جريدة الرؤية العمانية:
2025-01-30@21:36:13 GMT

كُن محسنًا يُحسن الله إليك

تاريخ النشر: 27th, March 2024 GMT

كُن محسنًا يُحسن الله إليك

 

 

خليفة بن عبيد المشايخي

khalifaalmashayiki@gmail.com

 

 

يتطلع كل منَّا في هذه الحياة الدنيا إلى أن يتحقق له كل شيء، إلّا أن ذلك غير ممكن؛ فالممكن أن لا تكون ناقمًا ولا ساخطًا ولا بخيلًا ولا متكبرًا ولا متغطرسًا؛ بل متوازنًا ومعتدلا في كل شيء ومنها نظرتك للأشياء ولعباد الله تعالى، وإذا ما علمنا بأنَّ الله تعالى قال "وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ" (البقرة: 155).

ومع ذلك، يجب أن نكون مع من حلَّ به هذا الابتلاء خاصة الخوف والجوع ونقص الأموال والثمرات، وهذه الأمور هي من أساسيات وضروريات الحياة، واستقرار ووجوب ووجود وحدوث الأمن المجتمعي والنفسي والأسري والفردي، ومن الإحسان أن نكون مع الصابرين ومع من هم في الابتلاءات، وذلك في دفع الضر والسوء عنهم، وفي الدفع بملماتهم ومشاكلهم وقضاياهم، والتفريج عنهم والتخفيف ما استطعنا إلى ذلك سبيلا ولو باليسير.

وإذا كانت هذه الدنيا ممر ومعبر للآخرة، فإنه لا يجب أن تكون غاية؛ بل يجب أن نتخذها وسيلةً إلى وصولنا إلى الجنة التي حتى الوصول إليها، يحتاج إلى جهد كبير ومشقة وتعب ومجاهدة، فيقول الله تعالى: "أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ" (البقرة: 2014).

استمعت إلى محاضرة في الجامع القريب لمسكني الذي أصلي به دائمًا، فقال الدكتور المحاضر كلامًا عجيبًا وكأنني اسمعه لأول مرة، وهو أننا حينما نُبعث من قبورنا سنبقى في أرض المحشر 500 ألف سنة ننتظر فقط بدء الحساب، واليوم الواحد هنا في الدنيا يساوي 24 ساعة، بينما هناك في الآخرة، يساوي ألف سنة مما نعد. أي أن ألف سنة من عدنا ووقتنا الدنيوي في هذه الحياة الدنيا، تساوي في الآخرة يوماً واحدًا فقط.

فحقيقة هذا كلام مخيف، أن نبقى في أرض المحشر سنوات طويلة جدا يتصبب العرق منَّا كل بحسب ذنوبه وأعماله ونحن عراة، فمنا من يغرقه عرقه، فلا إله إلا الله.. لا إله إلا الله، هل من مُعتبر وواع وسامع.

أخي الكريم.. ما تقدم ذكره فهو حقيقة، فكيف نكون في تلك الوقفة الطويلة أنا وأنت آمنين فرحين، يظلنا الله تعالى بظله يوم لا ظل إلا ظله؛ فالحال إذن يحتاج إلى عمل كبير، وها نحن قد مضى من شهرنا شهر الصوم نصفه، فماذا قدمنا وعملنا وفعلنا فيما مضى منه.

إنَّ الحديث عن أهمية الاستقامة والصلاح يكثر في مواطن ومجالس كثيرة، وينشغل كثيرون منَّا بالعمل الدنيوي ورغبة التميز فيه، على حساب التقوى والصلاح والاستقامة، متجاهلين الكثير والكثير من الأمور والأعمال والأقوال والأفعال عمدا، فذهبوا بأعمارهم وأضاعوها فيما لا فائدة منه لهم بعد موتهم. والصلاح لا يعني الصلاة فقط، فهناك أمور إن لم يأتِ بها الإنسان فأعماله لا ترفع، كالعاق لوالديه والمخاصم لجاره أو لأخيه المسلم.

إنَّ شهر رمضان الفضيل أفضل الشهور عند المسلمين، ولذلك لما فيه من الخير، وقيل لو نعلم ما فيه من الخير لتمنيناه سنة.

