تحل اليوم ذكرى غزوة بدر الكبرى، وفي ذكراها يتسابق المسلمون لمعرفة أحداثها والعبرة والدروس المستفادة منها، حيث قال الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، إن في ذكرى بدر دستور ربنا في التربية في الإعداد، في تربية الاجتماع، في بناء النفس المسلمة على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة. 

ذكرى غزوة بدر الكبرى 

وتابع خلال حديثه عن غزوة بدر:«كل ذلك في آياتٍ بيناتٍ من سورة آل عمران يشرح لنا ربنا فيها: ماذا نفعل؟ وكيف نفعل؟، عندما نفذها رسول الله ﷺ وثبت بالقليل معه في وجه الطغيان انتصر نصرًا نذكره إلى اليوم .

. نصرًا جعل الله سبحانه وتعالى ينظر لأهل بدر (فيقول افعلوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم) على الحقيقة لا على المجاز، فلما كان واحد منهم وهو (حاطب بن أبي بلتعة) رضي الله تعالى عنه ضعفت نفسه وتشكك في أمر المشركين أن يأخذوا ماله في مكة راسلهم بخبر رسول الله ﷺ فيما يشبه التجسس، فعفى رسول الله ﷺ عنه لأنه علم أن ذلك كان عن ضعفٍ من حاطب، وحاطب ممن حارب في سبيل الله فغفر الله له وجعل حسناته تغلب على سيئاته.

وقال: (فإنكم لا تدرون لعل الله اطلع على أهل بدرٍ فغفر لهم ما تقدم من ذنوبهم وما تأخر) لِمَ هذا ؟ لأن بدرًا حمت الدعوة ونفذت دستور الله ، هذا الدستور الذي بيّنه ربنا سبحانه وتعالى حيث يبوئ رسول الله ﷺ للمؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم وحيث يقول : {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ (127) لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 123 - 129] يعني أنه رحّج جانب المغفرة وقبول الخلق عندما يعودون إليه على العذاب وهو فعّال لما يريد ولا يسأل عما يفعل وهم يُسألون.

وتابع علي جمعة: ثم بعد ذلك مباشرةً كيف ننصر الله ؟ { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132) وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ } [آل عمران: 130 - 132].

ما حكم «اللى بيشتغل على قد فلوسهم»؟ علي جمعة يجيب

وتابع: انظر إلى التربية ، وانظر إلى هذا الدستور ﴿أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ  قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِيـنَ ﴾ (آل عمران138:136) وبعد ذلك يقول ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ (آل عمران:139).

اقرأ الآيات من سورة آل عمران .. تأمل في كل لفظة .. طبقها في حياتك وانظر ماذا تريد من تطبيقها أن تطبق قبلها تجد نفسك في حاجةٍ إلى مناهج التربية، وفي حاجة ٍإلى إصلاح الاقتصاد مع الله، وفي حاجةٍ إلى حرية سياسية تكفل للمؤمنين التناصح، وفي حاجةٍ إلى إعداد عسكري مستدام ينبغي علينا أن نسير فيه إرهابًا للذين كفروا ومن وراءهم، وفي حاجة إلى وحدة للأمة، وفي حاجةٍ إلى طاعةٍ للرسول على مستوى الفرد والجماعة والدولة والأمة.

وشدد علي جمعة:  دستور متكامل نريد أن نفهمه من كتاب ربنا؛ فإذا به يعطينا ويعطينا أكثر .. لا تقرأوا القرآن بمحض التعبد بتلاوته فإن لك عشرة حسنات لكل حرفٍ في تلك التلاوة فاطمئن، إنما تدبر كتاب ربنا واسأل نفسك عن عناصر النصر التي يريدنا الله سبحانه وتعالى أن نقوم بها في أنفسنا وانظر أين نحن منها؟ و(ابدأ بنفسك ثم من تعول) بنفسك أولاً واخلع نفسك من دائرة سخط الله وابدأ مع الله صفحةً جديدة في هذا الشهر العظيم حتى لا تمر تلك الذكرى ، ذكرى بدر ، في هذا اليوم الكريم عيد في الأرض وعيد فى السماء .. في هذا اليوم الكريم الذي هو شهر عظيم أنزل الله فيه القرآن لا تمر هكذا كذكرى تاريخية إنما هى ذكرى إنسانية ،ذكرى تربي المؤمن على الطاعة، ذكرى تلفت المؤمن إلى هذا النصر العزيز الذي جاء من عزيز حكيم.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: غزوة بدر ذكرى غزوة بدر علي جمعة هيئة كبار العلماء الأزهر رسول الله ﷺ علی جمعة آل عمران غزوة بدر وفی حاجة فی حاجة

