تونس- لا يبدو أن الأحكام الصادرة من المحكمة الابتدائية بتونس في حق 23 متهما في قضية اغتيال السياسي اليساري شكري بلعيد ستغلق سريعا الملف، فبينما دفعت حركة النهضة ببراءتها عقب صدور الأحكام، يصرّ خصومها على أن الأحكام لا تطوي القضية وإنما تفتح الباب لكشف مَن دبّر الجريمة.

وفي ساعة مبكرة من صباح اليوم الأربعاء، أعلن المساعد الأول لوكيل الجمهورية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب أيمن شطيبة عن قرار المحكمة بإعدام 4 متهمين، وهم عز الدين عبد اللاوي، ومحمد أمين القاسمي، ومحمد العكاري، ومحمد العوادي.

كما أعلن عن الحكم بالسجن المؤبد على متهمين آخرين وبالسجن لفترة تتراوح بين سنتين و120 سنة ضد آخرين وعدم سماع الدعوى في حق 5 متهمين لتتبعهم بالأفعال نفسها في قضايا إرهابية أخرى، وإخضاع جميع المتهمين للمراقبة الإدارية.

دليل براءة

ويأتي صدور هذه الأحكام بعد استكمال الأبحاث من قبل المحكمة وإثر استنطاق المتهمين في جلسة بتاريخ 6 فبراير/شباط الماضي، والاستماع إلى مرافعات هيئة الدفاع عن شكري بلعيد يوم 15 مارس/آذار الجاري، والانتهاء من الاستماع لمرافعة النيابة العمومية ومحامي المتهمين في 22 من الشهر الجاري.

وحول ردود فعل حركة النهضة التي طالما اتهمها خصومها بالوقوف وراء تدبير عملية الاغتيال، يقول عمادي الخميري الناطق باسمها إن صدور هذه الأحكام يؤكد بشكل قطعي براءة الحركة من كل التهم "المزعومة" التي سعت هيئة الدفاع عن بلعيد وأطراف أيديولوجية لإلصاقها بها ظلما.

ويضيف للجزيرة نت أن الهدف من توجيه تلك الاتهامات للنهضة هو إسقاطها من الحكم آنذاك بعد فوزها في صندوق الانتخابات بشكل ديمقراطي، متهما هيئة الدفاع بالمتاجرة بدماء بلعيد واستغلال أي مناسبة "لتكرار أسطوانة اتهام الحركة بالباطل بسبب عدائها الأيديولوجي للنهضة".

ويؤكد الخميري أن قرار ختم الأبحاث في هذه القضية من قبل قاضي التحقيق لم يشمل اسم أي قيادي أو منتم لحركة النهضة لا من قريب أو بعيد، موضحا أن الأحكام الصادرة لا تدين أي اسم من الحركة وهو ما يثبت براءتها كليا من الاتهامات "المعادية والمغرضة".

وكان اغتيال المحامي والأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد (يسار) شكري بلعيد بالرصاص في سيارته من قبل شخصين كانا يستقلان درّاجة نارية أمام منزله بالعاصمة تونس في 6 فبراير/شباط 2013، قد زج بالبلاد في أزمة سياسية كبرى ووُجهت الاتهامات لحركة النهضة.

النائب السابق عن حركة الشعب محمد براهمي اغتيل يوم 25 يوليو/تموز 2023 (الجزيرة) أزمة عاصفة

ودفعت تلك الأزمة رئيس الحكومة والأمين العام السابق للحركة حمادي الجبالي إلى الاستقالة ليخلفه فيما بعد القيادي بالنهضة علي العرَيّض. وشهدت البلاد عقب اغتيال بلعيد حالة من الفوضى والعصيان والاحتجاجات وتعطل الدروس وارتباك حركة الملاحة الجوية بسبب الإضرابات.

وفي 27 أغسطس/آب 2023 أعلن العريض -في ندوة صحفية- عن تصنيف ما يسمى "أنصار الشريعة" تنظيما إرهابيا، واتهمه بالضلوع في الاغتيالات السياسية التي استهدفت كلا من القياديين اليساريين شكري بلعيد ومحمد براهمي.

وتمكنت تونس حينها من الخروج من الأزمة التي عصفت بها بعد اغتيال بلعيد والنائب عن حركة الشعب محمد براهمي في 25 يوليو/تموز 2013، إثر نجاح الحوار الوطني الذي قادته 4 منظمات وطنية بعد الاتفاق على كتابة دستور 2014 وتعيين حكومة مستقلة وإجراء انتخابات.

