سعود السنعوسي: ليكنْ بحرا، فكان بحرا
تاريخ النشر: 27th, March 2024 GMT
حين يحار المرء في تصنيف رواية، سندرك أننا أمام عمل يستحق قراءات عدة، لا من أجل تكريس تصنيف بعينه بقدر ما هو محاولة لتبيُّن حدود الجنس الكتابيّ الذي نسميه الرواية، أو لو شئنا الدقة، «لا حدود» هذا الجنس الذي فرض نفسه عالميًا منذ قرون، وعربيًا منذ عقود، بوصفه الجنس الأقدر على التقاط التفاصيل، وإيجاد الحيوات، وإعادة كتابة التاريخ.
لهذه المقدمة ضرورة كبرى لفهم سياقات وأهمية الثلاثية الروائية «أسفار مدينة الطين»، أحدث روايات الروائي الكويتي سعود السنعوسي، إذ صدر جزآن منها عن منشورات مولاف، وسيصدر الجزء الثالث (الأخير؟) بعد عدة أشهر. للمقدمة أهمية لإدراك موقع هذه الرواية ضمن أعمال السنعوسي نفسه، وضمن خارطة الرواية العربية عمومًا. ما من شك أن هذه الرواية أفضل أعمال السنعوسي، بل لعلها ستكون بداية ثانية بمعنى ما، تكرّس لكل ما سيأتي بعدها من أعمال. كل ما قبلها تمهيد لها (تمهيدات متفاوتة، بل متعثرة أحيانًا)، وكل ما بعدها سيكون منطلقًا من عالمها المتفرد. ليس للمرء التنبّؤ بمستقبل الأدب العربي حتمًا، سيما وأن الخيبات أكثر من أن تُعدّ، إلا أن هذه الرواية حفرت لها مكانًا مستحقًا. ثمة إغراء لمقارنتها بروايات مماثلة لغيره من الروائيين (أكان تماثلًا في الحجم أو في الأفق السردي واللغوي)، بيد أن لهذه المقارنة مقام آخر، ويعنينا هنا أنها بشير بما هو قادم لدى السنعوسي وللرواية العربية في آن، بخاصة في مسألة ضبابية التصنيف.
هذه الضبابية في ذاتها نقطة قوة، إذ على عكس الآراء السائدة في القراءة والنقد، ليس للأعمال التقليدية «الواقعية» (ما معنى الواقعية أصلًا؟) مكان عال في التصنيفات الأدبية. لا بد من عنصر «غريب»، لا بد من تصنيف «محيّر»، لا بد من عوالم متخيّلة حتى لو اكتفت القراءات الكسولة بما هو ظاهري. وتتكرّس جدلية القراءة في تبيان ما لا يكون كي ندرك ما يكون، بمعنى تبيان ما ليست عليه هذه الرواية؛ كي ندرك مفاتيحها الحقيقية، وندرك ما هي عليه حقًا.
أعمال السنعوسي مفعمة بالفِخاخ، وبالإيهامات التي يميل إليها الكاتب؛ كي يغوي قارئه بالغوص أكثر. وفي واقع الحال، تبدأ تلك الفخاخ هنا من هوية الكاتب نفسه، فالكاتب ليس الراوي بالضرورة، بل إن السنعوسي ورسومات مشاعل الفيصل موجودان في الغلاف فقط، بينما الرواية برسوماتها لكاتب آخر ولرسامة أخرى. بل ثمة غلاف ضمن غلاف، ورواية ضمن الرواية، وكاتب داخل الكاتب، وتصل حدة الإيهام أحيانًا إلى خروج الشخصيات من الصفحات إلى الحياة، إنْ كان لـ «الحياة» معنى أصلًا في هذه المتاهة؛ إذ ما الحقيقة وما الخيال؟ ما الواقع وما المتخيّل؟ وحتى الثلاثية الروائية ناقصة تنتظر جزءها الثالث الذي قد لا يصدر في الماضي (عام 1990 في زمن السرد)، وسيصدر في المستقبل (زمننا هذا). ولكن (لا بد من لكن هنا)، قد يختلف القراء في مدى تقبّلهم لهذه المتاهات وكثافتها، لا بمعنى الصعوبة، فالرواية – على عكس بعض الآراء والمراجعات – ليست صعبة، بل بمعنى الشطط في اللعب الذي قد تتّضح ضرورته في الجزء الثالث المنتظَر، أو هذا ما أتمناه، إذ لم أجد ضرورة سردية للمبالغة في خروج الشخصيات من الرواية إلى «الحياة». كان يمكن الاكتفاء بالرواية نفسها، أو بطبقة واحدة من طبقات الإيهام.
