عام 1765 وفى الوقت الذى كان فيه كهنة الكنائس فى أوروبا يفرضون وصاية جائرة على مجتمعاتهم باسم الدين استطاع الأسكتلندى جيمس وات من داخل حجرة صغيرة اختراع محرك يعمل بطاقة البخار.. وهنا كانت الدنيا والكون كله على موعد مع عصر جديد تتحرك فيه ولأول مرة «كتلة حديد» تحمل البشر والحجر.. تلك كانت المرة الأولى التى يستريح فيها الإنسان من حمل متاعه وجر أشيائه خلفه وانقلبت الدنيا وسارعت خطاها نحو التطور معتمدة على تبعات ثورة علمية واقتصادية هائلة عندما اندفعت القطارات بين المدن وانتقلت البضائع والمحاصيل بسهولة من الريف إلى الحضر.
الحقيقة أن أعظم إنجازات العلم أنه حرر العقل الإنسانى من الخرافات والضلالات وأتصور أن العلم هو دين العصر الذى نقل البشرية من كفر الجهل والظلم والقهر إلى فضاءات الحرية والوعى بقيمة الحياة، وأن للإنسان الحق الكامل فى حياة كريمة دون وصاية زائفة يفرضها عليه من منحوا أنفسهم بتنطع توكيلات سماوية يتحدثون بموجبها باسم الله حينًا وخدمة لحاكم مستبد ظالم حينًا آخر.
نور العلم هو الذى مهد الطريق للثورة الفرنسية 1789 والتى هزت موجاتها كل أوروبا، وانتقل وهجها للعالم بأسره، وهنا تتجلى قيمة فريضة العلم التى ترسخ قيما جديدة للعدل والحرية والمساواة والجمال. من يتأمل خارطة الأحلام فى العالم يجد أنها ولدت وكبرت فى ربوع كثيرة تحول فيها الواقع من اللون الأسود الكئيب إلى ألوان جديدة زاهية من التحضر والنمو والتطور، بفضل الأخذ بفريضة العلم والتمسك بالولاء لتلك العقيدة الإنسانية. العلم بالمعنى المجرد هو أحد تجليات العقائد الدينية إذا فهمنا بحق أن الدين أى دين فى منطلقه الأول كان ثورة على الواقع من أجل التغيير والارتقاء بالشأن الإنساني، وتحرير البشر من الجهل والخوف.
العقائد الدينية التى يتم تسويقها على أنها وعد بآخرة منعمة تعوض الفقراء والمظلومين عن مرارة ومزلة القهر والحاجة، هى عقائد مضللة لم تنتج يتاجر بها دعاتها وأولى أمرهم.
أعتقد أننا بحاجة لاستعادة الفريضة الغائبة –فريضة العلم الذى يحرر العقول وينقلها من حالة الخمول التاريخية إلى واقع الثورة والتمرد واقتناص فرصة حقيقية للتغيير، والعلم هنا هو العلم بمعناه الأشمل والأعم، العلم الذى حول محرك البخار على يد جيمس وات إلى محرك حضارى غير مسارات التاريخ، ومن الواضح أن الواقع الذى نعيشه منذ عقود يشبه واقع ما قبل عصر المحرك بجموده وشيخوخته وعجزه وضحالة حلمه وفقره وقهره وظلمه.. الطريق للحرية يبدأ بالأخذ بأسباب العلم والسقوط فى الاستبداد والقهر يبدأ بتسويق الجهل والتخلف تحت شعارات دينية خادعة ومضللة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: كامل عبدالفتاح
إقرأ أيضاً:
ذو الذراع الذهبية.. العالم يودع جيمس هاريسون بعد إنقاذ حياة مليوني طفل
توفي جيمس هاريسون، أشهر متبرع بالدم في أستراليا، عن عمر يناهز 88 عامًا، تاركًا وراءه إرثًا إنسانيًا كبيرًا، حيث اشتهر بلقب "الرجل ذو الذراع الذهبية"، إذ ساهم بشكل استثنائي في إنقاذ حياة أكثر من مليوني طفل عبر تبرعاته التي لم تنقطع لأكثر من 60 عامًا.
