حسن صعب **

 

إن مبادرة الحزام والطريق، التي اقترحتها الصين في عام 2013، عبارة عن برنامج استثماري طويل الأجل عابر للقارات يهدف إلى تطوير البنية التحتية وتسريع التكامل الاقتصادي بين البلدان على طول طريق الحرير التاريخي. تسعى الصين عن طريق هذه المبادرة إلى تعزيز الاتصال الإقليمي واحتضان مستقبل اقتصادي أكثر إشراقا.

ومع ذلك، واجهت المبادرة العديد من التحديات والعقبات، وخاصة من الولايات المتحدة، التي تنظر إلى مبادرة الحزام والطريق باعتبارها مناورة استراتيجية لإعادة تشكيل توازن القوى العالمي لصالح الصين، وخاصة في المناطق المحورية مثل الشرق الأوسط.

إحدى العقبات المهمة التي قدمتها الولايات المتحدة أمام مبادرة الحزام والطريق الصينية في الشرق الأوسط هي التأثير الجيوسياسي القوي التاريخي والحالي الذي تتمتع به الولايات المتحدة على المنطقة. لعقود من الزمن، كان الشرق الأوسط ضمن المجال الاستراتيجي للولايات المتحدة، مدعوماً بترتيبات أمنية معقدة، وروابط اقتصادية، واتفاقيات دبلوماسية. فقد أنشأت الولايات المتحدة قواعد عسكرية، وعززت التحالفات، وحافظت على وجود عسكري لتأمين مصالحها، وخاصة تدفق النفط دون عوائق. إن إدخال مشاريع مبادرة الحزام والطريق يجلب تأثيراً منافساً إلى عتبة هذه المنطقة التي تهيمن عليها الولايات المتحدة.

ويشكل الشرق الأوسط منعطفا حاسما في مبادرة الحزام والطريق، فهو لا يوفر للصين طريقا للتجارة فحسب، بل وأيضا القدرة على الوصول إلى موارد الطاقة والأسواق. وبحسب تقرير معهد إنتربرايز الأمريكي لعام 2020، بلغت الاستثمارات والعقود الصينية في الشرق الأوسط من عام 2005 إلى عام 2020 ما يقرب من 197.8 مليار دولار. ويفصّل التقرير تركز الاستثمارات في دول مثل إيران والمملكة العربية السعودية ومصر وغيرها. ومع ذلك، فإن التنافس الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين يلقي بظلاله على هذه الاستثمارات، حيث تعمل الولايات المتحدة بنشاط على تثبيط حلفائها في المنطقة من الانخراط في مشاريع مبادرة الحزام والطريق. وقد أدى ذلك إلى تشديد التدقيق والرد على الاستثمارات الصينية، مثل حالة تأخير إسرائيل منح عقد لبناء محطة تحلية المياه سوريك 2، تحت ضغط أمريكي.

وتنشأ عقبة أخرى من اتهام الصين ب “دبلوماسية فخ الديون”، حيث تزعم الولايات المتحدة أن الصين تجذب الدول إلى الاعتماد على الديون من خلال القروض غير المستدامة. ومن الحالات التي يتم الاستشهاد بها على نطاق واسع ميناء هامبانتوتا في سريلانكا، والذي منح الصين، بسبب عجز سريلانكا عن سداد القروض الصينية، عقد إيجار للميناء لمدة 99 عاما. وهذه الرواية، سواء كانت دقيقة أو مبالغ فيها، جعلت دول الشرق الأوسط حذرة. وهو ينعكس في اليقظة المتزايدة وإعادة التفاوض بشأن مشاريع مبادرة الحزام والطريق، على سبيل المثال، من قبل دول مثل باكستان، حيث تم إعادة تقييم مشاريع مبادرة الحزام والطريق مثل الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان لضمان الاستدامة المالية.