وكذلك، وبرغم وجود شخصيات تاريخية حقيقية، أكانت من الأسرة الحاكمة الكويتية ورجال القصر (الأمير سالم الصباح على الأخص)، وطبقة رجال الدين المتنورين (عبد العزيز الرشيد مثلًا)، أو الأجانب شبه المستشرقين شبه المقيمين شبه السياح (إلينور كالفرلي، الطبيبة والمبشّرة الأمريكية)، ليست ثلاثية «أسفار مدينة الطين» رواية تاريخية. ولعلنا لا نشطّ كثيرًا لو قلنا إن مصطلح «الرواية التاريخية» مصطلح ملتبس مساوئه أكثر من محاسنه؛ إذ لا معنى للمصطلح في واقع الحال، فالرواية عمل متخيّل بطبيعته بصرف النظر عن كمّ الشخصيات التاريخية الحقيقية، والأحداث التاريخية الفعلية؛ وفي الوقت ذاته، كل رواية هي رواية تاريخية من حيث الجوهر، إذ تسرد ماضيًا وتاريخًا لشخصياتها، بصرف النظر عن مدى واقعيتها. فما نراه في «أسفار مدينة الطين» هي كويت عام 1920، بمعاركها وحكّامها وأجانبها وسورها ومسلميها ومسيحييها ويهودها، وكويت عام 1990 قُبيل الغزو، بمعاركها الأخرى التي قد تبدو أصغر ظاهريًا، غير أن نتائجها اليوم فادحة، بخاصة في مسألة فرض الرقابة على الصحف، وتقلّص مساحة الحرية السياسية، وانكماش رحابة التنوّع. ولكنها، في الوقت ذاته، كويت متخيّلة، أو كويت موازية، لها بعض ملامح الكويت «الحقيقية» ولها ملامحها التي تخصها، وكأننا في غابة مرايا، أو كون مواز متخيّل، لا تبدو فيه فرضية أننا كلنا نعيش في كون مواز فرضية مستحيلة بالمطلق.
ما من ماض أو حاضر أو مستقبل في هذه الأسفار، بقدر ما هو زمن أوحد يشبه عجينة كونيّة تتمازج فيها الأزمنة، وكأننا ننظر إلى النجوم فنظنّها حاضرًا بينما هي في واقع الأمر ماضٍ تأخر في الوصول، ومستقبل ولد ومات في لحظة واحدة، بل لعلها ليست نجومًا حقًا. وليس من قبيل المصادفة أن زمن السرد الأول (1920) بدأ بالبحر، بالماء، مثل سفر تكوين لكويت لا تشبه الكويت، حيث لا نفط، ولا ثراء، ولا تزمّت، ولا رقابة على اختلاف معاني الرقابة. كلّ هذا سيأتي لاحقًا، وستتضاءل حصة البحر، وستتضاءل معها حصة الخيال، وحصة الكويت الموازية التي لا فضاء لها إلا السرد. وليس من قبيل المصادفة أيضًا أن زمن ما قبل النفط كان زمن الهوامش؛ جميع الشخصيات شخصيات ولدت في الهامش وتموت فيه، أكانت حكّامًا أم محكومين، رجالًا أم نساء، أهل بحر أم أهل صحراء، أساطير أم واقعًا، وإن كان الواقع – في حقيقة الأمر – أسطورة، والأسطورة واقعًا، حيث لا معنى لكل هذه الأزمنة والشخصيات والأمكنة إلا بالسرد الذي يبدأ منه كل شيء، وإليه ينتهي كل شيء.
