بين المركز والفرع.. خارطة انتشار تنظيم داعش حول العالم
تاريخ النشر: 27th, March 2024 GMT
في ذات التوقيت الذي صادف الذكرى الخامسة لإنهاء "خلافته" على الأرض في سوريا بعث تنظيم داعش الإرهابي رسالة من نار للعالم، مفادها أنه "لم ينته" ولم يعد نشاطه يقتصر على استهداف دورية هنا وتفجير مركز أمني والخوض باشتباكات هناك بل أصبح يتخطى الحدود.
وأسفر الهجوم الذي تبناه في مركز "كاركوس سيتي" بموسكو عن مقتل 130 شخصا وإصابة أكثر من 100 آخرين، ورغم إعلان أجهزة الأمن الروسية إلقاء القبض على المنفذين الأربعة نشرت وسائل إعلام مقربة من التنظيم صورا دعائية تشير إلى نيته تنفيذ المزيد من الهجمات، وخاصة في دول أوروبية.
على مدى السنوات الماضية كانت أنظار العالم والدول والمسؤولين الأممين تتجه على نحو كبير إلى سوريا والعراق و"مخيم الهول" الذي يضم عائلات وأبناء مقاتلي داعش الأسرى والقتلى.
وبينما كانت تصدر التحذيرات من "قنبلة موقوتة" في الشمال الشرقي لسوريا لم يكن متوقعا أن تنفجر في موسكو بالسياق المفاجئ الذي جاءت فيه، أو حتى كما حصل في إيران عندما فجّر عنصران من داعش نفسيهما بجموع من الناس كانوا يحيّون ذكرى مقتل قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني في كرمان.
"خارطة تحذيرية"وترسم خريطة نشرها "معهد واشنطن" حديثا صورة تحذيرية للشكل والنشاط الخاص بتنظيم داعش في الوقت الحالي، وتوضح كيف أن عملياته باتت تتصاعد بالتدريج ليس في سوريا فحسب كما يدور الحديث ويتركز الاهتمام دائما، بل في عموم المناطق التي ينتشر فيها أفراده بالعالم.
التنظيم تمكن من تنويع عمل أفرعه وفق المعهد الأميركي حيث تقود "ولاية خراسان" في أفغانستان العمليات الخارجية، وفي المقابل تبسط ولايات متعددة أخرى السيطرة الإقليمية في أفريقيا.
وفي غضون ذلك يواصل أنصار "داعش" التخطيط لهجمات إرهابية كبرى أيضا، لا سيما في تركيا، ولكن سلطات إنفاذ القانون أحبطت معظمها (باستثناء تفجيرات يناير 2024 في كرمان بإيران).
منذ آذار 2023 أعلنت إدارة الإعلام المركزية لـ"داعش" مسؤولية التنظيم عن 1121 هجوما، ووفقا للبيانات الصادرة عنه أدت هذه الهجمات إلى مقتل أو إصابة حوالي 4770 شخصا.
وصدرت معظم هذه الإعلانات عن "تنظيم الدولة - ولاية غرب أفريقيا" (المتمركز بشكل أساسي في نيجيريا وجنوب شرق النيجر) تليه ولايات "داعش" في سوريا والعراق وأفريقيا الوسطى (مقرها في جمهورية الكونغو الديمقراطية) وموزمبيق.
وقد شهدت "ولاية خراسان" الهجمات الأكثر ضررا في المتوسط كما يورد "معهد واشنطن" إذ أودى كل حادث بحياة حوالي 14 شخصا.
"يجب اعتبار مؤامرات (تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية خراسان) أكبر تهديد عالمي يطرحه التنظيم اليوم"، حسبما حذرت ورقة المعهد المذكور.
وتوضح أنه في العام الماضي خطط الفرغ الأفغاني لإحدى وعشرين مؤامرة أو هجوما خارجيا في تسع دول، مقارنةً بثماني مؤامرات أو هجمات في 2023 وثلاث فقط بين عام 2018 ومارس 2022.
وبعدما حصل إحداها بصدى كبير وقوي في موسكو وقبلها إيران تثار تساؤلات عن طبيعة المسار الذي يسلكه داعش الآن ونقاط توزع قوته حول العالم.
"الخلافة وما بعدها"يعتبر شهر نوفمبر 2014 محطة فاصلة على صعيد الحياة المتعلقة بتنظيم داعش، ففي هذا التوقيت أعلن الناطق باسم "أبو محمد العدناني" عن قيام "الخلافة" وتنصيب أبو بكر البغدادي "كخليفة".