في المقابل، يقول الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي للجزيرة نت إن إصدار الأحكام في قضية شكري بلعيد تتعلق فقط بمجموعة صغيرة قامت بتنفيذ عملية الاغتيال، مؤكدا أنه من المتوقع أن يواصل القضاء الكشف عن الحقيقة لمعرفة الأطراف التي خططت وموّلت واستفادت من الاغتيال.

ويؤكد أن إصدار تلك الأحكام يعد خطوة مهمة في مسار البحث عن الحقيقة وتفكيك الجرائم السياسية والإرهابية التي وقعت في تونس في ظل فترة حكم حركة النهضة، مشيرا إلى أن حزبه يحمّلها المسؤولية السياسية عن اغتيال بلعيد وبراهمي على اعتبار أنها كانت تقود حكومة الترويكا.

مجرد بداية

وأضاف المغزاوي أن مسؤولية النهضة في اغتيال براهمي "ترتقي إلى المستوى الجزائي بسبب عدم إشعاره بوجود مخطط لاغتياله من قبل وزير الداخلية لطفي بن جدو في الحكومة التي كانت ترأسها الحركة، على الرغم من وصول تحذير لوزارة الداخلية من قبل جهاز أمني أجنبي"، بحسب تصريحه.

وأوضح أن حزبه لا يسعى لكيل التهم جزافا لحركة النهضة وإنما للكشف عن الحقيقة في قضايا الاغتيالات السياسية التي قال إنها "زرعت الشك والانقسام في المجتمع التونسي"، معتبرا أن القضاء هو من سيحسم في هذه القضايا من خلال البتّ في الاتهامات الموجهة لكل الأطراف بناء على الأدلة.

وتتهم هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد براهمي قيادات النهضة ولاسيما زعيمها راشد الغنوشي، الذي يقبع في السجن منذ نحو عام لاتهامه من قبل السلطة الحالية بالتآمر على أمن الدولة، بإعطاء الأوامر لاغتيال بلعيد.

ويؤكد محامو الهيئة أن الأحكام الصادرة من قِبَل المحكمة الابتدائية مجرد بداية في طريق الكشف عن الحقيقة وتفكيك القضية وكل الجرائم الإرهابية، متهمين حركة النهضة بالتورط في الاغتيالات باستخدام جهاز سري لاختراق أجهزة الدولة، لكن الحركة تنفي بشدة كافة هذه الاتهامات.

من جهته، قال عبد المجيد بلعيد شقيق شكري بلعيد -لإحدى الإذاعات الخاصة- إن هذه الأحكام الصادرة هي مرحلة أولى في بداية مسار محاكمة من خططوا لتلك الجريمة السياسية، متهما الغنوشي بإعطاء أمر تنفيذ الاغتيال.

وكان الرئيس التونسي قيس سعيد قد استقبل قبل عامين صالح بلعيد والد شكري بلعيد وشقيقه عبد المجيد في قصر قرطاج، مشددا على ضرورة تسريع محاسبة من تورطوا في اغتياله.

ولطالما وجّه سعيد "اتهامات مبطنة لأحزاب حكمت خلال العقد الماضي وأساسا حركة النهضة بالتورط في قضايا فساد وإرهاب". وبعد اتخاذه تدابير استثنائية في 25 يوليو/تموز 2021، شنت الأجهزة الأمنية حملة اعتقالات شملت عددا مهما من قيادات الحركة ومنهم راشد الغنوشي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات الأحکام الصادرة اغتیال بلعید حرکة النهضة هیئة الدفاع شکری بلعید عن الحقیقة من قبل

إقرأ أيضاً:

بين الفطرة والتشريع.. كيف تحمي أحكام الإسلام النظام الأسري؟

وناقشت حلقة 2025/3/29 من برنامج "الشريعة والحياة في رمضان" مع أستاذ التشريع الجنائي الإسلامي الدكتور محمد بوساق الحكمة الإلهية من تنظيم الأسرة ومواجهة التحديات المعاصرة التي تستهدف هذه المؤسسة الحيوية.

وكشفت الحلقة عن جوانب من الإعجاز التشريعي في الإسلام، خاصة في قضايا الأسرة والميراث والعدة والنسب.