السرد نقطة قوة «أسفار مدينة الطين» ونقطة ضعفها في آن. لم يكن لمثل هذه الرواية التي تمتد على مساحة سبعين عامًا أن تُكتَب إلا بطريقتين: طريقة تقليدية جافة كانت ستصيب الرواية في مقتل، وطريقة أمثل يتكسّر فيها السرد ويتنوّع بتنوّع الأصوات. ما من شك أن اللغة والسرد في «أسفار مدينة الطين» وصلا إلى مستوى عالٍ لا تماثله فيه أية رواية سابقة من روايات السنعوسي، بخاصة في الفصول التي تقترب من الشطح الصوفي (فصول سعدون على الأخص)، غير أن تعدّد طبقات الإيهام تسبَّب أحيانًا في تماثل بين صوت عبد العزيز الرشيد وصوت إلينور كالفرلي، وبين صوت صادق بو حدب وصوت سيف/غايب. كان تنويع الخط الطباعي لعبة ذكية، غير أن اختلاف الطباعة لم يتوافق دومًا مع اختلاف الصوت. صحيح أن الرواية نجت من فخ السرد الخطي الذي لم يكن ليُكتَب إلا ارتدادًا بين الزمنين السرديين، فكان الحل في أقواس سردية تنطلق من زمن وتوغل في دواخل الشخصيات، أو في دوائر تنطلق من زمن وتوغل في زمن آخر قبل أن تعود إلى صاحبها، إلا أن إصرار السنعوسي على الفصحى في الحوار كان خيارًا إشكاليًا أضعفَ مرونة السرد الذي لم تنقذه بضع كلمات محكية هنا أو هناك. ستبقى هذه المسألة إشكالية، غير أن الحل –في رأيي– هو تنويع مستويات المحكية لا مستويات الفصحى، إذ ليس على الكتّاب تخفيف العبء على القراء، وليس عليهم التضحية بطبقات السرد من أجل انتشار أكبر. لا يجد قارئ «أسفار مدينة الطين» رشاقة في الحوارات، ولذا سيلجأ إلى الخيال، إلى ترجمة سطور الفصحى إلى سطور محكية، إلى الغوص في عالم آخر مواز لعالم الفصحى، كما تغوص الرواية وشخصياتها في البحر، وفي أمواج الخيال. ليس خيارًا مخيّبًا في نهاية المطاف.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: أسفار مدینة الطین هذه الروایة بخاصة فی لا بد من واقع ا غیر أن
إقرأ أيضاً:
راشد بن سعود وسلطان بن حمدان يشهدان اليوم الثاني لمهرجان محمد بن زايد لسباقات الهجن باللبسة
اللبسة (الاتحاد)
شهد سمو الشيخ راشد بن سعود بن راشد المعلا ولي عهد أم القيوين، ومعالي الشيخ سلطان بن حمدان بن محمد آل نهيان، مستشار صاحب السمو رئيس الدولة، رئيس اتحاد سباقات الهجن مساء أمس، منافسات اليوم الثاني لمهرجان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لسباقات الهجن في اللبسة 2014-2025 والخاصة بفئة الحقايق التي أقيمت على مدار 4 كلم في ميدان اللبسة بإمارة أم القيوين.
وتوج سمو الشيخ راشد بن سعود بن راشد المعلا الفائزين في أشواط الرموز، وكسبت «الفارعة» لراشد حمد ضعيف غدير الكتبي كأس الحقايق الأبكار المفتوح بعد وصولها في المركز الأول بزمن قدره 5:54:97، وفي الشوط الثاني طار «شاهين» لمعالي حميد سعيد النيادي مع بندقية الحقايق الجعدان المفتوح بعد وصوله في المركز الأول بزمن قدره 5:48:79.
وجاءت بقية النتائج كالتالي: الشوط الثالث «ندى» لأحمد محمد هاشل الشامسي بزمن قدره 5:58:95، الشوط الرابع «جماري» لمبارك حمد الجديلي بزمن قدره 6:00:51، الشوط الخامس «تهامة» لسالم سعيد بن منانة الكتبي بتوقيت قدره 6:05:27، الشوط السادس «العزوم» لخليفة سلطان بالرشيد السويدي بتوقيت قدره 6:04:06، الشوط السابع «عجيب» لمبارك محمد بن نصرة العامري بزمن قدره 6:05:83، الشوط الثامن «دلايل» لمنصور سيف علي دري المنصوري بتوقيت بلغ 6:05:66، الشوط التاسع «منصورة» لحمد سعيد ال سالمين المنصوري بتوقيت قدره 6:05:61، الشوط العاشر «الواعي» لأحمد معيوف بالكدش العامري بتوقيت بلغ 6:05:28، الشوط 11 «الهدلا» لسليمان سلامة القايدي الجهني بتوقيت قدره 6:03:04، الشوط 12 «خيرة» لأحمد عبدالله شطيط الوهيبي بزمن قدره 6:08:01، الشوط 13 «الجنيش» لمبارك بن نصرة العامري وبزمن قدره 6:05:28، الشوط 14 «نوادر» لمبارك بن نصرة العامري بتوقيت قدره 6:0628، وفي آخر أشواط الفترة المسائية وفئة الحقايق كان الموعد مع «مياس» لسالم سعيد بن منانة الكتبي وبزمن قدره 6:07:44.