قبل عشر سنوات كسر داعش الحدود بين سوريا والعراق، وبالتزامن مع ذلك أيضا أعلن عن "ولايات" خارج أراضيه الأساسية في البلدين المذكورين، بما في ذلك مناطق مختلفة في أفريقيا والقوقاز وجنوب شرق آسيا.
ووفق ما يوضح خبراء في شؤون الجماعات المتشددة لموقع "الحرة" اختلفت حدة وقوة كل فرع في داعش عن الآخر خلال السنوات الماضية، لاعتبارات تتعلق بالساحة الجغرافية من جهة وللسياسة التي كان يعتمدها التنظيم الإرهابي في السابق.
ينشط داعش الآن في سوريا بمجموعات تنتشر في منطقة البادية السورية مترامية الأطراف ويأخذ شكل المفارز في العراق، والمكونة من أعداد محدودة وشرسة في ذات الوقت، كما يقول الخبراء.
وإلى ما هو أبعد من البلدين يتواجد في أفغانستان وباكستان وإيران تحت اسم "داعش-خرسان"، ووفق تقديرات الأمم المتحدة في عام 2021 لدى هذه الجماعة ما يصل إلى 2200 مقاتل أساسي متمركزين في مقاطعتي كونار ونانجارهار.
للتنظيم نفوذ واسع في القارة السمراء أيضا، وخلال السنوات الماضية "لم تسلم أي من المناطق الجيوسياسية الخمس كما حددها الاتحاد الأفريقي من نشاطه"، كما يقول الباحث في "معهد دراسات الأمن"، مارتن إيوي.
ويوضح بالقول: "شهدت 20 دولة على الأقل في أفريقيا نشاطا مباشرا لداعش. ويتم استخدام أكثر من 20 آخرين للخدمات اللوجستية، وحشد الأموال والموارد الأخرى".
إيوي أشار إلى وجود محاور إقليمية أصبحت ممرات لعدم الاستقرار في أفريقيا، وأضاف أنه "لا يزال حوض بحيرة تشاد أكبر منطقة عمليات للتنظيم، بينما الصومال هو النقطة الساخنة للقرن الأفريقي".
ويوضح الباحث في شؤون الجماعات المتشددة، ماهر فرغلي لموقع "الحرة" أن "ولاية غرب إفريقيا" تعتبر من أهم المراكز التابعة لداعش، ويشير إلى أن الأخير ينتشر في دول الساحل والصحراء، وتصل حدوده إلى موزمبيق ومالي وبوركينا فاسو ومناطق صحراوية في جنوب ليبيا.
فرغلي يوضح أيضا أن التنظيم الإرهابي موجود في وسط آسيا كما هو حالة "داعش – خرسان"، ويتحدث عن تنظيمات تتبع له في أوزبكستان وفي "ولاية القوقاز" التي اندمجت في وقت سابق ضمن الجماعة التي نفذت هجوم موسكو.
"داعش خراسان اكتسب ويكتسب الصيت الآن بسبب عملياته الخارجية وهو الأكثر قوة في العمليات الخارجية في دول كبيرة مثل روسيا ويحاول تنفيذ عمليات في أوروبا"، حسبما يتابع الباحث فرغلي.
ويرى أن "داعش يحاول الآن نقل المركز إلى وسط آسيا وخاصة إلى المناطق التي تحظى بطبيعة جغرافية جيدة وتواجد إسلامي"، على حد تعبيره.
قبل أن يخرج "داعش – خرسان" إلى دائرة الضوء وبقوة أخبر رئيس القيادة المركزية الأمريكية المشرعين في مارس 2023 أن الجماعة أصبحت أكثر جرأة، وأن أوروبا أو آسيا كانت أهدافا أكثر ترجيحا للهجمات الإرهابية التي تنطلق من أفغانستان.
وفي تقرير تقييم التهديدات لعام 2023 الصادر عن وكالات المخابرات الأمريكية، قال مكتب مدير المخابرات الوطنية إن داعش-خراسان "يكاد يكون من المؤكد أنه يحتفظ بنية تنفيذ عمليات في الغرب وسيواصل جهوده للهجوم خارج أفغانستان".
وفي وقت سابق من 2023 حذر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في تقرير له من أن تنظيم "داعش-خراسان" كان يخطط أو ينفذ "مؤامرات عملياتية" في أوروبا.