لقد انتصف الشهر ولا نعلم ما إذا كنَّا سنلاقيه في العام القادم أم لا، فالحديث عن الناس في الجروبات يعتبر غيبة ونميمة وبهتاناً، والحش في خلق الله وأعراضهم وتأليف كلام مزور عنهم لا يستند إلى حقيقة، أمور تجلب سخط الله وغضبه.

ومن المؤسف أنه يسود بعض المجموعات الإنترنتية والواتسبية وغيرها، أحاديث باطلة فيها نميمة وغيبة وافتراء على النَّاس، ويحدث ذلك ونحن في هذا الشهر الفضيل، ويتحدث كثيرون عن الناس وأعراضهم وأخلاقهم و.. و.. و.. دون أدلة وبراهين وحقائق، وحتى مع وجود ذلك فالحديث عنهم من ورائهم غيبة وبهتاناً، فإذا يتم ذلك ونحن في هذا الشهر الفضيل، فكيف يكون الحال في غيره من الأشهر.

إن الخير الذي به نحن من عند الله تعالى، وخير الناس أنفعهم للناس، ففك الكرب من الأعمال النبيلة، ودفع الضر عن الناس من شيم الرجال ومن شيم وعادات الإنسان الصالح التقي الطيب الشهم الشاكر لله تعالى والمقر بضعفه وذنبه وفقره له والصيام جنة وتهذيب للنفس وجعلها غير متكبرة ولا متعالية على خلق الله تعالى.

بقي من الشهر الفضيل في حدود أسبوعين، وسينصرف الناس فيهنَّ إلى الاستعداد للعيد، وسيخف الاهتمام وسيتلاشى ذاك الجهد والحماس، بينما هنالك أسر سيخيم عليها الحزن والأسى بسبب عدم مقدرتهم على توفير متطلبات العيد لأبنائهم ولأسرهم ومن يعولون، ونتمنى عدم نسيانهم أو تطنيشهم أو تجاهلهم، فهم محسوبون علينا، وذلك من منطلق المال مال الله، ونحن مؤتمنون فيه وعليه، فحينما رزقنا الله تعالى المال والخيرات والرزق الكثير الوفير، تأكد وتذكر بأنك ليس أفضل منهم، بل هو قانون الله وحكمته ومشيئته، فالله الله فيهم وفي أؤلئك الذين في السجون بسبب المطالبات المالية.

وفقكم الله تعالى والله نسأله حسن الخاتمة وأن يثبت قلوبنا على دينه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ومن جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء، ومن زوال نعمته وتحول عافيته وفجاءة نقمته وجميع سخطه.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الفرق بين سجود الشكر وصلاة الشكر

أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونة:"أرى بعض الناس يصلون ركعتين ويقولون: "أُصَلِّي لله ركعتي الشُّكْر"، فأرجو بيان هل هناك فرق بين سجود الشكر وصلاة الشكر؟". 

لترد دار الإفتاء موضحة: أن "سجود الشكر" سجدة واحدة يؤديها المسلم عند حصول نعمةٍ له ونزولها به، أو بأحد المسلمين، أو عند اندفاع نقمةٍ وانكشافها عنه أو عن غيره من المسلمين؛ حمدًا لله تعالى وشكرًا وثناء وتَعبُّدًا، وهي مشروعة من حيث كونها قُرْبةً؛ لا سيما وأنَّ الله تعالى أوجب على العبد أن يشكره سبحانه على عظيم نعمته عليه، وإذا كانت هذه السجدة مشروعة عند حصول سببها، فإنَّ المسلم إذا فعل ما هو أعلى منها رُتْبة في الفَضْل والأجر لكان حَسَنًا، كصدقةٍ أو صلاةٍ، لكن لا يُسَمِّي منها شيئًا بإضافته إلى الشكر، فليس هناك صلاة مخصوصة تُسَمَّى بصلاة الشكر، وإنما يُسَنُّ إمَّا سجود الشُّكْر بسببه، أو ما يقوم مقامه كصلاةٍ أو صدقة أو نحوهما مِن سائر الطاعات.

