي ذاتها التي رأيناها في مقاطع الاحتلال الإسرائيلي التي تصور مشاهد الرقص والطرب على أنقاض الحارات المدمرة أو على صور الجثث المتناثرة، يقول: «وصلوا إلى قرية صغيرة ذات أكواخ من حطب.. قرية صيادي السمك، فتجمع على الساحل خلق كثير راجلين وراكبين خيولا أو جمالا وراحوا يتحركون على الساحل في مقابلة أسطولنا حتى كانوا على مرأى من مدينة قلهات، وعندما واجهوا الميناء تماما أمر أفونسو دلبوكيرك القباطنة أن يرفعوا أعلامهم استعدادا للإبحار وأن يرفعوا أعلامهم ويجعلوا مدافعهم مستعدة.. وتم كل هذا والفرح يغمرهم..».

ومن شأن المقاوم أن يبذل أقصى ما في وسعه للدفاع عن وطنه بالقوة أو الحيلة، وإظهار مظاهر الاستبسال في سبيل النصر أو الشهادة، ولعل أروع مثال على ذلك ما أرخه دلبوكيرك في سجلاته عند دخول الأساطيل البرتغالية مدينة قريات وما جرى هنالك من شجاعة أهلها في الدفاع عن مدينتهم ووحشية المحتل البرتغالي التي تعدت كل الحدود فما أشبه ذلك بالعدوان الإسرائيلي على غزة وللتاريخ عبرة وعظة.

قريات، سلطنة عمان

يصور البرتغالي مقاومة أهل قريات بقوله: «أقاموا حواجز خشبية ووضعوا خمس سيقان نخيل بالعرض غطوها بالتراب لتحمي مدخل المكان ووضعوا بينها أربعة مدافع وكثيرا من الرماة بالسهام وآخرين حاملين رماحهم الطوال ليحرسوا المكان وأقاموا استحكامات أخرى على حافة الماء على شكل حامية تحيط بها الأخشاب وعلوها بالتراب»، لكن وحشية العقل التدميري وبشاعته لا تكافئها أخلاق الحرب، هي ذاتها في كل مكان وزمان رغبة في الإبادة وتعطش إلى انتهاك أدنى أخلاقيات الإنسان، يعترف دلبوكيرك بالجرائم التي اقترفها جيشه في أهل قريات بكل وضوح، يقول: «..لقد أعملوا السيف في رقابهم رجالا ونساء وأطفالا وهم في طريقهم هاربين إلى المناطق الداخلية.. وجد أفونسو دلبوكيرك بعض المسلمين فأعمل السيف فيهم جميعا.. وأمر برفع علمه فوق قبة المسجد.. وحالما جُمعت المؤن وكل ما يقدرون على حمله من الأسلاب أمر بإشعال النار في المكان ولا سيما مخازن المؤن لمنع المسلمين من الاستفادة منها».

تصف السجلات مشاهد تدمير قريات بتصوير متخيل مثل المقاطع التي نشاهدها اليوم في قنوات وسائل التواصل الاجتماعي في غزة: «لقد كانت النيران عنيفة لم تترك منزلا ولا مبنى إلا أتت عليه وأتت أيضا على المسجد الذي كان واحدا من أجمل المساجد التي رأيناها على الإطلاق أما المسلمون الذين تم القبض عليهم فقد أمر بقطع أنوفهم وآذانهم وإرسالهم إلى هرمز ليكونوا شاهدا على ما حاق بهم من خزي، واستولى أفونسو في هذا الموضع على خمسة وعشرين مدفعا وعددا كبيرا من القسي والسهام والرماح وأسلحة أخرى، وأحرقنا ثمانيا وثلاثين سفينة ما بين كبيرة وصغيرة».

مسقط، سلطنة عمان

وقد نال مدينة مسقط ما نال قريات من تدمير وتنكيل في صراع دام أبلى فيه أهل مسقط والمدد الذي وصلهم من المناطق الأخرى بلاء حسنا من الاستبسال في المقاومة باعتراف هذه السجلات البرتغالية على الرغم من الإبادة التي ارتكبها هذا الجيش الدموي المتوحش، تقول السجلات: «أما المسلمون الذين كانوا داخل الاستحكامات فقد دافعوا عن أنفسهم ببسالة وصمدوا لمدة طويلة».