وقال المجلس إن سبعة أشخاص مرتبطين بالجماعة اعتقلوا في ألمانيا العام الماضي بينما كانوا يخططون لهجمات إرهابية شديدة التأثير، بما في ذلك الحصول على أسلحة وأهداف محتملة.
يعتقد الباحث في شؤون الجماعات المتشددة، محمد صفر أن "داعش ومن خلال هجوم موسكو أراد التأكيد على مواصلة النشاط، وإيصال فكرة وجود الشبكات التي تصل سوريا بتركيا بروسيا وأيضا أوكرانيا".
ومن الواضح أن لديه الآن "شبكات" ولا يمكن القول إن نشاطه قائم على استراتيجية "الذئاب المنفردة"، كما كانت تذهب الترجيحات في السابق، وفق صفر.
ويضيف لموقع "الحرة": "العمليات الكبيرة التي تتجاوز الحدود لها ترتيب ودعم لوجستي ومالي وترتيب آخر على صعيد اختيار الأهداف"، وهو ما يقود إلى أن ما يحصل بعيدا عن أي قرار لمجموعة فردية.
ويوضح الباحث فرغلي أن داعش الآن بات ضعيفا في مركزه في إشارة إلى سوريا والعراق وقويا في "الولايات البعيدة".
ويقول: "المركز (في البادية السورية والحدود العراقية السورية) وبعض مناطق الشمال السوري. في هذه المناطق يتواجد على مستوى القيادات والعناصر لكن ليس مثل قوة الأفرع".
ويضيف: "سابقا كان قويا في مركزه وضعيفا في أفرعه.. الآن بات المشهد على العكس".
"استقطاب وتقديم غطاء"ورغم التقدم المطرد الذي أحرزته الدول الأعضاء بالأمم المتحدة في الحد من القدرات العملياتية لتنظيم داعش، لا يزال لديه والجماعات التابعة له القدرة على شن هجمات تسفر عن خسائر كبيرة في صفوف المدنيين وعن معاناة إنسانية، وفق تقرير أصدره الأمين العام للأمم المتحدة، في فبراير 2024.
وجاء في التقرير أيضا أن "تنظيم والجماعات المنتسبة له ظلوا يواجهون استنزافا في القيادة ونكسات مالية، ومع ذلك احتفظوا بقدرتهم على شن هجمات إرهابية والتخطيط لتهديد خارج مناطق عملياتهم".
ويشير الباحث صفر إلى أن "داعش تمكن خلال السنوات الماضية من استقطاب مجموعات في أفريقيا وأفغانستان في مسار لافت".
ويقول إن هذه المجموعات انضمت إليه "مقابل الغطاء الذي قدمه له بالإضافة إلى التمويل، وهو ما حصل بالنسبة لحركة بوكو حرام وتنظيم داعش – ولاية غرب أفريقيا".
وفيما يتصل بالموارد المالية للتنظيم، يشير تقرير الأمين العام الصادر في فبراير الماضي إلى أنها ما تزال تعتمد على السياق.
ويوضح أن "التنظيم في غرب أفريقيا واصل جمع الأموال محليا من الأنشطة الإجرامية بما فيها ابتزاز الصيادين والمزارعين وسرقة الماشية والاختطاف طلبا للفدية".
وبدأ مؤخرا في استكشاف الأنشطة الزراعية مثل الفلفل الأحمر في البلدان المجاورة لبحيرة تشاد.
وبرغم أن الدول الأعضاء أوردت زيادة في استخدام العملات المشفرة، إلا أن وسيلة المعاملات المالية الغالبة المستخدمة من جانب داعش والجماعات المنتسبة إليه ظلت تتمثل في حاملي الأموال النقدية والأنظمة البديلة للتحويل المالي (الحوالة)، وفق التقرير.
وظلت معظم الجماعات المنتسبة لداعش مستقلة ماليا، وقيل حسب التقرير الأممي إن "بعض هذه الجماعات تستعمل وسائل التواصل الاجتماعي لجمع الأموال عن طريق العملات المشفرة (العملات الرقمية)".
"روابط إيديولوجية"من متابعة نشاطات التنظيم يبدو واضحا أنها تراجعت إلى أدنى مستوياتها في العراق، وتقدمت بشكل واضح في سوريا عدديا وفي ولايات أخرى نوعيا، حسبما يوضح الباحث في شؤون الجماعات الجهادية، رائد الحامد.
ومن بين الولايات "خرسان" التي نفذت هجوم كرمان في إيران، وهجمات عدة في أفغانستان، وهجوم المركز التجاري في موسكو.
