الجيش والإمارات وتطورات الأحداث
تاريخ النشر: 27th, March 2024 GMT
زين العابدين صالح عبد الرحمن
عندما صرح الفريق أول ياسر العطا عضو مجلس السيادة و مساعد القائد العام للجيش ماذا يفعل سفير الإمارات في بورتسودان، ودولته هي التي تقوم بإمدادات عسكرية وتشوين لميليشيا الدعم السريع من خلال عدد من الدول ليبيا حفتر وتشاد وأفريقيا الوسطى وحتى دولة جنوب السودان التي جاء منها أعداد كبيرة من المرتزقة الذين يقاتلون في صفوف الميليشيا، وأيضا إثيوبيا التي أرسلت أعدادا من المرتزقة.
في جانب آخر قال وزير المخابرات المصري عباس كامل بزيارة إلى ليبيا، والتقى مع خليفة حفتر، وتقول الأنباء إن الزيارة بحثت التطورات السياسية للأزمة الليبية، إلى جانب ودفع العملية السياسية من خلال بعثة الأمم المتحدة في ليبيا لقيام الانتخابات. ومعلوم أن حفتر يعد أكبر داعما للميليشيا، وتستقبل الأراضي الليبية التي تقع تحت سيطرته رحلات طيران الإمارات الناقلة للأسلحة لليبيا، ومنها إلى الميليشيا في السودان، وكان الجيش قد قصف العديد من هذه الإمداد القادمة من معسكرات الميليشيا على الحدود الليبية مثل معسكر “شارلوت” وأيضا قصف عربات محملة بالسلاح من ليبيا إلى منطقة الزرق شمال دارفور. أن ليبيا حفتر شريك أساسي للميليشيا في حرب السودان. وبالضرورة تكون المباحثات بين الجانبين المصري والليبي حفتر قد تطرقت للحرب الدائرة في السودان، خاصة أن البلدين وقعا على الحدود السودانية من ناحية الشمال والشمال الغربي. ولكن لم تورد وسائل الإعلام الليبية، والمصاحبة للزائر أي معلومة عن ذلك. باعتبار أن مصر ساعية للبحث عن أفضل الطرق لإنهاء الحرب الدائرة في السودان. إن تحرك الإمارات في المنطقة لا بد أن يكون له آثار سالبة على السودان ومحاولة لإيجاد دور للميليشيا في المستقبل.
في الوقت ذاته أصدر الجيش السوداني تعميما صحفيا، طالب فيه المواطنون السودانيون الابتعاد عن أماكن العمليات العسكرية، حيث إن الميليشيا تتعمد أن تتخذ المواطنين دروعا لها، كما نوه التعميم الصحفي المواطنين من الابتعاد عن مناطق تجمعات ما سمها “ميليشيا آل دقلو الإرهابية” بمختلف أنحاء البلاد، والتي تعتبر أهدافا عسكرية مشروعة لضرب قواتنا الجوية. أن التعميم الصحفي للجيش يؤكد أن الجيش سوف يقوم بضربات جوية مكثفة في عدد من مناطق السودان، وخاصة في دارفور. أو هي تكون بداية الحملة العسكرية التي حشد لها قوات كبيرة لتحرير الجزيرة من الميليشيا. هذا يؤكد حديث ياسر العطا خلال حضوره الإفطار الذي أقامته القيادة الجوالة لإسناد عمليات القيادة العامة العسكرية في أم درمان قال فيه لا تفاوض ولا هدنة مع الميليشيا. وفي الوقت نفسه قال نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار أن الحرب لا بد أن تحسم عسكريا، بسبب ضعف إمكانية حلها بالوسائل السلمية، وأضاف عقار أن الجيش السوداني “لم، ولن ينهزم” وفي محطة أخرى قال مني أركو مناوي أن قواته سوف تقاتل مع الجيش سويا في العاصمة الخرطوم.