وبدأت رحلة هاريسون مع التبرع بالدم في سن مبكرة، حيث كان أول تبرع له في عمر الـ18، ولم يتوقف عن التبرع بالبلازما حتى بلغ 81 عامًا، وهو الحد الأقصى لسن التبرع في أستراليا.
وتميزت بلازما دمه بوجود "جسم مضاد نادر" يعرف باسم (Anti-D)، وهو عامل حيوي في علاج مرض الريسوس الذي يعاني منه بعض الأجنة، وبفضل هذا الجسم المضاد، ساهم هاريسون في إنتاج دواء يُعطى للأمهات الحوامل اللواتي يواجه دمهن خطر تدمير خلايا دم الأجنة، مما ساعد في تقليل حالات الإجهاض وتشوهات الأطفال، بل وكان له دور كبير في تقليل عدد الوفيات التي كانت تحدث بسبب هذا المرض.
وفقًا للصليب الأحمر الأسترالي، تبرع هاريسون بأكثر من 1100 مرة خلال حياته، وكان كل تبرع يحدث فرقًا حقيقيًا في حياة العديد من العائلات، وتوفي هاريسون في دار لرعاية المسنين شمال سيدني أثناء نومه، حيث كان يعيش بعد أن توقف عن التبرع نتيجة لظروفه الصحية.
وقالت ابنته تريسي ميلوشيب إن والدها كان "إنسانًا في قلبه" وأنه كان فخورًا جدًا بما أنجزه، خصوصًا بعد أن علم أن عائلات كثيرة كانت قادرة على أن تبقى موجودة بفضل تبرعاته.
وأضافت أن والده كان يسعد عندما يسمع عن الأطفال الذين وُلدوا بفضل تبرعاته، حتى وإن لم يكن يعرفهم شخصيًا.
وصف الرئيس التنفيذي للصليب الأحمر الأسترالي، ستيفن كورنيليسن، بأنه "شخص رائع ولطيف وسخي"، مؤكدا أن "جيمس استحوذ على قلوب العديدين في جميع أنحاء العالم". لم يطلب هاريسون شيئًا في المقابل، بل ظل يقدم تبرعاته بإيثار طوال حياته.
وكان الجسم المضاد (Anti-D) الذي تحتوي عليه بلازما دم هاريسون ذا أهمية كبيرة في معالجة حالات مرض الريسوس، الذي يُصيب النساء اللواتي يعانين من دم سالب العامل الريسوسي (RhD negative) بينما يكون دم الجنين موجبًا للعامل الريسوسي (RhD positive)
في هذه الحالات، قد تنتج الأمهات أجسامًا مضادة تُهاجم دم الأجنة، مما يؤدي إلى تلف في خلايا الدم أو حتى موت الجنين. ولكن بفضل تبرعات هاريسون، تم إنتاج دواء يحتوي على (Anti-D)، وهو ما منع العديد من الأمهات من تطوير هذه الأجسام المضادة وحفظ حياة أجنتهن.
وقبل اكتشاف هاريسون كمصدر لهذه الأجسام المضادة، كان آلاف الأطفال يموتون سنويًا بسبب مرض الريسوس في أستراليا، وكان الوضع يُعد مأساويًا، إذ كانت النساء يتعرضن للإجهاض أو يُنجبن أطفالًا يعانون من إعاقات عقلية جسيمة.
بفضل مساهماته البارزة، نال هاريسون العديد من الجوائز والأوسمة في أستراليا، بما في ذلك ميدالية وسام أستراليا، أحد أرفع الأوسمة في البلاد. على الرغم من وفاته، سيظل اسمه محفورًا في الذاكرة الأسترالية والعالمية كرمز للعطاء الإنساني الكبير.