الحامد يرى في حديثه لموقع "الحرة" أن "هذه العمليات (النوعية) ورغم أهميتها وحجم التداعيات المترتبة عليها لا تعكس حجم انتشار أو التوزيع الجغرافي لمراكز ثقل التنظيم عدديا".
وذلك لأن "عمليات كبرى مثل هجمات كرمان وموسكو لا تحتاج للتنسيق والإعداد لها، بينما تتم عملية تنفيذها بأعداد محددة قد تقل عن عشرة أشخاص على صلة مباشرة وعملية بالهجمات"، حسب الباحث.
ويعتقد الباحث أن "ولاية الشام هي المركزية للتنظيم وهي الأكثر أهمية من باقي الولايات بما فيها ولاية العراق التي ينحدر من مدنها قادة الصف الأول منذ إقدام ابو بكر البغدادي على (تعريق) القيادة، وإعطاء غير العراقيين مواقع قيادية أقل أهمية في مركز القرار الممثل بمجلس الشورى ومن بعده اللجنة المفوضة".
ويشير إلى أن "حجم الانتشار في ولاية الشام هو الأكبر عدديا لعوامل أهمها أن سوريا دولة هشة أمنيا، وأن مساحات شاسعة من البلاد خارج سيطرة أي من القوى المحلية أو الإقليمية أو الدولية أو قوات النظام".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: السنوات الماضیة سوریا والعراق فی أفریقیا تنظیم داعش الباحث فی فی سوریا إلى أن بما فی
إقرأ أيضاً:
سيرة الفلسفة الوضعية (14)
المرحلة الثالثة - الفلسفة الوضعية
الشيخ: بيت آبائي وأجدادي مذ أقامه القطب الأول..
- أقيم بأموال المريدين كسائر العمارات الشاهقة في وسط المدينة.
- قاتل الله الحقد والحسد.
- انهما وقود الحق إذا اختل الميزان.
- وقودنا الحب وحده.
- ذلك يا سيدي أنك لم تذق عض الجوع ولا ضراوة الكدح ولا رهبة القوة الغشوم.
- اذن فهذه هي المسألة!
- المسألة؟!
- انكم تريدون نقوداً؟!
- بمعنى ما، ولكننا لا نريد رشوة.
- ماذا تريدون؟ صارحوني كما وعدتم.
- ليس في عقولنا مطالب أوضح مما نطقت به شكاوانا...
يريحنا أحياناً أن نطالب بنقيض ما هو قائم!
- لا يخلو كلامكم من خدر هو التمويه نفسه. حسن، إني أشم رائحة فوضوية!
- لا تهمنا الأسماء، وفي الوقت نفسه فهي لن تخيفنا.
- لعلكم تحلمون بالقتل؟
- القتل؟!
- بدأتم بالسخرية وستنتهون بالدم.
- أحلامنا تحوم حول هدف واحد هو التقدم...
الأسس الوجودية والمعرفية
تعتبر الواقعية بمثابة الأساس الأنطولوجي للفلسفة الوضعية. والواقعية تنظر إلى الواقع أو الي الوجود على أنه مستقل بذاته وخارجي عنا أو عننا هناك أي أنه موضوعي وجودياً. واستخدام مبادئ العلوم الطبيعية في دراسة الواقع الاجتماعي يعني، ضمنياً، الايمان بأن الحقيقة أيضاً قابلة للقياس. وتأثير هذا الجانب من الحقيقة على دور الباحث هو تأثير المراقب والمشاهد.
الباحث والوجود الذي يسعى الباحث إلى دراسته، كلاهما مستقلان عن بعضهما البعض. والحقيقة دائماً "موجودة"، ولكنها منفصلة عنه أي عن الباحث، ولذلك نقول عنها موضوعية، بعيدة عن ذات الباحث عنها أو الدارس لها، ويمكن لهذا الباحث اكتشافها باستخدام المنهج العلمي دون ربط كيانه بكيانها أو ذاته بذاتها أو يتوحدان في بعضهما البعض أي لا يكون هناك حلوليه في بعضهما البعض.