وكان الفريق إبراهيم جابر عضو مجلس السيادة قال: في منبر الفرقة الثانية مشاة بالقضارف، أن الحرب مخطط أكبر من الذين خططوا له من خلال تدخلات خارجية وأحزاب تسببت في الحرب. وأن القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى والمستنفرين قد تصدوا للتمرد ودحره. ثم عرج إلى المسألة السياسية، وقال إن القوات المسلحة لن تكون طرفا في أي اتفاق سياسي، وأكد أن الفترة الانتقالية سوف تقودها حكومة تكنوقراط تضطلع بترتيب شؤون الشعب السوداني، وتهيئة البلاد لانتخابات حرة ونزيهة، يختار فيها الشعب من يحكمه. هذا الحديث نفسه الذي كان قد ذكره الفريق أول ياسر العطا من قبل، مما يدل أن الجيش قد حسم أمره تماما، على أن تحسم الميليشيا عسكريا أو تستسلم، وأن لا يكون لها أي دور سياسي أو عسكري في مستقبل ما بعد الحرب. والفترة الانتقالية توكل إلى تكنوقراط هم الذي يديرونها بهدف إنجاز مهامها. الإمارات لا تريد ديمقراطية في السودان، وتعتقد وجود نظام ديمقراطي سوف يؤثر سلبا على النظم السياسية العائلية في المنطقة.
إن الجيش قد وضع أجندته للحل، فهل الأحزاب تستطيع أن تتحاور مع هذه الأجندة، وتخرج من شرنقة المصالح الخاصة المرتبطة بتسليمها السلطة إلى أفق أرحب للحوار، وتقدم رؤيتها بعيدا عن استلامها سلطة الفترة الانتقالية. أن بعض الأحزاب السياسية التي ليس لها قواعد اجتماعية تؤهلها للتنافس عبر صناديق الاقتراع لن تقبل رؤية الجيش. رغم أن الانتخابات هي الطريق الذي يجعل الجيش يعود إلى ثكناته. وأيضا بعض الأحزاب والأفراد في “تقدم” قد ربطوا مستقبلهم السياسي مع الأجندة الإماراتية والميليشيا، ومعلوم أن الدول عندما تتعامل مع سياسي الدول الأخرى تتعامل معهم من خلال أجهزة مخابراتها، والتي لا تتورع في استخدام وسائل تصبح بطاقات ضغط عليهم. فالإمارات تتحرك في مسارات ووسائل مختلفة لكي تحقق أهدافها العسكرية والسياسية والإعلامية. أن هزيمة الميليشيا تعني هزيمة الأهداف الإماراتية وأدواتها. لذلك تحاول الإمارات بشتى الطرق أن تضغط من أجل أن تكون هناك مفاوضات للتوصل لتسوية، وتعيد بها الميليشيا مجددا إلى الساحة السياسية، وهو يعتبر مشروعا جديدا لحرب جديدة تعيد فيها تسليح الميليشيا. الأمر الذي يرفضه الجيش وأغلبية الشعب الذي يقف بجانبه. نسأل الله حسن البصيرة.
الوسومزين العابدين صالح عبد الرحمنالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: فی السودان من خلال
إقرأ أيضاً:
العقوبات الأمريكية على الإمارات: لعبة الشطرنج السياسي والدبلوماسي في السودان
كتب الدكتور عزيز سليمان – أستاذ السياسة والسياسات العامة
في عالم السياسة، حيث تتقاطع المصالح مع المبادئ، وتتلاقى الأخلاق مع البراغماتية، تبرز قضية العقوبات الأمريكية المحتملة على الإمارات العربية المتحدة كواحدة من أكثر الألغاز تعقيدًا في الشرق الأوسط وأفريقيا. فهل ستنجح الإدارة الأمريكية، بقيادة الرئيس ترامب، في فرض قيود صارمة على دولة الإمارات بسبب دعمها لقوات الدعم السريع في السودان؟ أم أن أبو ظبي، بدهائها السياسي المعروف، ستجد طريقة للالتفاف على هذه العقوبات باستخدام حلفائها وعلاقاتها الدولية المتشعبة؟
الإمارات: بين المطرقة الأمريكية والسندان السوداني المُتعب