كيفية سجود الشكر وسببه وأدلته

سجود الشكر سجدة واحدة يؤديها المسلم عند حصول نعمةٍ له ونزولها به، أو بأحد المسلمين، أو عند اندفاع نقمةٍ وانكشافها عنه أو عن غيره من المسلمين؛ حمدًا لله تعالى وشكرًا وثناء وتَعبُّدًا.

وقد أوجب الله تعالى على العبد أن يشكره سبحانه على عظيم نعمته عليه، وقَرن سبحانه الذكر بالشكر في كتابه الكريم حيث قال: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ [البقرة: 152]، مع علو مكانة الذكر التي قال الله تعالى فيها: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: 45]، ووعد الله تعالى بنجاة الشاكرين من المؤمنين وجزائهم خير الجزاء حيث قال: ﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾ [النساء: 147]، وقال تعالى: ﴿وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران: 145]، وقال تعالى: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم: 7].

ولوجوب شكر نعمة الله تعالى على عباده شُرِعت سجدة الشكر عند حدوث نعمةٍ أو دفعِ بليةٍ، فعن أبي بكرة رضي الله عنه أنَّه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا جاء الشيء يُسَرُّ به خَرَّ ساجدًا شُكْرًا لله تعالى» رواه أبو داود، والترمذي -واللفظ له-، وابن ماجه في "سننهم".

وروى الإمام أحمد في "المسند" بسنده عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتوجَّه نحو صدقته، فدخل فاستقبل القبلة، فخرَّ ساجدًا فأطال السجود، حتى ظننت أن الله عز وجل قد قَبض نفسَه فيها، فدنوتُ منه فجلستُ، فرفع رأسه، فقال: «من هَذا؟»، قلت: عبد الرحمن، قال: «ما شأنك؟»، قلت: يا رسول الله، سجدتَ سجدةً خشيتُ أن يكون الله عز وجل قد قَبض نفسك فيها، فقال: «إنَّ جبريل عليه السلام أتاني فبشرني فقال: إن الله عز وجل يقول: مَن صَلَّى عليك صليتُ عليه، ومَن سَلَّم عليك سلمتُ عليه، فسجدت لله عزَّ وجل شكرًا».

وروى أبو داود بسنده عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مكة نريد المدينة، فلما كنا قريبًا من عَرْوَزا -بفتح أوله وسكون ثانيه وفتح الواو، هضبة الجحفة عليها الطريق بين مكة والمدينة- نزل فرفع يديه فدعا الله تعالى ساعة ثم خر ساجدًا فمكث طويلًا، ثم قام فرفع يديه ساعة ثم خر ساجدًا فمكث طويلا، ثم قام فرفع يديه قال: «إني سألت ربي وشفعت لأمتي فأعطاني ثلث أمتي، فخررت لربي شكرًا، ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي فأعطاني الثلث الآخر، فخررت ساجدًا لربي».

حكم سجدة الشكر والفرق بينها وبين صلاة الشكر

لهذه الأحاديث -السابقة- وغيرها ذهب الشافعية والحنابلة ومحمد وأبو يوسف من الحنفية -وعلى قولهما الفتوى في مذهب الحنفية- إلى أَنَّ سجدة الشكر من السُّنَن المستحبة، على خلافٍ بينهم وبين المالكية القائلين بالكراهة -في المشهور عندهم. ينظر: "رد المحتار" لابن عابدين (2/ 119، ط. دار الفكر)، و"حاشية الدسوقي على الشرح الكبير" (1/ 308، ط. دار الفكر)، و"مغني المحتاج" للخطيب الشربيني (1/ 447، و"الإنصاف" للمرداوي (2/ 200، ط. دار إحياء التراث العربي).

وسبب الخلاف بينهم نظرتهم لسجدة الشكر هل هي عبادة مقصودة أم لا؟ فمَن ذهب إلى قَصْديتها وكونها قُرْبة قال بسُنِّيَّتها، ومن نَظَر إلى عدم قَصْديتها وعدم كونها قُرْبة نَفَى السُّنِّيَّة، أو نَفَى المشروعية مطلقًا. وأيًّا يكن الخلاف: فإنَّ سجدة الشكر لا تخرج عن كونها مشروعةً، فالكراهة -عند مَن قال بها- وإن كان فيها اللومُ على الفعل والحَثُّ على عدم الإقدام عليه، إلَّا أنَّ الأصوليين نَصُّوا على أنَّها لا تخرج عن دائرة المشروعية، بمعنى عدم تَرتُّب الإثم الأخروي، والمعنى مِن ذلك أنَّ المسلم لا يَلْحقه الإثم في فِعْلها.