لكن الأسطول المتوحش الذي دخل مسقط باستعداداته المسبقة وتهيئه الكامل لارتكاب فظاعاته دون أدنى حد يردعه أخلاقيا وإنسانيا يؤرخ لنفسه هذه الجرائم والانتهاكات في سجلاته فهو لا يراعي أخلاقيات الحروب بل يسرف في القتل والتدمير حتى تطال آلته الدموية نساء مسقط وأطفالها: «تابع رئيس القباطنة حشدا من النساء كن يتراجعن إلى التلال وقتل منهن نسوة كثيرات.. وتعقب بعض المسلمين الذين احتموا في واد أدنى المدينة وقتل منهم خلقا كثيرا كذلك قتل النساء والأطفال الذين كانوا معهم من دون أن يبقي منهم أحدا، فقد أعدمهم جميعا في مجزرة هائلة وقتل بعض المسلمين من أولي الشأن في المدينة.. ليعملوا السيف في كل المسلمين ونسائهم وأطفالهم فلا تأخذهم فيهم شفقة ولا رحمة»، نهب البرتغاليون مدينة مسقط وسلبوا ثرواتها ثم «أمر دلبوكيرك بإشعال النار في المدينة فأحرقت مؤن ومعدات كثيرة.. ثم أشعلوا النيران في المسجد فأتت عليه كله ولم تترك منه شيئا وأمر أفونسو دلبوكيرك بجدع أنوف الأسرى المسلمين الكثر رجالا ونساء وقطع آذانهم..».

تمثل هذه النصوص التي أرختها سجلات البرتغاليين أقصى درجات الوحشية التي خلدها مرتكبيها بأنفسهم بوضوح بالغ يعبر عن عداء يستهدف إبادة الآخر واستباحة ثرواته، وهي ذات الوحشية التي تتكرر اليوم بكثافة هائلة ومسرحها غزة المقاومة على مسمع ومرأى العالم، لكن التحرير مصير حتمي مهما طال الزمن، والمقاوم لا تندثر صفحته فهو يولد كل يوم ويخرج من بين الحطام، فقد ثار أهل براوة على القوات البرتغالية ونالوا حرية أرضهم، وكذلك فعل أهل سقطرى في مواجهة البرتغاليين فما لبثوا أن أعادوا تشكيل صفوفهم وطردوا المحتل، تماما كما سجلت وثائق التاريخ كيف ثار العمانيون على المحتل البرتغالي ووحدوا صفوفهم فحرروا شواطئ الخليج العربي بكل بسالة وهمة وهبوا لنجدة أهل البصرة وتمكنوا من تحريرها وطاردوا البرتغاليين إلى سواحل أفريقيا لتحريرها، وكذلك اليوم يقاوم الفلسطينيون من أهل غزة عربدة الاحتلال الصهيوني ودمويته حتى ينال هذا الشعب المكافح حريته الحتمية والآتية عما قريب بدون أدنى شك.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذین کانوا فی غزة

إقرأ أيضاً:

والعالم يحتفل بيوم الطفل .. أطفال اليمن وغزة ولبنان نموذج لأبشع الجرائم الإنسانية التي ارتكبتها أمريكا والعدو الصهيوني في ظل صمت دولي (تفاصيل)

يمانيون /

في ظل احتفال العالم باليوم العالمي لحقوق الطفل الذي يصادف الـ 20 نوفمبر، ما يزال الأطفال في اليمن وغزة ولبنان يتعرضون لأبشع عدوان أمريكي، صهيوني، بريطاني، سعودي.

 

مظلومية اليمنيين والفلسطينيين واللبنانيين، تشابّهت في الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها قوى الهيمنة والطغيان العالمي، وإن اختلفت مسمياتها وعناوينها ومبرراتها، مع فارق الزمن بمرور أكثر من سبعة عقود على القضية الفلسطينية التي ستظل قضية الشعب اليمني واللبناني المركزية والأولى.

أطفال اليمن وفلسطين ولبنان، أنموذج لمأساة إنسانية صنعتها دول الاستكبار بقيادة أمريكا والدول الغربية وأدواتها في المنطقة، بممارسة القتل والاستهداف المباشر ظلماً وعدواناً إلى جانب استخدام سياسة التجويع كوسيلة حرب لإهلاك المدنيين، بما فيهم الأطفال والنساء في جرائم حرب مكتملة الأركان وفقاً لمبادئ القانون الدولي الإنساني والمواثيق الدولية الخاصة بحالة الحرب التي تحظر قتل المدنيين وتعمد استهداف الأعيان المدنية وتجرّم الحصار.