علاوة على ذلك، تعرضت مبادرة الحزام والطريق لانتقادات بسبب تأثيرها البيئي. على سبيل المثال، يتعارض بناء محطات جديدة للفحم في الشرق الأوسط من قبل الشركات الصينية تحت مظلة مبادرة الحزام والطريق مع السياسات البيئية وأهداف تغير المناخ في العديد من الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة. إنه يمثل مفارقة حيث تعمل الولايات المتحدة على تشجيع خفض انبعاثات الكربون العالمية، في حين تمول الصين مشاريع كثيفة الكربون. ولا يشكل هذا الانقسام عقبة بيئية فحسب، بل يشكل أيضا عقبة دبلوماسية أمام مبادرة الحزام والطريق، التي كثيرا ما تتعرض للانتقاد لأنها تعطي الأولوية للنمو الاقتصادي على الاستدامة.

وفي المجال الأمني، أثار انتشار مشاريع مبادرة الحزام والطريق في الشرق الأوسط أيضًا مخاوف بشأن الأبعاد العسكرية. على سبيل المثال، فإن إنشاء الصين لأول قاعدة عسكرية خارجية لها في جيبوتي في عام 2017، بالقرب من أحد أكثر ممرات الشحن ازدحامًا في العالم، يمكن أن يوفر لها نطاقًا عسكريًا استراتيجيًا كبيرًا، مما يثير قلق المصالح الأمريكية في المنطقة. تنظر الولايات المتحدة إلى مثل هذه التحركات باعتبارها تطويقًا استراتيجيًا، وقد استجابت ببذل المزيد من الجهود الدبلوماسية لتعزيز تحالفاتها، والتي تجسدت في اتفاقيات أبراهام، لمواجهة النفوذ الصيني.

ومن المهم أيضًا أن ندرك أنه على الرغم من أن الولايات المتحدة تضع عقبات أمام مبادرة الحزام والطريق الصينية، فإنَّ دول الشرق الأوسط المشاركة ليست جهات فاعلة سلبية. وهم غالباً ما يتنقلون بمهارة بين المصالح الأميركية والصينية، ويستفيدون من موقفهم لانتزاع أقصى قدر من الفوائد من كلتا القوتين. ويتجلى هذا بوضوح في النهج المتوازن الذي اتبعته المملكة العربية السعودية، والذي رحب أيضًا بالاستثمارات الصينية في إطار مبادرة الحزام والطريق، رغم احتفاظه بعلاقة دفاعية طويلة الأمد مع الولايات المتحدة.

تطرح الولايات المتحدة تحديات متعددة الأوجه لمبادرة الحزام والطريق في الشرق الأوسط. ومن الخلافات الجيوسياسية الاستراتيجية، والاتهامات بدبلوماسية فخ الديون، والمخاوف البيئية، إلى المخاوف الأمنية، فإنَّ هذه العقبات كبيرة. وفي حين جلبت مبادرة الحزام والطريق استثمارات كبيرة إلى الشرق الأوسط، فإنَّ التنافس الجيوسياسي المتنامي مع الولايات المتحدة قد يجبر البلدان المتلقية على الإبحار في مسار محفوف بالمعضلات الاستراتيجية. وسوف تعتمد مبادرة الحزام والطريق إلى حد كبير على خفة الحركة الدبلوماسية التي تتمتع بها الصين، والاستجابات الاستراتيجية للولايات المتحدة، والمواءمة الحسابية لدول الشرق الأوسط مع مصالحها وتحالفاتها المتغيرة. وبالتالي فإن مستقبل مبادرة الحزام والطريق في المنطقة يعتمد على توازن غير مستقر بين المصالح الجيوسياسية والضرورات الاقتصادية.

 

** باحث لبناني

** يُنشر بالتعاون مع مركز الدراسات الآسيوية والصينبة

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

قمة فوربس الشرق الأوسط للمرأة تكرّم داليا خورشيد

 كرّمت قمة فوربس الشرق الأوسط للمرأة، التي أقيمت في العاصمة السعودية الرياض، داليا خورشيد، الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لشركة بلتون القابضة، تقديرًا لدورها البارز في قطاع الاستثمار وقيادة شركة بلتون القابضة محققةً نمواً ونجاحاً ملحوظاً. جاء التكريم ضمن نخبة من القيادات النسائية المبدعة التي اختتمت مشاركتها في القمة.