وافتتح بوساق حديثه ببيان الحكمة الإلهية من خلق البشر ضمن منظومة أسرية متكاملة، وقال "الله سبحانه، أعظم من خلق الله هو آدم -عليه السلام- وذريته، وجعل ذلك من أجله سبحانه وتعالى ليعبدوه ولا يشركوا به شيئا".

وأوضح أن الله أفاض على بني آدم من النعم ما لا حصر لها، فقد جعلهم أزواجا، وجعل لهم بنين وحفدة، وجعل القرابة -صلة القربى- من نعمه عليهم بعد نعمة الإيمان، مؤكدا أن الله جعل هذه الصلات من أجل تمتين وربط الناس ربطا يقينيا بربهم، وهذه "القرابة هي نعمة وحفظ وكرامة لهم".

وبيّن بوساق أن "الإنسان هو مدار تحقيق مقاصد الشريعة كلها"، فمن حيث مقصد الدين فإن الإنسان هو الذي جعله الله سبحانه وتعالى ليعبده ولا يشرك به شيئا، ومن حيث مصلحة النسل فقد جعل سبب النسل واستمراره وعدم انقراضه في نعمة الزواج.

الإعجاز التشريعي

وتناول بوساق شبهة تقييد حرية المرأة من خلال نظام العدة للأرامل والمطلقات، وكشف عن جوانب من الإعجاز التشريعي في هذا النظام، مشددا على أهمية الانتباه والالتفات إلى الإعجاز التشريعي "لأن الناس انصرفوا كثيرا إلى الإعجاز العلمي، وهم على حق، وذلك فيه خير وبركة، وفيه نعمة للدعوة الإسلامية، ولكن الإعجاز التشريعي أعظم من الإعجاز العلمي".

إعلان

وكشف عن اكتشاف علمي حديث يؤكد حكمة العدة الشرعية، إذ أثبتت الأبحاث العلمية أن "بصمة الرجل مع المرأة تنتهي في 3 أشهر، يعني 30% منها في الشهر الأول، و30% في الشهر الثاني، و30% في الشهر الثالث".

وأشار إلى بحث أجري في بعض أحياء المسلمين، فوجد أن "المسلمة ما عندها إلا بصمة واحدة، في حين في المجتمعات غير المسلمة وُجدت للمرأة بصمتان وثلاث وأكثر"، مما يدل على وجود علاقات غير شرعية".

وأكد أن هذه الاكتشافات العلمية تثبت حكمة التشريع الإسلامي، وقال "هذه كلها بعلم الله سبحانه وتعالى، ومن أحسن من الله حكما".

واستعرض بوساق الإعجاز التشريعي في نظام المواريث الإسلامي، وكيف استطاع في 10 أسطر فقط أن يجمع كل أحكام الميراث بعدل وإنصاف "في حين أن قوانين الميراث في الدول الغربية تستغرق مجلدات".

واستشهد بقصة روبرت غولدن مستشار الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون، والذي كان متخصصا في القانون وخريج جامعة هارفارد، وكيف أنه أسلم بعد دراسته آيات المواريث في الإسلام.

وقال "لما قدّمت له آيات الميراث التي تبدأ بقوله تعالى ﴿يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين﴾ بقي عدة أيام، ثم رجع وقال: كيف هذا؟ كيف يجمع كل علاقات النسب ومن عمود النسب من أعلاه إلى أسفله ومن أجنحته، وكل هذا يجمعه في هذه الكلمات القليلة ويعطي بالإنصاف كل ذي حق حقه؟".

وأضاف بوساق أن غولدن قال "هذا لا يمكن أن يقدر عليه إلا من خلق الإنسان ومن خلق عمود النسب ومن خلق الأجنحة"، وأسلم بسبب هذا الإعجاز التشريعي.

شبهة إبطال التبني

وتطرق بوساق إلى شبهة إبطال التبني في الإسلام، موضحا أن الإسلام لا يمنع كفالة الأيتام ورعايتهم، بل يمنع ادعاء النسب لغير الأب البيولوجي، خاصة بعد اكتشاف البصمة الوراثية التي تثبت نسب الأبناء بشكل قاطع.

وقال "البصمة الوراثية تبين أن لكل ولد بصمة وأنه من صلب رجل بعينه، ويمكن معرفته بعد اكتشاف هذه البصمة الوراثية، فكيف يبقى لنا أن نستمر في هذه الجاهلية؟!".