وإذا كانت هذه السجدة مشروعة عند حصول سببها، فإنَّ المسلم إذا فعل ما هو أعلى منها رتبة في الفضل والأجر، أو ضَمَّ إليها صلاة أو صدقة لكان حَسَنًا، لكن لا يُسَمِّي منها شيئًا باسم الشكر، أي: صدقة الشكر، أو صلاة الشكر، بل ينوي بهذا الفعل التطوع لله عز وجل على حصول سبب هذا التطوع من حدوث النِّعَم أو دفعِ البلايا، وهذا المعنى هو ما نَصَّ عليه الإمام محيي الدين النووي في "المجموع" (4/ 69، ط. دار الفكر) حيث قال: [لو تَصدَّق مَن تجدَّدت له النعمة، أو اندفعت عنه النِّقْمة، أو صَلَّى شكرًا لله تعالى كان حَسَنًا، يعني: مع فعله سجدة الشكر] اهـ.

وزاد ابن حجر الهيتمي في "تحفة المحتاج" (2/ 217، ط. المكتبة التجارية) على هذا المعنى أنَّه: [لو ضَمَّ للسجود صدقةً أو صلاةً كان أولى، أو أقامهما مقامه فحَسَنٌ] اهـ.

قال الشِّرْواني مُحَشِّيًا: [قد يوهم أنَّه ينوي بالصلاة الشكر، لكن في "ع ش" -حاشية الإمام الشبراملسي على نهاية المحتاج- خلافه، عبارته قوله: "أو صلاة"، أي: بنية التطوع، لا بنية الشكر؛ أخذًا مما ذَكَره في الاستسقاء من أنَّه ليس لنا صلاة سببها الشكر] اهـ.

الخلاصة
بناء على ذلك: فـ"سجود الشكر" سجدة واحدة يؤديها المسلم عند حصول نعمةٍ له ونزولها به، أو بأحد المسلمين، أو عند اندفاع نقمةٍ وانكشافها عنه أو عن غيره من المسلمين؛ حمدًا لله تعالى وشكرًا وثناء وتَعبُّدًا، وهي مشروعة من حيث كونها قُرْبةً؛ لا سيما وأنَّ الله تعالى أوجب على العبد أن يشكره سبحانه على عظيم نعمته عليه، وإذا كانت هذه السجدة مشروعة عند حصول سببها، فإنَّ المسلم إذا فعل ما هو أعلى منها رُتْبة في الفَضْل والأجر لكان حَسَنًا، كصدقةٍ أو صلاةٍ، لكن لا يُسَمِّي منها شيئًا بإضافته إلى الشكر، فليس هناك صلاة مخصوصة تُسَمَّى بصلاة الشكر، وإنما يُسَنُّ إمَّا سجود الشُّكْر بسببه، أو ما يقوم مقامه كصلاةٍ أو صدقة أو نحوهما مِن سائر الطاعات.

مقالات مشابهة

  • تأملات قرآنية
  • حكم قول "بلى" بعد قوله تعالى: ﴿أليس الله بأحكم الحاكمين﴾
  • «فيديو».. أستاذ بجامعة الأزهر يكشف سبب تعدد الطرق الصوفية
  • انتقدت أحمد زاهر.. ماجدة خير الله : مسلسل فقرة الساحر لا يشبه مخرجه
  • المقصود من الليلة في قوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}
  • آيات قرآنية عن شكر الله عز وجل
  • الفرق بين سجود الشكر وصلاة الشكر
  • منة الله محسن. رحلة ملهمة لرسامة موهوبة من ذوي الهمم
  • لماذا خلق الله البعض فقراء والآخر أغنياء؟.. الأطفال يسألون الإمام بمعرض الكتاب
  • الإسراء والمعراج