جرائم الكيان الصهيوني في غزة ولبنان، والتحالف الأمريكي السعودي الإماراتي في اليمن، ستظل شواهد حيّة تتذكرها الأجيال عبر التاريخ على فظاعة ما تم ارتكابه من مجازر وحرب إبادة جماعية يندى لها جبين الإنسانية.

منظمة انتصاف لحقوق المرأة والطفل أصدرت تقريراً حقوقياً بعنوان “أطفال بين جبروت العدوان وصمت العالم” يوّثق آثار وتداعيات الحصار والعدوان على الأطفال في اليمن وغزة ولبنان وآليات الدعم النفسي، بالتزامن مع اليوم العالمي لحقوق الطفل الذي يصادف الـ20 من نوفمبر من كل عام.

تناول التقرير الأوضاع الكارثية والمأساوية التي يعيشها الأطفال في اليمن منذ ما يقارب عشر سنوات جراء العدوان والحصار، وكذلك الوضع الكارثي الذي يعيشه أطفال فلسطين ولبنان جراء العدوان الصهيوني الأمريكي على قطاع غزة.

وأشار إلى أن تحالف العدوان على اليمن والعدوان الصهيوني على غزة ولبنان ارتكبا أبشع المجازر والانتهاكات الست الجسيمة بحق الطفولة والقوانين والمواثيق الدولية، حيث استهدف المنازل والمدارس والمساجد والأعيان المدنية وفرض حصاراً مطبقاً على المدنيين مما أدى إلى تفاقم الأوضاع وتدهورها.

وأفاد التقرير بأنه منذ بدء العدوان على اليمن في 26 مارس 2015م وحتى 19 نوفمبر 2024م بلغ عدد القتلى الأطفال 4 آلاف و136 شهيدا، والجرحى 5 آلاف و110 أطفال، بينما بلغ عدد الأطفال ضحايا الاحتلال الصهيوني في غزة منذ السابع من أكتوبر 2023م أكثر من 17 ألفاً و492 طفلاً، كما ارتفع عدد جرحى غارات الاحتلال الصهيوني إلى 104 آلاف وثمانية جرحى غالبيتهم نساء وأطفال، بينما تجاوز عدد المفقودين أكثر من 11 ألف شخص بينهم عدد كبير من الأطفال ما زالوا تحت الأنقاض.

وفي لبنان بلغ عدد الضحايا من المدنيين جراء الاستهداف الصهيوني 3 آلاف و544 شهيدا و15 ألفا و35 جريحا غالبيتهم نساء وأطفال منذ 8 أكتوبر 2023، حيث أن هناك مزيداً من الأطفال مدفونين تحت أنقاض المباني المدمرة في جميع أنحاء البلاد.

وذكر التقرير أن طائرات العدوان على اليمن شنت ألفين و932 غارة بقنابل عنقودية خلال التسع السنوات الماضية، وبلغ إجمالي عدد الضحايا المدنيين جراء استخدام تلك القنابل قرابة تسعة آلاف ضحية معظمهم من النساء والأطفال.

وحسب التقرير، دمّر العدوان على اليمن 572 مستشفى ومرفقاً ومنشأة صحية واستهدف 100 سيارة إسعاف مع طواقمها ومنع دخول المستلزمات الطبية الخاصة بالأمراض المزمنة، وتوقف أكثر من 60 بالمائة من القطاع الصحي، بينما يعاني أربعة ملايين و521 ألفاً و727 طفلاً وامرأة من سوء التغذية الحاد والعام والوخيم، بما في ذلك 313 ألفاً و790 طفلا دون الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم.

معاناة الأطفال والنساء كانت حاضرة في التقرير الذي رصد بالأرقام والإحصائيات الأعداد التي أُصيبت بمرض سوء التغذية من الأطفال والنساء “الحوامل، والمرضعات”.

ووفقًا للتقرير، يعاني مليون و777 ألفاً و423 طفلاً من سوء التغذية العام، ومليون و463 ألفاً و633 طفلاً من سوء التغذية الحاد الوخيم، وتصارع 966 ألفاً و881 امرأة حامل ومرضع سوء التغذية لأجل البقاء على قيد الحياة في ظل كارثة إنسانية سببها العدوان.