إعلان

وأضاف "الولد لأبيه، وهذه ليست مجرد دعوة، يعني مجرد كلام، هذا له أصل وأنه من والده، ويمكن معرفته بالتحاليل".

وأكد أن الإسلام لا يمنع "رعاية الطفولة، سواء كانت للذين ليس لهم أب معروف، لا يمنع من كفالتهم ورعايتهم وحمايتهم، ويعني أن يعيشوا وسط المسلمين كإخوة في الإسلام".

وحذر بوساق من تحديات معاصرة تستهدف الأسرة المسلمة، منها:

العزوف عن الإنجاب:
أشار إلى أن الأعداء يعملون على "إشغال الناس بالشهوات، وترك مقاصد شرعهم"، مما يؤدي إلى "العزوف عن الإنجاب وعن تربية الأطفال". الإجهاض:
وصف الإجهاض بأنه "معارضة ومخالفة لأمر الله ولخلق الله"، وقال إنه في العصر الحديث أصبح الأمر "أشد، صارت الأجنة والأطفال -ذكورا وإناثا- يرمون في سلال المهملات، مخلوق بروح ويرمى". المثلية وتغيير الجنس:
وصف هذه الظواهر بأنها مخالفة للفطرة التي فطر الله الناس عليها، وقال إن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان من زوجين ذكرا وأنثى "فكيف تستقيم المثلية أو تغيير الجنس"، واعتبر تشريع بعض الدول الغربية مثل كندا قوانين تسمح باختيار أكثر من جنس بأنه عبث ومخالفة للفطرة.

وأكد أن هذه الممارسات تؤدي إلى انقراض الأسرة وانقراض البشرية وتدمير "المقاصد التي أراد الله بها تكريم بني آدم"، داعيا للعودة إلى الفطرة التي فطر الله الناس عليها.

وختم أستاذ التشريع حديثه بالدعوة إلى الالتزام بالفطرة والوسطية في التعامل مع قضايا الأسرة، وقال "بدلا من أن تدعو إلى الدين ادعُ إلى الفطرة، يعني عدم مخالفة الفطرة لأنها هي الخط الأخير للخروج من الإنسانية إلى الحيوانية".

وأكد أن المرأة في الإسلام "يجب وضعها في الموضع الوسطي الذي وضعتها إياه شريعة الله سبحانه وتعالى بلا إفراط ولا تفريط".

وحذر من طرفي الإفراط والتفريط "المرأة مظلومة من طرفين: طرف الصيحات الحيوانية الفاجرة من أجل إخراج المرأة عن كل أدب وعن كل مصالحها وإغرائها بما يتلفها ويؤلمها، وكذلك النظر إلى المرأة بنظرة فوقية وحرمانها من الميراث".

إعلان

وأشار إلى أن "الله سبحانه وتعالى في تشريعه راعى ما هو أنفع وأفيد للإنسان"، وأن الشريعة الإسلامية هي التي تحقق التوازن والعدل في المجتمع وتحفظ كرامة الإنسان وتصون الأسرة من التفكك والانهيار.

الصادق البديري30/3/2025

مقالات مشابهة

  • الرئيس السيسي يتبادل التهاني مع الرئيس التونسي بمناسبة عيد الفطر المبارك
  • الإمارات: أحكام بالإعدام والمؤبد لقتلة المواطن المولدوفي – الإسرائيلي
  • الرئيس التونسي: عهد «اللوبيات» يجب أن ينتهي
  • أنباء عن تعرض فلاديمير بوتين لمحاولة اغتيال
  • ضبط 16هاربا من تنفيذ أحكام وحائزي أسلحة في حملة أمنية بالفيوم
  • بين الفطرة والتشريع.. كيف تحمي أحكام الإسلام النظام الأسري؟
  • شكري مجاهد يفوز بجائزة رفاعة الطهطاوي للترجمة تقديرًا لمشروعه المتكامل
  • بعملية عسكرية.. مقتل عشرات العناصر لـ«حركة الشباب» في الصومال
  • القضاء على 21 عنصرًا من حركة “الشباب” الإرهابية في عملية عسكرية جنوب الصومال
  • عائلة المعارض التونسي الجلاصي تطالب بتوفير الرعاية الصحية داخل محبسه (شاهد)