إقرأ أيضاً:

هل نعيم القبر وعذابه يقع على الروح أم الروح والجسد؟.. علي جمعة يوضح

قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ان المؤمن يؤمن بما يتعلق بيوم القيامة من غيبيات، فيؤمن بالجنة دار النعيم، ويؤمن بالنار دار الجحيم، ويؤمن بالحساب، ويؤمن بالبعث، وقبل ذلك يؤمن بالبرزخ قال تعالى : ﴿وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾، ويؤمن بالقبر وما فيه من نعيم وعذاب، قال سبحانه: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًا وَعَشِيًا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العَذَابِ﴾ ، والنار المذكورة في الآية هي نار يعذب بها آل فرعون في حياة البرزخ قبل يوم القيامة بدليل إضافة قوله تعالى بعد ذلك « ويوم تقوم الساعة أدخلوا ...». 

واضاف جمعة، في منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي، أنه روى عن كثير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم  أنه صلى الله عليه وسلم  : كان يتعوذ من عذاب القبر»، وما ثبت عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت : « دخلت على عجوزان من عُجُز يهود المدينة فقالتا لي : إن أهل القبور يعذبون فى قبورهم، فكذبتهما ، ولم أنعم أن أصدقهما، فخرجتا. ودخلت على النبي صلى الله عليه وسلم  فقلت : له يا رسول الله، إن عجوزين وذكرت له، فقال : « صدقتا ، إنهم يعذبون عذابا تسمعه البهائم كلها » . فما رأيته بعد فى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر». 

فينبغي على المسلم أن يؤمن أن عذاب القبر ونعيمه حق نطق به الوحي الشريف، كما ينبغي للمسلم ألا يشغل باله بكيفية هذا العذاب وأشكاله، فلكل عالم قوانين تحكمه، ونحن في عالم الحياة الدنيا لا نستطيع أن نتخيل أو نتوقع القوانين التي تحكم العوالم الأخرى كعالم الأرواح، وعالم الجن مثلاً.

وقد اختلف العلماء في نعيم القبر وعذابه في الحياة البرزخية، هل يقع على الروح فقط أم على الجسد أم على كليهما ؟ فذهب ابن هبيرة والغزالي إلى أن التنعيم والتعذيب إنما هو على الروح وحدها. وقال جمهور أهل السنة والجماعة من المتكلمين والفقهاء : هو على الروح والجسد. قال النووي : النعيم والعذاب للجسد بعينه أو بعضه بعد إعادة الروح إليه أو إلى جزء منه، وذهب ابن جرير إلى أن الميت يعذب في قبره من غير أن ترد الروح إليه، ويحس بالألم وإن كان غير حي.

الركن السادس والأخير : الإيمان بالقدر خيره وشره، وهو من أهم مظاهر الإيمان بالله، حيث يعني الرضا بالله ربا وحاكما، وهو كذلك ثمرة الإيمان بالله وحلاوته. ويتمثل دستور الإيمان بالقدر في قوله تعالى : ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾.

مقالات مشابهة

  • علي جمعة: حب الله ورسوله وأهل بيته من أركان الإيمان
  • جمعة: المسلم العاقل يستعد لشهر رمضان من خلال شعبان
  • هل نعيم القبر وعذابه يقع على الروح أم الروح والجسد؟.. علي جمعة يوضح
  • 5 أعمال فى شهر شعبان اغتنمها الآن.. علي جمعة يكشف عنها
  • محمد صبحي: «فارس يكشف المستور» كناية عن المؤامرات العالمية التى تحاك ضد الأمة
  • في شهر شعبان.. كيف تحقق مناجاة الله الدعاء المستجاب.. جمعة يوضح
  • أهكذا تحييون ذكرى الإمام الكاظم ؟
  • فوائد التحصين بسورتي البقرة وآل عمران وفضل قراءتهما
  • عبارات عن أول جمعه في شعبان
  • دعاء أول جمعة من شهر شعبان.. نفحات إيمانية واقتراب من رمضان