انعقدت النسخة الثانية من قمة فوربس الشرق الأوسط للمرأة 2024 في الفترة من 18 إلى 19 ديسمبر، بحضور سمو الأميرة دعاء بنت محمد، والدكتورة أسيل العمار، مديرة مركز سارة السديري لدراسات المرأة، والسيدة خلود العميان، الرئيسة التنفيذية ورئيسة تحرير فوربس الشرق الأوسط، إلى جانب عدد كبير من رائدات الأعمال وقادة الفكر والمؤثرين من مختلف أنحاء العالم.

تقديرًا لمسيرتها المهنية المتميزة، تم اختيار داليا خورشيد للمشاركة في الجلسة الافتتاحية للقمة بعنوان "اكتشاف عقلية المستثمر"، والتي جمعتها مع نخبة من القيادات النسائية المؤثرة. تناولت الجلسة موضوعات محورية شملت تأمين التمويل وبناء علاقات فعّالة مع المستثمرين، في ظل التحولات السريعة التي تشهدها منطقة الخليج العربي.

شارك في الجلسة كل من أمل دخان، الشريك الإداري في Global 500، وهدى اللواتي، المؤسسة والرئيس التنفيذي لشركة ألفا كابيتال، وأدارت الحوار الإعلامية سالي موسى، مقدمة البرامج في فوربس الشرق الأوسط.

في عام 2024، تم اختيار داليا خورشيد ضمن قائمة "أقوى الرؤساء التنفيذيين في الشرق الأوسط - 100 قائد أعمال" كالسيدة المصرية الوحيدة في القائمة. كما كرّمتها مجلة فوربس الشرق الأوسط بإدراجها ضمن قائمة "الاستدامة في الشرق الأوسط لعام 2024" عن فئة التمويل الأخضر، تقديرًا لجهودها في تقليل الانبعاثات الكربونية وتعزيز الشراكات الموجهة لتحقيق الاستدامة.

تعد قمة فوربس الشرق الأوسط للمرأة واحدة من أبرز الفعاليات التي تحتفي بدور المرأة في مختلف القطاعات، وتعكس التزام القيادات النسائية في المنطقة بمواصلة الريادة وإحداث تأثير إيجابي في مجتمعاتهن.

شهدت القمة مشاركة سمو الأميرة الدكتورة مشاعل بنت محمد بن سعود آل سعود، رئيسة مجلس إدارة جمعية السلياك، والسيد رشاد إمبابي، المدير العام لشركة بورشه السعودية، وقسورة الخطيب، رئيس مجلس إدارة UTURN Webedia  Group.كما حضر عدد من الشخصيات البارزة في مجالات الفن والرياضة، مثل الفنانة ساشا دحدوح، الممثلة نور الشيخ، الرياضية يارا الحقباني، ورائدة الأعمال والمظلية السعودية الأولى رزان العجمي، مالكة Saudi Skydive Agency، التي قدمت حضورًا ملهمًا في القمة.

مقالات مشابهة

  • ترامب: سأنهي الفوضى في الشرق الأوسط وحرب أوكرانيا وأمنع اندلاع حرب عالمية ثالثة
  • ترامب: سأوقف الفوضى في الشرق الأوسط وسأمنع اندلاع حرب عالمية ثالثة
  • ترامب: سأوقف الفوضى في الشرق الأوسط والحرب بأوكرانيا
  • نظام إسرائيلي في الشرق الأوسط
  • مسؤل صيني : مصر من أوائل الدول التي دعمت مبادرة الحزام والطريق
  • قمة فوربس الشرق الأوسط للمرأة تكرّم داليا خورشيد
  • ماذا دار في أول لقاء رسمي بين الولايات المتحدة والشرع؟
  • الشرع: أعدنا المشروع الإيراني 40 سنة إلى الوراء
  • WP: نظام جديد بدأ بالتشكل في الشرق الأوسط.. هؤلاء الرابحون
  • بعد 5 سنوات من رصده.. الولايات المتحدة تعلن القضاء على "الدبور القاتل"