وبين أن أكثر من 8.5 ملايين طفل يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية ويواجهون التهديد اليومي المتمثل في نقص الغذاء والنزوح، واستمرار تقليص المساعدات، وإيقاف برامج وتدخلات الوقاية من سوء التغذية، كما يحتاج ما يقرب من 80 في المائة من السكان – أي أكثر من 24 مليون شخص – إلى شكل من أشكال المساعدات الإنسانية المختلفة.

ووفق الإحصائيات الواردة في التقرير فإن أكثر من 80 مولوداً من حديثي الولادة يتوفون يوميًّا بسبب تداعيات استخدام الأسلحة المحرمة دوليًّا، ويقدر الاحتياج الفعلي للقطاع الصحي قرابة ألفي حضانة بينما يمتلك 600 حضانة فقط ونتيجة لذلك يتوفى 50 بالمائة من الأطفال الخدج، كما ارتفعت نسبة الإصابة بأمراض السرطان إلى 35 ألف شخص، بينهم أكثر من ألف طفل.

ولفت إلى ارتفاع عدد الأشخاص ذوي الإعاقة من ثلاثة ملايين قبل العدوان على اليمن إلى 4.5 ملايين شخص حالياً، بينما أصيب أكثر من ستة آلاف مدني بإعاقة نتيجة الأعمال العدائية المسلحة منذ بدء العدوان، منهم أكثر من خمسة آلاف و559 طفلاً، كما أن 16 ألف حالة من النساء والأطفال يحتاجون إلى تأهيل حركي.

وتطرق التقرير إلى أوضاع التعليم حيث استهدف تحالف العدوان المنشآت التعليمية ما أدى إلى تدمير وتضرر نحو 28 ألف منشأة تعليمية وتربوية وأكثر من 45 جامعة وكلية حكومية وأهلية و74 معهداً فنياً وتقنياً.

وأوضح أن غارات تحالف العدوان استهدفت المدارس وتضررت نتيجة لذلك ثلاثة آلاف و676 مدرسة منها 419 دمرت كلياً وألف و506 مدارس تضررت جزئياً، وأُغلقت 756 مدرسة، كما استخدمت 995 مدرسة لإيواء النازحين، وتسرب ما يزيد عن مليون طالب وطالبة من التعليم، فيما 8.1 ملايين طفل بحاجة إلى مساعدات تعليمية طارئة في جميع أنحاء البلاد، ومليونين و400 ألف طفل خارج المدارس من أصل عشرة ملايين و600 ألف طفل في سن الدراسة.

ونوه التقرير إلى أن 1.6 مليون طفل يعملون في اليمن محرومون من أبسط حقوقهم، وبلغ عدد الأطفال العاملين 7.7 ملايين أي حوالى 34.3 بالمائة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 5 و17 عاماً، مبيناً أن العدوان والحصار هما السبب في زيادة نسبة العمالة بين الأطفال في اليمن.

وارتفع عدد النازحين إلى خمسة ملايين و159 ألفاً و560 نازحاً في 15 محافظة يمنية واقعة تحت سيطرة حكومة الإنقاذ، منهم مليون و168 الفاً و664 فرداً لا يحصلون على مساعدات حتى اليوم.

وقال التقرير إن تسعة من كل عشرة أطفال في مخيمات النازحين باليمن لا تتوفر لهم فرص كافية للحصول على أهم احتياجاتهم الأساسية مثل التعليم والغذاء والمياه الصالحة للشرب، ولا يزال حوالي 1.71 مليون طفل نازح في البلاد محرومين من الخدمات الأساسية ونصف مليون منهم لا يحصلون على التعليم الرسمي.

وفيما يتعلق بقطاع غزة في فلسطين، دمّر الاحتلال الصهيوني 815 مسجدًا تدميراً كلياً، و151 مسجدًا تدميراً جزئيًا، إضافة إلى استهداف ثلاث كنائس، كما خرجت عن الخدمة 477 مدرسة و276 مؤسسة صحية ومستشفى و مركزاً صحياً.

وبخصوص لبنان، استهدف الاحتلال الصهيوني 88 مركزا طبيا وإسعافيا، و40 مستشفى، و244 من الآليات التابعة للقطاع الصحي، ونفذ اعتداءات على 65 مستشفى، و218 جمعية إسعافية

ووفق التقرير يعيش أطفال غزة أوضاعاً متردية بسبب نفاد الوقود والغذاء وانقطاع المياه والكهرباء، ويمنع الاحتلال الصهيوني دخول المساعدات عبر معبر رفح، وإن سمح بإدخالها فلا يدخل سوى الجزء اليسير منها والذي لا يكفي لتغطية احتياجات سكان القطاع.