وقد وجد كروتي Crotty (1998) وفي الوقت المناسب تماماً، هذه الرابطة التي تربط الباحث بالواقع أو بالوجود في هذه الحروف التاليات:
"الشجرة في الغابة هي شجرة، بغض النظر عما إذا كان أي كائن آخر مدرك لها أو مدرك لوجودها أو على علم بوجودها أم لا. ككائن من هذا النوع، فإنه يحمل المعنى الجوهري للشجرة، تلك النبات في نوعها. وعندما يتعرف عليها البشر على أنها شجرة، فإنهم ببساطة يكتشفون معنىً كان موجوداً، وكان في انتظارهم طوال الوقت."
لذا، فإن الواقع أو الحقيقة موجودة بالفعل هناك، هناك في الخارج، ويتطلب من الباحثين اكتشافها "هذه الحقيقة" كما تبدو، وكما تعرض هي نفسها، وأيضاً لابد أن نعرف بأن الباحثين ليسوا مُنشئين للمعني أو لمعناها كشيء أو ككائن موجود، ولكنهم فقط مكتشفون لمعنى موجود بالفعل.
تم تطبيق كلمة الموضوعانية أو الموضوعية لشرح وتفسير هذه العلاقة المحايدة الموضوعية والمنفصلة وذاك الجوهر المستقل والخارجي للواقع أو للحقيقة أو للوجود. وتشكل هذه الموضوعية أيضاً الأساس المعرفي لهذه الفلسفة الوضعية.
الوضعية من حيث المكونات الأساسية الأربعة للنموذج
وهكذا، من حيث المكونات الأساسية الأربعة للنموذج، لنموذج الفلسفة الوضعية،
• يقال إن نظريتها المعرفية موضوعية،
• ويقال بأن واقعها الأنطولوجي "بسيط"،
• وعن منهجيتها بأنها تجريبية،
• وبديهياتها خيرية أو منفعية.
مرة أخرى، يجب أن يساعد تفريغ كل عنصر من هذه العناصر الباحث أو الدارس على فهم هذا النموذج بشكل أفضل وبشكل أمثل وبشكل أكثر من رائع.
وتؤمن نظرية المعرفة الموضوعية أن الفهم البشري يمكن الوصول إليه من خلال تطبيق واستعمال المنطق والعقل. ويظهر جلياً بأنه من خلال الدرس والدراسة، يمكننا الحصول على المعرفة، والتي تقترب تدريجياً من الطبيعة الحقيقية لما نفحصه ولما ندرسه. بمعنى آخر، يمكن أن يساعد البحث في اكتساب الفهم وفي زيادته كذلك، ويجعلنا أكثر موضوعية وحيادية في فهم العالم الذي نعيش فيه ونلهو ونلعب بين ذراعيه وفي أحضانه.
يفترض علم الوجود الملاحي الواقعي بقبول المعتقدات الخمسة التالية:
• وجود عالم مادي.
• يمكن معرفة بعض العبارات والتفسيرات المتعلقة بهذه الأشياء بأنها حقيقية من خلال التجربة الحسية.
• هذه الأشياء موجودة، سواء تم إدراكها أم لم يتم إدراكها. ويُفترض أن تكون كائنات الإدراك أو الكائنات المدركة مستقلة في الغالب عن الإدراك نفسه.
• يمكن أن تحتفظ هذه الكائنات بخصائص الأنواع التي نراها تتمتع بها، حتى عندما لا يتم ملاحظتها أو مشاهدتها. بمعني أن ميزاتها مستقلة عن الإدراك.
• من خلال الحواس، نفهم العالم بشكل مباشر، وكما هو بالضبط إلى حد كبير جداً. وفي الأساس، رغباتنا في الحصول على المعرفة مبررة ولها ما يبررها.
يعني مكون المنهجية التجريبية أن البحث سيشمل استخدام متغير واحد لتحديد ما إذا كانت التغييرات في هذا المتغير تؤدي إلى تغييرات في متغير آخر. المتغير السابق يسمى المتغير التوضيحي أو المتنبئ، والمتغير الأخير يسمى المتغير الموضح أو المتغير التابع.
ولا يمكن تطبيق هذه المنهجية إلا إذا استطعنا التحكم فيما سيحدث للمتغيرات أو المشكلات التي نتحرى عنها أو تلك التي ندرسها. ويتسلح الدارسين بهذا الضبط او بهذا التحكم ويساعدهم في عملية اختبار الفرضيات ومن ثم قبولها أو رفضها. تنسب المنفعة البديهية (The beneficence axiology) إلى الشرط الأساسي الذي يجب أن تهدف جميع الدراسات إلى تحقيقه من نتائج غنية وجيدة له:
• مشروع البحث،
• الإنسانية بشكل عام،
• المشاركون في البحث
كما يتضمن أيضاً حرص البحث على تجنب أو على الأقل تقليل أي خطر أو ضرر أو خطأ قد يحدث أثناء البحث وخلال الدراسة.