دولة الإمارات، التي تُعتبر واحدة من أكثر الدول نفوذًا في المنطقة، ليست غريبة عن فنون التحايل السياسي. ففي الوقت الذي تُهدد فيه واشنطن بفرض عقوبات على أي دولة تُقدم الدعم العسكري لقوات الدعم السريع في السودان، تبدو الإمارات وكأنها تلعب لعبة شطرنج دبلوماسية معقدة. فهل ستلجأ إلى استخدام الدول الصديقة كواجهة لتجنب العقوبات؟ وهل ستستخدم أموالها النفطية لدفع الرشاوى أو تقديم "هدايا دبلوماسية" لتليين المواقف الدولية؟
في عالم السياسة، حيث تُعتبر الرشاوى أحيانًا "تكاليف عمل"، قد تكون الإمارات قادرة على تجنب العقوبات الأمريكية، خاصة إذا ما استخدمت علاقاتها الوثيقة مع دول مثل الكيان والسعودية ومصر، أو حتى مع بعض الحلفاء الأوروبيين الذين يرون في أبو ظبي شريكًا استراتيجيًا لا يمكن الاستغناء عنه. ولكن السؤال الأكبر هنا: هل ستستمر الإمارات في مواصلة دعم قوات الدعم السريع، أم أنها ستُعيد حساباتها في ضوء الضغوط الأمريكية المتزايدة؟
السودان: بين المظلومية والدبلوماسية الذكية
أما السودان، الذي يُعتبر حلقة الوصل بين الشرق الأوسط وأفريقيا، فلديه دور محوري في هذه المعادلة. فبدلاً من الاكتفاء بدور الضحية، يمكن للسودان أن يلعب دورًا دبلوماسيًا أكثر فاعلية من خلال تشكيل فريق دبلوماسي محنك لإدارة هذا الصراع الدولي. هذا الفريق يمكنه تقديم شكاوى رسمية ضد رئيس دولة الإمارات في مجلس الأمن، بل ورفع دعاوى ضد دول مثل تشاد وجنوب السودان وأوغندا وكينيا وإثيوبيا، متهمًا إياها بالتواطؤ مع الإمارات ضد السودان.
هذه الخطوة، وإن كانت جريئة، قد تُعيد رسم خريطة التحالفات في المنطقة. فالسودان، بموقعه الاستراتيجي وثرواته الطبيعية، يمكن أن يصبح لاعبًا رئيسيًا في المنطقة إذا ما استخدم أدواته الدبلوماسية بحكمة. فهل سيتمكن السودان من تحويل مظلوميته إلى قوة دبلوماسية تُحاسب الدول المتورطة في دعم قوات الدعم السريع؟
السياسية: بين الأخلاق والمصلحة
في خضم هذه الأحداث، تبرز قضية أخلاقية عميقة: هل يمكن للدول أن تبرر دعمها للجماعات المسلحة في دول أخرى تحت ذريعة المصالح الاستراتيجية؟ وهل يمكن للدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة، أن تفرض عقوبات على دول أخرى بينما هي نفسها متورطة في صراعات مماثلة في مناطق أخرى من العالم؟
هذه الأسئلة تدفعنا إلى التفكير في طبيعة السياسة الدولية، حيث تُعتبر المصلحة هي القاعدة الذهبية، والأخلاق مجرد ترف فكري. ولكن في النهاية، فإن التاريخ يُذكرنا بأن الدول التي تعتمد على القوة العسكرية والرشاوى الدبلوماسية قد تُحقق انتصارات قصيرة الأمد، ولكنها نادرًا ما تُحقق سلامًا دائمًا.
الخاتمة: لعبة القوى الكبرى وصغارها
في النهاية، فإن قضية العقوبات الأمريكية على الإمارات ودور السودان في هذه المعادلة ليست مجرد صراع سياسي عابر، بل هي انعكاس لصراع أكبر بين القوى الكبرى والصغرى في عالم يزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم. فهل ستنجح الإمارات في الالتفاف على العقوبات الأمريكية؟ وهل سيتمكن السودان من تحويل مظلوميته إلى قوة دبلوماسية؟
الإجابة على هذه الأسئلة قد تُحدد مستقبل القرن الأفريقي والشرق الأوسط لعقود قادمة. ولكن الشيء الوحيد المؤكد هو أن السياسة، مثل الشطرنج، هي لعبة لا تنتهي أبدًا
.
quincysjones@hotmail.com