وأفاد بأن عدد النازحين في غزة بلغ مليوني شخص بينهم عدد كبير من الأطفال، وفي لبنان اضطر حوالي مليون و400 ألف شخص إلى مغادرة المناطق المستهدفة بقصف الاحتلال الصهيوني.

وعرج التقرير على القوانين والمعاهدات الدولية التي دعت إلى حماية الأطفال أثناء الحروب والنزاعات ومدى تطبيقها من قبل الأمم المتحدة ومنظماتها خلال العدوان على اليمن وغزة، مشدداً على أن تلك المنظمات كانت متواطئة مع كل ما يحدث بحق الشعب اليمني والفلسطيني واللبناني ووقفت موقفاً مخزياً أمام كل الجرائم المرتكبة في اليمن وغزة ولبنان.

واستعرض الآثار النفسية والاجتماعية للعدوان على الأطفال وسبل الدعم النفسي لهم في الأزمات، مطالباً بإيقاف العدوان والحصار على اليمن وفلسطين ولبنان وتشكيل لجنة تحقيق دولية محايدة للتحقيق في جميع الجرائم والمجازر المُرتكبة هناك.

وأوضحت رئيسة منظمة انتصاف سمية الطائفي لوكالة الأنباء اليمنية (سبأ) أن إطلاق التقرير يأتي بالتزامن مع اليوم العالمي لحقوق الطفل الذي يصادف الـ 20 من نوفمبر وتذكير العالم بمجازر أمريكا وإسرائيل والدول الغربية وأدواتها في المنطقة باليمن وفلسطين ولبنان.

وأشارت إلى أن التقرير وثّق جرائم العدوان بحق الطفولة في اليمن وفلسطين ولبنان، إلى جانب المعاناة الإنسانية التي أوجدها تحالف العدوان على اليمن جراء ممارساته الإجرامية، فضلاً عن المأساة الإنسانية لأطفال لبنان وفلسطين وتحديداً في قطاع غزة.

ودعت الطائفي المجتمع الدولي والأمم المتحدة والهيئات والمنظمات الدولية والإنسانية إلى الاضطلاع بالمسؤولية في إيقاف جرائم العدوان الأمريكي الصهيوني على غزة ولبنان ورفع الحصار والسماح بدخول الغذاء والدواء والوقود لتخفيف معاناة أبناء الشعب اليمني والفلسطيني واللبناني.

ورغم المأساة والمعاناة الإنسانية منذ ما يقارب عشر سنوات في اليمن، تمكن اليمنيون من تجاوز تحديات العدوان والحصار، ونهضوا من بين الركام واستطاعوا تحقيق النجاحات على مختلف المسارات، وصنعوا بطولات لم تكن في الحسبان، فيما تمضي المقاومة الفلسطينية واللبنانية اليوم قدماً بمواجهة العدو الصهيوني وتمريغ أنفه والتنكيل به في قطاع غزة والأراضي المحتلة منذ 410 أيام.

مقالات مشابهة

  • اقتحامات واسعة للضفة والاحتلال يعتقل شابا من ذوي الإعاقة بالخليل
  • خبير عسكري: لبنان يواجه مرحلة حساسة.. والاحتلال بين المفاوضات ونيران المواجهة
  • خبير: لبنان يواجه مرحلة حساسة.. والاحتلال بين المفاوضات ونيران المواجهة
  • عمليات للقسام برفح وجباليا والاحتلال يعترف بإصابة ضابط بجراح خطيرة
  • 106 أعمال مقاومة في الضفة والقدس خلال أسبوع
  • التميمي: الكيان الصهيوني يخطط لجر العراق إلى حرب شاملة
  • الخارجية : سورية تؤكد أن الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني في سورية ولبنان وفلسطين تشكل خطراً حقيقياً على أمن واستقرار المنطقة
  • والعالم يحتفل بيوم الطفل .. أطفال اليمن وغزة ولبنان نموذج لأبشع الجرائم الإنسانية التي ارتكبتها أمريكا والعدو الصهيوني في ظل صمت دولي (تفاصيل)
  • المقاومة العراقية تهاجم هدفاً حيوياً استراتيجياً للعدو الصهيوني شمال الأراضي المحتلة بالطيران المسير
  • شهداء بغارات على القطاع والاحتلال يفقد 800 عسكري بجميع الجبهات