كيف يمكن تعريف الفلسفة الوضعية؟
تعتبر الفلسفة الوضعية بمثابة مفهوم يشكل اتجاهاً فلسفياً موجهاً نحو العلوم الطبيعية. وهي تحاول الحصول على نظرة مشتركة للكون أو للوجود (الأحداث المادية والبشرية)، من خلال استخدامات التقنيات وتوسيع النتائج التي اكتسبت من خلالها العلوم الطبيعية مكانتها المثالية في دنيانا المعاصرة.
منهجياً، يُفهم المفهوم الإيجابي أو الوضعي كمفهوم معارض جدلياً للتجريدات الميتافيزيقية للفلسفة التقليدية التي سبقته في المراحل.
فالوضعية هي فلسفة العلم أو فلسفة العلوم. إنها طريقة فلسفية أكثر منها مجرد نظرية. إنها تلك الفلسفة التي تؤمن بأن تناول تفسير الكون يعتمد على التجربة الإنسانية المحضة. وتؤكد على استخدام المنهج العلمي للعلوم الطبيعية في دراسة العالم الاجتماعي.
وتهتم الفلسفة الوضعية باستخدام المنهج العلمي المستخدم من قبل علماء الطبيعة وعلماء الاجتماع في معرفة السلوك البشري. ويمكن أن تعود فكرة الفلسفة الوضعية إلى بيكون (Bacon) وبيركلي (Berkeley) ولوك (Locke) وهيوم (Hume).
قبل "كونت"، أوصى القديس سيمون (Simon) أيضاً بهذه الفلسفة الوضعية. واقترح إعادة الهيكلة العلمية للمجتمع وتعزيز العلم، حيث كان يعتقد أن النمو او التنمية مبنية عليها. إن فكرة الوضعية المقدمة في شكل جنيني في ذهن القديس سيمون ومن بعده كونت وسعت هذه الفكرة وأغنتها.
لقد جلبت لنا الفلسفة الوضعية ثورة عظيمة أو نهضة مشهودة في مجال العلوم الاجتماعية. لقد وحدت الإيمان بالتقدم، والشغف بمساعدة ولمساعدة الإنسانية. إنها تعتمد على فكرة أن البحث العلمي للتاريخ من شأنه أن يُظهر طريقة علاج أمراض المجتمع وتمضيض وتطبيب جراحه المثخنة. لقد حدد أو عرف العديد من الأفراد ومن الأشخاص الفلسفة الوضعية على مر السنين وعلى مر الدهور، فعلى سبيل المثال، هم يشيرون إلى أن الوضعية تتضمن عقيدة أو مذهب من أربع قواعد:
1. قاعدة الظواهر التي تؤكد وجود التجربة الوحيدة؛ ويجب رفض كل التجريدات سواء كانت "جوهرية" أو كانت "روحية".
2. قانون الاسمية - الذي يؤكد أن الكلمات والتعميمات والأفكار هي ظواهر لغوية ولا تمنح مقاربة جديدة للعالم؛
3. فصل الحقائق عن القيم.
4. وحدة التقنية العلمية.
ويُعرّفها كل من بوريل ومورجان (Burrell and Morgan) (1979) على أنها نظرية المعرفة "التي تسعى إلى توضيح وتخمين ما يحدث في العالم الاجتماعي من خلال البحث عن الانتظام (تكرار حدوث الظاهرة) وعن العلاقات السببية بين العناصر المكونة له أي لهذا العالم الاجتماعي."
وتسمح لنا الأنماط المتباينة للدراسة بإدراك ظواهر متعددة ولأسباب متنوعة. وتعتمد المنهجية المختارة على ما يحاول ويجتهد المرء في القيام به، بدلاً من الالتزام بنموذج صارم محدد لا حياد عنه. لذلك، يجب أن تتماشى المنهجية المستخدمة مع الظاهرة الصارمة قيد الدراسة. قد تنطوي الظواهر المختلفة على استخدام منهجيات فريدة مميزة. ومن خلال التركيز على ظاهرة الاهتمام، بدلاً من المنهجية، والباحثين يمكنهم اختيار المنهجيات المناسبة لاستفساراتهم بأنفسهم.
... وللسيرة سلسلة متتابعة من الحلقات...
bakoor501@yahoo.com