«حفلة» في «الصباحية» و«الأشقر» «الأسرع»
تم تنظيم 25 شوطاً في الفترة الصباحية، وطارت«حفلة» لمحمد سعيد بن عوض سيف الكتبي، بناموس الشوط الأول للحقايق الأبكار، بعد أن كانت أول الواصلات إلى خط النهاية بتوقيت زمني قدره 6:03:3 دقيقة، وذهب ناموس الشوط الثاني المخصص للحقايق الجعدان إلى «المهندس»، لسعيد نايع الشاوي الغفلي، وأحرز المركز الأول، بتوقيت قدره6:00:7، وحلقت «مسرة» لمصبح محمد بن شمال محمد الغفلي، بناموس الشوط الثالث للأبكار، وسجلت زمناً قدره 6:02:3، فيما استطاع «اشقر» لعبدالله سيف بن مصبح الكيبالي، الفوز بناموس الشوط الرابع للجعدان، بزمن 5:58:3، محققاً أفضل توقيت.
وفي الشوط الخامس كانت «صعوبة» لحمد سالم علي بن جهويل، على موعد مع المركز الأول، وتصدرت «أنوار» لصالح سالم محمد بن جهويل الشوط السادس، وطار القعود «الشامخ» لفيصل سالم حمد بن قضيب الكعبي، بناموس الشوط السابع، فيما حلقت «الشاهينية» وأهدت لغدير علي بن سعيد الكتبي، لقب الشوط الثامن، وكسبت «مزحة» لسالم حمد الدليلة العامري، ناموس الشوط التاسع، وقبض «هداد» لشايع حمد بالركاض العامري، على ناموس عاشر الأشواط.
وأسفرت نتائج الأشواط من الحادي عشر وحتى الخامس والعشرين عن فوز، «العزوم» لعبدالله علي بن سعيد الجنيبي، و«أفكار» لسالم سعيد بن منانة الكتبي، و«عنيد» لعبيد محمج ناصر بن سالمين المنصوري، و «الدهماء» لمحمد ناصر بن حمد آل عويرة الكربي، و«حشيمة» لحمود مبارك بن حمود المنصوري، و«مستحيل» لعمهي جمعة غريب بن سعد الجنيبي، و«تمويل» لعماد غريب بن سعد الجنيبي، و«شاهين» لعلي ناصر بن سلطان السيفي، و«وعد» لسطان راشد بت علي العوادي، و«اشقر» لمسلم حمد بن متعب محمد العامري، و«كيان» لغانم فارس الفندي المزروعي، و«شاهين» لسالم سليمان بن حمود حمد الوهيبي، و«أسرار» لناصر الطوير بالمر العامري، و«كساب» لسليمان بن سلامة الفايدي الجهني، و«مسرة» لناصر الطوير بالمر العامري.
38 متسابقاً في ماراثون رحلة الهجن
شاركت إدارة الفعاليات في مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، في النسخة الـ14 من مهرجان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد لسباق الهجن ومزاينة الإبل، وذلك من خلال إقامة شوطين لماراثون رحلة الهجن على مضمار اللبسة في إمارة أم القيوين.
شهد السباق الذي امتد لمسافة 2 كيلومتر، وقُسّم إلى فئتين، رجال وسيدات، مشاركة 38 متسابقاً من المقيمين في الدولة، والذين سبق لهم المشاركة في عدد من الماراثونات التي تقام دورياً لهم، بتنظيم من مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، إلى جانب مشاركتهم في رحلة الهجن، وضمّ الماراثون 25 جنسية مختلفة، من دول: بريطانيا، أميركا، روسيا، النمسا، بيلاروسيا، الفلبين، البرازيل، بلجيكا، المكسيك، الهند، هونغ كونغ، طاجكستان، الصين، فرنسا، هولندا، إسبانيا، استونيا، إيطاليا، ألمانيا، بلجيكا، بولندا، استراليا، مصر، كندا، والإمارات.
وفي فئة السيدات، حققت الصينية «اليكسيس هو» على ظهر المطية «دبي العابر» بزمن وقدره 3:24:46 دقيقة، أما في فئة الرجال فاستطاع البريطاني «أليكسندر اوستروالد» تحقيق المركز الأول على ظهر المطية «حمرون» بتوقيت بلغ 3:47:39 دقيقة.